مكة المكرمة

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله عز وجل واغتنام الأيام قبل فواتها، وإحسان الأعمال قبل موافاتها.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام: “في مسيرة الإنسان إلى ربه فتن خطافة، والابتلاء من سنن الله عز وجل ليتبين الذين صدقوا، وليتبين الكاذبون، وعند الابتلاءات تخشى الانتكاسات”.


وأضاف: “تقلب القلوب وتحولها من أعظم دلائل سلطان الله على القلوب فمن تثاقل عن الاستجابة وتباطأ عن القبول فلا يأمن أن يحول الله بينه وبين قلبه” مبيناً أن الثبات على الدين مطلب عزيز، ولزوم الجادة مقصد ثقيل يحتاجه المسلم في حياته كلها، ثبات أمام الشبهات، وثبات أمام الشهوات ، وثبات أمام الفتن، مستشهداً بحديث عن سبرة بن فاكهة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أن يزيغه أزاغه، وإن شاء أن يقيمه أقامه، وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلب ابن آدم أشد تقلباً من القدر إذا استجمعت غليانَها، وعن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، فقلت يا رسول الله: آمنا بك، وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء.
ولفت الشيخ صالح بن حميد إلى أن الخوف من الزيغ بعد الاستقامة، والضلالِ بعد الهدى حاضر في صدور الربانيين الراسخين في العلم أولي الألباب، حيث يقول الإمام بن بطة العكبري رحمه الله: اعلموا أن من شأن المؤمنين وصفاتهم وجودَ الإيمان فيهم ، وداومَ الإشفاق على إيمانهم، وشدةَ الحذر على أديانهم، فقلوبهم وجلة من خوف السلب، قد أحاط بهم الوجل، لا يدرون ما الله صانع بهم في بقية أعمارهم، حذرين من التزكية، متبعين لما أمرهم به مولاهم الكريم، خائفين من حلول مكر الله بهم في سوء الخاتمة لا يدرون على ما يصبحون ويمسون، قد أورثهم ما حذرهم تبارك وتعالى الوجلَ، فهم يعملون الصالحات، ويخافون سلبها، ويخافون من الفواحش والمنكرات، وهم وجلون من مواقعتها، وبذلك جاءت السنة عن المصطفى.
وحذر فضيلته من هذه الانتكاسات والتقلبات، وأنه من أجل أن يحذر العبد فعليه بمراقبة ربه في السر والعلن، والظاهر والباطن، وحفظِ وقته ولسانه، والجدِّ في عمله، والبعدِ عن الغلو والجفاء، وليحذر الهوى، والعجبَ، والرياء.
واستشهد فضيلته بقول أهل العلم: الطاعة توجب القرب من الرب، والمعصية توجب البعد عن الرب، وكلما اشتد القرب قوي الأنس، وكلما زاد البعد قويت الوحشة، لافتاً إلى أن أهل العلم ذكروا جملة من الأسباب المعينة على الثبات منها العمل بالشرع، وملازمة كتاب الله ومنها صحبة الأخيار، والبعد عن مواطن الشبه.
وأكد الشيخ صالح بن حميد على أنه لا صلاح إلا بالثبات، ولا نجاة إلا بالإخلاص، والقلب أحق ما حُرِس، والجوارح أكرم ما حُمي وما صدق صادقَ فُردَّ، ولا طرق البابَ مخلصٌ فَصُدَّ، والله كاف عبده، وكلما زادت طاعة العبد ازدادت كفاية الله له.
وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن أسباب الضلال والانحراف والانتكاس تعود للمرء نفسه ولمسؤوليته الخاصة، ومن قسا قلبه فما ذلك إلا بذنبه وكسبه، ومحقرات الذنوب متى يؤخذْ بها صاحبها تهلكْه، وأن من أخطر مسالك المهالك ذنوبُ الخلوات، وقد كثرت وسائلها، ولا يزجر عن إثمها واقترافها إلا خوف الله ومراقبته، مستشهداً بقول ابن القيم رحمه الله: ذنوب الخلوات سبب الانتكاسات، وعبادة الخلوات سبب الثبات، وكلما طيب العبد خلوته بينه وبين ربه طيب الله خلوته في قبره.
وقال فضيلته: “فليأخذ العبد حذره من ذنوب الخلوات مع أدوات الاتصالات، وعبادة السر تقي من نوازع الشهوات، والمراقبة في الخلوات ترسخ قدم الثبات، ومن أكثر العبادة في الخلوات ثبته الله عند الشدائد والمدلهمات ، ومن خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل”.
وأوصى فضيلته المسلمين بحفظ جوارحهم، ومحاسبة أنفسهم، وإن من خير ما يستقبلون به عامهم صيام يوم عاشوراء، ذلك أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يحرص على صيام هذا اليوم حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء . متفق عليه، وإن صام معه اليوم التاسع فهو أعظم أجراً لقوله صلى الله عليه وسلم : (لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع) .
