باريس– مع حصول الجبهة الشعبية الجديدة على المركز الأول في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة التي أعقبت حل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجمعية الوطنية، لا يزال التحالف اليساري بعيدا عن الأغلبية المطلقة بعد أن حاز على 182 مقعدا بدلا من 289.

وفي مشهد سياسي معقّد، تتواصل في الوقت الراهن المفاوضات داخل مختلف مكونات الجبهة لتعيين مرشحها لمنصب رئيس وزراء الحكومة الجديدة، بينما يتطلع حزب الجمهوريين إلى إنشاء تحالف مع ماكرون لحكم البلاد.

وفي ظل عدم غياب اليقين بشأن تشكيل ائتلاف حكومي وبناء العمود الفقري لأغلبية برلمانية جديدة، يضغط بعض قادة الأغلبية السابقة من أجل التوافق مع حزب اليسار، معرّضين أنفسهم لخطر تمزيق ما تبقى من المعسكر الرئاسي.

ميلانشون صرح منذ البداية بأنه متاح لتولي منصب رئيس الوزراء لكنه رشح شخصيات أخرى من حزبه (رويترز) مفاوضات مستمرة

وفيما يبدو أن التحالف اليساري نجح في توحيد صفوفه خلال 4 أيام فقط بعد إعلان حل البرلمان، لم تتمكن نشوة النصر بهذه الانتخابات من محو التوترات العميقة التي شهدتها الأحزاب السياسية الأشهر الأخيرة، فضلا عن أن الكتل الثلاث الرئيسية، وهي الجبهة الشعبية اليسارية وحزب ماكرون والتجمع الوطني من اليمين المتطرف، لم تحصل على الأغلبية الكافية للحكم بمفردها.

وفي السياق، أشار الأستاذ بجامعة السوربون ورئيس تحرير المجلة السياسية والبرلمانية أرنو باناديتي إلى انقسامات حقيقية داخل التحالف اليساري، خاصة بين حزب "فرنسا الأبية" والحزب الاشتراكي، فضلا عن عدم تمكنه حتى الآن من الاتفاق حول مرشحهم لقصر ماتينيون المقر الرسمي لعمل رئيس الوزراء.

وأكد باناديتي في حديثه للجزيرة نت أن "رئيس الوزراء المقبل لن يكون من حزب فرنسا الأبية بزعامة اليساري جان لوك ميلانشون لأنه من غير الوارد أن يتعامل رئيس الجمهورية ـفي هذه المرحلةـ مع مرشح من هذا الحزب".

من جانبه، يرى المحلل السياسي إيف سنتومير أنه من الصعب للغاية معرفة ما يدور في أذهان مختلف قادة اليسار حاليا، إذ لا يفكّرون بنفس الحسابات أو المصالح السياسية. موضحا أنه "منذ البداية، قال ميلانشون إنه متاح لتولي منصب رئيس الوزراء، لكنّه رشح أيضا شخصيات أخرى من حزبه وشدد على ضرورة تطبيق برنامج الجبهة الشعبية الجديدة بالكامل، وهو أمر يبدو صعبا إن لم يكن مستحيلا".

وفي حديثه للجزيرة نت، يذهب سنتومير إلى أبعد من ذلك في تحليله ويفترض أن زعيم حزب "فرنسا الأبية" يريد عرقلة وصول رئيس وزراء يساري لإفساح المجال أمام حكومة يمينية هشة لن تنجح في الحصول على مبتغاها سياسيا، مما سيسمح بانتخابات جديدة ينتج عنها أغلبية أكبر لليسار، أو حتى إذا لزم الأمر انتظار الانتخابات الرئاسية التي تُعد هاجسا للزعيم اليساري.

انقسامات

وبحسب استطلاع أجرته مؤسسة "إيلاب" ومعهد "مونتين" بعد الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، يعتقد 76% من الفرنسيين أن ماكرون لم يفِ بوعوده بتغيير الحياة السياسية منذ توليه الرئاسة عام 2017، وهو موقف يؤيده بقوة ناخبو ميلانشون (89%) وكذلك زعيمة التجمع الوطني مارين لوبان (88%) فضلا عن العديد من ناخبي ماكرون نفسه (50%).

