سودانايل:
2025-01-16@06:50:07 GMT

تلافيف محنتنا المزمنة

تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT

بقلم عمر العمر

على الرغم من انبثاق الحركة الوطنية السودانية قبل غيرها في افريقيا وأسبقهن في الفوز بالاستقلال، إلا أنها لم تبرأ بعد من متلازمتين مزمنتين منذ مرحلة الطفولة المبكرة؛ التشظي والتعلق بالخارج. كما أنها ظلت تقاسي معضلتين بيئيتين؛ تباين قومياتها تباين تضاريس بلدها الجغرافية وتعرض بنيانها السياسي لعدوان عنف البادية في فترات متباينة منذ تدمير ممالكها في القرن الرابع عشروالسادس عشر.

تلك الرزايا جعلت عملية التعافي الذاتي ثم الإصلاح العام مهمتين عصيتين عالقتين فوق رؤوس الطبقة السياسية من الأجيال المتعاقبة. كذلك معضلة أخرى ،فمع أن العاطفة الإسلامية لعبت دورا في إذكاء الروح الوطنية إبان النضال المهدوي إلا أنها تحولت لاحقا إلى إسفين تشقيق في قاعدة النضال الوطني.
*****

من صدف التاريخ أن الاستعمار التركي لم يكن منتج ويلات فقط . فمن غير الممكن إنكار انجازه دولة موحدة وضعت لبنات جهاز إداري أفادت منه الدولة المهدية. لكن من مفارقات التاريخ أن الدولة الوطنية الاولى ألحقت أضرارا ماحقة بقطاعات واسعة من السودانيين . حتى إذا ما نجح الاستعمار البريطاني في تصفية دولة الخليفة التعايشي تفشى قدر من الارتياح بين تلك القطاعات. لعل أبرزها زعماء الطوائف، رؤوس قبائل ، كما الشيوخ ،العلماء بالاضافة إلى الطبقة الوسطى من سكان المدن المتحررة من ممارسات عنف البادية القادم في ظل القبائل الزاحفة من الغرب فعودة الصفوة إلى مواصلة انفتاحها على الثقافة الغربية.
*****

لعل هم البريطانيين ارتكز في مهمة الفتح على صد فرنسا عن التوغل في السودان(فاشودة) أكثر من ردهم المستعمرة إلى مصر وقد تحمّلت عبء التمويل والتجييش.كما استأنفت سلطة الاستعمار البريطاني من حيث انتهى الأتراك . لكن الصفوة السودانية لم تتخل وهي تواصل انفتاحها على الثقافة الأجنبية عن مشاعرها الوطنية .غير أنها علقت في التشظي إذ طغى ولاؤها المقسم بين بريطانيا ومصر على مهمة غرس ،بث وتكريس الروح القومية.منذ تحليق(جمعية الاتحاد السوداني) في الفضاء السياسي الوطني ظلت كل الاحزاب السودانية في حالة تناسل اميبي ،ولا تزال.جمعية الاتحاد بقيادة عبيد حاج الامين نشأت في العام ١٩٢٠ انشطرت في مهدها جناحين ؛احدهما سياسي يتبنى العمل االعلني والآخر ثقافي ينحو إلى السرية. لعل أول مظاهرة شهدتها العاصمة المثلثة في ١٩ يونيو ١٩٢٤تعكس وله أبكار الحركة الوطنية بالخارج أذ كان شعارها (تحيا مصر).!فثمة قطاع سوداني آخر مناهض ميال للتعاون مع بريطانيا.
*****