وفي المدينة المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي عن الحقوق والواجبات بين الزوجين، والمعاشرة بينهما بالمعروف، وتبادل الاحترام والمودة والرحمة، قائلاً: “إنه مما يثلج الصدر ويبهج النفس، مناسبات الزواج التي يقترن فيها شاب بفتاة بميثاق غليظ، ورباط شرعي لبناء أسرة وتأسيس لبنة تشد أزر المجتمع وتقوي أركان الوطن، تترعرع في ظل أجواء هادئة هانئة تغذيها المودة والرحمة”.
وأوضح أن مما يعزز السعادة، ويعمق الاستقرار في الزواج فهم الحقوق والواجبات وحدود المسؤوليات بين الزوجين، مبيناً أن البيت الذي يشع بالإيمان، ويظلله الدين، ويضاء بالطاعة بيت يخرج نباته طيب بإذن ربه ولو بعد حين، مستشهداً بقوله تعالى: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وأضاف أن البركة إذا حلت في البيوت والأسرة والحياة، ترادف الخير، ونفر الشيطان منها، موضحاً أن أهم أسبابها قراءة القران، وإحياء ذكر الله والصلاة، مستشهداً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم، ولا عشاء» رواه مسلم.
وذكر فضيلته، أن مما يقرب الأرواح، ويقوي أواصر المحبة بين الأزواج، المعاشرة بالمعروف، فهي قاعدة في أسلوب الحياة، ومنهج تعامل في الحياة الزوجية، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، وحسن العشرة: تكون بطيب القول، وحسن الفعل، والتلطف في المعاملة، وتوسيع النفقة، ولين الجانب، وإدخال السرور، والعفو والتسامح، وضبط النفس، والتحكم في الغضب، مضيفاً أن من المعاشرة بالمعروف حفظ الأسرار، وستر الخلافات، والابتعاد عن التجسس وكل ما يفضي إليه، وعدم البحث في العيوب، وتتبع العورات وكشف المستور، مورد قوله عليه الصلاة والسلام (إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم) رواه البخاري ومسلم.
وحذر فضيلته، من سوء الظن بين الزوجين، فهو من آفات الحياة الزوجية الذي يفضي إلى الاتهام بغير بيّنة، داعياً الأزواج إلى الرقي في المعاملة، وتعلم فن التغافل، وعدم الإيغال في تفاصيل الأمور الصغائر، والترفع عن سفاسف الأمور وتتبع السقطات، مشيراً إلى أن الحياة الزوجية قد تواجه بعض التحديات والخلافات التي تكدر صفوها، لكن العقلاء من الأزواج يجلسون على مائدة الحوار، يفندون المشكلات، ويغلبون مصلحة استقرار الأسرة وبقاء العشرة، ويتجردون من آفات حظوظ النفس، ولا بد من الإشارة إلى أن العناد والتحدي نزغة شيطان لتدمير بنيان الأسرة.
وأكد الشيخ الثبيتي، أن أهم مما يهدد الحياة الزوجية، المقارنات في الخلقة والشكل والتعامل مع ما يشاهد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فتحتقر المرأة في نظر زوجها، ويقزم الرجل في قلب زوجته، داعياً إلى تقوى الله في التعامل مع هذه الوسائل، والترفع عن زلاتها، وقناعة الأزواج ورضاهم بما قسمه الله شكراً للنعمة، وحفاظاً على كيان الأسرة، قال الله تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).
وأبان فضيلته، أن الهدايا اللطيفة، والمفاجآت المبهجة بين الزوجين، مما تجدد دفء الحياة، وتحرك المشاعر الراكدة، وتحيي معاني الحب والمودة، وتوقظ الألفة بينهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا»؛ رواه البخاري، مؤكداً أن الابتسامة تعمل عمل الهدية في سحرها وأثرها على القلب والنفس، فلا يغفل الزوجان عنها، إلى جانب كونها صدقة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك صدقة» رواه ابن حبان في صحيحه.
وختم الخطبة موصياً المسلمين بصيام يوم عاشوراء وهو العاشر من محرم، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيامه فقال: (وصيام يومٍ عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) رواه مسلم، ويستحب صوم التاسع مع العاشر لقوله صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابلٍ لأصومنّ التاسع) رواه مسلم.

