حرب أم وساطة أم صمت؟..مهلة إيكواس لقادة النيجر تنتهي ولا جديد
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
بتخزين الأرز، أو الفرار من العاصمة بالحافلات، أو التعهد بالدفاع عن قادتهم العسكريين الجدد، استعد الكثيرون في النيجر هذا الأسبوع لموعد نهائي فرضته كتلة مكونة من 15 عضوًا من دول غرب إفريقيا على المجلس العسكري في البلاد للتخلي عن السلطة.
ووفقا لما نشره تقرير لنيويورك تايمز، مر الموعد النهائي لاستعادة الديمقراطية أو مواجهة العمل العسكري يوم الأحد، دون تغيير فعلي في الأوضاع.
بعد أن احتجز الجنود المتمردون رئيس النيجر المنتخب ديمقراطياً في 26 يوليو، أعطت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، إيكواس، القادة العسكريين الجدد إنذار نهائي، مما أثار مخاوف من اندلاع صراع إقليمي في جزء من إفريقيا يضم بعضًا من أفقر دول العالم. والتي تعاني بالفعل من حركات التمرد الإسلامية وانعدام الأمن الغذائي والآثار الشديدة لتغير المناخ.
لكن الإنذار الأخير حشد أيضًا العديد من النيجيريين خلف قادتهم العسكريين الجدد. يوم الأحد، احتشد عشرات الآلاف من أنصار المجلس العسكري في أكبر ملعب في العاصمة نيامي، معربين عن غضبهم ضد الإيكواس ورددوا اسم المسؤول العسكري، الجنرال عبد الرحمن تشياني.
قال مسؤولون من غرب إفريقيا إنهم لن يستخدموا القوة إلا كملاذ أخير، وقال معظم المحللين إن الصراع يبدو غير مرجح، على الأقل في المدى القريب. لكن المسؤولين العسكريين في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قالوا إن لديهم خطة للتدخل، إذا لزم الأمر.
قال الجنرال كريستوفر جوابين موسى، رئيس أركان الدفاع النيجيري، يوم السبت في مقابلة عبر الهاتف: "يجب استعادة الديمقراطية، من خلال الدبلوماسية أو القوة".
لكن المتمردون الذين كانوا يحتجزون الرئيس، محمد بازوم، قالوا إنهم سيقاومون أي جهد لإزاحتهم من السلطة، تاركين مستقبل النيجر - ومستقبل شعبها - في الميزان. يوم الأحد، أغلقت البلاد مجالها الجوي، متذرعة بالتهديد المحتمل بتدخل عسكري خارجي.
وبحسب تقرير النيويورك تايمز، ارتفعت الأسعار منذ أن فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عقوبات مالية على البلاد. قالت أسمانا رشيدو، البالغة من العمر 33 عامًا، وهي أم لستة أطفال، كانت تتسوق لشراء الحليب المجفف وعلب الأرز في وسط مدينة نيامي، عاصمة النيجر: "إذا ضربت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، فسوف ينتهي الأمر بالنسبة لنا جميعًا، وليس فقط للجيش".
بازوم، الحليف الغربي الرئيسي الذي تم انتخابه عام 2021، رفض الاستقالة، وتجاهل المسؤولون العسكريون المسؤولون حتى الآن الدعوات للإفراج عنه. كما رفضوا تهديدات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بقطع العلاقات، وبدلاً من ذلك اتجهوا نحو دولتين متجاورتين، بوركينا فاسو ومالي، اللتين شهدتا أيضًا انقلابات في السنوات الأخيرة واقتربا منذ ذلك الحين من روسيا.
ويوم الأحد، ظل بازوم عالقًا مع أسرته في مسكنهم الخاص دون كهرباء أو ماء، وفقًا لما ذكره صديق ومستشار للرئيس طلب عدم الكشف عن هويته. نيجيريا، التي توفر حوالي 70 في المائة من كهرباء النيجر، أوقفت إمدادات الطاقة، وألقت بمعظم البلاد في الظلام. صادر حراس الرئيس شرائح الهاتف المحمول الخاصة به يوم السبت، وفقا لما ذكره الصديق، مما جعل بازوم غير قادر على التواصل مع العالم الخارجي كما فعل في الأيام الأولى من أسره.
أدى الجمود في النيجر أيضًا إلى عدم اليقين بشأن مستقبل أكثر من 2500 جندي غربي يتمركزون في البلاد لأغراض مكافحة الإرهاب، بما في ذلك حوالي 1100 أمريكي. على عكس الدول المجاورة، بما في ذلك بوركينا فاسو ومالي، حيث نفذت الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة وداعش مئات الهجمات وتسيطر الآن على مساحات شاسعة من الأراضي، كان أداء النيجر أفضل، حيث انخفض عدد القتلى المدنيين هذا العام.
