بقلم عمر العمر
على الرغم من انبثاق الحركة الوطنية السودانية قبل غيرها في افريقيا وأسبقهن في الفوز بالاستقلال، إلا أنها لم تبرأ بعد من متلازمتين مزمنتين منذ مرحلة الطفولة المبكرة؛ التشظي والتعلق بالخارج. كما أنها ظلت تقاسي معضلتين بيئيتين؛ تباين قومياتها تباين تضاريس بلدها الجغرافية وتعرض بنيانها السياسي لعدوان عنف البادية في فترات متباينة منذ تدمير ممالكها في القرن الرابع عشروالسادس عشر.
*****
من صدف التاريخ أن الاستعمار التركي لم يكن منتج ويلات فقط . فمن غير الممكن إنكار انجازه دولة موحدة وضعت لبنات جهاز إداري أفادت منه الدولة المهدية. لكن من مفارقات التاريخ أن الدولة الوطنية الاولى ألحقت أضرارا ماحقة بقطاعات واسعة من السودانيين . حتى إذا ما نجح الاستعمار البريطاني في تصفية دولة الخليفة التعايشي تفشى قدر من الارتياح بين تلك القطاعات. لعل أبرزها زعماء الطوائف، رؤوس قبائل ، كما الشيوخ ،العلماء بالاضافة إلى الطبقة الوسطى من سكان المدن المتحررة من ممارسات عنف البادية القادم في ظل القبائل الزاحفة من الغرب فعودة الصفوة إلى مواصلة انفتاحها على الثقافة الغربية.
*****
لعل هم البريطانيين ارتكز في مهمة الفتح على صد فرنسا عن التوغل في السودان(فاشودة) أكثر من ردهم المستعمرة إلى مصر وقد تحمّلت عبء التمويل والتجييش.كما استأنفت سلطة الاستعمار البريطاني من حيث انتهى الأتراك . لكن الصفوة السودانية لم تتخل وهي تواصل انفتاحها على الثقافة الأجنبية عن مشاعرها الوطنية .غير أنها علقت في التشظي إذ طغى ولاؤها المقسم بين بريطانيا ومصر على مهمة غرس ،بث وتكريس الروح القومية.منذ تحليق(جمعية الاتحاد السوداني) في الفضاء السياسي الوطني ظلت كل الاحزاب السودانية في حالة تناسل اميبي ،ولا تزال.جمعية الاتحاد بقيادة عبيد حاج الامين نشأت في العام ١٩٢٠ انشطرت في مهدها جناحين ؛احدهما سياسي يتبنى العمل االعلني والآخر ثقافي ينحو إلى السرية. لعل أول مظاهرة شهدتها العاصمة المثلثة في ١٩ يونيو ١٩٢٤تعكس وله أبكار الحركة الوطنية بالخارج أذ كان شعارها (تحيا مصر).!فثمة قطاع سوداني آخر مناهض ميال للتعاون مع بريطانيا.
*****
من جينات وأعراض التشظي نشوء الحركة الوطنية على ثلاثة محاور ؛ جماعة الفجر ونادي الخريجين في ام درمان، والجمعية الأدبية بودمدني. هذا المثلث زادت أضلاعه وتباعدت مع الأحداث دون التوجه لجهة التقارب بغية تشكيل كتلة وطنيةموحدة البتة.ربما يتساءل المرء عن حال ذلك الجيل فيما لو لم يكن محظوظا بوجود جورج سايمنز الحاكم العام وقتئذٍ وماتمتع به من حنكةسياسية وادارية!والسيد عبد الرحمن المهدي بكل ثقل هيبته،نفوذه وطموحه؟ كلاهما ساهما دون تلاق- كل من منطلقه و لغاياته - في توفير بيئة ملائمة مشجعة على بلورة مؤتمر الخريجين وعاء لحركة وطنية. غير أن هذه الحركة الوليدة لم تنج من متلازمة الوله بالخارج إذ تنازعت مصر وبريطانيا ولاء أعضائها فسقطت الحركة برمتها في فخاخ التشظي.
