صراع المعادن.. أزمة شرق الكونغو وحقيقة الدور الأميركي
تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT
بيانُ القلق الأخير الصادر عن الحكومة الأميركية بشأن بعض سلاسل توريد المعادن من رواندا وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومساهمة ذلك في الصراع المستمر في تلك المنطقة، ينمّ عن قصر نظر فيما يتعلق بالتعقيدات المحيطة بالصراعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، إذ يقتصر هذا التحليل على التركيز على الأبعاد الاقتصادية لسلاسل توريد المعادن دون معالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع بشكل كافٍ.
والواقع أنه لا بدّ من فهم الأسباب الجذرية لهذه الصراعات قبل أن نعزوها إلى محاولة السيطرة على الموارد المعدنية.
ولا شكّ أن افتقار جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى هياكل ومؤسّسات الدولة الواضحة، جعل البلاد والمنطقة عرضة لعدم الاستقرار والعنف، وقد أدّى الحكم الضعيف والسلطة المركزية الهشة إلى فراغ في السلطة، استغلته مختلف الجماعات المسلحة.
كما أدى الفساد السياسي وعدم القدرة على إرساء سيادة القانون بشكل فعال إلى تأجيج الصراع. وقد دفع الفقر المدقع والتخلف ونقص الفرص الاقتصادية في هذه المنطقة العديد من الأفراد للانضمام إلى الجماعات المسلحة كوسيلة للبقاء على قيد الحياة.
ومن التبسيط أن نعزو الصراع برمته إلى السيطرة على الموارد المعدنية، ولا يعني ذلك التقليل من شأن المعادن، مثل: التنتالوم والقصدير والتنغستن والذهب (3TD)، فهي قيمة بالفعل، كما يمكن أن يوفر استخراجها والاتجار بها موارد مالية لمختلف الفاعلين في الصراع. ومع ذلك، فإنّ التركيز فقط على المعادن، وتجاهل السياق الاجتماعي والسياسي الأوسع الذي تحدث فيه هذه الصراعات، أمرٌ خطير للغاية.
النهج المادي للحكومة الأميركيةومن خلال التركيز على الأبعاد الاقتصادية لسلاسل توريد المعادن، فإننا نختار نهجًا ماديًا يتجاهل القضايا الأعمق والأكثر تعقيدًا المطروحة. وهذا يعني أن البيان الأميركي فشل في معالجة العوامل التاريخية والاجتماعية والسياسية التي تشكل أساس الصراع بشكل شامل، مما يجعله سطحيًا وغير فعال.
ويفتقر التحليل الجزئي لمدى مساهمة تجارة المعادن في الصراع إلى معلومات مفصلة عن عمال المناجم والتجار والمسؤولين الفاسدين المشاركين في هذه التجارة، بل لا توجد أيّ معلومات عن المستفيدين، والأثر الكَمي لهذه التجارة على الصراع.
وتتجاهل الولايات المتحدة السياقات الإقليمية، وخاصة الموقع الجغرافي لرواندا وأوغندا باعتبارهما طريقين فعليين للواردات والصادرات الدولية إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتلك حقيقة تاريخية معروفة منذ قرون. أما جعل الاتجار في المعادن العنوان الرئيسي، فإن ذلك يعكس عدم فهم التاريخ والسياق الإقليميين.
ومن الضروري دائمًا الكشف عما إذا كانت التجارة غير المشروعة تُمارس حصريًا في مناطق النزاع، إذ إن الواقع هو أنّ التجارة غير المشروعة، بما في ذلك تجارة المعادن، تمثل مشكلة منتشرة في جميع أنحاء جمهورية الكونغو الديمقراطية، وليس فقط في مناطق الصراع، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى نهج أوسع ينظر إلى القضايا المتأصلة في النظام، وليس الاقتصار على الأعراض.
