السبلة.. سمت عماني لبناء مجتمع متماسك
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
تلعب السبلة أو المجالس العامة العمانية دورا مهما في صقل شخصية الفرد وإكسابه السمت العماني لبناء مجتمع متماسك في قيمه وعاداته وضبط إيقاع سلوك أفراده وفق المبادئ والقيم والفضائل والعادات الاجتماعية الحسنة التي لا يشذ عنها شخص إلا وسرعان ما يعود إليه الصواب مدركا أهميته في المجتمع.
فالسبلة كفيلة بصقل أخلاق الناشئة ونشر مبادئ وقيم وعلاقات المجتمع من أخذ للمشورة والنصائح والتوجيهات التي تصدر من الكبار وأيضا معايشة ذلك واقعا عمليا من خلال تواجدهم في السبلة مع مختلف شرائح المجتمع حيث يستمع الفرد إلى الحوار والمناقشة في أدق تفاصيلها، وهي مدرسة ينهل منها الناشئة معاني الأخلاق والتعاون والتقدير، واليوم نحن بحاجة ماسة لتفعيل وتأصيل دور السبلة العمانية حتى نضمن مجتمع متماسك في ظل ظهور الغزو الثقافي والفكري الذي صرف أبناء اليوم من الحضور اللافت لهذه المجالس وخشية من اختفاء الإرث الثقافي الذي كانت السبلة حاضنة له، حيث كان الشباب سابقا يجلسون في السبلة مع آبائهم وأقربائهم وكبار السن في مجتمعهم ويستمعون إلى أحاديثهم وأفكارهم ورؤاهم.
مؤسسة تربوية
قال عزان بن ناصر الصمصامي مشرف تربوي: تعد السبلة العمانية إحدى مؤسسات التربية في الماضي فهي لا تقل أهمية عن المدرسة بل هي مدرسة في حد ذاتها يتعلم فيها الناشئة مكارم الأخلاق وفنون التعامل مع الآخرين وفيها تهذب النفوس وقد كان الآباء والأجداد يقولون لمن لم تحسن أخلاقه "لا جالس جلسة "ويقصدون بها الجلسة في السبلة، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على مكانة السبلة ودورها في صنع جيل من الشباب قادر على التعامل مع ظروف الحياة المختلفة.
وأضاف الصمصامي: وإذا كان ذلك في الزمن الماضي فإن دور السبلة ينبغي أن يكون أكثر فاعلية وتفعيلا في وقتنا الحاضر، حيث تأثرت الناشئة بوسائل الاتصال والتواصل بدرجة لا يحسدون عليها، فمع أهمية هذه الوسائل في الحياة اليومية إلا أنها أتتنا بالغث والثمين فإذا لم يجد النشء من يبصره في هذا الأمر لربما لم يستطع التفريق بينهما ويصبح فريسة للغزو الفكري، فتضيع الأخلاق والمبادئ وتنحط القيم ويظهر جيل مترهل لا يستطيع مصارعة الحياة فيجرفه التيار، وإلى هنا كان ينبغي أن تعود للسبلة مكانتها فيجلس الصغير جنب الكبير يتعلم منه، ليس في إقامة المناسبات أو الاجتماعات فقط بل تكون أبوابها مشرعة لتستطيع تأدية رسالتها.
تنشئة الأبناء
وأكد الشيخ سالم بن عزان الأغبري أن المجتمع العماني المترابط بني منذ القدم على التربية المجتمعية الذاتية لتنشئة أبنائه، التي ارتكزت على العادات الأصيلة والقيم والأخلاق النبيلة، وعرفت السبلة العمانية في كل قرية وحي بأنها منبع ذلك ومصدره الذي يسهم مباشرة في تربية النشء وتعويدهم على القيم والأخلاق الإسلامية الفاضلة، وتنمية قدراتهم على التطبع والسمت وإكسابهم المعرفة على حسن الحديث وتمكينهم من اكتساب مصطلحات لغوية.
والسبلة لها الأثر البالغ في المحافظة على القيم والمبادئ والعادات الأصيلة، والألفة والمحبة والتصالح والتسامح والتكاتف في المنح والمحن وهي صفات حافظ عليها الآباء والأجداد منذ القدم.
وأضاف الشيخ سالم: إن للسبلة دورا كبيرا للارتقاء بالجوانب التربوية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، ولعبت دورا مهما في تطوره. ومع ظهور التطور المتسارع في وسائل التواصل الاجتماعي، والذي أدى بلا أدنى شك في سهولة التواصل ونقل الأخبار بشكل سريع، إلا أنه في الجانب الآخر لابد من الوقوف على بعض السلبيات الخطيرة لعمليات التواصل الجديدة والتي تكون افتراضية في معظمها مع أشخاص مجهولين أو متنكرين لا يعلم حقيقة توجهاتهم وأفكارهم وغاياتهم، وناشد الأغبري جهات الاختصاص والمجتمع بتبني إصلاحات جذرية في إعادة أدوار السبلة واحتضان الأبناء في مختلف مراحلهم العمرية، والعمل سويا في غرس القيم الإسلامية والعادات والتقاليد المجتمعية الحميدة، وتوجيه الأبناء في كيفية التعامل مع التطور التكنولوجي المتسارع حفاظا على تماسك الأسرة والمجتمع وبناء أفراد قادرين على التعامل مع مجريات الحياة داخليا وخارجيا.