من جينات وأعراض التشظي نشوء الحركة الوطنية على ثلاثة محاور ؛ جماعة الفجر ونادي الخريجين في ام درمان، والجمعية الأدبية بودمدني. هذا المثلث زادت أضلاعه وتباعدت مع الأحداث دون التوجه لجهة التقارب بغية تشكيل كتلة وطنيةموحدة البتة.ربما يتساءل المرء عن حال ذلك الجيل فيما لو لم يكن محظوظا بوجود جورج سايمنز الحاكم العام وقتئذٍ وماتمتع به من حنكةسياسية وادارية!والسيد عبد الرحمن المهدي بكل ثقل هيبته،نفوذه وطموحه؟ كلاهما ساهما دون تلاق- كل من منطلقه و لغاياته - في توفير بيئة ملائمة مشجعة على بلورة مؤتمر الخريجين وعاء لحركة وطنية. غير أن هذه الحركة الوليدة لم تنج من متلازمة الوله بالخارج إذ تنازعت مصر وبريطانيا ولاء أعضائها فسقطت الحركة برمتها في فخاخ التشظي.
*****

الردة من الدولة الوطنية في العام ١٨٩٨ أدخل السودان بأسره في حالة تنازع بين مصر وبريطانيا على نحو متشعب . تلك حالة زادت من ارتباك صفوة الافندية على درب العمل الوطني.لذلك جاءت مقالات حسين شريف (السودان للسودانيين) معلما فكريا بارزا في تاريخ الحركة السياسية حسب توصيف الدكتور العالم جعفر محمد علي بخيت،ملأ الله قبره بالنور والمغفرة.فتلك المقالات توجهت إلى استنهاض الروح القومية . في كتيب دكتور بخيت المعنون( الادارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان)جهد باحث منقب راصد صبور ثاقب الرؤية في تتبع ودراسة تشكل الحركة السياسية وعناصر تنازعها الذاتية في ظل السلطة الاستعمارية وانعكاساتها عليها سلبا وإيجابا .كما ترصد الدراسة تأثيرات الارستقراطية الطائفية في الاتجاهين على قوى الحراك الوطني.
*****

لو توسم أحد الباحثين منهج دكتور بخيت في متابعة رصد مسار الحركةالسياسية المعاصرة منذ فجر الاستقلال لوجدها لاتزال مثقلة بأمراض مرحلة الطفولة و النشوء عاجزة عن تشكيل جبهة وطنية موحدة،مهجوسة بوله الخارج حد ترقبه يأتي إليها د وماً بحلول لأزمات الوطن ولو كانت بصنع أيديها. محنة الحركة السياسية انها خلت إلا شحيحا من المساهمات الفكرية.أسوأ من ذلك لم ينصب جهد الجائلين فيها على الركض في المضمار السياسي دون بوصلة عقلانية فقط بل ظل جل تركيزهم على المناصب والمكاسب الضيقة.هذا القصور الفكري أفضى بدوره إلى تغييب ثقافة الحوار. مما زاد الأزمة استحكاما اعتصار قبضة الأنظمة العسكرية المتعاقبة ماتبقى من فرص بناء تنظيمات سياسية تتحصن بالحد الأدنى بشروط العمل الوطني البناء.
*****

كأنما توارثت القوى السياسية جينات هذه المحنة إذ لاتزال قياداتها غير قادرة على تكريس ثقافة الحوار، لا تزال عاجزة عن انتاج أدب سياسي منير ،لا تزال تمارس التشظي الأميبي ،من ثم ضاعت أدوات ومنابر العمل الجماعي الناجح وبالتالي غاب وجود كتلة وطنية موحدة تستهدي بمشروع وطني شامل.بل لا تزال قيادات العمل السياسي تنتظر انفراجات وحلولا ترد من الخارج. حتى في سياق هذا الوله المزمن لا يزال لكل وجهة موليها في المحيط الإقليمي أو على الصعيد الدولي.

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة الوطنیة لا تزال

إقرأ أيضاً:

البرلمان العربي يثني على تجربة المجلس الوطني الاتحادي

أعرب المستشار كامل محمد فريد شعراوي، الأمين العام للبرلمان العربي، عن شكره وتقديره للدكتور عمر عبد الرحمن النعيمي، الأمين العام للمجلس الوطني الاتحادي، على الدعوة الكريمة التي تعكس حرص الجانبين على تعزيز التعاون وتبادل الخبرات في سبيل دعم العمل البرلماني العربي المشترك.