ولعل أحد أهم الأمور التي يبرز فيها قصور بيان حكومة الولايات المتحدة، هو عدم الاهتمام بانتهاكات حقوق الإنسان التي تشكل جزءًا كبيرًا من الصراعات الدائرة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد تعرّضت التوتسي، والهيما، والبانيامولينغ، كمجموعات ذات خصائص تميزها، للتمييز وجرائم الكراهية.
كما يعاني مئات الآلاف من اللاجئين التوتسي الكونغوليين في مخيمات في كينيا ورواندا وأوغندا، ولا شك أن تجاهل هذه القضايا الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان يعتبر مثالًا صارخًا على تبلّد الشعور، ويقوض أي جهود لتحقيق السلام الدائم في المِنطقة.
ضياع الصورة الكبرىومن أجل فهم الوضع بشكل حقيقي، من الضروري التعمق في الأبعاد التاريخية والاجتماعية والسياسية التي تغذّي العنف، وعدم الاستقرار في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. فقد تركت الحدود التعسفيّة التي رسمتها القوى الاستعمارية البلجيكية إرثًا من الانقسام والصراع.
ويبدو أنّ البيان الأميركي يختزل الصراعات في الجزء الشرقي من ذلك البلد إلى مجرد صراع على المعادن، وتحديدًا القصدير والتنتالوم والتنغستن والذهب (3TG).
والواقع أن الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية متجذر بعمق في شبكة معقدة من المظالم التاريخية والتوترات العرقية، والتفاعلات السياسية. وقد ظلت مقاطعتا شمال وجنوب كيفو نقطة ساخنة للعنف لعقود من الزمن، حيث تناضل بعض الجماعات المسلحة من أجل حق شعوبها في الوجود، والحصول على حقوقها كاملة كمواطنين في الأرض والموارد.
وقد أدى تدفق اللاجئين الروانديين من الهوتو في عام 1994، بقيادة مرتكبي الإبادة الجماعية، إلى استعمار المنطقة تحت سيطرة القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، مما زاد من تعقيد المشهد "العرقي" ومن اتساع نطاق الصراعات.
إن تاريخ جمهورية الكونغو الديمقراطية مع الاستغلال الاستعماري، وما تلا ذلك خلال عقود ما بعد الاستعمار من الحكم الكليبتوقراطي (حكم اللصوص)، ترك البلاد بمؤسسات ضعيفة فانتشر فيها الفساد. لقد خلق إرث الاستعمار، إلى جانب الممارسات المتعجرفة لقادة ما بعد الاستقلال، بيئة يتم فيها الحفاظ على السلطة في كثير من الأحيان من خلال العنف وشبكات المحسوبية، وإن إدراك هذه العوامل التاريخية أمرٌ بالغ الأهمية لفهم أبعاد الصراع الحالي.
ومن المهم أيضًا ملاحظة أن معادن (3TG) موجودة ليس فقط في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولكن أيضًا في رواندا، كما هو معلوم لدى الاتحاد الأوروبي. وكذلك الأمر بالنسبة لأوغندا وخاصة الذهب. ويضيف هذا التوزيع الجغرافي الأوسع للمعادن عوامل أخرى من التعقيد إلى سلسلة التوريد، والصراعات الإقليمية.
ولا تقتصر قضية تهريب المعادن والاتجار غير المشروع بها على مناطق النزاع، وتعي حكومة الرئيس الأميركي بايدن ذلك جيدًا، لأنها توفر غطاءً للمستفيدين من التجارة غير المشروعة في معادن جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ويمكن القول إنّ دعوة البيان الأميركي لمزيد من الشفافية في سلسلة توريد المعادن، هي دعوة تنم عن نية حسنة ولكنها، في الوقت ذاته، تتجاهل التحديات العملية التي ينطوي عليها الأمر. وغالبًا ما تكون سلاسل التوريد الخاصة بمعادن (3TG) معقدة، حيث تتضمن وسطاء متعددين وطرق تهريب غير قانونية.