*****
الردة من الدولة الوطنية في العام ١٨٩٨ أدخل السودان بأسره في حالة تنازع بين مصر وبريطانيا على نحو متشعب . تلك حالة زادت من ارتباك صفوة الافندية على درب العمل الوطني.لذلك جاءت مقالات حسين شريف (السودان للسودانيين) معلما فكريا بارزا في تاريخ الحركة السياسية حسب توصيف الدكتور العالم جعفر محمد علي بخيت،ملأ الله قبره بالنور والمغفرة.فتلك المقالات توجهت إلى استنهاض الروح القومية . في كتيب دكتور بخيت المعنون( الادارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان)جهد باحث منقب راصد صبور ثاقب الرؤية في تتبع ودراسة تشكل الحركة السياسية وعناصر تنازعها الذاتية في ظل السلطة الاستعمارية وانعكاساتها عليها سلبا وإيجابا .كما ترصد الدراسة تأثيرات الارستقراطية الطائفية في الاتجاهين على قوى الحراك الوطني.
*****
لو توسم أحد الباحثين منهج دكتور بخيت في متابعة رصد مسار الحركةالسياسية المعاصرة منذ فجر الاستقلال لوجدها لاتزال مثقلة بأمراض مرحلة الطفولة و النشوء عاجزة عن تشكيل جبهة وطنية موحدة،مهجوسة بوله الخارج حد ترقبه يأتي إليها د وماً بحلول لأزمات الوطن ولو كانت بصنع أيديها. محنة الحركة السياسية انها خلت إلا شحيحا من المساهمات الفكرية.أسوأ من ذلك لم ينصب جهد الجائلين فيها على الركض في المضمار السياسي دون بوصلة عقلانية فقط بل ظل جل تركيزهم على المناصب والمكاسب الضيقة.هذا القصور الفكري أفضى بدوره إلى تغييب ثقافة الحوار. مما زاد الأزمة استحكاما اعتصار قبضة الأنظمة العسكرية المتعاقبة ماتبقى من فرص بناء تنظيمات سياسية تتحصن بالحد الأدنى بشروط العمل الوطني البناء.
*****
كأنما توارثت القوى السياسية جينات هذه المحنة إذ لاتزال قياداتها غير قادرة على تكريس ثقافة الحوار، لا تزال عاجزة عن انتاج أدب سياسي منير ،لا تزال تمارس التشظي الأميبي ،من ثم ضاعت أدوات ومنابر العمل الجماعي الناجح وبالتالي غاب وجود كتلة وطنية موحدة تستهدي بمشروع وطني شامل.بل لا تزال قيادات العمل السياسي تنتظر انفراجات وحلولا ترد من الخارج. حتى في سياق هذا الوله المزمن لا يزال لكل وجهة موليها في المحيط الإقليمي أو على الصعيد الدولي.
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الوطنیة لا تزال
إقرأ أيضاً:
بدوي : المشاركة في الانتخابات حق للمواطن.. والأحزاب شركاء في العمل الوطني
أكد المستشار حازم بدوي رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، أن المشاركة السياسية في كافة الاستحقاقات الانتخابية، حق لكل مواطن وواجب وطني على كل ناخب، وأن التوعية والتثقيف السياسي بأهمية المشاركة، يمثلان حجز الزاوية لأي نظام ديمقراطي، مشيرا إلى أن الهيئة حرصت من هذا المنطلق على الالتقاء بممثلي الأحزاب والائتلافات السياسية، بوصفهم شركاء العمل الوطني.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها المستشار حازم بدوي خلال افتتاحه، اليوم، أعمال الندوة التثقيفية التي نظمتها الهيئة الوطنية للانتخابات، والتي شارك في أعمالها ممثلون عن 50 حزبا سياسيا ومن بينهم رؤساء للأحزاب وقيادات بها.
