عقدت الجمعية المحمدية الأندونيسية بجاكارتا، حفل استقبال خاص لفضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين؛ بمناسبة زيارة فضيلته لإندونيسيا للمرة الثالثة، تحت عنوان "الأزهر الشريف والمحمدية ودورهما الرائد في نشر وسطيَّة الإسلام وتحقيق السلام العالمي"، وذلك بحضور فضيلة الشيخ حيدر ناصر، الرئيس العام للجمعية المحمدية، وقيادات المؤسسة، ورؤساء الجامعات المحمدية، ونخبة من علماء إندونيسيا ومفكريها.

وفي بداية الحفل،  أعرب السيد حيدر ناصر، الرَّئيس العام للجمعية المحمدية الإندونيسيَّة، عن سعادته بزيارة شيخ الأزهر لمقرِّ الجمعية، ودعم الأزهر غير المحدود لمسلمي إندونيسيا من خلال تقديم المنح الدراسية واحتضان أبناء إندونيسيا في جامعة الأزهر، مؤكدًا أنَّ الأزهر يعد أنموذجًا في تطوير التعليم الديني والدعوة إلى الإسلام، وهو المرجعيَّة الإسلامية الأكبر، وعمود من أعمدة الحضارة الإسلامية.

وأكَّد السيد حيدر ناصر أنَّ شيخ الأزهر هو الدَّاعم الأكبر لقضايا العالم الإسلامي والقضايا الإنسانية، فهو ليس إمامًا للمسلمين فحسب، ولكنه رمز للسلام والإنسانية على مستوى العالم، مشيرًا إلى ضرورة تفعيل بنود وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقَّعها فضيلته مع البابا فرنسيس عام ٢٠١٩، لما تحويه من مبادئ إنسانية  ترعى مصلحة الإنسان أيًّا كان لونه أو دينه أو عرقه، مشيرًا إلى تقدير الإندونيسيين للمبادرات التي خرجت من رحم هذه الوثيقة، وفي مقدمتها جائزة زايد للأخوة الإنسانية، التي تُوِّجت بها جمعيتي المحمدية ونهضة العلماء لجهودهما في إرساء السَّلام والأخوَّة الإنسانية داخل إندونيسيا، ومشاركتهما الفعَّالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال التوسع في إنشاء المعاهد والجامعات والمستشفيات التي تخدم ملايين الإندونيسيين.

وبهذه المناسبة، ألقى فضيلة الإمام الأكبر كلمةً أكَّد فيها أن ارتباط الأمة المحمدية بنبي الإنسانية ﷺ الذي أخرج البشريَّة من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ضيق الوحشية والبطش إلى سعة الرحمة والسلام- لهو ارتباط وثيق لا تزيده الأيام إلا رسوخًا وثباتًا، موضحًا أن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يتدارسون سيرته وأخباره، ويقدرونه حق قدره، ويوقنون بأنه كان حلقة الوصل في تبديد ظلمات الأرض بأضواء السَّماء.

ولفت شيخ الأزهر إلى ظهور صيحات (قديمة متجددة) دأبَتْ على التَّشكيك في قيمة السنة النبوية، وفي ثبوتها وحجيتها، والطعن في رواتها: من الصحابة والتابعين ومَنْ جاء بعدهم، والمطالبة باستبعاد سنَّته الشريفة جملةً وتفصيلًا من دائرة التشريع والأحكام، وأن يكون الاعتماد في التشريع والأحكام على القرآن الكريم وحده، في كل ما يأتيه المسلم وما يدعه من عبادات ومعاملات، وما لا يجده المسلمون منصوصًا عليه في القرآن فإنَّهم غير ملتزمين فيه بأمرٍ أو نهيٍ، أو حِلٍّ أو تحريم، واصفًا إياها بالأمر القديم المتجدد.

وأوضح شيخ الأزهر  رئيس مجلس حكماء المسلمين، أن سلخ القرآن الكريم عن السنة النبوية يضعه في مهب الريح، ويفتح عليه أبواب العبث بآياته وأحكامه وتشريعاته، مبينًا قول العلماء في ذلك حول الصلاة كمثال، فهي ثابتة بالقرآن، ومع ذلك لا توجد آية واحدة في القرآن يتبين منها المسلم كيف يصلِّي، ولا ما هي كيفية الصلاة، ولا عدد ركعاتها وسجداتها، ولا هيئاتها، فهذه التفاصيل وأضرابها لا يمكن تبينها ولا معرفتها ولا الاستدلال عليها إلا من السنة النـبوية، التي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام، مشيرًا إلى أن كثيرًا من التشريعات وردت في القرآن مجملة وفصَّلتها السنَّة النبويَّة.

