أكد الخبير النفسي محمد ياسر جبجي، أن الإبادة الجماعية في سربرينيتسا وغزة خلقت صدمات مماثلة، حيث لا يزال الناس في البوسنة يعانون من تبعات الحرب التي شهدتها البلاد قبل 3 عقود وصدماتها.

وقال جبجي وهو منسق مجموعة "أطباء نفسيون من أجل فلسطين" في تركيا، إن "الإبادة الجماعية في سربرنيتسا وقعت ويعتقد أنها انتهت، ومع ذلك لا يزال الناس يعانون من صدمات في البوسنة"، بحسب وكالة الأناضول.



وأضاف "لا يزال هناك أشخاص لا يستطيعون السير في شارع ما لأن قنبلة ضربته عندما كانوا يمرون به، واليوم تحدث نفس الصدمات في غزة، كما حدث مع البوسنيين يحدث لأهل غزة".

وشهدت سربرنيتسا شرق البوسنة والهرسك في 11 تموز/ يوليو 1995 إبادة جماعية على يد القوات الصربية، فيما يشهد قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هجمات إسرائيلية وجرائم إبادة جماعية.

وأشار إلى أن الأشخاص الذين شهدوا الإبادة الجماعية في سربرنيتسا تعرضوا لصدمة كبيرة، مؤكدا أن معاناة مماثلة لا تزال قائمة تتكرر في غزة اليوم،مضيفا أنه "من الصعب حقا الحديث عن نفسية الأشخاص الذين شهدوا الإبادة الجماعية، أو تعرضوا للتعذيب، أو أجبروا على الهجرة، نحاول فهم هذه المواقف من خلال مراقبتها".


وأكمل: "أجريت دراسات أكاديمية في البوسنة والهرسك، ما شاهدته هناك كطبيب نفسي هو أن الناس لم يتغلبوا بعد على الصدمة التي تعرضوا لها".

وقارن جبجي بين الصدمات العاطفية المفتوحة، وأشار إلى أنها "مثل الجروح الجسدية، يمكن التغلب عليها بالتدخل حسب عمقها وشدتها، وقد تكون هناك جروح يمكن شفاءها بضمادات صغيرة، بالإضافة إلى نزيف داخلي، ولكن الصدمات يمكن أن تستمر لسنوات عديدة".

وكشف أن الصدمات يمكن أن تحدث من خلال مشاهدة الإبادة الجماعية، أو كونك ابنا لشخص شهدها، أو من خلال مشاهدة الإبادة الجماعية في غزة مباشرة، كما هو الحال اليوم.

وذكر بأن الشيء المهم هو ضمان استمرار الحياة حتى مع الألم، وأن هناك حالات انتحار لدى أشخاص لا يستطيعون التغلب فيها على صدمة الإبادة الجماعية.

وأوضح: "سربرينيتسا بالأمس أصبحت غزة اليوم، حتى لو أن الأطفال الذين ولدوا في غزة أو البوسنة لم يشهدوا الإبادة الجماعية، فإنهم يحملون متاعب تاريخية وأعباء الأمس".


وأردف: "الطفل لا يستطيع أن يحلم بالمستقبل لأنه يعتقد أن البيئة الفوضوية والصراع هي السائدة في بلاده، إن حقيقة أن الطفل تحت الحصار في غزة يعيش في ظروف صعبة وحرية محدودة تؤثر بالفعل على نفسيته بشكل سيء بما فيه الكفاية".

ولفت إلى أنه "ينبغي بذل الجهود الدولية لإدارة الصدمات، لأن عبء الصدمة يكون ثقيلا جدا عندما يكون فرديا، وهناك أحمال لا يستطيع الإنسان حملها".

وفيما يتعلق بتأثير الإبادة الجماعية أجاب جبجي: "كانت هناك إبادة في سربرنيتسا ويعتقد أنها انتهت، لا يزال الناس يعانون من الصدمة ولا يستطيعون المشي في الشارع بسبب قنبلة، وتحدث صدمات مماثلة في غزة اليوم".

وأضاف: "مثل البوسنيين يعاني سكان غزة أيضا من صدمة الإبادة، إذا لم يتم اتخاذ التدخلات اللازمة يمكن أن تنتقل الصدمات إلى الأطفال حديثي الولادة"، مشددا على ضرورة استيفاء شروط مختلفة للتغلب على الصدمة.

وفسر بهذا الصدد: "من أجل شفاء صدمة الأم التي قتل طفلها أمام عينيها في سربرنيتسا أو غزة، يجب عليها أولا ألا تشعر بالوحدة، ويجب الوفاء بأبسط الحقوق وهي التغذية والحماية والأمن".


وأكمل: "إذا لم تشعر الأم بالأمان في بيئتها سيكون من الصعب عليها التغلب على الصدمة، ولكي تتكيف مع الحياة مرة أخرى يجب أن تتوفر لها بيئة اجتماعية والدخول في دورة الحياة".