المصدر: صحيفة صدى

كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وسلم الحیاة الزوجیة المسجد الحرام بین الزوجین إلى أن

إقرأ أيضاً:

القيادة في العمل الخيري

إن القيادة في العمل الخيري لها صفات ينبغي للقائد امتثالها فهي تتقاطع مع القيادة في القطاعات الأخرى، ولكن لها خصائص تتمايز بها ،فالقيادة بتعريفها البسيط هي(تحريك الناس نحو الهدف) ونضيف في العمل الخيري بالإضافة إلى ما ذكر عبارة (لإحداث الأثر) فكل عمل خيري لا بدَّ أن يكون له أثر سواء كان على مستوى المستفيد أو المستوى التنموي في الوطن أو مستوى العالم، والعمل الخيري هو (كل عمل منسوب إلى الخير ، متسم به ، هادف إلى النفع العام ) ويكون هدفه وغايته ابتغاء الأجر فهو قائم على تحسين جودة الحياة وقضاء حوائج الضعفاء والمساكين ، وعندما نتأمل ذلك العمل الخيري فهو يحتاج إلى صفات قيادية مع تلك الأعمال العظيمة، وسوف أستنبط تلك الصفات من واقع خبرتي وفهمي للقيادة من القرآن والسنة وبالأخص سير الأنبياء :

أولا: وضوح البوصلة لدى القائد.
قد يوفقك الله للعمل في الجمعيات الخيرية، وهذه النعمة تحتاج إلى شكر الله عز وجل والعزم على أداء حقوقها، ومن الممكن أن تصبح قيادياً فيها بموجب الخبرة والاجتهاد، ومن متطلباتها أن يكون لديك بوصلة داخلية واضحة، تعرف من خلالها هدفك النبيل والأثر الذي تريد أن تحققه لإحداث التغيير في عملك، كان النبي صلى الله عليه، وسلم قبل الرسالة يعيش في قبيلته وبين أهله، وعندما أمر بتبليغ الرسالة أصبحت البوصلة لديه واضحة، وانطلق يجوب الأرض يدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، ومات لأجلها وقد اتسعت رقعة الإسلام في عهده ومن تبعه من بعده من الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا ، فتحديد البوصلة والإخلاص في القول والعمل يبقي الأثر بإذنه سبحانه إلى يوم الدين .

ثانيا : حفيظ عليم.
في استحقاق ولاية المال طلب يوسف -عليه السّلام- من ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض، قال -تعالى-: (قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ) ، فهو حفيظ للمال، ولديه علم بإدارته ، فالقائد في العمل الخيري لابد أن يكون رقيباً وحفيظاً على المال، فهو أمانة وحق للضعفاء والمعوزين وأن يكون لديه من العلم الذي يمكنه من إدارة ذلك المال، فالعلم قبل العمل، والقائد لابد أن يكون لديه علم لكي يقود عمله على أسس علمية ودراية .

