دفع الزكاة إلى الأخ المدين.. أجابت دار الإفتاء المصرية على سؤال: ما حكم إعطاء الزكاة للأخ الذي عليه ديون؟

وقالت دار الإفتاء، إن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ﴾ [التوبة: 60]، فقد بينت هذه الآية المصارف التي تصرف إليها الزكاة، وذكرت من بينها الغارمين، وهم الذين عليهم ديون حلَّ أجلُها وتعذَّر عليهم أداؤها.

وأوضحت «الإفتاء» أنه يجوز شرعًا أن يعطي المزكِّي أخاه المدين زكاته لسداد ما عليه من ديون، والثواب في هذه الحالة مضاعف، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ» رواه الإمام أحمد في "مسنده".

الزكاةهل يجوز دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء؟

وكانت الدار قد أشارت إلى حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء، قائلة إنه يجوز الإنفاق من الزكاة على علاج المرضى الفقراء وشراء الأدوية لهم، فكفاية الفقراء والمحتاجين مِن المَلْبَسِ والمَأكلِ والمَسْكَنِ والمعيشةِ والتعليمِ والعلاجِ وسائرِ أمورِ حياتِهم هي التي يجب أن تكون مَحَطَّ الاهتمام في المقام الأول.

حكمة الزكاة

وذكرت «الإفتاء» أن ذلك تحقيقًا لحكمة الزكاة الأساسية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «تُؤْخَذُ مِنْ أغنيائهم وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» متَّفق عليه، وهذا يَدخل فيه علاجُ المرضى غيرِ القادرين والصرفُ منه على الخدمة الطبية التي يحتاجون إليها دخولًا أوَّليًّا.

اقرأ أيضاًهل يجوز دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء؟.. «الإفتاء» تُجيب

هل يجوز إعطاء الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع؟.. الإفتاء تُجيب

طهِّرْ أموالَك وباركْ صيامَك بالزكاة

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الدين الزكاة أهل الزكاة يجوز فتاوى الزكاة صرف الزكاة إعطاء الزكاة مستحق الزكاة الزكاة للأخ دفع الزکاة

إقرأ أيضاً:

البحث عن الفقه.. وسط الفورة السلفية

منذ حوالي ربع قرن.. كنت في مكة المكرمة لأداء العمرة، ومن عادتي كلما ذهبت إلى مكة أزور مكتباتها، فذهبت إلى العزيزية بعد صلاة العصر، باحثا عن بعض الكتب التي تشغل اهتمامي، وبينما أتصفح أرفف إحدى المكتبات وجدت كتيبا شد انتباهي؛ بعنوان «مدى الاحتجاج بالأحاديث النبوية في الشؤون الطبية والعلاجية» لمحمد سليمان الأشقر. رجعت إلى المسجد الحرام، فصلّينا المغرب، ثم قرأت الكتيب، الذي لم يستغرق سوى نصف ساعة، فأبهرني طرحه، وقلت: هذا ما نحتاج له في هذه الفورة السلفية التي تجتاح المسلمين.

لقد كان الكتيب ذو المائة صفحة رسالة جليلة القدر، وضعت منهجية للتعامل مع الروايات المنسوبة إلى النبي الخاتم فيما يتعلق بالقضايا الطبية، وهي فوق ذلك؛ تؤسس لتفكير موضوعي في سائر القضايا التي تستند إلى الروايات. وكنت حينها أقدم دروسًا في الفقه والحديث في مسجد حارة خليفة ببَهلا، وكان شغلي الشاغل تدريس طلابي التعامل مع الرواية بروح الفقه وأدواته، فرأيت هذه الرسالة مفيدة لطلبتي ولغيرهم، فقررت أن أرجع إلى المكتبة لأشتري مجموعة منها، ففوجئت بأنه لا توجد سوى ثلاث نسخ فاشتريتها، ثم وزعتها على بعض الأصدقاء.

ولأهمية الرسالة، وما يمكن أن تحدثه من وعي في التعامل مع الروايات المنسوبة إلى النبي، سعيت للحصول عليها من معرض مسقط الدولي للكتاب، وكان من حُسن الحظ أن ابن أخ المؤلف يشارك بمكتبته في المعرض، فسألته عن الرسالة، فقال: نعم توجد لدينا، لكن لم تجد هذا الاهتمام الذي توليه إياها، فلم أحضرها معي. فقلت له: هذه الرسالة مهمة لكسر حدة الاندفاع إلى الرواية من دون فقه، فأرجو أن تحضر لي منها أكثر عدد من النسخ في الدورة القادمة للمعرض، فأحضر لي منها حوالي مائتي نسخة، ثم أحضر في الدورة اللاحقة ما بقي لديه من نسخ، كل ذلك من دون مقابل، فجزاه الله خيرا. فوزعتها على المهتمين بهذا الجانب من الدراسات الفقهية.