تماسك مجتمعي
وقال أسعد بن علي الحراصي: إن التماسك الاجتماعي سمةٌ من سماتِ المجتمعِ العماني، الذي يعي ضرورة التعاونِ والتعاضدِ بين أفرادهِ ويظهرُ ذلك جليًا في "السبلةِ العمانية" وهي عبارة عن مجلسٍ اجتماعي ينضوي تحتهُ أفرادُ المجتمعِ بكُلِ أطيافهِ ليعبرَ عن لحمةِ المجتمعِ و تآزرهِ، مشيرا إلى أنها كانت تضطلع بالعديد من الأدوار المهمة في المجتمع منها على سبيل المثال لا الحصر: حل الخلافات واتخاذ القرارات المهمة في الحيز الجغرافي الذي تشغله "القرية" أو "الولاية"، كذلك مشاركة أفراد المجتمع في أفراحه وأتراحه والحفاظ على العادات والتقاليد المتوارثة، ويمكننا القول بأنها كانت بمثابة المناعة الفكرية لجسد المجتمع ضد أي غزو فكري.
وبين سعيد بن مصبح البحري أن حرب الأفكار والغزو الثقافي والفكري أن السبلة العمانية تلعب دورا مهما وبارزا في حياة أفراد المجتمع في غرس روح التآلف والتكاتف والتعاون والقيم الأصيلة والعادات العريقة وهي في حد ذاتها مدرسة ينبع منها فيض ومعاني الخلق الرفيع وسمات أواصر التواصل بين أفراد المجتمع حيث كانت وما زالت محورا مهما في نشر روح الأخوة والترابط والتآلف والمحبة والتعاون.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التعامل مع
إقرأ أيضاً:
انطلاق مسابقة شيف عمان بمشاركة 50 طاهٍ عماني
"عُمان": انطلقت اليوم النسخة الخامسة من مسابقة "شيف عُمان"، التي تسلّط الضوء على تقنيات الطهي المستدامة التي تراعي البيئة وتحتفي بالتراث العُماني، كما تركّز النسخة الحالية على استكشاف النكهات العُمانية من منظور متجدد، من خلال عدة مراحل تهدف إلى تعزيز الإبداع وتقديم مفهوم جديد للطهي العُماني الشعبي بلمسات عصرية.
وجمعت المسابقة الطهاة المحترفين والطلبة الموهوبين من مختلف محافظات سلطنة عُمان، للاحتفاء بتنوع وغنى المطبخ العُماني وتقديمه بأساليب مبتكرة تجمع بين الأصالة والحداثة، وتُعد "شيف عُمان" منصة بارزة تُلهم الطهاة العُمانيين لاكتشاف وتطوير وصفات استثنائية مستوحاة من المكونات المحلية.
وقال الدكتور حمد بن محمد المحرزي، عميد كلية عُمان للسياحة: "إن المسابقة تشكّل احتفاءً بفنون الطهي المستمد من الثقافة العُمانية الأصيلة، وتتيح للطهاة العُمانيين المجال للتعبير عن إبداعهم وابتكارهم، والجمع بين أساليب الطهي الشعبي والتقنيات الحديثة، وتسهم المسابقة في تمكين المشاركين من إبراز المطبخ العُماني وتطويره مع الحفاظ على هويته المميزة".
من جانبها، قالت أميرة بنت إقبال اللواتية، المديرة العامة للتنمية السياحية بوزارة التراث والسياحة: "المسابقة تُعزز فنون الطهي وتوثق إرث المطبخ العُماني وتاريخه والتقاليد المرتبطة به، وتبرز مهارات وإبداعات الطهاة من الشباب العُمانيين، ونسعى من خلالها لتحفيز الإبداع بمفهومه الشعبي والحديث، مشيرة إلى أن لدى الوزارة برنامجًا متكاملًا ومبادرات عديدة لتنمية سياحة المأكولات وفنون الطهي، مما يعكس الاهتمام الذي توليه لأنماط السياحة الثقافية، وعرض المنتجات والتجارب السياحية المرتبطة بفنون الطهي العُماني وتعزيز مسارات الطهاة وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال في هذا المجال".
وأكّدت بدرية بنت عبدالرحمن السيابية، مديرة إدارة الاستدامة والمحتوى المحلي في مجموعة عُمران، على أهمية المبادرة في دعم الشباب العُماني وتطوير قطاع السياحة، مشيرة إلى أن المبادرات تمكن الشباب العُماني من إبراز قدراتهم وإبداعاتهم في مسارات مهنية واعدة لهم في مجال الطهي.
وقدّم الطهاة في الجولة الأولى من المسابقة أطباقًا عُمانية شعبية بأساليب مبتكرة، مجسّدين طموح الجيل الجديد واحتفاله بالمطبخ العُماني الغني من خلال رؤى عصرية وإبداعات متجددة، وتتألف النسخة الخامسة من مسابقة "شيف عُمان" من ثلاث جولات مختلفة، يشارك فيها أكثر من 50 طاهٍ من الشباب العُمانيين.