وأفاد أن هناك مشكلة بطالة خاصة في سربرنيتسا واضطر الناس إلى الهجرة إلى أوروبا، مشددا على ضرورة تحسين الأنشطة التجارية والتعليمية والثقافية في البلاد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الإبادة البوسنة سربرنيتسا غزة غزة البوسنة الإبادة سربرنيتسا حرب الابادة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة فی فی سربرنیتسا لا یزال فی غزة

إقرأ أيضاً:

هل العنصرية اضطراب نفسي؟

 

بدر بن خميس الظفري

@waladjameel

نتابع ما بدأناه من سلسة مقالات تبحث ظاهرة العنصريّة، ونسلط الضوء في هذا المقال على جانب أكثر عمقًا في هذه الظاهرة، وهو ما إذا كانت العنصريّة تندرج ضمن إطار الاضطرابات النفسية التي تستوجب علاجًا نفسيًا أم أنها ظاهرة اجتماعية وثقافية مكتسبة تحتاج إلى معالجة من نوع آخر.

يُثار هذا الموضوع في الأوساط العلمية والنفسية بشكل متكرر، خصوصًا مع ظهور حالات شديدة من التمييز والكراهية التي قد تصل أحيانًا إلى ارتكاب جرائم عنصرية مؤلمة. فقد شهد المجتمع، على سبيل المثال، تعرض الكثير من الفتيات لاعتداء جسدي ونفسي وهجرٍ أبدي من قبل أهلهنّ وذويهنّ عندما قررن الارتباط بالزواج بشخص يزعم المجتمع أنهم متفوقون عليه نسبا وعرقا، وقد وصلت المسألة في بعض الحالات إلى القتل أو على الأقل التهديد بالقتل للرجل والمرأة.

وتكمن حساسية الموضوع في كونه يتجاوز حدود البحث العلمي إلى نطاق المسؤولية القانونية والأخلاقية التي تقع على عاتق العنصريين. بعض علماء النفس اقترحوا أن الحالات الشديدة من العنصرية قد تكون مظهرًا من مظاهر اضطرابات نفسية عميقة، كاضطرابات الشخصية أو الاضطراب الوهامي، الذي يجعل المصاب به يرى العالم من خلال عدسة مشوهة ومضللة، تدفعه إلى الاعتقاد بأن عرقه هو المتفوق وأن بقية الأعراق تشكل تهديدًا وجوديًا له.

في هذا السياق، قدم الدكتور ألفين بوسانت الأستاذ في جامعة هارفارد، رؤية علمية قوية حول هذا الأمر؛ إذ يرى بوسانت أن التحيز العنصري المفرط والمتطرف هو نتاج لأفكار وهامية تستدعي تدخلًا نفسيًا علاجيًا يساعد المصاب بها على مواجهة هذه الأفكار وتصحيحها، وأن مثل هذه الأفكار العنصرية الوهمية ترتبط بشكل وثيق مع اضطرابات نفسية معروفة لدى المختصين النفسيين، مثل الاضطراب الوهامي واضطرابات الشخصية النرجسية والشخصية المعادية للمجتمع. يوضح بوسانت أن الشخص الذي يتبنى معتقدات متطرفة بشأن تفوق عرقه أو الخطر الذي تشكله الأعراق الأخرى عليه، يعاني غالبًا من خلل عميق في إدراكه للواقع، ويعيش في حالة دائمة من القلق والتوتر والخوف من الآخر، الأمر الذي يستوجب تدخلاً علاجيًا نفسيًا من خلال جلسات نفسية مكثفة تساعده على إدراك الأسباب الكامنة وراء معتقداته وتصحيحها تدريجيًا.

إضافة إلى طرح بوسانت، يُشير بعض الباحثين الآخرين إلى أن العنصرية لها جوانب نفسية واضحة، لكنها في الغالب تعكس البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد. إذ تؤكد الدراسات النفسية والسياسية أن العنصرية ترتبط بشكل كبير بسمات الشخصية المتسلطة والمتشددة فكريًا، والتي تنشأ بسبب البيئة الاجتماعية والتربوية والثقافية، وفقًا لما قدمه الباحث حسام الدين فياض في مقالته «العنصرية في ضوء نظريات علم النفس السياسي»، المنشورة على موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود. يرى فياض أن التعصب العنصري هو نتاج تفاعل بين الفرد والبيئة، وأن السمات الشخصية مثل التسلطية والدوغمائية تتشكل وتتطور من خلال السياق الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد.