ويزيد الفساد والافتقار إلى الرقابة الفعّالة من تعقيد الجهود الرامية إلى تتبع وتنظيم تجارة المعادن. ومن الممكن أن يكون المسؤولون المحليون وقوات الأمن، وحتى الجهات الفاعلة الدولية، متواطئين في التجارة غير المشروعة، مما يجعل من الصعب محاسبة أفراد أو مجموعات محدّدة.
ويتطلب التصدي لهذه التحديات بذل جهود متضافرة لتعزيز القدرات المؤسسية، وتحسين الشفافية، وضمان المساءلة على المستويات كافةً.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات شرق جمهوریة الکونغو الدیمقراطیة التجارة غیر المشروعة تورید المعادن
إقرأ أيضاً:
صراع اﻟﺪم و»ﻣﺎء اﻟﻨﺎر«
أيُذيب الحقد روابط الدم؟!.. نعم وتُذيب ماء النار وجوه الأبرياء بِيد «ابن العم»، لا غرابةَ فى ذلك، فأنت فى حضرة عائلة انصهرت فى جحيم الكراهية.
كان «التنازع على الإرث» الشرارة التى أضرمت نيران العداء بين أبناء العمومة، القصة لم تنتهِ بعد؛ الآباء طواهم التراب، أمّا الأبناء.. فأفسحوا المجال للشيطان ليزرع بذور الشحناء فى أرضٍ كان يفترض أن تُزهِر فيها شجرة القرابة ثمار الحب والمودة، ولكن أنبتت الأشواك، واستحال الدم الذى يجرى فى العروق نارًا تحرق ما تبقى من الإنسانية.
شهدت «الوفد» على فصول مأساة عائلية شُوِّهت فيها الوجوه والقلوب، حيث تحولت صلة القربى إلى خنجر مسموم يطعن دون ذنب، تاركًا نفوسًا مُشوهة وكراهية دفينة تتغذى بصمت وتنمو فى الظل، حتى حانت لحظة انفجار حمم البركان؛ فالحقد الأعمى حوّل وجه البراءة إلى لوحة مشوّهة مؤلمة فى ليلة باردة.
«عائلة تُعانى والجانى ليس بغريب».. سُطرّت أحداث الواقعة بقرية بنى سلامة التابعة لمركز منشأة القناطر بمحافظة الجيزة، حيث تعرّض «مسعد عزب»، 40 عامًا للرشق بماء النار على يد ابن عمه بمساعدة شقيقه، وتناوبا الرشق بالمادة الحارقة على زوجته «إيمان صبري» ونجلهما «عبدالرحمن»، 13 عامًا، ما خلف حروقًا خطيرة فى وجههم وأنحاء متقرقة من أجسادهم.
وجوه مشوهة وأجساد مُذابة.. والمتهم طليق
«ابن عمى شوّه ملامح زوجتى وابنى بماء النار ولا يزال طليقًا».. بهذه الكلمات بدأ «مسعد عزب» رواية مأساته قائلًا: «أعمل فى طلاء السيارات «دوكو»، أعيش حياة بسيطة ومتواضعة، أكافح يوميًا من أجل لقمة العيش وتوفير حياة كريمة لأسرتى الصغيرة. أتنقل يوميًا إلى عملى فى إحدى الشركات بأبو رواش، وأحمل على عاتقى أحلام أسرتى بعيدًا عن أى خلافات أو نزاعات، أحلم بغدٍ أفضل، وحياة مستقرة هادئة، ولكن تلك الأحلام تحطمت فجأة وبقسوة، فبين عشيّة وضُحاها وجدت نفسى طريح الفراش فى مستشفى قصر العيني، أتأوّه أنا وزوجتى وطفلى من آلام الحروق والتشوهات المروعة التى طالتنا من يد الغدر، فقد أقدم ابن عمى على سكب ماء النار علينا بلا رحمة.. كانت تلك اللحظة كفيلة لتُغير مجرى حياتنا إلى كابوس دائم، وتركتنا نصارع الألم ونداوى جراحًا جسدية ونفسية لا تندمل ولن تُغتفر».
