قراءة في كتاب «حليم والأبنودي.. الوطني والقومي»
تاريخ النشر: 11th, July 2024 GMT
«عدّى النهار والمغربية جايّة تتخفّى ورا ضهر الشجر
وعشان نتوه في السكة شالِت من ليالينا القمر»
لم يدر ذلك الفتى القرويّ أن كل هذا سيكون كتابا قادما، فيه الوعي والانتماء والجمال؛ فقد كان يستمتع وهو يلبي دعوة والده بغناء أغنية «عدى النهار».
لعل الكتاب امتنان للثقافة والفن في مصر، كما ذكر الكاتب والسياسي الفلسطيني عيسى قراقع في التقديم، ولعله استعادة لدور الأغنية في إحداث التحولات، لقد تقدمت الأغنية تقاوم في أصعب الظروف، و«أحدثت الأغنية انقلابا على واقع الهزيمة»، على حدّ وصف الوزير قراقع رئيس المكتبة الوطنية الفلسطينية.
إنه الكتاب البحثي، المقالي المركز الذي جمع بين الكتابة والدراسة، في نصّ غني وصل بسهولة إلى الأذهان والقلوب، باثا الأمل بربط مصيرنا الواحد. حمل كتاب دكتور حسن عبد الله -الكاتب الفلسطيني والمناضل- عنوان «الوطني والقومي في تجربتي عبد الحليم حافظ وعبد الرحمن الأبنودي: أغانيهما الوطنية المشتركة أنموذجا»، والذي يحمل مضمونا واضحا استقصيناه خلال قراءة الكتاب.
مهّد الكاتب في كتابه البحثي بتناول ناضج للسياسي والثقافي، والعلاقة بينهما، حيث يظهر هذا التقديم رؤية الكاتب للاختيار الوطني والقومي الإبداعي دون الالتزام السياسي الفئوي. وهو يقارب ذلك بإبداع كل من عبدالحليم والأبنودي اللذين عاشا عصر ناصر بكل ما فيه من مدّ وجزر، وعبورا للهزيمة عام 1967، ثم استمرارا للنضال، حيث أدت الأغنية كلمات وصوتا ولحنا في تعبئة الشعب المصري والعربي بشكل عام.
قارب الدكتور حسن عبدالله هذا المفهوم الإشكالي في حالة عبدالحليم حافظ وعبدالرحمن الأبنودي من حيث التبعية والإبداع، حيث دارت جدلية سؤال الكاتب د. حسن عبدالله، بالميل نحو الاتجاه الإبداعي؛ فلا ينكر أحد أن سقف الإبداع انسجم مع السقف السياسي القومي الجارف، بل لعل الإبداع الغنائي سبق السياسي فيما بعد، مستشهدا بأغنية عدى النهار «التي أعلنت موقفا إبداعيا سبق السياسي وتقدم عليه»، على حد وصف الكاتب، وصولا إلى خلاصة ناضجة في قوله: «إن الأغنية الوطنية المشتركة لعبدالحليم حافظ والأبنودي هي عنوان لعلاقة الإبداعي والسياسي في مرحلة عبدالناصر في كل حالاته، ارتفاعه وهبوطه، تبعيته وتحلله من هذه التبعية أحيانا، لكن في مناخ إنتاجي غير مسبوق، وفي حالة عامة من التصالح النسبي بين الجانبين، تخللها تعارضات، وأحيانا صدامات بين السياسي الرسمي وبين هذه التجربة الإبداعية أو تلك، أو مع هذا المثقف أو ذاك».
لذلك، فقد كان الازدهار الثقافي والفني رافعا مهما في دور مصر عربيا وعالميا.
ولعل وعي الكاتب هو من جنس وعي حليم والأبنودي، حيث كانت أهم خلاصات الكتاب هو ارتباط الوطني بالقومي، كون الحلقة القومية هي أقوى الحلقات، ولعل ذلك إحدى رسائل الكتاب، مشيدا بما شكله المناخ العام من حاضنة ثقافية واكبت الأحداث، وقامت بدورها التعبوي وطنيا وقوميا.