وأوضح شيخ الأزهر أنَّ هؤلاء المشكِّكين على اختلاف أماكنهم وأزمانهم، وتباينات مشاربهم وأذواقهم يجمعهم قاسم مشترك، هو: الشك والرِّيبة في رواة الأحاديث، والإغضاء من قيمة جهود علمية جبارة مضنية، أفنى فيها علماء الأمة وجهابذتها أعمارًا كاملةً، أراقوا فيها ماء عيونهم، بحثًا وتحقيقًا لهدف واحد، هو تمييز الصحيح من غير الصحيح من مرويَّات السنة، وذلك من خلال بحث دقيق، متفرد وعجيب، في تاريخ الرواة وسيرهم العلمية والخلقية، ومنزلتهم في الصدق والضبط والأمانة، ومن المعدل ومن المجروح - حتى نشأ بين أيديهم من دقة التعقب والتقصي والتتبع علمٌ مستقِلٌّ يُعرَفُ عند العلماء بعلم «الإسناد» أو «علم الرجال»، وهو علم لا نظير له عند غير المسلمين، لا قديمًا ولا حديثًا، وذلك بشهادة الأفذاذ من علماء أوروبا ممن توفَّروا على دراسة السنة النبوية، مؤكدًا أن هذا الكلام المنصف لم يكن ليصدر عن علماء الغرب، إلا بعد مكابدات طويلة في الدرس والبحث والتَّنقيب، وبعد أن تبين لهم أن التاريخ لا يعرف شخصًا آخر -نبيًّا أو زعيمًا أو بطلًا- غير محمد ﷺ، سجلت جميع وقائع حياته، وجميع أفعاله وأقواله وأسفارِه وأخلاقِه وعاداته حتى شكَّل لباسَه، وخطوط وجهه، وكيفيَّة تكلمه ومَشْيه وأكله وشربه ونومه وتبسمه، ونمط عشيرته في أهل بيتـه وأصدقائه وأعدائه، وغير ذلك مما حَفِلَت به مراجع السير والتاريخ.

وأثنى فضيلة الإمام الأكبر على قيام الأزهر الشريف بتصميم مقرَّرات تُعنى بنقد المتن المنكر، وذلك منذ أن كان فضيلته رئيسًا لجامعة الأزهر في بداية هذا القرن الميلادي؛ حيث إنه طلب ذلك بنفسه من كبار علماء الحديث في كليَّة أصول الدين، بهدف تبيين العلل القادحة في هذا المتن، وأن ينشروا هذا التراث الحديثي النقدي، ويحقِّقوا هذه الكنوز النادرة في هذا الفن، التي لم تأخذ نصيبها الأوفر من الدراسة والذيوع والانتشار.

وأعرب شيخ الأزهر عن تعجُّبه الشديد، من أنَّ النبي قد أخبر أمته –قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان- أن أناسًا ممَّن ينتسبون إليه سيخرجون يومًا من الأيام ينادون باستبعاد سنته، والاكتفاء بها عن القرآن، ويحذرنا من صنيعهم وهم لا يزالون بعدُ في ضمير الغيب، قائلًا: "أليس هذا دليلًا من دلائل نبوته ﷺ ومعجزةً من معجزاته التي لا ينطفئ سراجها الوهاج على مر الزمان وكر الدهور"، متعجبًا أيضًا من أن بعض منكري السنة يسمون أنفسهم «القرآنيين»، مؤكدًا أنهم هم أبعد الناس عن القرآن الكريم، ولو كانوا قرآنيين حقًّا، وذلك لأنهم أنكرُوا ما أوجب الله تعالى في هذا القرآن من وجوب اتباع سنة النبي، واتباع سبيل المؤمنين، مؤكدًا أن السنة محفوظة بحفظ القرآن الكريم نفسه.

وفي ختام كلمته، أوصى فضيلة الإمام الأكبر علماء إندونيسيا بأن يولوا هذه القضية (حجية السنة النبوية) عنايةً فائقةً، وحبذا لو جعلتموها في متطلَّباتٍ جامعيَّةٍ، بل مقررات دراسية في مراحل التعليم قبل الجامعي، حتى نحصِّن أجيال الشباب ضد اختطافهم إلى حيث لا سنة ولا قرآن، بل ولا دين، قائلًا: "الحديث يطول، وحسبي أنَّني قرعت ناقوس الخطر الذي بدأ يطل برأسه من جديد أيامنا هذه في بلاد المسلمين، شرقًا وغربًا".

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف الاندونيسية ناقوس الخطر تحقيق السلام المحمدية مستوى العالم المنح الدراسية فضیلة الإمام الأکبر السنة النبویة القرآن الکریم شیخ الأزهر مؤکد ا أن

إقرأ أيضاً:

مشرف الرواق الأزهري: نهتم بتحفيظ القرآن للراغبين والوافدين وفق منهج علمي

قال عبدالمنعم فؤاد المشرف العام على الرواق الأزهري، إنَّ الأزهر الشريف يولي القرآن الكريم عناية خاصة؛ فهُو درة التاج وواسطة عقد الإسلام، ولذا فَإن رواق القرآن الكريمِ بالجَامِعِ الأَزهَرِ يعْنى بِتيسِيرِ تحفيظ القرآن الكَريم للراغبين مِنْ أبناء مصر وأبناء المسلمِين الوافدين من العالم الإِسلامِي وفق منهَج علمي متعدد الأنظمة، كما يُرَاعِي ظروف واحْتِيَاجَاتِ الدَّارِسِينَ، ويقوم بِالتحفيظ نخبة من  المحفظين الحاذِقين الماهرِينَ المعتَمدِين مِن الأزهر الشريف.