كشف مسعد لـ»الوفد» تفاصيل خلافه مع أبناء عمومته قائلًا: «منذ سنوات طويلة، وأنا بعيد عن أبناء عمي، لا يوجد بيننا أى اختلاط أو تواصل. كلٌ منا مختلف عن الآخر فى الطباع والخصال. ورغم أننى اخترت الابتعاد عنهم إثر خلافات قديمة تتعلق بالإرث، والتى انتهت إلى قطيعة، إلا أننى لم أسلم من ألسنتهم الحاقدة، التى لا تكف عن الافتراء عليّ وعلى أسرتي. فهم لا يتركون لى فرصة للسلام الداخلي، دائمًا ما يحيكون ضدى الأكاذيب والاتهامات. فى تلك الليلة المشؤومة، وأنا فى وضعى الطبيعى أعمل على طلاء سيارة أمام المنزل، فوجئت بابنة عمى تُشعل نارًا بالقرب من السيارة، فحذّرتها من خطر ألسنة اللهب على السيارة، فهى ليست ملكي، لكنها صدمتنى بكلماتها النابية، وأمرتنى بإقصاء السيارة على الرغم من أنها كانت فى مكان آمن وبعيد عنهم».
واستكمل الضحية: «اتصلت بعمدة البلد والذى استنكر ما حدث، ولم تكد تمر لحظات حتى فوجئت بأخيها يحمل جركنًا من ماء النار، ليصوبه نحوى أنا وزوجتى وابنى بمساعدة شقيقه، فكانت النتيجة مُروعة بكل المقاييس! تساقطت بشرة ابنى أمام عيني. وإذا بزوجتى تصيح من الألم، فقد نالت المادة الحارقة من وجهها وعينها وجسدها، وأصابنى أيضًا السائل الحارق فى وجهي، وامتدت آثاره إلى جسدى وملابسي، التهمتنا النيران كما لو كانت أصابتنا لعنة، طلب الجيران سيارة الإسعاف حيث نقلتنا إلى مستشفى مبارك والتى حوّلتنا لمستشفى قصر العيني، لخطوة الحالة والتى تحتاج إلى تدخل جراحى عاجل».
اختتم ضحية ابن عمه حديثه مستجيرًا بالعدالة لتنصفه: «حررت محضرًا رسميًا بالواقعة فى مركز شرطة المناشي، أشعر بالعجز كلما نظرت إلى زوجتى وابنى وما ألمَّ بهما من ظلمٍ فادح. والآن أنا فى أمس الحاجة إلى حل عادل وسريع، حياتنا تدمرت على يد بلطجى لا يعرف للرحمة طريقًا، حرقهما بماء النار فى تصرف همجى ووحشى لا يرحم. ورغم تقدمى بشكوى إلى السلطات، إلا أنه لم يتم القبض عليه من قِبل الجهات ىالمعنية حتى الآن، الأمور تراوح مكانها. والمعتدى يتصل بنا بشكل مستمر من أرقام مختلفة ليهددنى بالتنازل عن المحضر، فى حين يعانى ابنى وزوجتى من جراحًا خطيرة، ويخضعان لعمليات متكررة بمستشفيات متعددة. فماذا كان ذنبهم؟ ما ذنب عائلتى فى هذا الاعتداء البشع؟ حتى لو كانت هناك خلافات بيننا، فهل يُعقل أن تدفع أسرتى الثمن بهذه الطريقة؟ ابنى الذى لا يتجاوز الثالثة عشرة من عمره يعانى من جروح بالغة بعدما أذابت ماء النار وجهه. والجانى لا يزال طليقًا يستعرض قوته ويستخدم تهديداته وبلطجته دون رادع أو ضمير. لن أتنازل عن حقى وحق أسرتى وأطالب بمعاقبة الجانى أشد العقاب وأثق أن حقنا لن يضيع أمام مرأى القانون».