وعلى الرغم من عدم استبعاد سنتومير سيناريو تحالف الجمهوريين مع ماكرون إلا أن التحدي يتمثل في تداعيات هذا الأمر مع وجود احتمال كبير في أن يتسبب هذا الاتفاق في انقسام الماكرونية مع رحيل نوابها اليساريين، أو حدوث انقسام بين الجمهوريين مع نزف جديد لاصطفاف رئيس الحزب إريك سيوتي في صف التجمع الوطني (أقصى اليمين).

وفي هذه الحالة، يعتقد المتحدث أن هذا الائتلاف سيشكل خطرا على ما تبقى من المعسكر الرئاسي "خاصة وأن ماكرون قام بتحركات فشلت كل مرة في إعادة الاستقرار والشرعية لحكومته وشخصه، وكان آخرها حل البرلمان الذي لم يتوقعه أحد" واصفا فوز اليسار بـ"المفاجأة السعيدة والصعبة".

ولهذا، يجد سنتومير أن القادة الآخرين للجبهة الشعبية الجديدة، وخاصة الاشتراكيين، قد يكونون أكثر ثقة في قدرتهم على النجاح في المناورة مع حكومة يسارية وأقلية في البرلمان.

ويوافق الأستاذ في جامعة السوربون باناديتي رأي المحلل السياسي، معتبرا أن احتمال التقارب بين ماكرون والجمهوريين وارد، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن ذلك لن يشكل أغلبية مطلقة أيضا حتى إذا تم الجمع بين 160 نائبا من كتلة ماكرون و60 برلمانيا يمينيا.

وبعد هزيمة معسكر ماكرون في هذه الانتخابات، يتوقع باناديتي أن يعرب بعض النواب عن رغبتهم في الانضمام إلى المعسكر الأقوى، مفسرا ذلك بوجود توترات وانقسامات بسبب طبيعة "الماكرونية" ذاتها التي كانت بمثابة حركة أرادت تجاوز اليمين واليسار ودمجت أشخاصا من الطيفين السياسيين.

لا توجد قاعدة دستورية تشترط على ماكرون اختيار رئيس الوزراء من الأغلبية البرلمانية بحسب خبراء (رويترز) المنطق المؤسسي

وبينما يستمر التحالف اليساري في المطالبة برحيل رئيس الوزراء الحالي غابرييل أتال والذهاب بمفرده إلى ماتينيون، لا تفرض المادة الثامنة من الدستور على رئيس الجمهورية تعيين رئيس وزرائه من مجلس الأمة أو عضوا في المجموعة ذات الأغلبية.

وهو ما أكده سنتومير بالقول إنه "لا توجد قاعدة دستورية تشترط على ماكرون اختيار رئيس الوزراء من المجموعة الحزبية التي تتمتع بأغلبية في البرلمان" لافتا إلى أنه "بعد نتائج الجولة الثانية، لا يوجد لدينا مجموعة أغلبية مطلقة وإنما أغلبية نسبية فقط".

ويتحدث زعيم اليسار الراديكالي ميلانشون عن عودة ما أسماه بـ"الفيتو الملكي" بينما دعت رئيسة نقابة العمال العامة (سي جي تي) صوفي بينيه إلى تنظيم مظاهرات يوم 18 يوليو/تموز الجاري لأن "لويس الـ16 حبس نفسه في فرساي" على حد تعبيرها، في إشارة إلى الملك الذي أعدِم بالمقصلة عام 1793 أثناء الثورة الفرنسية.

وفي هذا الإطار، يرى المحلل السياسي سنتومير أن هذه التصريحات تبرز ماكرون بصورة الملك الجمهوري الذي يتخذ سلسلة من القرارات بمفرده، موضحا أنه "حتى لو كان هناك مبالغة في المعنى، إلا أن ما ذكره ميلانشون يصيب الهدف من خلال التركيز على رئيس فقد مصداقيته على نطاق واسع وحتى داخل معسكره بسبب سلوكه الاستبدادي".