وقال رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات إن مصر على أعتاب استحقاقات انتخابية جديدة لمجلسي النواب والشيوخ، معربا عن ثقته في تفهم القيادات والكوادر السياسية بمختلف الأحزاب والائتلافات، لأهمية هذه المرحلة وضرورة أن تخرج الانتخابات المقبلة بصورة مشرفة تبهر العالم، كما حدث في الاستحقاقات الماضية.
وشدد المستشار حازم بدوي على أن الانتخابات في مصر، تتسم بالشفافية والحياد، وأصبحت تعكس إرادة الناخبين، لافتا إلى أن المنافسة الحقيقية يجب أن تقوم على خدمة الوطن والمواطن وليس تحقيق المصالح الشخصية.
وأضاف أن الهيئة الوطنية للانتخابات، هي هيئة كل المصريين وتعمل من أجلهم، وتمثل المظلة التي تحمي اختلاف الآراء والتعددية الحزبية، بحيث تكون الانتخابات تجسيدا حقيقيا لمفهوم الديمقراطية وتأكيدا لسيادة الشعب من خلال حرية الاختيار، مشيرا إلى أن الأدوار التي تضطلع بها الهيئة لا تقتصر فقط على تنظيم الاستحقاقات الانتخابية، سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو المجالس المحلية، وإنما تمتد إلى التوعية والتثقيف السياسي وفقا لما حدده لها الدستور وأوكله إليها من مسئوليات.
وأكد المستشار حازم بدوي أن الهيئة حريصة أشد الحرص على أن تخرج كافة الاستحقاقات الانتخابية، بالصورة التي تعكس أصالة الشعب المصري وعراقته، وأن تحظى بمشاركة إيجابية فاعلة، لا سيما في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، والتي لا يُمكن العيش بمعزل عن ارتداداتها.
وأوضح أن من بين أهداف التوعية بأهمية المشاركة الانتخابية والتثقيف السياسي، التصدي لحروب الأفكار، ومواجهة محاولات تصدير المفاهيم المغلوطة التي تهدف إلى تفكيك اللُحمة الوطنية، مشيرا إلى أن الهيئة الوطنية للانتخابات ركزت جهودها على التوعية والتثقيف لمختلف شرائح المجتمع وطوائفه، مع إيلاء الاهتمام للنشء في المدارس والجامعات ومراكز الشباب والمنتديات العامة، وغرس شغف المشاركة في الشأن العام عبر وسائل مبتكرة تطبق لأول مرة في مصر.
وأشار إلى أن الهيئة الوطنية للانتخابات حريصة على التواصل مع الكافة عبر قنوات التواصل الرسمية المعلنة من جانبها، كما أنها تقف على مسافة واحدة من الجميع، ولا تبتغي سوى خدمة الوطن وإعلاء مصلحته، باعتبار أن شأن الانتخابات هو مهمة القائمين على الهيئة ومسئوليتها.
من جانبه، قدّم المستشار أحمد بنداري مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، عرضا موسعا حول نشأة الهيئة وتشكيلها واختصاصاتها وكيفية الإعداد للاستحقاقات الانتخابية، مشيرا إلى أن من بين الأدوار الأساسية الموكلة إلى الهيئة بحكم الدستور والقانون، التوعية والتثقيف السياسي والتفاعل مع مختلف شرائح المجتمع لا سيما الشباب.
وأوضح المستشار بنداري إلى أن الهيئة حرصت في الآونة الأخيرة على تعزيز دور التوعية والتثقيف السياسي، من خلال إبرام العديد من بروتوكولات التعاون مع الوزارات والمؤسسات والجهات ذات الارتباط المباشر بجمهور الناخبين عامة، مع التركيز على الشباب والنشء بصورة خاصة.
