واشنطن- على الرغم من لعب الدول الأعضاء الأوروبية بحلف شمال الأطلسي "الناتو"، دورا متزايدا في مواجهة العدوان الروسي على أوكرانيا، وما تبعه من زيادة في إنفاقها الدفاعي، فإن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن الولايات المتحدة لا تزال حجر الأساس لقدرة الناتو على ردع أي هجمات من روسيا أو غيرها.

من هنا تحمل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بين الرئيس الحالي جو بايدن وغريمه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب أهمية خاصة ومصيرية لمستقبل الناتو، بما يحملانه من وجهات نظر مختلفة تماما حول مستقبل الحلف.

وقد دأب ترامب على إرسال إشارات متضاربة حول التزامه بالدفاع الجماعي وتنفيذ المادة الخامسة من ميثاق الحلف، وكرر احتمال انسحاب الولايات المتحدة من الحلف، في حين عمل بايدن جاهدا لدعم حلف الناتو، بما في ذلك توسيعه ليشمل فنلندا والسويد في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

رؤيتان متناقضتان

وفي حديث للجزيرة نت، قال ماثيو والين الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي، وهو مركز بحثي يركز على الشؤون العسكرية، إن الرئيس بايدن يكرر علنا التزامه بحلف الناتو، بما في ذلك مبدأ المادة الخامسة للدفاع الجماعي، في حين يشكك الرئيس السابق ترامب علنا في التزام الولايات المتحدة بالمادة نفسها، ويسيء وصف التزام الدفاع بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي، ويشجع روسيا علنا على فعل ما تريد  للبلدان التي يراها متأخرة في المدفوعات.

ويقول الباحث إن هذا يضعف عامل الردع الذي تفرضه المادة على روسيا، "ولن يفاجئني إذا لم يرد ترامب على هجوم على عضو في الناتو في المستقبل، وقد ساعد الخوف من هذا في تحفيز الأعضاء الأوروبيين على تعزيز إنفاقهم الدفاعي".

وينتمي بايدن للمدرسة الواقعية الأميركية التي تدعم تقوية تحالفات واشنطن العسكرية حول العالم، وعلى رأسها حلف الناتو، حيث دافع عن الحلف من أجل الديمقراطية وأمن الولايات المتحدة، وحشد الحلف لمواجهة غزو روسيا لأوكرانيا، ودفع لإضافة أعضاء جدد للحلف لأول مرة منذ سنوات.

ويروج بايدن لعلاقاته الدافئة مع القادة الأوروبيين وغيرهم من التحالفات، حيث كانت أوروبا أحد أكبر الحشود التي خاطبها كرئيس، كما دافع بايدن عن الأمم المتحدة باعتبارها "ضرورية للحفاظ على السلام ومنع الصراع وتخفيف المعاناة الإنسانية"، وحاول استغلال قمة الناتو لخدمة مصالحه الانتخابية.

في حين يتبنى ترامب مبدأ "أميركا أولا" ويشكك بالالتزام بأي اتفاقيات دولية قد تثقل السيادة الأميركية أو تكلفها المال، وكرر أنه يعتقد أن دول الناتو الأخرى تتجاهل الولايات المتحدة بشكل أساسي من خلال عدم إنفاق ما يكفي من أموالها الخاصة على الدفاع، حتى إنه هدد بالانسحاب من الحلف، كما يمتلك نظرة قاتمة للأمم المتحدة والمعاهدات المتعددة الأطراف، مثل اتفاقيات الحد من التسلح أو التغيرات المناخية.

دفع بايدن خلال فترة حكمه حلف الناتو لمواجهة غزو روسيا لأوكرانيا ولإضافة أعضاء جدد (رويترز) اختبار دعم أوكرانيا

كان بايدن حازما في دعمه لأوكرانيا، وقدمت إدارته لها عشرات مليارات الدولارات من المساعدات المالية والأسلحة، ويكرر أن السبيل لإنهاء الحرب هو أن تسحب روسيا قواتها، وهو أمر لا يُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي اهتمام بالقيام به.

وإلى أن يحدث ذلك، يقول بايدن إنه عازم على تعزيز دفاعات أوكرانيا، محذرا من أنه إذا انتصر بوتين في الحرب، فقد يتجرأ على التحرك غربا ومهاجمة دول الناتو.

في حين قال ترامب إنه إذا تم انتخابه، فإنه سيوقف الحرب بين أوكرانيا وروسيا في غضون 24 ساعة، دون أن يقدم الكثير من التفاصيل حول كيفية قيامه بذلك.

يذكر أن ترامب سعى خلال فترة حكمه الأولى، إلى البقاء على علاقة جيدة مع بوتين. وفي وقت سابق من هذا العام، تبنى المرشح الجمهوري فكرة تقديم مساعدات إضافية لأوكرانيا على شكل قروض بدلا من منح.

