ألقى فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله -عز وجل-، واغتنام الأيام قبل فواتها، وإحسان الأعمال قبل موافاتها.
وقال فضيلته: في مسيرة الإنسان إلى ربه فتن خطافة، والابتلاء من سنن الله عز وجل ليتبين الذين صدقوا، وليتبين الكاذبون، وعند الابتلاءات تخشى الانتكاسات”.


وأضاف: تقلب القلوب وتحولها من أعظم دلائل سلطان الله على القلوب، فمن تثاقل عن الاستجابة وتباطأ عن القبول لا يأمن أن يحول الله بينه وبين قلبه. مبيناً أن الثبات على الدين مطلب عزيز، ولزوم الجادة مقصد ثقيل، يحتاجه المسلم في حياته كلها، ثبات أمام الشبهات، وثبات أمام الشهوات، وثبات أمام الفتن. مستشهداً بحديث عن سبرة بن فاكهة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أن يزيغه أزاغه، وإن شاء أن يقيمه أقامه”. وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “قلب ابن آدم أشد تقلباً من القدر إذا استجمعت غليانَها”. وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: “يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك”، فقلت يا رسول الله: أمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: “نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله، يقلبها كيف يشاء”.
ولفت الشيخ صالح بن حميد إلى أن الخوف من الزيغ بعد الاستقامة، والضلالِ بعد الهدى، حاضر في صدور الربانيين الراسخين في العلم أولي الألباب. يقول الإمام ابن بطة العكبري رحمه الله: “اعلموا أن من شأن المؤمنين وصفاتهم وجودَ الإيمان فيهم، وداومَ الإشفاق على إيمانهم، وشدة الحذر على أديانهم، فقلوبهم وجلة من خوف السلب، قد أحاط بهم الوجل، لا يدرون ما الله صانع بهم في بقية أعمارهم، حذرين من التزكية، متبعين لما أمرهم به مولاهم الكريم، خائفين من حلول مكر الله بهم في سوء الخاتمة، لا يدرون على ما يصبحون ويمسون، قد أورثهم ما حذرهم تبارك وتعالى الوجلَ، فهم يعملون الصالحات، ويخافون سلبها، ويخافون من الفواحش والمنكرات، وهم وجلون من مواقعتها، وبذلك جاءت السنة عن المصطفى”.
وحذر فضيلته من هذه الانتكاسات والتقلبات، وأنه من أجل أن يحذر العبد فعليه بمراقبة ربه في السر والعلن، والظاهر والباطن، وحفظِ وقته ولسانه، والجدِّ في عمله، والبعدِ عن الغلو والجفاء، وليحذر الهوى، والعجبَ، والرياء.
واستشهد فضيلته بقول أهل العلم: الطاعة توجب القرب من الرب، والمعصية توجب البعد عن الرب، وكلما اشتد القرب قوي الأنس، وكلما زاد البعد قويت الوحشة. لافتًا إلى أن أهل العلم ذكروا جملة من الأسباب المعينة على الثبات، منها العمل بالشرع، وملازمة كتاب الله، ومنها صحبة الأخيار، والبعد عن مواطن الشبه.
وأكد الشيخ صالح بن حميد أنه لا صلاح إلا بالثبات، ولا نجاة إلا بالإخلاص، والقلب أحق ما حُرِس، والجوارح أكرم ما حُمي وما صدق صادق فُردَّ، ولا طرق البابَ مخلصٌ فَصُدَّ، والله كاف عبده، وكلما زادت طاعة العبد ازدادت كفاية الله له.
وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن أسباب الضلال والانحراف والانتكاس تعود للمرء نفسه، ولمسؤوليته الخاصة، ومن قسا قلبه فما ذلك إلا بذنبه وكسبه، ومحقرات الذنوب متى يؤخذْ بها صاحبها تهلكْه. وإن من أخطر مسالك المهالك ذنوب الخلوات، وقد كثرت وسائلها، ولا يزجر عن إثمها واقترافها إلا خوف الله ومراقبته، مستشهداً بقول ابن القيم رحمه الله: “ذنوب الخلوات سبب الانتكاسات، وعبادة الخلوات سبب الثبات، وكلما طيب العبد خلوته بينه وبين ربه طيب الله خلوته في قبره”.
وقال فضيلته: فليأخذ العبد حذره من ذنوب الخلوات مع أدوات الاتصالات. وعبادة السر تقي من نوازع الشهوات، والمراقبة في الخلوات ترسخ قدم الثبات. ومَن أكثر العبادة في الخلوات ثبته الله عند الشدائد والمدلهمات، ومن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل.
وأوصى فضيلته المسلمين بحفظ جوارحهم، ومحاسبة أنفسهم، وإن من خير ما يستقبلون به عامهم صيام يوم عاشوراء؛ ذلك أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يحرص على صيام هذا اليوم حتى قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء. متفق عليه.
