إنها قصة قصيرة من مجموعة قصصية للكاتب اليمني محمد مصطفي العمراني , يحكي أنهم يجلبون الماء من مكان جبلي وعر فيه منعطف عادة ما تسقط فيه الحمير ومن عليها من أطفال. الغريب في الأمر أن كل سكان القرية لم يلهم الله أحدا منهم أن يفكر في تغيير ذلك الطريق والبحث عن طرق أخرى تؤدي إلى ذات البئر. كما أن أي منهم لم يهتد إلى فكرة ترك الحمير تسير بمفردها دون أ تكون عليها أرواح الأطفال.
الناظر إلى واقعنا في هذه الحرب يدرك بكل سهولة ويسر أن هذا البلد المحزون يسير خلف مجموعة حمير ترتدي الزي العسكري وترصع صدورها وأكتافها نجوم وميداليات تحكي معدلات عالية من هرمون ( الحمرنة والغباء الطبيعي)، وهذا الإستحمار الطبيعي لهو اشد قسوة من ذلك المكتسب، إذ انه هبة الله لبعض من عباده، ليت الأمر توقف عند حفنة قليلة من بلهاء العسكر، لكنه إمتد ليشمل من يطبلون لهذا الغباءمن أشكال ديناصورية تساعدهم على سلوك ذات المنعطف الخطير الذي أودى بحياة شباب وكهول وأطفال ذلك البلد، إنهم قوم أصابهم الله يتحجر المشاعر والإحساس تجاه الخراب والدمار الهائل وكأنهم صم لا يسمعون وعمي لا يبصرون.
بأنك ترى النصر أمام ناظريك، فهذا هو المنعطف الخطير بذاته. رجل مفترض أنه درس الإستراتيجيات العسكرية ودرس الحرب وتقديراتها ، ويفشل في رؤية الهزيمة الماثلة امامه ماذا يمكن ان نطلق عليه؟ قلنا كان يمكن تدارك ذلك الدمار الهائل وتقليل الخسائر المادية والبشرية منذ الإسبوع الأول، لكنه تحت وطأة التهديد والتأثير القوي لمجموعة تدعي الإسلام والتي سلمها أمر إدارة المعركة وهم مجموعة مدنية، مصلحتها هي إستمرار الحرب، تجده يصر على المضي في نفس الطريق مع اليقين التام أنه خاسر لا محالة. إنه ذات الطريق الذي تسلكه حمير القرية مع الإدراك التام لسكان تلك القرية بأنها قد تكون الرحلة الأخيرة أو رحلة الوداع لهؤلاء الصغار. لقد سلم اهل القرية أمر قيادتهم لحمير وسلم الجيش أمر قيادته لحمير من النوع البشري. في البدء سيطر الدعم السريع على معظم مقار الجيش وكانت الحرب محصورة في العاصمة، ثم تمددت غربا ، وفي كل مرة يهرب الجيش دون ان يطلق رصاصة واحدة، ثم جاء الدور على الجزيرة وحاضرتها ومن ثم قراها، كل ذلك لم يعني أي شي لسيادة ( الحمار اول) ركن ، وبقية الجحوش الذين حوله. يتوالى سقوط الولايات ويظل ما كان بالأمس ممكنا أضحى اليوم مستحيلا. ونحن في قمةهذه المسرحية العبثية يقيض الله لنا فصيلة أخرى من الدواب، أثبت علماء علم الحيوان أنها أغبى من الحمير، إنه وحيد القرن، ولم يكن ذلك إلا مالك عقار، الرجل الذي أدمن خاصية كسب عداوات الاخرين، مصرحا في عداوة غير مبررة إطلاقا ( لا جدة ولا جدادة) ، كان يمكن أن تساق تلك العبارة الرافضة للحلول السلمية بمفردات ولغة غير هذه، لو كان قائلها شخص آخر غير وحيد القرن هذا، لم تكن المملكة يوما عدو يستوجب تلك اللغة السوقية المنحطة. في الحقيقة أن القواسم المتركة بينه وبين وحيد القرن عديدة، تضخم الحثة مع البلادة وضيق الأفق وضعف البصر، فهو يهاجم الهدف ثم يدرك لاحقا انه مخطي، وذلك بعد ان يكون قد أحدث ضررا كبيرا. فهو حيوان يري أن أي شي أمامه هو عدو. هذه خاصية توفرت في فصيل واحد من الحيوانات، وفي أنماط عديدة من البشر شاكلة عقار والكباشي وياسر العطا. بعد أن أتجه الدعم السريع نواحي سنار واسقط سنجة والدندر، وما صاحب تلك الحملات من إنتهاكات ، قلنا يمكن أن يرعوي عن السير في ذات المنعطف الخطير الذي لن يؤدي إلا إلى الهلاك المحتوم، و مؤخرا صرح البرهان نافيا أي مفاوضات في سويسرا، المرء يعجب لهذا الجنرال التائه، يتحدث رافضا ومغلقا كل نوافذ الحوار وكأنه منتصر على الأرض، يضع الرجل دون حياء شروطا في العادة يضعها المنتصر، في (مشاترة) غريبة يطلب من القوات التي فشل في إخراجها من مقاره ومواقعه العسكرية بالإنسحاب، وهو قد فشل في إخراجهم منازلة على الأرض. إن ( ماكبث ) السودان يريد أن يحقق نبؤة والده، بقتل وحرق السودان وأهله، غير أن ( ماكبث) شكسبير ٌقتل وقٌطع رأسه وهو يقاتل بشجاعه في الميدان، غير أن هذا الهارب شرقاً، لو انه إستمر في تعنته هذا، ربما نشاهد غدا حصار الشرق، فالبحر أمامه والعدو خلفه، ساعتها عليه أن يجيب على السؤال المعروف ( المعاملة كيف؟) ، لكن الذي نخشاه أن يقلد لهم ثغاء النعجة( بااااع) .