وأكد أنَّ الأروقة العلمِية بِالجامِعِ الأَزهر انطلقت بناء على مبادرة كريمة من فَضِيلَةِ الإمام الأَكبرِ أ.د أَحْمَد الطيب، شيخ الأزهر، قبل سنواتٍ؛ لِإِعَادَةِ إِحْيَاءِ الأَرْوِقَةِ الأزهرية؛ لِتُمَارِسَ دَوْرَهَا التَّارِيخِيّ فِي تَقْدِيمِ وَتَيْسِيرِ شَرْحِ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ واَلعَرَبِيَّةِ، وِفق المنهج الأزهري الوسطِي المنْضَبِطِ، لِطَلَبَةِ العِلْمِ كَافَّةً مِنْ جَمِيعِ الأَعْمَارِ.وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ الإِدَارَةَ العَامَّةَ لِلجَامِعِ الأَزْهَرِ وَمِنْ خِلَالِ الأَرْوِقَةِ الأَزْهَرِيَّةِ تُسَاعِدُ مَعَ بَقِيَّةِ قِطَاعَاتِ وَإِدَارَاتِ المُؤَسَّسَةِ الأَزْهَرِيَّةِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى المُرْجِفِينَ وَالمُرَوِّجِينَ لِلأَفْكَارِ الهَدَّامَةِ وَالمُتَطَرِّفَةِ.

رسالة الرواق الأزهري

وأكّد أنَّ رسالة الرواق الأزهري تشمل نشْرُ الْفَهْمِ الصَّحِيحِ لِتَعَالِيمِ الْإِسْلَامِ السَّمْحَةِ طِبْقًا لِلْمَنْهَجِ الْأَزْهَرِيِّ الْوَسَطِيِّ، تَخْرِيجُ دَارِسِينَ قَادِرِينَ عَلَى الْوُقُوفِ فِي وَجْهِ التَّيَّارَاتِ وَالْأَفْكَارِ الْمُنْحَرِفَةِ عَنْ صَحِيحِ الدِّينِ وَصَرِيحِهِ، وتَخْرِيجِ دَارِسِينَ عَلَى إِلْمَامِ كَافٍ بِأُمُورِ دِينِهِم؛ لِكَي يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَطْبِيقِ تَعَالِيمِهِ فِي حِيَاتِهِمْ؛ فَتَسْتَقِيمَ بِهَا دُنْيَاهُم، وَيَسْعَدُو بِهَا فِي آخِرَتِهِم.

وحول نظام الدراسة في الرواق الأزهري، أوضح أنَّه يتمّ تحديد مستوى الدارسين المتقدمين للرواق عن طريق اختبار تعقده لجنة بالجامع الأزهر؛ لتسكينهم في المستوى المناسب، على أن يسكن المتقدم وفقاً لنتيجة اختبار تحديد المستوى في أحد الأنظمة الأربعة التالية:-

نظام السنة الواحدة.

نظام السنتين.

نظام الثلاث سنوات.

نظام الأربع سنوات.

ويكون التحفيظ في هذه الأنظمة بالتوازي مع برنامج تعليم أحكام التجويد.

3. تعقد للدارسين التقييمات التالية:

تقييم ربع سنوي للدارسين.

اختبارات نصف سنوية؛ لمعرفة مدى استمرارية الدارس في المستوى المسكَّن فيه، أو الانتقال إلى مستوى أقل.

اختبارات نهائية بعد نهاية المستوى؛ ليحصل الناجحون على شهادة اجتياز.

مقالات مشابهة

  • "دور علماء الأزهر في انتصارات أكتوبر".. أمسية بأوقاف الفيوم 
  • الأزهر يفتح باب التسجيل عبر بوابته الإلكترونية لمسابقة حفظ القرآن
  • مدير مركز الأزهر لعلوم الفضاء: العلم يثبت ما جاء به القرآن من 1400 سنة
  • مشرف الرواق الأزهري: نهتم بتحفيظ القرآن للراغبين والوافدين وفق منهج علمي
  • عبد المنعم فؤاد: مصر ستظل آمنة مطمئنة بوعد الله في القرآن الكريم
  • سر الانتصار في حرب أكتوبر.. علماء الأزهر وسط الجنود
  • لطلاب الأزهر.. 3 نصائح لصحبة القرآن الكريم
  • علماء المسلمين يناشد شيخ الأزهر مضاعفة الجهود لوقف الإبادة في غزة ولبنان
  • ماهي الدعوة التي وجهها علماء اليمن لعلماء الامة وجيوشها
  • جامعة الأزهر تحذر من صفحات تستغل اسم الجامعة في الترويج عن طريق أنشطة وهمية