ومن جانب آخر، أوضحت بعض الدراسات في مجال علم النفس التطوري وعلم الأعصاب أن لدى البشر نزعة طبيعية نحو الانحياز للجماعة التي ينتمون إليها، وأنّ هذه النزعة قد تتحول إلى سلوك عنصري نتيجة عوامل ثقافية واجتماعية محددة. وتوضح الباحثة سحر محمد في مقال «العنصرية من وجهة نظر العلم»، المنشور على موقع منظمة المجتمع العلمي العربي، أن الشعور بالانتماء للجماعة جزء من التكوين البيولوجي والتطوري للبشر، لكن التعبير عن هذا الشعور بصورة عنصرية أو عدائية هو في الواقع سلوك مكتسب من البيئة الاجتماعية والثقافية المحيطة بالفرد.

ورغم أهمية الطروحات السابقة، واجهت فكرة اعتبار العنصرية اضطرابًا نفسيًا انتقادات وتحفظات واسعة من قبل خبراء آخرين. إذ يرى هؤلاء الخبراء أن تصنيف العنصرية كاضطراب نفسي قد يقود بشكل أو بآخر إلى إيجاد حالة من التعاطف أو التساهل القانوني مع مرتكبي الجرائم العنصرية، وإلى التعامل معهم باعتبارهم مرضى يحتاجون للعلاج وليسوا مجرمين يستحقون العقاب. إلّا أنَّ التخوُّف الأساسي هنا هو أن يتحول التشخيص النفسي إلى ذريعة تُستعمل للهروب من العقاب القانوني، مما يؤدي إلى إضعاف المساءلة القانونية وتراخي الجهود المجتمعية في مواجهة العنصرية.

وإضافة إلى ذلك، يؤكد علماء الاجتماع والنفس أن العنصرية في معظم الحالات تُكتسب من خلال البيئة الاجتماعية والتربوية والثقافية التي يعيش فيها الفرد، وبالتالي هي ظاهرة اجتماعية يمكن علاجها من خلال تغيير البيئة التي أنتجتها وتعزيز قيم الحوار والتسامح والتعايش بين مختلف الأعراق والثقافات. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى استراتيجيات تربوية وتوعوية وقانونية لمكافحة هذه الظاهرة، وتصبح المسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والإعلام والمجتمع المدني بأكمله.

من جانب آخر، لا ينبغي إغفال الأبعاد النفسية الحقيقية التي تتركها العنصرية على ضحاياها. فتجارب التعرض للعنصرية والتمييز بشكل مستمر تؤدي إلى آثار نفسية عميقة مثل القلق والاكتئاب والشعور بالدونية والإحباط، مما يجعل مكافحة العنصرية ضرورة نفسية ملحة بقدر ما هي مسؤولية اجتماعية وقانونية.

وبالنظر إلى كل هذه الجوانب، فإن العنصرية تُعد من الظواهر الاجتماعية المعقدة التي يصعب اختزالها في إطار واحد فقط، فهي تجمع بين الجوانب النفسية والاجتماعية والقانونية والثقافية بشكل متشابك ومتداخل. والتعامل مع العنصرية كاضطراب نفسي قد يكون مناسبًا في حالات محددة جدًا تتسم بالتطرف والشدة، لكن من الضروري أن يكون هذا التعامل حذرًا ومتوازنًا، كي لا يتحول إلى وسيلة لإعفاء العنصريين من مسؤولية أفعالهم.

إنَّ الحلول الجذرية للعنصرية تكمن في بناء ثقافة مجتمعية متسامحة، تُقدّر التنوع وتحترم الاختلاف، وتسعى لمعالجة أي شكل من أشكال التمييز فور ظهوره، لأن العنصرية ليست مشكلة تخص فئة أو جماعة واحدة فقط، إنما هي قضية مجتمعية عامة تؤثر في حياة الجميع، سواء كانوا ضحايا أم مرتكبين.

مقالات مشابهة

  • شركة كهرباء السودان: تأخر عودة الخدمة يعود إلى تكرار عمليات القصف التي استهدفت الشبكة
  • المجاعة في غزة.. عمرو خليل: إسرائيل تواصل الإبادة الجماعية |فيديو
  • خبير تركي يحذر: أسعار الذهب ستنخفض قريباً.. ونصائح للمستثمرين لتجنب الخسائر
  • هل العنصرية اضطراب نفسي؟
  • حماس: العدو الصهيوني يواصل الإبادة الجماعية في غزة وسط صمت دولي مريب
  • دواء يحد من تكرار النوبات القلبية.. تعرّف على اكتشاف طبي بسيط ينقذ الأرواح
  • الرجيم القاسي للأطفال خطر على النمو والصحة النفسية.. خبير تغذية يحذر
  • التبريرات والإدانات الغربية للمجازر والإبادات الجماعية
  • تحذيرات إسرائيلية من تكرار سيناريو 7 أكتوبر على الحدود مع الأردن
  • تقلل شدة الصدمات.. كيف ترفع الحواجز الدورانية مستوى سلامة الطرق؟