الرئيس الأميركي والناتو

وردا على تهديدات ترامب، أدرج مجلسا النواب والشيوخ الأميركيان بندا في قانون ميزانية الدفاع، العام الماضي، يحظر على الرئيس سحب الولايات المتحدة من حلف "الناتو" دون موافقة أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، أو قانون منفصل للكونغرس.

ومع ذلك، فإن خطوة الكونغرس لا تحمي بالضرورة الناتو من ترامب حال فوزه بولاية جديدة، فحتى لو منعه القانون من سحب الولايات المتحدة رسميا من الحلف، يمكن للرئيس استخدام سلطته لتقويض الحلف بشدة وسحب الدعم الأميركي له في كل المجالات.

وعلى الرغم من وجود جدل كبير حول وجوب حفاظ الولايات المتحدة على التزامها بتحالف يعود إلى حقبة الحرب الباردة، فمن الطبيعي أن يتوقع الحلفاء أن يعرقل الكونغرس أي تخفيض أو تقليص لالتزام الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن وجهات نظر ترامب الطويلة الأمد والصارخة حول الناتو وتاريخه من العمل العشوائي، تعني أن ولاية ترامب الثانية يمكن أن تكون زلزالا للحلف.

وعمليا، يمكن لرئيس مستعد لتقويض الناتو أن يتخذ العديد من الإجراءات الدبلوماسية والعسكرية من جانب واحد، والتي من شأنها أن تضر وربما تشل الحلف، فعلى المستوى الدبلوماسي -على سبيل المثال- يمكن للرئيس أن يقرر عدم تعيين سفير لدى الناتو، كما يمكنه أن يقرر عدم إرسال وزيري الخارجية والدفاع وغيرهما من المسؤولين إلى الاجتماعات، وتجاهل اجتماعات قمة دول الحلف.

كما يمكن للرئيس اتخاذ إجراءات أكثر أهمية باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، كسحب الأسلحة والعتاد العسكري الأميركي والجنود من أوروبا، مما يؤدي إلى إضعاف التزام واشنطن تجاه الحلف، حتى لو لم تنسحب رسميا من الحلف، كما يمكنه أن يلجأ إلى عدم تعيين القائد الأعلى لحلف الناتو، وهو شخصية عسكرية أميركية يحددها البيت الأبيض، ليبقى الحلف حينها دون قائد أعلى له.

ويمكن للرئيس الأميركي أن يقرر ويعلن أنه إذا تعرضت دولة عضو في الناتو للهجوم، فإن الولايات المتحدة لن تهرع بالضرورة لتنفيذ التزامها بالمادة الخامسة لمساعدة ذلك البلد، وهو ما قاله ترامب فعلا في عدة مناسبات، وفي الآونة الأخيرة، قال في تجمع انتخابي قبل أسابيع إنه سيشجع الروس على "فعل ما يريدون" لدول الناتو التي لا تفي بالتزاماتها بالإنفاق.

ويتضح مما سبق، أنه لا يتعين على الرئيس الأميركي الانسحاب رسميا من الناتو لتقويض الحلف، وهو ما يوفر وغيره أسبابا كافية لبث المزيد من عدم اليقين بين الأوروبيين، خاصة مع مواجهة العديد من الحكومات الأوروبية تحديات داخلية من أقصى اليمين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الولایات المتحدة یمکن للرئیس حلف الناتو من الحلف فی حین

إقرأ أيضاً:

هاريس وحماس الناخبين.. إلى متى يستمر شهر العسل؟

تساءلت صحيفة نيويورك تايمز عما إذا كانت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي، التي باتت على أعتاب خوض سباق الرئاسة رسميا، قادرة على الاستمرار بـ"شهر العسل" التي تقضيه حاليا مع الناخبين الأميركيين.

وبرزت هاريس باعتبارها المرشحة الأوفر حظا لنيل بطاقة الحزب الديموقراطي بعد قرار الرئيس، جو بايدن، الانسحاب من خوض الانتخابات المقررة في نوفمبر.

ولم يترك ذلك الكثير من الوقت للديمقراطيين لتنسيق حملتهم للانتخابات، لكن دخولها أثار أيضا حماسا بين شريحة كبيرة من الناخبين سئموا من السجال المكرر بين بايدن والمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، كما سلط الضوء على أن ترامب البالغ 78 عاما، هو أكبر المرشحين الرئاسيين الأميركيين سنا.

وأحدث صعود نائبة الرئيس في السباق الانتخابي هزة كبيرة، وأضعف الزخم الذي حصل عليه الرئيس السابق من محاولة الاغتيال ومؤتمر الحزب الجمهوري.