ما القدر العلمي لرسالة «مدى الاحتجاج بالأحاديث النبوية في الشؤون الطبية والعلاجية» الذي جعلها تحوز مني كل هذا الاهتمام؟

بدايةً؛ من المهم أن أضع القارئ في الأجواء الفكرية التي صدرت فيها الرسالة، لنعرف بعد ذلك أهميتها حينذاك. الرسالة.. صدرت عن دار النفائس للنشر والتوزيع بالعاصمة الأردنية عمّان عام 1993م، وفي مقدمتها يقول المؤلف الأشقر: (فهذا بحث ينتمي إلى علم أصول الفقه، قدمته في مؤتمر الطب الإسلامي الذي انعقد في كراتشي بالباكستان سنة 1988م، ثم تابعته بالتصحيح والتحرير، والتقويم والتعديل، حتى استقام على الوجه الذي يراه القارئ).

فالرسالة.. وضعها الأشقر عام 1988م، ثم عمل على ضبطها حتى نشرها عام 1993م، وفي هذه المدة يأتي أوج الصعود السلفي؛ القائم على الرجوع إلى الرواية، والحرص على تمثلها خارج مقررات علم أصول الفقه، مما أدى إلى انحسار الرؤية الفقهية. ورغم أن مجمع الفقه الإسلامي ينعقد سنويا؛ فإن غالب بحوثه تظل رهينة أدراجه، فطغت على الاجتماع الإسلامي الرواية؛ التي قُدِّمت بأنها هي الدين.. بل صدرت حينذاك دعوات تنادي بتقديم الرواية على القرآن، واستدعيت عبارة قديمة نشأت في عصر الصراع بين الرواية والفقه؛ تقول: (لا خير في قرآن بلا سنة، ولا خير في سنة بلا أقوال السلف)، وهم يقصدون بالسنة الرواية، إذ لا يفرقون بينهما، ولمعرفة الفرق بينهما، وما ترتب عليه؛ أقترح الرجوع إلى كتابنا «السنة.. الوحي والحكمة» الذي اشتركتُ في تأليفه مع زكريا المحرمي وخالد الوهيبي. في فورة السلفية.. غابت الرؤية القرآنية واستبعد التأصيل الفقهي، وجرى التعويل على الرواية؛ دون العمل على نقد متنها، وأكتُفي بتصحيحها سندا وفق منهج أهل الحديث، وهو منهج غير موضوعي، فقد اقتصر على رجال الرواية الذين اعتمدهم أصحاب هذه المدرسة، وأقصي كثير غيرهم؛ بعضهم من أئمة أهل السنة كأبي حنيفة النعمان بن ثابت (ت:150هـ)، فضلاً عن سواهم من فقهاء المذاهب الأخرى.

في هذه المرحلة من صعود السلفية وفقًا لمقررات أهل الحديث؛ تصاعد تكفير وتضليل كل من يتهم بأنه مخالف للسنة النبوية، حتى الفقيه محمد الغزالي (ت:1996م) عندما صنّف كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه والحديث» ناله قسط وافر من الهجوم العنيف عليه إلى حد تكفيره. فضلا عن موجة التكفير لأتباع المذاهب الإسلامية، وهي موجة هيمنت على الوضع حينذاك، ثم أعقبتها موجة أعنف منها من قتل المخالفَ مذهبيا، حتى وصل الأمر إلى تفجير المسلمين في مساجدهم. ولهذا السبب رأيت هذه الرسالة المختصرة تقول ما يرجوه المرء لتخفيف المأزق الفكري والسلوكي الذي أورثته الرواية والتعامل معها، واستخدامها أداة أيديولوجية في الصراع السياسي، الذي نشط في المنطقة، منذ الحقبة الشمولية كالشيوعية والقومية العربية في خمسينيات القرن الميلادي المنصرم، ولذلك؛ مساهمةً في التخفيف من هذا الغليان السلفي العنيف، ورغبةً أن يعم التفكير الفقهي أكبر شريحةٍ، قدمتُ عنها قراءة مع بداية العقد الثاني من هذا القرن، في برنامج «كتاب أعجبني» بإذاعة سلطنة عمان، في الحلقة 297 منه، وهو برنامج يقدمه الإعلامي سليمان المعمري. المؤلف محمد سليمان الأشقر.. أردني من أصل فلسطيني، ولد عام 1930م، فقيه حنبلي، انتقل إلى السعودية ثم الكويت للتدريس فيهما، أحد علماء الفقه وأصوله، ورغم أن المذهب الحنبلي هيمنت عليه حينها مدرسة أهل الحديث، إلا أن الأشقر ينتمي إلى المدرسة الفقهية في المذهب، والتي أبدت تميزا في التأصيل الفقهي المعاصر، فكان الأشقر أحد أعمدتها المعاصرين، وأبحاثه تشهد له بذلك. توفي الأشقر عام 2009م، وترك العديد من المؤلفات التي تدل على تمكنه الأصولي؛ لا سيما في مجال المعاملات المالية.

