بقلم بدر موسى
ماجستير برامج دعم التنمية في دول العالم الثالث (2000)، جامعة أيوا، الولايات المتحدة
يدرس حالياً في ماجستير التدريس والتعليم، جامعة أيوا، الولايات المتحدة
bederelddin@yahoo.com

يكشف كتاب عبد الله عن أن ما قدمه سن يتفق كثيراً مع ما طرحه طه منذ خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، وفصله في العديد من كتبه وأحاديثه.

فالإنسان الحر، عند طه، كما أورد عبدالله "هو هدف التنمية وغايتها. والتنمية الاقتصادية، عنده، بدون إعطاء العناية بالفرد وحريته مكان الصدارة، منخذلة، ومنهزمة، وفاشلة منذ البداية، لأن الناس هم الثروة الحقيقية. و(لنجاح التنمية... لابد من الحرية)"، ويقول عبدالله إن هذا ما عبَّر عنه سن، قائلاً: "الحرية مركزية لعملية التنمية". وأضاف عبدالله، قائلاً: يكاد قول سن: "إن المسؤولية تقتضي الحرية"، يوافق قول طه: "إن الحرية مسئولية". كذلك يرى سن بأن: "الحرية الفردية في جوهرها منتج اجتماعي"، وهذا عين ما قاله طه: "المجتمع وسيلة موسلة لحرية الفرد". وأضاف عبدالله، قائلاً: أيضاً مثَّل ما جاء في غلاف الترجمة العربية لكتاب سن: "مؤسسات حرة وإنسان متحرر من الجهل والمرض والتخلف"، وهو محور موضوع كتابه، يتشابه، لما يقرب لحد التطابق، مع قول طه: "للفرد على الحكومة حق تحريره من الخوف، ومن الفقر، ومن الجهل، ومن المرض". ويأتي التشابه كذلك، كما يقول عبد الله، في حديث كل منهما عن أن الحرية هي قضية اليوم، حيث يقول سن "الحرية مهمة بشكل حاسم الآن"، ولا يختلف هذا القول مع قول طه: "الحرية هي طِلْبَة واحتياج إنسان اليوم". وهكذا، فالكتاب يمضي الكاتب في مقاربته ويقدم المزيد من نماذج الاتفاق والتشابه والتقاطعات بينهما.

الإسلام وهزيمة الخوف
البروفيسور كورنيل وست: "هناك ثلاثة جهود أساسية لدمقرطة العالم الإسلامي من قبل المسلمين أنفسهم.... آخر مجهود رئيس، يوجد في كتابات محمود محمد طه الثرية والثورية ... فعلى سبيل المثال، في بيانه، الرسالة الثانية من الإسلام، ينظر طه إلى الإسلام باعتباره أسلوب حياة شامل ينمي الحرية -هزيمة الخوف- من أجل حياة كريمة تسودها المحبة".

تحدث عبد الله بتوسع في كتابه عن التحرير من الخوف عند الأستاذ محمود، الأمر الذي لا وجود له عند البروفيسور سن، وغاب كذلك عن الكثير من المتخصصين في التنمية، بينما التقطه، كما يقول عبدالله، المفكر الأمريكي البروفيسور كورنيل وست في دراسته التي نشرها عن الأستاذ محمود محمد طه، ضمن كتابه: Democracy Matters: Winning the fight against Imperialism, (2005) (الديمقراطية همنا: كسب الصراع ضد الإمبريالية، 2005). أورد عبد الله ان البروفيسور وست. كتب، قائلاً: "ينظر طه إلى الإسلام باعتباره أسلوب حياة شامل ينمي الحرية -هزيمة الخوف- من أجل حياة كريمة تسودها المحبة". كما فصل عبد الله في كتابه رؤية الأستاذ محمود تجاه التحرر من الخوف باعتباره الطريق لاستئصال العبودية. وأوضح عبدالله بأن الحرية عند طه، أمرها أوسع بكثير مما هو عند آمارتيا سن. فقد كتب عبدالله، قائلاً:
"إن الشرط المركزي لنجاح عملية التنمية، عند طه، هو الحرية. كون الحرية، عنده، هي روح الحياة، فحياة بلا حرية، كما يقول، إنما هي جسد بلا روح... والحرية الفردية، عنده، تتطلب الحرية من الخوف الموروث، وهو ما لم يرد عند سن، والمترسب في أغوار النفس بسبب البيئة الطبيعية. وتقوم على الحرية من الخوف، كما يرى طه، حريتان اثنتان هما: الحرية من الفقر، والحرية من الجهل. والخوف من حيث، هـو، كما يرى طه، هو الأب الشرعي لكل آفات الأخلاق ومعايب السلوك. ولا سبيل للتحرير من الخوف، كما يقول، إلا بالعلم. فالخوف، عنده، جهل والجهل لا يحارب إلا بالعلم. العلم بحقيقة البيئة الطبيعية التي عاش، ويعيش فيها، والتي عن الجهل بها، نشأ الخوف في صدور الرجال والنساء، أول الأمر. ولا يكون التحرير من الخوف إلا بالعلم الذي يقود إلى اكتمال التـواؤم بين البيئـة الطبيعية، وبيـن الحيـاة البشرية".