وهكذا كان من توصيات الكتاب تشجيع إنتاج دراسات وأبحاث يحتاجها الجيل الجديد، بالإضافة إلى الدور الشخصي المتعلق بالإرادة الإنسانية في تجربتي حليم والأبنودي، مختتما التوصيات بمنح اسم عبدالحليم حافظ جائزة فلسطينية.
ولعل إحدى دلالات الكتاب المهمة رسالة أخرى تتعلق بدور الفنون والثقافة في مصر في تقوية الدور المصري العروبي، لما تأثرت به الشعوب العربية أدبيا وفنيا وما زالت.
تميز الكتاب منهجيا بتقديم نص ثقافي غني، لذلك نحا الكتاب منحى أكاديميا في إطاره العام، من حيث أسئلة وفرضيات وتحليل، بهدف البحث عن الجديد، وسبر العلاقة بين الوطني والقومي. ولعلها فرضيات متوقعة بالطبع، في دور الأغنية المتقدمة.
بدأت فصول الكتاب بتتبع واستقصاء مرحلة ناصر التي شكلت حاضنة ثقافية، وخصوصية كل من عبدالحليم والأبنودي، وعلاقتهما معا، لذلك نجد الكاتب يقتبس قول محمد حسنين هيكل عن عبد الناصر «أول ما يمكن قوله عن شخص مثقف أنه يفهم الكلمة ولغة الرموز الغريبة جدا».
تلا ذلك تحليل أدبي للأغاني، وربْط ذلك مع الحاضر، مستشهدا بترديد جماهير ميدان التحرير حديثا لأغاني حليم، والتمهيد بتأثير الأغنية المصرية على الأغنية الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
يعمّق هذا الفصل معنى كون الثقافي رافعة للوطني والقومي سياسيا ونضاليا، من خلال مواكبة إنجازات الثورة، من خلال أغاني مثل «وطني حبيبي وطني الأكبر، وكل ذلك في مناخ تكريم ناصر لجوانب وأركان الثقافة والفنون. في هذا الفصل يعرج الكاتب على أركان فنية أخرى مثل السينما. كما يظهر شاعرية الأبنودي ووعيه والتزامه من حيث انطلاقه من رؤية نقدية وطنية ملتزمة، مثل: «جوابات الأسطى حراجي القط العامل في السد العالي».
حياة عبدالحليم والملحنين، والسياق الثقافي تشغل الفصل الثاني، في حين تتهيأ هنا الفرصة للحديث عن التعاون في الفصل الثالث.
من جديد الكتاب هو ما يذكره الكاتب عن اهتمام الأبنودي بالكتابة لعبدالحليم كونه يصل للجماهير العربية «واصفا الأبنودي بأنه يقدم الأغاني العاطفية للوصول إلى الأغنية الوطنية، مثل عدى النهار، احلف بسماها»
في الفصل الرابع يقدم الكاتب عرضا وتحليلا، مستعرضا آراء حول هذا التعاون تتعلق بمواكبة الثورة، منها توصية إبداعية بتوظيف أغاني عبد الحليم في رفع مستوى الأداء على آلة الناي»، كذلك إدخال الأغاني في المناهج.
اختار الكاتب الأغاني اعتمادا على الشهرة، والاستمرارية، والمضامين، والقيمة التاريخية: عدى النهار، المسيح، احلف بسماها، ابنك يقلك يا بطل، يا بلدنا لا تنامي، من قلب المواكب، الفنارة، صباح الخير يا سينا..» لقد أصبحت الأغاني الوطنية والقومية أغاني شعبية متداولة، مشيرا إلى دور تنوع الألحان في الوصول إلى الجماهير.
واختتم الكاتب فصوله بالفصل الخامس، المتعلق «بتأثر الأغنية الوطنية الفلسطينية بالتجربة الفنية والثقافية والإعلامية المصرية»، وقد عزا ذلك إلى القرب الجغرافي، والاحتضان السياسي، والبث الإعلامي الفلسطيني الثوري من مصر، مبينا أن جزءا من الفنانين والإعلاميين الفلسطينيين تخرجوا من جامعات مصر.