خبير نفسي: الواقعة تطعن الأسرة فى مقتل
الدكتور عبدالعزيز آدم، أخصائى علم النفس السلوكى وعضو الاتحاد العالمى للصحة النفسية علّق على بشاعة الواقعة قائلًا إنها تبرز مأساة إنسانية مركبة، ليس فقط على مستوى الجريمة ذاتها، وإنما على مستوى تفكيك القيم الإنسانية والاجتماعية التى تنظم العلاقات بين الأفراد، وخصوصًا داخل العائلة. فالعلاقة بين الأقارب من المفترض أن تكون قائمة على الثقة، الدعم، والحب المتبادل، لكن عندما تتحول إلى مصدر عداء يصل حد الاعتداء بماء النار، فإننا أمام انهيار شديد فى منظومة القيم الأسرية.
وأضاف: من منظور علم النفس يمكن أن يتضح أن الدوافع النفسية والاجتماعية لهذه الجريمة نتجت عن الكراهية والغيرة والخلافات حول الإرث، وهى عوامل خارجية، لكنها تنبع من دوافع داخلية متجذرة، مثل الشعور بالإحباط، الإحساس بالظلم، أو الرغبة فى الانتقام. ومثل هذا السلوك يعكس اضطرابًا نفسيًا حادًا، يتسم بعدم القدرة على ضبط النفس أو التعامل مع الخلافات بطرق صحية.
وتابع: فقدان الروابط الأسرية أصيب أيضا بخلل شديد، لأن العلاقة بين الأقارب، خاصة أبناء العمومة، من المفترض أن تكون أكثر العلاقات قربًا وتواصلًا فى المجتمعات التقليدية. ولكن عندما تتحول هذه العلاقة إلى صراع، فإن ذلك يشكل ضربة قاسية للبنية الاجتماعية. هذه الجريمة تحديدًا تحمل رمزية خطيرة، حيث إن التعدى على أفراد العائلة يعنى غياب الحدود الأخلاقية، وتلاشى الحواجز الطبيعية التى تُحافظ على الروابط الأسرية.
واستطرد: ومن جانب التأثير على الأبناء، فإن مثل هذه الأحداث تترك آثارًا نفسية مدمرة على الأبناء، ليس فقط لأنهم شهدوا العنف وتعرضوا له، بل لأنهم فقدوا الإحساس بالأمان الأسري. الأبناء الذين ينشؤون فى بيئات تسودها الخيانة والعنف يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشاكل نفسية، مثل القلق، الاكتئاب، وانعدام الثقة فى الآخرين. وقد يتطور لديهم أيضًا شعور بعدم احترام قيمة العائلة ككيان اجتماعي، مما يؤثر على علاقاتهم المستقبلية، فهذه الحوادث لا تعبر فقط عن نزاعات فردية، بل هى مؤشر على تغيرات أعمق فى القيم الاجتماعية، مثل تزايد الفردية، وغياب آليات حل النزاعات بشكل سلمى داخل العائلة. كذلك، تعكس هذه الحوادث ضعفًا فى الوعى النفسى والقانونى لدى الأفراد، حيث يلجأ البعض إلى أساليب انتقامية مدمرة بدلًا من اللجوء إلى الحوار أو المؤسسات القانونية.
واختتم أخصائى علم النفس السلوكى حديثه مؤكدًا أن هذه الجريمة تعبر عن أزمة أخلاقية ونفسية فى مجتمع يعانى من تصدع فى قيمه الأسرية. معالجة مثل هذه الظواهر تحتاج إلى تدخل متعدد المستويات، يشمل التوعية بأهمية القيم الأسرية، وتعزيز دور القانون فى حل النزاعات، والعمل على تحسين الصحة النفسية للأفراد من خلال الدعم المجتمعى والمؤسسات المتخصصة.