ربما يقيض الله لنا نفرا يسلك طريقا غير هذا المنعطف الخطير.
د. عادل العفيف مختار
adilalafif@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
صخر الشارخ.. قصة العربي الذي جعل الحواسيب تتحدث بالعربية
في اليوم العالمي للغة العربية، الذي يصادف الـ 18 من ديسمبر، والذي يأتي وسط سباق تكنولوجي، يستذكر العرب مسيرة الشارخ والكثير من الإنجازات التي قدمها، أبرزها تلك المتعلقة بإخضاع التكنولوجيا لخدمة اللغة العربية، فقد كان الأول في هذا المجال، والأكثر تأثيراً وخلوداً أيضاً.
مسيرة فريدة
ولد الشارخ في الكويت عام 1942م، ونشأ ليصبح أحد الشخصيات الأكثر تأثيرًا في عالم الأعمال والتكنولوجيا. حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 1956م، ثم الماجستير من كلية وليامز الأمريكية عام 1968م. وشغل العديد من المناصب المرموقة، منها نائب مدير الصندوق الكويتي للتنمية وعضو مجلس إدارة البنك الدولي، وساهم في تأسيس بنك الكويت الصناعي.
ريادة التكنولوجيا العربية
التحول الأبرز في مسيرة الشارخ كان تأسيسه لشركة «صخر» لبرامج الحاسوب عام 1982م، التي فتحت آفاقًا جديدة للغة العربية في عالم التكنولوجيا. استعان بالعالم المصري نبيل علي لتطوير أسس اللغة العربية وقواعدها في الحواسيب، مما أثمر عن إطلاق أول حاسوب عربي يحمل اسم «صخر».
إنجازات بارزة
قدمت شركة «صخر» إسهامات تقنية استثنائية، من برامج الترجمة إلى الرقمنة والنطق الآلي. كما ساهمت في إدخال القرآن الكريم والسنة النبوية إلى الحواسيب، وطورت برامج التعرف الضوئي على الحروف والترجمة الآلية. وحازت على ثلاث براءات اختراع من مكتب براءات الاختراع الأمريكي.
دعم الثقافة العربية
إلى جانب التكنولوجيا، كان الشارخ داعمًا كبيرًا للثقافة العربية. أسس مشروع «كتاب في جريدة» بالتعاون مع اليونسكو عام 1997م، وأطلق «معجم الشارخ» عام 2019م، الذي يُعد من أهم المعاجم الحديثة المتاحة مجانًا على الإنترنت. كما أنشأ أرشيفًا للمجلات الثقافية والأدبية، وموّل مشاريع ثقافية عدة، منها «مركز دراسات الوحدة العربية».
إرث خالد
لم تقتصر إنجازات الشارخ على التكنولوجيا والثقافة، بل كان أيضًا أديبًا. أصدر روايات ومجموعات قصصية، أبرزها «قيس وليلى»، و»أسرار»، و»الساحة».
جوائز وتكريمات
حصل الشارخ على العديد من الجوائز، منها جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 2021م، وجائزة الدولة التقديرية من الكويت عام 2018م.
فقيد الأمة
وبرحيل محمد الشارخ في يوم الأربعاء 6 مارس 2024م عن عمر ناهز الـ 82 عامًا، تخسر الكويت والعالم العربي شخصية استثنائية كرست حياتها لخدمة اللغة العربية، وترك بصمة عميقة في التكنولوجيا والثقافة، ليظل اسمه خالدًا في ذاكرة الناطقين بلغة الضاد.