وإن صام معه اليوم التاسع فهو أعظم أجراً لقوله صلى الله عليه وسلم: “لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع”.
* وفي المدينة المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي عن الحقوق والواجبات بين الزوجين، والمعاشرة بينهما بالمعروف، وتبادل الاحترام والمودة والرحمة، قائلاً: “إنه مما يثلج الصدر ويبهج النفس مناسبات الزواج التي يقترن فيها شاب بفتاة بميثاق غليظ، ورباط شرعي لبناء أسرة، وتأسيس لبنة تشد أزر المجتمع، وتقوي أركان الوطن، تترعرع في ظل أجواء هادئة هانئة، تغذيها المودة والرحمة”.
وأوضح أن مما يعزز السعادة، ويعمق الاستقرار في الزواج، فهم الحقوق والواجبات وحدود المسؤوليات بين الزوجين، مبيناً أن البيت الذي يشع بالإيمان، ويظلله الدين، ويضاء بالطاعة.. بيت يخرج نباته طيبًا بإذن ربه ولو بعد حين، مستشهداً بقوله تعالى: {ذُرِّيَّة بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
وأضاف بأن البركة إذا حلت في البيوت والأسرة والحياة ترادف الخير، ونفر الشيطان منها، موضحًا أن أهم أسبابها قراءة القرآن، وإحياء ذكر الله والصلاة، مستشهداً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم، ولا عشاء» رواه مسلم.
وذكر فضيلته أن مما يقرب الأرواح، ويقوي أواصر المحبة بين الأزواج، المعاشرة بالمعروف، فهي قاعدة في أسلوب الحياة، ومنهج تعامل في الحياة الزوجية، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. وحسن العشرة تكون بطيب القول، وحسن الفعل، والتلطف في المعاملة، وتوسيع النفقة، ولين الجانب، وإدخال السرور، والعفو والتسامح، وضبط النفس، والتحكم في الغضب.. مضيفاً بأن من المعاشرة بالمعروف حفظ الأسرار، وستر الخلافات، والابتعاد عن التجسس وكل ما يفضي إليه، وعدم البحث في العيوب، وتتبع العورات وكشف المستور، موردًا قوله عليه الصلاة والسلام: “إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم” رواه البخاري ومسلم.
وحذر فضيلته من سوء الظن بين الزوجين، فهو من آفات الحياة الزوجية، ويفضي إلى الاتهام بغير بيّنة، داعياً الأزواج إلى الرقي في المعاملة، وتعلم فن التغافل، وعدم الإيغال في تفاصيل الأمور الصغائر، والترفع عن سفاسف الأمور وتتبع السقطات.. مشيرًا إلى أن الحياة الزوجية قد تواجه بعض التحديات والخلافات التي تكدر صفوها، لكن العقلاء من الأزواج يجلسون على مائدة الحوار، يفندون المشكلات، ويغلبون مصلحة استقرار الأسرة وبقاء العشرة، ويتجردون من آفات حظوظ النفس، ولا بد من الإشارة إلى أن العناد والتحدي نزغة شيطان لتدمير بنيان الأسرة.
وأكد الشيخ الثبيتي أن أهم مما يهدد الحياة الزوجية المقارنات في الخلقة والشكل والتعامل مع ما يشاهد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فتحتقر المرأة في نظر زوجها، ويقزم الرجل في قلب زوجته، داعياً إلى تقوى الله في التعامل مع هذه الوسائل، والترفع عن زلاتها، وقناعة الأزواج ورضاهم بما قسمه الله شكراً للنعمة، وحفاظاً على كيان الأسرة، قال الله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّه فِيه خَيْرًا كَثِيرًا}.
وأبان فضيلته أن الهدايا اللطيفة والمفاجآت المبهجة بين الزوجين مما يجدد دفء الحياة، ويحرك المشاعر الراكدة، ويحيي معاني الحب والمودة، ويوقظ الأُلفة بينهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا» رواه البخاري، مؤكدًا أن الابتسامة تعمل عمل الهدية في سحرها وأثرها على القلب والنفس، فلا يغفل الزوجان عنها، إلى جانب كونها صدقة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك صدقة» رواه ابن حبان في صحيحه.
وختم الخطبة موصياً المسلمين بصيام يوم عاشوراء، وهو العاشر من محرم؛ فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيامه فقال: “وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله” رواه مسلم. ويستحب صوم التاسع مع العاشر لقوله صلى الله عليه وسلم: “لئن بقيت إلى قابلٍ لأصومنّ التاسع” رواه مسلم.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية رسول الله صلى الله علیه وسلم الحیاة الزوجیة بین الزوجین یوم عاشوراء إلى أن