ثالثاً: الحب ،العطاء،الصبر
القائد في العمل الخيري لا بدَّ أن يكون لديه حب للعمل الذي يقوم به وعطاء متجدد، ويوزع ذلك الحب على المستفيدين بلين الجانب في القول والصبر عليهم واحتوائهم، وأن يعطيهم من وقته ما يسد به من حاجتهم فالعمل الخيري ليس فيه ساعات عمل محددة بل لا بد من بذل نفسك له لقضاء حاجات الضعفاء، فقد جاء في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في المسجد، جلس إليه الفقراء والمستضعفون من أصحابه: خبّاب، وعمّار، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي، وأمثالهم ممن لهم جاه ومنزلة عالية عند الله، وإن لم يكن لهم جاه وقدر عند قريش، حتى قال بعض المشركين لبعض: هؤلاء أصحاب محمد كما ترون ، والواضح أن الذي منع المشركين من الاستماع والجلوس إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحضور هؤلاء الفقراء المستضعفين، الأنفة والكبر حتى إنَّهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطردهم من مجلسه حتى يجلسوا معه، ويستمعوا منه، فأنزل الله عز وجل آيات قرآنية تبين شأن هؤلاء الصحابة وقيمتهم ومنزلتهم العالية التي يجهلها أو يتجاهلها هؤلاء الكفار، وتمنع الرسول صلى الله عليه وسلم عن طردهم، قال الله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍۢ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَىْءٍۢ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ} ، فينبغي للقائد في العمل الخيري أن يكون لديه الصبر في قضاء حوائج المساكين ولا يتكبر ولا يتجبر بل يعيش بينهم ويتلمس حاجاتهم ، ويوصل لهم الأحاسيس والحب والمشاعر الإنسانية، وأن يعطيهم من نفسه ووقته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه.

رابعاً: الاعتناء باختيار الفريق.
ويمثل هذا النموذج موسى عليه السلام، حينما اختار أخاه هارون ليكون وزيراً له ، يعينه بفصاحته وقدرته العلمية والعملية على مواجهة صلف فرعون وأعوانه يقول تعالى (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) ، والله عز وجل استجاب دعاءه إذ قال تعالى في سورة القصص ( قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) ،فينبغي للقائد اختيار من يعتمد عليه، ويساعده في الغاية والهدف الذي يريد الوصول إليه ولا يكون عالة، ولهذا لا تجامل في اختيار فريقك بل الواجب اختيار الأفضل كفاءة وقدرة على تفهم أهدافك وإستراتيجيتك وبوصلتك.

خامساً: الشغف
يجب أن يكون القائد لديه الشغف للعمل والشغف هو أن يعيش معك ذلك العمل، ويكون لديك الحماس الشديد والرغبة الجامحة لإنجاحه ، عندما تتوقد شعلة الشغف، وتبني القضية فيبذل القائد نفسه، ويحقق نتائج باهرة، وتتأكد عندما يترك القائد حظوظ النفس ويعيش لأجل القضية التي وجدت لها المنظمة أو تبناها فيبذل نفسه وماله ،ونبي الهدى عليه الصلاة والسلام كان شغوفا بدعوته مبلغاً لها ويضيق صدره من الصد عنها قال الله تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) فكان ينقبض قلبه من أذى الكفار فأمره الله بالتسبيح والسير في قضيته التي كلف بها وأن يكون من العابدين المستنيرين العالمين بأهدافه التي يسعى لتحقيقها ، ولهذا فعندما يُوقفك في طريق نهضتك ورسالتك السامية الخيرية أمر جلل، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين فهو المعين والموفق .

سادساً: الأمانة ، الصدق ،العدل، و تلمس الاحتياجات القائد لابد أن يتحلى بصفة الأمانة في تعاملاته في المنظمة، ومع المستفيدين وفريق عمله فيحفظ سرهم، ويكون صادقاً في قوله وعمله، وتكون الشفافية لديه عالية والعدل بينهم ،الأمانة والعدل والصدق هي صفات نبيلة ارتبطت بالأنبياء على مر العصور. هذه الصفات هي الأساس الذي بنيت عليه رسالاتهم السماوية، وهي التي جعلت الناس تثق بهم، وتتبعهم، ومن نماذج الأمانة وقضاء حوائج الناس، ما وقع بين نبي الله موسى عليه السلام وبنات شعيب حيث ساعدهن عليه السلام بكل أدب واحترام قال تعالى: ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ* فَسَقَى لَهُمَا) حتى وصفته إحدى بنات شعيب بالأمانة والعفة حيث قالت لوالدها (.. يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)، وفي الأمانة أيضا هناك نموذج يوسف عليه السلام حينما حافظ على أمانة سيدته وحفظ عرضه على الرغم من الإغراء الشديد ، وقد صور هذا الموقف القرآن الكريم في قوله تعالى (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِۦ ۚ قُلْنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوٓءٍۢ ۚ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْـَٰٔنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفْسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ) ، ومن أمثلة قضاء حوائج الناس ما قال النبي صلى الله، وسلم (أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ ، تَكشِفُ عنه كُربةً ، أو تقضِي عنه دَيْنًا ، أو تَطرُدُ عنه جوعًا ، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا ، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه ؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا ، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له ؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ)، ومن هذا الحديث العظيم يتبين لنا كيف أن الأنبياء جميعهم كانوا يحثون الناس على فعل الخير وتلمس احتياجاتهم وكان صلى الله عليه وسلم يتلمس احتياجات أهل بيته والمسلمين أجمعين، ويدخل السرور في نفوسهم من خلال قضاء حاجاتهم، ومن قبل ذكرنا موقف موسى عليه مع بنات شعيب .