أما رسالة الأشقر «مدى الاحتجاج» فتُؤصِّل لمنهج الاحتجاج بأحاديث الرسول في الأمور الدنيوية، وقد قسّم فيها ما صدر عن النبي إلى قسمين: قسم.. على جهة التبليغ عن الله، فهو شرع واجب الأخذ به. وقسم.. يتعلق بأمور الدنيا؛ وهذا له مذهبان: مذهب يقول بأن كل ما صدر عن النبي فهو تشريع، وهو (طريقة المُحَدِثين). و(المذهب الثاني.. أنه لا يجب أن يكون اعتقاده صلى الله عليه وسلم في أمور الدنيا مطابقًا للواقع، بل قد يقع الخطأ في ذلك الاعتقاد قليلًا أو كثيرًا، بل قد يصيب غيره حيث يخطئ هو صلى الله عليه وسلم). وقد نقل الأشقر أسماء مجموعة من الفقهاء على هذا المذهب؛ وهم: (القاضي عياض والقاضي عبدالجبار الهمداني المعتزلي والشيخ ولي الله الدهلوي، ومن المعاصرين: الشيخ محمد أبو زهرة والشيخ عبدالوهاب خلّاف والشيخ عبدالجليل عيسى والشيخ فتحي عثمان)، وقد انتصر الأشقر لهذا المذهب قائلًا: (الصحيح عندنا من هذين المذهبين المذهب القائل بأن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله في الشؤون الدنيوية ليست تشريعا)، واستدل على ذلك بأدلة كثيرة؛ منها: قول الله: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إليَّ) [الكهف:110]، وقوله: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء:93]. و(قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر، فإذا أمرتكم بأمر من دينكم فاقبلوه، وإذا أمرتكم بشيء من دنياكم فإنما أنا بشر) و(أنتم أعلم بدنياكم)، وعضد رأيه بأقوال بعض الفقهاء الذين وردوا أعلاه.

لا أريد هنا أن أستعرض الرسالة، فقراءتها أولى من تلخيصها، وهي موجودة يمكن الرجوع إليها، وإنما اكتفيت ببيان أنه رغم الظاهرية التي استندت إلى الرواية عن النبي، والتي صاحبها صعود العنف في زماننا، كانت هناك أقلام متزنة تعالج الوضع بتعقل، وتكتب لأجل التسامح بمنهج فقهي رصين، وهذا ما كنت أبحث عنه حينها.

خميس العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين»

مقالات مشابهة

  • إذا رفعت دعوى قضائية هل يجوز إيقافها؟.. تفاصيل
  • هل الخدمات التي تقدمها الشركة للموظفين تسجل كضريبة مشتريات؟.. الزكاة والجمارك توضح
  • بين ثورة الإمام زيد والحسين وغزة
  • البحث عن الفقه.. وسط الفورة السلفية
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. لنا الموت البهي!
  • أسامة الأزهري: وزارة الأوقاف بكل قدراتها مجندة لدعم دار الإفتاء
  • وكيل الأزهر من مؤتمر الإفتاء: الربط بين الفتوى والأخلاق عطاء قرآني وتطبيق نبوي
  • هل يضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً!؟
  • مفتي القدس: الفلسطينيون يقبضون على الجمر في زمن قاسٍ
  • مفتي القدس: صوت الساسة ورجال الدين لا بد أن يصدح أمام استباحة المسجد الأقصى