قال مودو دياو، عامل الإغاثة الإنسانية الذي سافر إلى النيجر الشهر الماضي، إنه تمكن من زيارة المناطق التي كان من المستحيل الوصول إليها في السابق بسبب انعدام الأمن. قال دياو، نائب الرئيس لغرب إفريقيا في لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة إغاثة: "كان الوضع يتحسن حقًا"، مضيفًا: "كل هذه المكاسب مهددة الآن بسبب هذا الوضع".
كما يمكن أن يؤدي المأزق إلى مزيد من الفقر وعدم الاستقرار بملايين النيجيريين، لأن بلادهم تعتمد على المساعدات الخارجية بنسبة 40 في المائة من ميزانيتها الوطنية.
ومع ذلك، في نهاية هذا الأسبوع، اتخذ مئات الشباب نبرة التحدي في وسط مدينة نيامي، وتعهدوا بالدفاع عن المجلس العسكري ضد أي تدخل أجنبي.
العديد من النيجيريين، في علامة على حب الوطن، وضعوا علم البلد ذي الألوان الثلاثة كصورة لملفهم الشخصي على منصة الرسائل عبر واتساب.
لكن النيجيريين الآخرين يخططون للاحتماء أو حتى الفرار من العاصمة. يوم السبت، توافد سكان نيامي على المتاجر لشراء المواد الغذائية الأساسية، مثل الأرز والزيت، في حالة التدخل العسكري. أسرعت عائلات الطبقة الوسطى، غير القادرة على تشغيل مكيفات الهواء الخاصة بها خلال واحدة من أشد فترات العام حرارة، لشراء الناموسيات لوضعها في ساحات منازلهم.
وفر كثيرون غيرهم ممن توقعوا القتال من العاصمة إلى أماكن أخرى في النيجر. كان من بينهم ميناتا عابد، شابة تبلغ 22 عامًا، طالبة متخصصة في الموارد البشرية في جامعة نيامي، غادرت بالحافلة في وقت متأخر من ليلة الجمعة مع أختها التوأم وبعض متعلقاتهم - معبأة في حقيبتين - بعد أن شاهدت والدتهم منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي حول احتمال التدخل العسكري.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: النيجر أحداث النيجر المجموعة الاقتصادیة لدول غرب غرب إفریقیا یوم الأحد
إقرأ أيضاً:
الحرب تنتهي بنتنياهو مطلوباً للعدالة
كان يمكن للحرب أن تنتهي بإعلان بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية تحقيق جيشه لأهدافه العسكرية والسياسية من حربها على قطاع غزة، لكن ذلك لم يحدث أول من أمس ولا في أي يوم قبله، بل لم يحدث حين طالبته الدنيا كلها بأن يوقف الحرب قبل شهور مضت، حيث لو أنه فعل ذلك لحفظ ماء وجهه، ولحفظ لجيشه هيبته، خاصة حين طالبه قادة الجيش بذلك، وفي مقدمتهم وزير الحرب المقال، يوآف غالانت، وبني غانتس، وحتى رئيس هيئة الأركان، هيرتسي هاليفي,
بل كان يمكن لنتنياهو أن يعلق العمليات العسكرية أو أن يوقف الحرب دون أن يعلن انتهاءها، من أجل جيشه المنهك، خاصة بعد أن استنفد بنك أهدافه في قطاع غزة، وبالتحديد حين نقل مركز ثقل الحرب إلى لبنان، وكان ذلك مطلباً للجيش، لكن كل ذلك لم يحدث، لأن نتنياهو ادعى _عن وجه حق_ بأنه لم يحقق ما أعلنه من أهداف مجمع عليها اسرائيلياً، أي دون ما ارتفعت به عقيرة الفاشيين من مثل تهجير السكان وإعادة الاستيطان والضم وما الى ذلك.
واضطرت اسرائيل الى أن توقف الحرب_ ولو مؤقتاً_ ليس وفق إعلان من جانب واحد، بل بعد التفاوض والاتفاق مع حماس، الحركة التي أعلنت اسرائيل بأن حربها تهدف الى اسقاط نظام حكمها في قطاع غزة، والى سحق قوتها العسكرية، والى أن لا تعود غزة لتهديد مستوطنات الغلاف، وحددت هدفاً رابعاً وهو اطلاق المحتجزين بالقوة.