أما رئيس تحرير المجلة السياسية والبرلمانية باناديتي، فلا يعتقد أن رهان ماكرون في حل الجمعية الوطنية يصب في مصلحة المشهد السياسي بفرنسا "لأن المجلس التشريعي القديم الذي كان صعبا نوعا ما قد تمتع بأغلبية على الأقل، أما اليوم لم تعد هناك أي أغلبية على الإطلاق. وبالتالي، أدى رهان الرئيس إلى إضعاف مؤسسات الجمهورية الخامسة ولم يقدم للبلاد أغلبية واضحة للحكم".

ومع عدم تمكن اليسار من حصد الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، فإنه يبقى معرضا في أي وقت لحجب الثقة من قبل الكتل البرلمانية الأخرى، مما يجعل أية حكومة يسارية غير مستدامة أو قابلة للحياة مع مرور الوقت.

ويبقى التحدي الأبرز أمام رئيس الجمهورية هو فصل جزء من اليسار وجزء من اليمين، وإدخالهما إلى ما يسميه الكتلة المركزية لتشكيل ائتلاف محتمل. ولأن كلا الطرفين لا يقبلان بهذا الأمر حتى الآن، فإن السياسة الفرنسية لا تزال في حالة جمود إلى أجل غير مسمى.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات رئیس الوزراء

إقرأ أيضاً:

رئيس اللجنة الأولمبية التقى ماكرون

أشاد رئيس اللجنة الأولمبية الكويتية الشيخ فهد ناصر صباح الأحمد الصباح بالتنظيم “المميز” لمنافسات السباحة في دورة الألعاب الأولمبية (باريس 2024) بقيادة رئيس الاتحاد الدولي للألعاب المائية حسين المسلم.

وجاءت الإشادة في تصريح أدلى به الشيخ فهد الناصر لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) عقب لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في منافسات مسابقة السباحة ضمن دورة الالعاب الأولمبية (باريس 2024) بدعوة من المسلم.

وأكد أن المسلم من الكفاءات الوطنية التي تتولى مراكز قيادية رياضية دولية مؤكدا انه مصدر “فخر واعتزاز لدولة الكويت”.

وتقدم بجزيل الشكر إلى صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه وولي عهده الأمين الشيخ صباح خالد الحمد الصباح حفظه الله على دعمهما المستمر للحركة الرياضية الكويتية الأمر الذي يدفع بعجلة الانجازات في جميع المحافل الاقليمية والدولية.

وبدأ ابطال الكويت منذ يوم الجمعة الماضي خوض المنافسات في الألعاب الست التي تشارك فيها بعثة الكويت بالأولمبياد وهي الرماية والمبارزة والتجديف والسباحة وألعاب القوى والشراع.

ويمثل الكويت في الرماية خالد المضف (تراب) ومحمد الديحاني (سكيت) وفي المبارزة يوسف الشملان (سلاح السابر) بينما يمثلها في ألعاب القوى يعقوب اليوحة (110أمتار حواجز) وأمل الرومي (800 متر).

أما في السباحة فتعتمد الكويت على محمد الزبيد (100 متر حرة) ولارا دشتي (100 متر صدر) بينما تتكل في التجديف على براعة سعاد الفقعان وفي الشراع على أمينة شاه.

مقالات مشابهة

  • لماذا غيرت فرنسا موقفها بشأن الصحراء الغربية؟
  • التلفزيون الفرنسي يبث خريطة المملكة المغربية كاملة
  • رئيس الوزراء: كركوك بحاجة لتشكيل حكومة محلية تلبي حاجات المواطنين
  • زاخاروفا تعلق على تصريحات ماكرون بأن حفل افتتاح الأولمبياد يمثل “وجه” فرنسا الحقيقي
  • ماكرون يشيد بجرأة حفل افتتاح الأولمبياد
  • رئيس اللجنة الأولمبية التقى ماكرون
  • أبعاد تطورات الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية
  • ردا على الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء.. الملك محمد السادس يبعث رسالة إلى الرئيس ماكرون ويدعوه لزيارة المملكة
  • نتنياهو: إسرائيل تنتظرها أياما صعبة.. ومستعدون لكل السيناريوهات
  • سمير فرج يكشف السيناريوهات المحتملة للرد على اغتيال إسماعيل هنية