 ورغم استطلاعات الرأي التي أظهرت أن ترامب كان يبني تقدما على بايدن، بعد مناظرتهما، الشهر الماضي، تراجعت حظوظ ترامب قليلا مع انسحاب بايدن ودخول هاريس حلبة الصراع الانتخابي، وباتت المرشحة الأقرب للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي.

زخم هاريس وشعبية ترامب.. ماذا يحدث بسباق الرئاسة بعد انسحاب بايدن؟ أحدث صعود نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، في السباق الانتخابي هزة كبيرة، وأضعف الزخم الذي حصل عليه الرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب، من محاولة الاغتيال ومؤتمر الحزب الجمهوري.

وتشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أن "كل شيء أصبح مختلفا بالنسبة للديمقراطيين، إذ بدأت حشودهم ترقص... وبدأ المشاهير من مغني الراب الجنوبيين إلى ممثلي هوليوود في الظهور" لدعمها.

وبحلول الوقت الذي صعدت فيه هاريس إلى المسرح، ليلة الثلاثاء، في أتلانتا بولاية جورجيا، كان من الواضح أن بايدن أصبح مجرد ذكرى بعيدة، ولم يُذكر اسمه حتى في تصريحاتها. 

وأعلنت هاريس أمام الحشد الكبير أن "الزخم في هذا السباق يتحول. هناك علامات تشير إلى أن دونالد ترامب يشعر بذلك".

لكن الاختبار الحقيقي، تقول نيويورك تايمز، "هو ما إذا كانت هاريس قادرة على تحويل موجة الطاقة الليبرالية المكبوتة إلى زخم مستدام".

وفي حين تظهر استطلاعات الرأي أن الناخبين الأساسيين للحزب احتشدوا خلف هاريس، فإن السباق لايزال متقاربا، مما يعكس حالة الانقسام الشديدة في البلاد.

وبعد أشهر من "الاستنزاف" في الحزب بوجود بايدن "ضعيف الأداء انتخابيا"، يتعين الآن على هاريس "إعادة بناء التحالف الذي مكن الديمقراطيين من الفوز في عام 2020".

وورغم أن هاريس ورثت نحو أصوات 1300 مندوب من بايدن و96 مليون دولار من التبرعات لحملتها، فإن خططها لإعادة تشكيلها لاتزال غير مستقرة.

ولم تكشف هاريس بعد بشكل كامل عن رؤيتها الخاصة للحزب والبلاد، وقد تستفيد من عامل الوقت لتجنب ذلك.

ويمكن أن يؤدي الجدول الزمني المكثف قبل موعد الانتخابات إلى تمديد دعمها بما يكفي للاستمرار، أو التعرض إلى الانهيار.

ويتساءل نيل نيوهاوس، أحد خبراء استطلاعات الرأي الجمهوريين: "كم من الوقت سيستغرق شهر العسل؟" ويضيف: "عندما يكون لديك حدث غير مسبوق مثل هذا، يأخذ الناس الوقت الكافي لاستيعابه".

وتحاول حملة هاريس حاليا تحويل الحماس إلى دعم أكثر ديمومة، و"كلما طالت مدة قدرة حملة هاريس على تصويرها باعتبارها ظاهرة ثقافية، كلما طال أمد قدرتها على تجنب التعبير عن تفاصيل أجندتها السياسية التي قد" تظهر انقسامات".

وقال ريك ديفيس، الذي كان مدير حملة السيناتور جون ماكين الرئاسية لعام 2008،"أعتقد أننا على بعد ثلاثة أسابيع من معرفة ما إذا كانت تستطيع الصعود إلى سلم أوباما، إذ يتعلق الأمر بها وليس بأي سياسات محددة لديها".

مقالات مشابهة

  • بايدن وبوتين يستقبلان السجناء المفرج عنهم في «صفقة التبادل»
  • بايدن وهاريس يستقبلان المفرج عنهم في صفقة التبادل مع روسيا
  • بايدن وهاريس يستقبلان السجناء المفرج عنهم في صفقة التبادل مع روسيا
  • واشنطن بوست: تفاقم التوتر بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية
  • وسائل إعلام: روسيا ستفرج عن الصحفي الأميركي إيفان غيرشكوفيتش ضمن عملية تبادل مع الغرب
  • الديمقراطيون يصوتون لتعيين هاريس رسميا مرشحة في سباق الرئاسة
  • أنقرة: دول "الناتو" لن تستجيب لدعوة إسرائيل لطرد تركيا من الحلف
  • أنقرة: دول “الناتو” لن تستجيب لدعوة إسرائيل لطرد تركيا من الحلف
  • هندية أم سوداء؟.. بماذا ردت هاريس على سؤال ترامب المثير للجدل؟
  • هاريس وحماس الناخبين.. إلى متى يستمر شهر العسل؟