وأشار المستشار شعراوي إلى أن هذه الزيارة تُعد فرصة مهمة للاطلاع على أفضل الممارسات التي تعتمدها الأمانة العامة للمجلس الوطني الاتحادي، مؤكداً أنها تمثل نموذجاً ملهماً في تطوير الأداء البرلماني بما يسهم في تعزيز مكانة العمل البرلماني على المستويين الإقليمي والدولي. كما أكد تطلعه إلى تحقيق المزيد من التعاون والتنسيق بين المؤسستين لتعزيز كفاءة العمل البرلماني العربي وتحقيق الأهداف المشتركة.

من جانبه، أثنى الدكتور عمر عبد الرحمن النعيمي على الدور البارز الذي يقوم به البرلمان العربي في دعم القضايا العربية وتعزيز التعاون البرلماني على المستوى الإقليمي والدولي. وشدد على أهمية تبادل الخبرات والتجارب بين الأمانتين العامتين للمجلس الوطني الاتحادي والبرلمان العربي بهدف تطوير آليات العمل البرلماني وتحقيق المزيد من التقدم.

وعقب الاجتماع، قدّم الأمين العام للمجلس الوطني الاتحادي برفقة الأمناء المساعدين ومدراء الإدارات عرضاً تقديمياً شاملاً تناول أبرز الممارسات التي تتبناها الأمانة العامة للمجلس. شمل العرض آليات إدارة الجلسات وتطوير الدراسات والبحوث البرلمانية، بالإضافة إلى توفير الدعم الفني والتقني للجان البرلمانية وأعضاء المجلس.

كما تم تسليط الضوء على استخدام تقنية المعلومات في خدمة العمل البرلماني، وإدارة الشؤون الإدارية والمالية وشؤون الموظفين، إلى جانب استعراض رؤية "البرلمان الذكي" التي ترتكز على الكفاءة، والابتكار، والتمكين الرقمي المستدام.

حضر اللقاء من الأمانة العامة للبرلمان العربي الدكتور ياسر كاسب، مدير إدارة الشؤون البرلمانية، والسيد تامر فاروق، مدير إدارة الشؤون الإدارية والمالية والموارد البشرية.

اقرأ أيضاًالبرلمان العربي يهنئ جوزيف عون بانتخابه رئيسًا للبنان

البرلمان العربي يرحب بالقرارات الأممية لصالح الشعب الفلسطيني ويطالب بتطبيقها

مقالات مشابهة

  • رئيس الحركة الوطنية: جهود مصر في وقف إطلاق النار تؤكد دورها التاريخي
  • «الحركة الوطنية»: جهود مصر لوقف إطلاق النار بغزة تعكس ريادتها الإقليمية
  • في الاقتصاد السياسي لاستلاب المزارعين ما وراء (التنزيح) في الجزيرة (٢-٣)
  • اللجنة السياسية للكتلة الديمقراطية تعقد اجتماعا ببورسودان لمخاطبة قضايا الراهن السياسي والحل الوطني
  • الحركة الوطنية يدشن سلسلة قوافل طبية ومعارض سلع غذائية
  • ‏حماس تقول إن قادة فصائل فلسطينية أكدوا خلال اتصالات مع قيادة الحركة ضرورة الاستعداد الوطني العام لمتطلبات المرحلة المقبلة
  • علينا العمل معاً لإعلان الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني تنظيمًا إرهابيًا
  • البرلمان العربي يثني على تجربة المجلس الوطني الاتحادي
  • أمانة «الوطني» تبحث التعاون مع البرلمان العربي
  • رئيس حزب الحركة الوطنية: نرحب بالموقف المصري لحماية وحدة وسلامة الأراضي السورية