وأضاف أن الهيئة أطلقت برامج توعية متكاملة تقوم على الانتقال إلى المدارس ومراكز الشباب بمختلف المحافظات، والمشاركة الفاعلة في المؤتمرات والمنتديات المرموقة ومن بينها معرض القاهرة الدولي للكتاب، للتفاعل مع الشباب والطلاب، وتعريفهم بأهمية المشاركة الانتخابية وكيفية المشاركة في مختلف الاستحقاقات، والتيسيرات التي تقدمها الهيئة الوطنية للانتخابات لتسهيل مشاركتهم.
وأكد المستشار أحمد بنداري أن الهيئة الوطنية للانتخابات، عززت من روابط الصلة مع مؤسسات المجتمع المدني، والمجالس المتخصصة وعلى رأسها المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة والمجلس القومي لحقوق الإنسان، إيمانا من الهيئة أن المجتمع المدني شريك أصيل من شركاء النجاح في الاستحقاقات الانتخابية، وحتى يُمكن الوقوف على ملاحظاتهم إيجابا وسلبا، والتي تساهم في الارتقاء بمنظومة إدارة العملية الانتخابية والتيسير على الناخبين وإنجاح الاستحقاقات.
وأعلن المستشار أحمد بنداري، خلال أعمال الندوة، إطلاق الهيئة الوطنية للانتخابات، لتطبيق إلكتروني على الهواتف المحمولة، مشيرا إلى أن التطبيق الذي بدأ تشغيله تجريبيا بالفعل، يأتي مواكبة للتطور الرقمي الذي تشهده البلاد، وأنه يساهم في التيسير على الناخبين لمعرفة كافة القرارات والأخبار المتعلقة بشئون الهيئة والاستحقاقات الانتخابية، وتمكينهم من الاستعلام عن موقفهم الانتخابي، بالإضافة إلى آلية لتلقي الشكاوى وفحصها وإزالة أسبابها والملاحظات والأفكار.
وقال إن الهيئة تولي عناية خاصة بالمواطنين ذوي الهمم والتيسير عليهم في سبيل ممارسة حقوقهم الدستورية في الاقتراع، موضحا أنه تم اعتماد بطاقات الاقتراع بطريق (بريل) في الانتخابات الرئاسية الماضية، فضلا عن تجهيز المقار الانتخابية بالأدوات اللازمة التي تسمح لتلك الشريحة من المواطنين بالإدلاء بأصواتهم، وتوفير التدريب النوعي للقضاة المشرفين والجهاز الإداري المعاون بهم، بما يعين ذوي الهمم والاحتياجات الخاصة على أداء حقهم الانتخابي.
كما قدّم المستشاران شادي رياض وشريف صديق، نائبي مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، عرضا حول قاعدة بيانات الناخبين وآليات العمل بها، مشيرين إلى أن من بين الضمانات التي توفرها الهيئة الوطنية للانتخابات لنزاهة العملية الانتخابية في أي استحقاق، هي التحقق من قاعدة بيانات الناخبين وتنقيتها وتحديثها دوريا كل 3 شهور.
وأوضح المستشاران شادي رياض وشريف صديق، أن قاعدة بيانات الناخبين تعتمد منظومة الرقم القومي، ويتم مراجعتها لاستبعاد المتوفين والفئات التي يحظر القانون مشاركتها في الاقتراع ومن صدرت بحقهم الأحكام القضائية في دعاوى تمس الشرف والاعتبار ومن أصيبوا بأمراض ذهنية وعقلية.
واستعرضا عددا من الإجراءات التي تتخذها الهيئة الوطنية للانتخابات في سبيل تأمين العملية الانتخابية، لا سيما في ما يتعلق بالحبر الفسفوري وبطاقات إبداء الرأي وكيفية تأمينها على نحو يمنع تزويرها، وكذا الأقفال البلاستيكية المرمزة التي تُستخدم في تأمين صناديق الاقتراع.