إقرأ أيضاً:

حكم الترجي بالنبي صلى الله عليه وسلم وآل البيت والكعبة؟

قالت دار الإفتاء المصرية الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره بأن يقول القائل: والنبي -مثلًا- أو والكعبة وغيره، مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف أمرٌ جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه عند جماهير الفقهاء.
 

حكم طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم دار الإفتاء توضح حكم مقولة "خد الشر وراح"



ووضحت دار الإفتاء المصرية أنه لا يصح أن يُمنَع بالأدلة التي ظاهرها يُحَرِّمُ الحلف بغير الله؛ فهو ليس من هذا الباب، وهو واردٌ في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة الكرام؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهْ؛ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ»

وتابعت دار الإفتاء أنه روى الشيخان أن امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت له: «لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي؛ لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ» تعني طعام أضيافه.


 

حكم الترجي بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآل البيت والكعبة والمصحف؟ 
 

وأضافت دار الإفتاء أن العلماء اتفقوا على أن الحالف بغير الله لا يكون كافرًا حتى يُعَظِّم ما يحلف به من دون الله تعالى، فالكُفْرُ حينئذٍ من جهة هذا التعظيم لا من جهة الحلف نفسه، والحلف بما هو مُعَظَّم في الشرع كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام والكعبة لا حرج فيه؛ لأنه لا وجه فيه للمضاهاة، بل هو تعظيمٌ لما عظَّمه الله، وظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله غير مراد قطعًا؛ لإجماع الفقهاء على جواز الحلف بصفاته سبحانه، فهو عموم أريد به الخصوص.


وتابعت دار الإفتاء أن هذا عن الحلف، أما الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف فغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائزٌ لا حرج فيه؛ لوروده في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة وجريان عادة الناس عليه بما لا يخـالف الشـرع الشـريف، وليس حرامًا ولا شركًا كما يُقال، ولا ينبغي للمسلم أن يتقول على الله بغير علم، ولا يجوز له أن يتهم إخوانه بالكفر والشـرك فيدخـل بذلك في وعيد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» رواه مسلم.

 

مقالات مشابهة

  • القيادة في العمل الخيري
  • معنى حديث: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا"
  • في ساعة الاستجابة يوم الجمعة.. دعاء جامع شامل
  • صلة الرحم من أسباب الرزق الخفية.. كيف تصل الرحم المؤذية؟
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
  • بعد عصر يوم الجمعة.. آية تفرج الهم وتقضي الدين
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • عندما يعلن الفنان حبه لأهل البيت.. وهؤلاء الأكثر زيارة للأضرحة
  • خشية الله وأماراتها
  • حكم الترجي بالنبي صلى الله عليه وسلم وآل البيت والكعبة؟