لقد ألهمت أغنية فلسطين لعبد الوهاب، والأرض بتتكلم عربي لسيد مكاوي، وإلى فلسطين خذوني معكم لأم كلثوم، الفنانين الفلسطينيين في الشتات، فظهرت أغاني فرقتي العاشقين والحنونة وحديثا دلال أبو آمنة ومحمد عساف.
منح الكتاب الأمل بالنهوض الفني والقومي، ولعل استشهاد الكاتب بأغنية عدى النهار يعني الكثير:
يا هل ترى الليل الحزين ابو النجوم الدبلانين
ابو الغناوي المجروحين يقدر ينسّيها الصباح
ابو شمس بترش الحنين أبداً بلدنا ليل نهار
بتحب موّال النهار لما يعدّى في الدروب
كل الدروب واخدة بلدنا للنهار واحنا بلدنا ليل نهار
بتحب موال النهار لما يعدى في الدروب
*صدر الكتاب عن دار طباق للنشر بالتعاون مع المكتبة الوطنية، ووقع في 254 صفحة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأغنیة الوطنیة عدى النهار
إقرأ أيضاً:
” الهُدهُد ” .. قصيدة من الشاعر محمد المجالي مُهداة لِلسجين الحُرّ الكاتب أحمد حسن الزّعبي
#سواليف
” الهُدهُد “
قصيدة مُهداة لِلسجين الحُرّ الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
الشاعر #المحامي_محمد_المجالي
……………
غابَ الصَّدوْقُ هَديْلُهُ وَالهُدْهُدُ
فارْجِـعْ إليْنـا سالِمــاً يا أَحمَــدُ
يا صاحِبَ الخَبَرِ اليَقيْنِ وَإِنّما
ما ظَلَّ مَنْ لِأَميْنِهِ يَتَفَقَّدُ
فالزُّوْرُ عَربَـدَ وَالنَّشـازُ أَصَمَّنــا
وَعَلا بِساحَتِنـا الغُرابُ الأَسْوَدُ
هذا الحِمى يا سَيِّدي مُتَبَعثِرٌ
والذّارِياتُ تَذُرُّهُ لا تَخْمُدُ
والرّيْحُ تَعصِفُ في بيادِرِ قَمْحِنا
نَشقى وَتَسْرِقُ ما نَكِدُّ وَنَحصِدُ
ما عادَ شيْحانٌ يَفوحُ بِشيْحِهِ
كلّا وَلا جِلْعادُ ذاكَ الجَلْعَدُ
ما عادَ في وادي الشِّتا مِنْ مُؤنِسٍ
الهَـمُّ في إِقبالِـهِ يَتَبَـدَّدُ
لَوْ قيلَ اِرْجِعْ يا عَرارُ مُخَلَّدا
لَرأيْتَـهُ في قَبرِهِ يَتَرَدَّدُ
أَيَعودُ والأُردُنُ يَملَؤهُ الأَسىْ
والظُلمُ والطُغيانُ فيهِ يُعَربِدُ
يا أَحمَدُ الزُّعْبيُّ حَسْبُكَ نِعمَةً
النَّاسُ أَجمَعُهُمْ خِصالَكَ تَحْمَـدُ
ويَرَونَكَ الغِرّيدَ في وِجدانِهِمْ
رَغمَ المَواجِعِ بالحَياةِ تُغَرِّدُ
وَيَرونَ حَرفَكَ مِنْ سُيوفِ أُباتِهِمْ
سَيْفاً علىْ رُشْدٍ يُسَلُ وَيُغْمَدُ
إنّا نرى السَجّانَ أَزرىْ قَدرَهُ
وَنراكَ في رُتَبِ المَعاليْ تَصْعَدُ
يا أَيُّها السُفَهاءُ في ساحاتِنا
ما هكذا الأمرُ الرَشيْدُ المُرشِدُ
ما هكَـذا الأُردُنُ يَعلـوْ صَرحُـهُ
في القَيْدِ حُرٌّ وَالطَليْقُ المُفْسِدُ