وبالنتيجة فإن اسرائيل توقف الحرب بعد صفقة التبادل، مع حماس الحركة التي سارعت الى نشر قواتها من أجل تأمين سلامة المحتجزين خلال عملية اطلاق سراحهم، بما يؤكد عودتها فوراً الى القيام بمهامها في ادارة وحكم قطاع غزة_وليس أدل على ذلك من ظهور «القسام» في ميدان السرايا لحظة تسليم المحتجزات الثلاث للصليب الأحمر_ كما كان حالها قبل السابع من اكتوبر 2023، والتغير المهم الوحيد هنا هو ما يخص معبر رفح، ورغم أن الصورة ليست واضحة تماماً فيما يخص من يتولى إدارته، مع القول بأن الجانب الفني سيكون مسؤولية الاتحاد الأوروبي، إلا أن المهم لحماس هو السيطرة الداخلية على قطاع غزة، ذلك أن إدارتها للمعبر كانت شكلية، وكانت تدر عليها القليل من المال العائد من رسوم مغادرة المواطنين، والأهم هنا إدارة المعابر التجارية، حيث تحصيل الضرائب من التجار.
يمكن القول، بأن حماس خسرت من جهة الكم، أو بمعنى أدق انخفضت قوتها العسكرية بتحطيم الأنفاق والقوة الصاروخية والمسيّرات، وخسرت نصف كوادرها وجنودها لكنها عوضت من استشهد من الأفراد قبل وقف اطلاق النار، كذلك «انخفض منسوب حكمها» وباتت تقبل بعودة السلطة للسيطرة الخارجية، أي على المعابر والحدود، ولكن وفق حكومة وفاق وطني، باختصار خسرت حماس لكنها لم تمت، واذا كان مستوى قوتها العسكرية والسياسية في غزة قد انخفض، فإن الأهم أن قوتها العسكرية والسياسية في الضفة قد ارتفعت، وعادت مجدداً لتكون لاعباً سياسياً إقليمياً، خاصة مع انتهاء الحرب بعودة حليفها التركي للنفوذ الإقليمي، مع سقوط نظام الأسد، الذي ظل محسوباً بشكل جزئي على محور المقاومة، وكان عبئاً عليه، وظل رافضاً للمصالحة مع حماس.
وكما سبق لنا وتوقعنا خلال فترة الحرب الطويلة، بأنها لن تنتهي بضربة قاضية، وان كان طرف سيكسبها في نهاية المطاف، فلن يكون ذلك إلا بالنقاط، وتوقعنا أيضا، بأن تتحول الحرب إلى حرب استنزاف، والى جولات متتالية من حرب إقليمية تستمر سنين، ارتباطاً بترتيبات الإقليم، وحتى ارتباطاً بإعادة ترتيب النظام العالمي، على نحو مختلف عن النظام العالمي الحالي أحادي القطب الذي أعقب الحرب الباردة.
كذلك كما أشرنا في مقالنا السابق، بأنه حتى لو عادت الحرب مجددا، بعد المرحلة الأولى من اتفاق الصفقة، فإن نتائج الحرب حتى الآن تشير الى خسارة كلا الطرفين، يتضح ذلك أولاً بعدم تحقيقهما لما أعلناه عشية اندلاعها من أهداف جراء خوضها.
والحقيقة أنه بات من شبه المؤكد أن لا تعود الأمور بعد هذه الحرب لما كانت عليه قبلها، فبعد أن امتطى اليمين الإسرائيلي المتطرف صهوة الريح، وأطلق العنان لأحلامه اللاهوتية بإعادة استيطان قطاع غزة وتهجير سكانه بالكامل، ها هو يخرج من الحكومة، وقد لا يقوى نتنياهو على الاحتفاظ بالأغلبية البرلمانية مع انتهاء مراحل الصفقة، اما حماس فعلى الأغلب لن تبقى في الحكم، وهي نفسها قبلت خلال الحرب بما كانت ترفضه طوال 14 عاماً، أي عودة السلطة لغزة، وعلى الأرجح فإن السلطة بما هي عليه أو بإشراف دولي/إقليمي ستحكم غزة.
كانت هذه الحرب مغامرة، قامر فيها كلا الطرفين بكل ما لديه، وكانت جولة أخيرة بينهما، بعد جولات سابقة، وحماس بدأت بالطوفان، وهي غير متأكدة من فتح جبهات الإسناد، أي أنها أقدمت على ما يمكن وصفه بالعملية الاستشهادية، بعد 14 عاماً من الحصار، لم تستطع بكل ما أظهرته من اكتفاء بغزة، ومن تحالفات معتدلة أولاً مع تركيا وقطر، ومن ثم من تحالف مع محور المقاومة، أن تكسر الحصار الإسرائيلي بالأساس، وقد جربت من قبل تحطيم معبر رفح، ثم كسر الحصار البحري بالزوارق التركية، ومن خلال مسيرات العودة نحو السياج الفاصل مع إسرائيل.