عن ماهية التعليم ومادته وفائدته ووظيفته

أضاف عبدالله، قائلاً: "إن تحرير الفرد من جميع صور الخوف عبر العلم بدقائق حقيقة البيئة الطبيعية، يحقق للفرد الاتساق والتواؤم والتكيف مع البيئة، فينتفي الجهل. كما يستطيع أن يعيش في سلام من العداوات، والمجاعات والكوارث البيئية. ولذلك وجب، كما يرى طه، الاهتمام بإعطاء الفرد صورة كاملة، وصحيحة، عن علاقته بالمجتمع والكون. ويقول عبدالله إن الخوف، عند الأستاذ محمود، جهل، ولا سبيل للتحرير من الخوف، كما ورد آنفاً، إلا بالعلم. ويُعَرِّف الأستاذ محمود التعليم، قائلاً: "بإيجاز نُعَرِّف التعليم بأنه اكتساب الحي للقدرة". واكتساب القدرة يتصل بالعلاقة بين الإنسان والكون، فهي ظلت، كما يقول طه، مادة التعليم والتعلم، من لدن فجر الحياة البشرية وحتى اليوم. ولا ينفصل، عند الأستاذ محمود، التعليم وفائدته ووظيفته عن البيئة وعناصرها. فالتعليم هو تمليك الحي للقدرة، كما ورد آنفاً، وتَكمُن فائدة التعليم، كما يرى الأستاذ محمود، في مقدرة المتعلم أن يوائم بين نفسه وبين بيئته، كما أن وظيفة التعليم هي أن يأخذ المتعلم صورة كاملة وصحيحة عن البيئة التي يعيش فيها. ولكن من هو المعلم عند الأستاذ محمود؟ هو المعلم الواحد، الله، الله هو المعلم الأصلي، بينما المعلـم المباشر هو العناصر المتعددة في البيئة‏. والمادة التي يعلمها المعلم الواحد، الله، عند طه، هـي المقدرة على التواؤم بين الحي وبيئته. ويرى طه بأن كل عناصر البيئة حية، ولكنها حياة فوق إدراك العقول، ولا تصبح حيـاة في إدراك العقول حتى تخرج، من المادة غـير العضوية، المادة العضوية، وهـي ما تسمي، اصطلاحـاً، بالحياة. ولهذا فهو يقول: "الحياة أصدق من العلم". وما يجب ألا يغب على المرء أن مصدر رؤية الأستاذ محمود هو القرآن الكريم في مستوى آيات الأصول (الآيات المكية).
سعى عبدالله في هذا الكتاب، كما قال في خاتمته، إلى التعريف برؤية المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه
صاحب الفهم الجديد للإسلام، تجاه التنمية، من خلال إجراء مقاربة مع آخر أطروحات ما بلغه تطور الفكر التنموي في العالم: التنمية حرية. حيث أن التنمية ما هي إلا عملية توسيع في الحريات الحقيقية التي يتمتع بها الناس، وأن الإنسان هو محورها وغايتها، والحرية هي هدفها الأسمى ووسيلتها الأساسية. كما أن تحقيق التنمية لم يعد يتم بزيادة الدخل فحسب، وإنما عبر تعزيز قدرات الناس. فالقدرات تُمكن من فرص الاختيار وصنع الحياة، والحرمان منها يُمثل مقياساً للفقر أكثر اكتمالاً من مقياس الدخل. لقد دشن سن أطروحة: التنمية حرية، ضمن كتاب نُشر عام 1999. بينما طرح طه رؤيته تجاه التنمية منذ خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي. عبَّرت هذه المقاربة عن نوع من أنواع اللقاء بين العقول الكبيرة، حيث كشفت عن اتفاق كبير، وتشابه في الأفكار والآراء التنموية بين طه وسن. الأمر الذي يجعلنا نقف، ونحن نعيد اكتشاف المشروع الفكري لطه، أمام رؤية فكرية تجاه التنمية تتسم بالعلمية والأصالة والجدة والثراء والثورية، إلى جانب المواءمة Relevance للواقع، فضلاً عن كونها تقع ضمن مشروع فكري كوكبي حيوي وواعد.
نواصل في الحلقة القادمة.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: محمود محمد طه الحریة من عبد الله من الخوف کما یقول یقول عبد کما یرى عند طه

إقرأ أيضاً:

العربية للتنمية الإدارية تعقد المنتدى العربي للتنمية الاقتصادية بدُبي

عقدت المنظمة العربية للتنمية الإدارية جامعة الدول العربية، "المنتدى العربي للتنمية الاقتصادية البيئة الاستثمارية العربية: الفرص والتحديات"، خلال الفترة من 29-31 يوليو  في دبي دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بمشاركة نخبة من مسؤولي وزارات الاستثمار والتجارة والصناعة، ورواد الأعمال والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الغرف التجارية والصناعية في الدول العربية، هيئات ريادة الاعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، البنوك والجهات المعنية بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، رواد الأعمال والمستثمرون، وعدد من الخبراء والباحثين والمهتمين بالابتكار والتطورات التقنية في مجال الذكاء الاصطناعي في الوطن العربي.


وقالت الدكتورة رانيا عبد الرازق المنسق العام للملتقى، إن هذا المنتدى يأتي في وقت نشهد فيه تحولات اقتصادية وتقنية كبيرة على المستويات العالمية والإقليمية؛ مما يستدعي العمل الجاد لتيني الابتكار  وتحقيق التقدم، إذ أن الابتكار والتكنولوجيا الحديثة، لا سيما الذكاء الاصطناعي، يشكلان أدوات حاسمة في تحسين الأداء وزيادة التنافسية، وفي الوقت ذاته تتيح التقنيات الحديثة فرصا كبيرة لتطوير استراتيجيات استثمارية أكثر فعالية ودقة، فمن خلال التحليل العميق للبيانات و اتخاذ قرارات مستنيرة، يمكن تحسين الأداء، وتلبية احتياجات الأسواق بشكل أفضل. كما لفتت إلى أن الحكومات العربية تلعب دورا محوريا في البيئة المناسبة للاستثمار من خلال السياسات الداعمة والبنية التحتية المتطورة القيادة الرشيدة والمستدامة لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية والبيئية، وهي التي تضمن بيئة مشجعة للابتكار وريادة الأعمال.


المنتدى يهدف إلى تعزيز البيئة الاستثمارية العربية من خلال مناقشة الفرص المتاحة والتحديات ‏الراهنة، وإتاحة الفرصة للتعاون والتكامل بين الدول العربية لتحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، تحليل البيئة الاستثمارية: دراسة الوضع الحالي للاستثمار في الدول العربية وتحديد العوامل المؤثرة فيها، تعزيز التعاون الإقليمي عن طريق تعزيز الشراكات الاقتصادية والتجارية بين الدول العربية، استكشاف الفرص الاستثمارية الواعدة في المنطقة العربية وتحديد وتسليط الضوء عليها، مناقشة التحديات التي تواجه الاستثمار في الدول العربية وطرح حلول عملية للتغلب عليها، وبناء القدرات عن طريق تقديم التوصيات حول السياسات والإجراءات التي تعزز من قدرة المؤسسات والشركات على جذب ‏الاستثمارات.

تناول المنتدى على مدار أيامه وجلساته عدة محاور من بينها: البيئة الاستثمارية في الدول العربية، التحديات القانونية والإدارية التي تعترض طريق الاستثمار وطرق التغلب عليها، الفرص الاستثمارية في القطاعات الاقتصادية الواعدة مثل الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، الزراعة، والسياحة، التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول العربية واستراتيجيات تعزيزها، الاستثمار في التنمية المستدامة ومناقشة دور الاستثمارات في تحقيق تلك الأهداف، عرض تجارب ناجحة من عدة دول عربية في جذب الاستثمارات وتحقيق التنمية الاقتصادية. واستعراض دور التكنولوجيا والابتكار في تعزيز البيئة الاستثمارية وتحقيق النمو الاقتصادي.

مقالات مشابهة

  • «المغول والعالم الإسلامي» يتصدر مبيعات المركز القومي للترجمة في يوليو
  • 4 بطلات.. تفاصيل مسلسل أحمد العوضي في رمضان 2025
  • تصريح للسفير أحمد علي عبدالله صالح (النص)
  • محمود العزازي يكشف رد فعل الزعيم على تجسيده لشخصيته بـ «نوستالجيا»
  • كلمة مهمة للسفير أحمد علي عبدالله صالح (النص)
  • الأعلى للاقتصاد العربي الإفريقي يوقع اتفاقية تعاون مع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية
  • 3 آب 2009 – قائد الثورة الإسلامية في إيران علي الخامنئي يصدق على فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية التي جرت في الـ 12 من حزيران
  • تعرف على اسم مسلسل مصطفى شعبان رمضان 2025
  • عن كتاب حسن محمود عن 19 يوليو
  • العربية للتنمية الإدارية تعقد المنتدى العربي للتنمية الاقتصادية بدُبي