ومن الأمور التي أمر الله بها وحث عليها الأنبياء قيمة العدل يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) بل ان الرسول صلى الله عليه، وسلم (القضاة ثلاثةٌ قاضيانِ في النارِ وقاضٍ في الجنةِ فأما الذي في الجنةِ فرجلٌ عرفَ الحقّ فقضَى بهِ فهو فِي الجنةِ ورجلٌ عرفَ الحقَ فلم يقضِ به وجارَ في الحُكمِ فهو في النارِ ورجل لم يَعرِفِ الحق فقضَى للناسِ على جهلٍ فهو للنارِ) ولنا في قصة المخزومية التي سرقت في عهد النبوة مثلا عندما أتاه أسامة بن زيد شافعاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتشفعُ في حدٍّ من حدودِ اللهِ. ثم قام فخطب، فقال: إنما هلك الذين قبلَكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهمُ الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهمُ الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ، وأيمُ اللهِ لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدَها) ومن نماذج العدل وعدم الحيد عنها قول الله تعالى لداوود (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ،ومن نماذج الصدق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم (علَيْكُم بالصِّدْقِ، فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وإيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا.)
ومن الأمثلة على صدق الأنبياء: سيدنا إبراهيم: كان صادقًا في دعوته إلى الله، ولم يرتد عن دينه رغم المحن، وسيدنا محمد صلى الله عليه، وسلم: كان الصادق الأمين، ولم يقل كذبة قط، حتى في الهزل ،ومن الصفات التي أعطاها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم صفتي: الصدق والأمانة، وكان يلقب في الجاهلية بالأمين، ومتى ماكنت أميناً وصادقاً وعدلاً وثق بك الداعمون والمستفيدون .

سابعاً: الحكمة
الله عز وجل خاطب نبيه محمد صلى الله عليه، وسلم بقوله ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) فأمره بالحكمة والنبي صلى الله عليه وسلم امتثل ذلك فكان حكيماً في تصرفاته، وفي أموره كلها ، والقائد يجب أن يكون حكيماً في اتخاذ القرارات الصحيحة التي لها علاقة بعمله الخيري ، وأن يتجنب العجلة فهي لا تأتي بخير ، وأن يصحب الحكماء، ويتعلم منهم الدروس والفوائد.

ثامناً: الشجاعة
ينبغي للقائد أن يكون شجاعاً في عمله واتخاذ قراراته، فاتسام القائد بالشجاعة يرفع ثقة أتباعه به، إن العمل الخيري يحتاج منك أن تكون شجاعاً مقداماً، ويتجلى ذلك في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم عند ثباته في غزوة أحد؛ إذ إنه لم يفر بل بقي ثابتاً في الميدان حتى اجتمع عليه أصحابه، وكذلك في غزوة حنين بقي معه عشرة من أصحابه وكان ثابتاً ، وفي غزوة بدر كان في المقدمه بين أصحابه وثابتاً ، وتلك الشجاعة تلهم الأتباع وتحفزهم على تحقيق الأهداف .

مقالات مشابهة

  • فضل أداء صلاة الفجر في جماعة
  • القيادة في العمل الخيري
  • موعد المولد النبوي الشريف 2024.. وحكم الاحتفال به
  • في ساعة الاستجابة يوم الجمعة.. دعاء جامع شامل
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • نوادر الكتب.. معرض المدينة المنورة للكتاب يناقش تأثير الذكاء الاصطناعي في مستقبل الأدب والنقد
  • نوادر الكتب في المسجد النبوي الشريف في معرض المدينة المنورة للكتاب
  • خشية الله وأماراتها
  • موعد إجازة المولد النبوي الشريف 1446-2024