وكل ذلك كان دون جدوى، ولم تستطع أن تقدم أكثر من وجود شكلي أو رمزي للسلطة في المعابر، على أن تبقى حاكم غزة الفعلي، أي أن تساعدها السلطة على التحرر من الحصار، وأن تشركها في نفس الوقت في حكمها الذاتي للضفة، دون التنازل عن حكم غزة، أما اليمين المتطرف الإسرائيلي، فقد وجد في «الطوفان» ضالته، التي دفعته للكشف عن حقيقة تطلعاته التوسعية مبكراً، وهو كان يكتفي بهدف ضم الضفة الفلسطينية، ليعود ويحلم بضم غزة أيضا، وقامر نتنياهو بمكانة إسرائيل عالمياً، وقطع الطريق على هدف التطبيع مع السعودية، ووسع دائرة العداء مع الإقليم، وألقى بكل قوته العسكرية في حرب كانت ستكون أسهل عليه لو أنها اندلعت قبل ثلاثين سنة مثلاً.
حتى أن نتنياهو ولأهداف خاصة وكذلك لتحقيق أهداف اليمين المتطرف التي يؤمن بها فعلاً، قد غامر بعلاقته مع الغرب، ولعل ما وقع من تلاسن حاد بينه وبين الرئيس الفرنسي أكثر من مرة خير دليل على ذلك، لكن الحرب أظهرت اسرائيل كدولة غير قادرة على الانتصار على محور من الإقليم، هو إيران وحلفاؤها، وحتى تصمد إسرائيل أمام حماس وجبهات الإسناد احتاجت الشراكة العسكرية والمخابراتية مع أميركا، واحتاجت للإسناد السياسي والمالي والعسكري الأميركي، وحتى تحقق إنجازات تكتيكية احتاجت لإمكانيات الغرب: أميركا، ألمانيا، بريطانيا وفرنسا، ومن ثم احتاجت للتحالف مع تركيا، أي لإدخال لاعب إقليمي ثالث، ليكسر سلسلة التواصل الجغرافي بين إيران وجنوب لبنان عبر سورية.
ثم إن مغامرة نتنياهو لن تقتصر على احتمال خروجه من الباب الضيق للحكم وحسب، بعد أن خرج من الحرب كمطلوب للعدالة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك حرب الإبادة، أي انه سيخرج أيضا من التاريخ على نحو مهين وذليل، كمجرم حرب، وربما حتى أنه سيكون كذلك في ذاكرة الإسرائيليين أنفسهم فيما بعد، لأنه قد يدان أيضا بتهم الفساد الداخلي، إضافة الى ارتكابه أسوأ فشل أمني وعسكري في تاريخ إسرائيل.
أما مراهنة نتنياهو على دونالد ترامب، فهي أيضا مقامرة أخرى، بل هي المقامرة الأخيرة لصاحب أطول فترة حكم في تاريخ إسرائيل، ويبدو أن الأميركيين باتوا يشبهون الإسرائيليين كثيراً، وكانت التجربة تقول بأن حزب العمل الإسرائيلي كان الأقدر على شن الحروب، والليكود كان الأقدر على عقد اتفاقيات السلام، لأن اليسار حين يشن الحرب يوافقه اليمين، واليمين حين يعقد السلام يوافقه اليسار، وهكذا فإن نتنياهو مع الديمقراطي جو بايدن قاد حرب إبادة جماعية، أما مع الجمهوري ترامب، فقد اضطر لعقد الصفقة التي رفضها طول عام، وكان ذلك قبل أن يدخل ترامب البيت البيض، بل بناء على تهديد صريح، بضرورة عقد الصفقة قبل دخوله البيت الأبيض، ولعل التوقيت الخاص بإعلان الصفقة قبل ثلاثة أيام، والبدء بتنفيذها قبل أقل من 24 ساعة على تنصيب الرجل خير دليل على ذلك.
والأخبار تأتي تباعاً، ونتنياهو حاول بالطبع أن يبيع بضاعة مغشوشة لبن غفير بالقول بأن ترامب سيكون معه في العودة للحرب بعد الجولة الأولى، فيما ترامب نفسه يؤكد على أن هدفه الأهم هو التطبيع مع السعودية، وهو يدرك جيداً بأن ثمن ذلك دولة فلسطينية، لا تبقي نتنياهو على مقعد الحكم.
الأيام الفلسطينية