محمد زويد يكتب: الإعداد النفسي علم غائب عن أنديتنا ورفعت مثال لا نريد تكراره
تاريخ النشر: 11th, July 2024 GMT
شهدت الأيام الأخيرة حالة من الحزن الشديد بعد خبر وفاة أحمد رفعت لاعب فيوتشر ومنتخب مصر، وبدأت الجماهير المصرية تطالب بحق اللاعب بعدما ظهر في آخر حوار تليفزيوني أجراه اللاعب وأوضح أنه كان يُعاني من أزمة نفسية شديدة، أدت إلى وفاته.
ولكنه لم يتعظ أحد من تلك الأزمة الشديدة التي طرقت أبواب الكرة المصرية في الأيام الأخيرة، ولم نشاهد على سبيل المثال، تعاقد أحد الأندية المصرية مع أخصائي نفسي وضمه للجهاز المعاون للمدير الفني.
بالرغم من التقدم الكبير التي تشهده الفرق المصرية في السنة الأخيرة وتمكنها من السيطرة على إفريقيا بالكامل، إلا أن هذا ليس كافيًا لحماية لاعبيها وتحقيق النصر في كل البطولات.
شهدنا تقدم ملحوظ في الخطط والتكتيك وتعدد المنافسات والمنافسين على المستويين المحلي والإفريقي، ولكن لم يعد تحضيرات الفرق مجرد معسكرات كلاسيكية، فالمجهود البدني وحده لم يعد كافيًا لإحداث التفوق.
فهناك بعض اللاعبين ينهارون بعد التعرض للهجوم من بعض الجماهير عليهم، ومع تفتح الجماهير والدخول في حقبة السوشيال ميديا، أصبح الأمر أكثر خطورة، كما أنه أصبح من الضروري الاستعانة بالطب النفسي لمعالجة مثل تلك المخاطر.
ومن ضمن هؤلاء اللاعبين هو النجم الدولي محمود علاء مدافع نادي الزمالك، والذي تعرض لحملة انتقادات واسعة في عام 2020 بعدما أخطأ أمام مرمى الزمالك ومكن فريق الأهلي من تسجيل هدف الفوز في نهائي دوري أبطال افريقيا، رغم أنه كان أحد أفضل لاعبي الزمالك آنذاك إلا أن الجماهير جعلت منه لاعب شاب تائه لايعرف إلى أين يذهب بعدما تحطم حلمه.
كما هو الحال بالنسبة لرمضان صبحي وإمام عاشور وكهربا، وغيرهم الكثير، ليس من بينهم أحمد رفعت، هو الان بين يدي الله، ولكننا لا نرغب تكرار مثل تلك الأزمة من جديد، ولكن في حالة عدم الإستعانة بالطب النفسي في مجال كرة القدم، سيصبحون جميعا في الطريق إليه، ونحن لا نتمنى لهم مثل تلك الأزمات.
الإعداد النفسي هو الوسيلة الأفضل لتحقيق العالميةلا يحتاج اللاعب إلى إعداد نفسي فقط عندما تهاجمه الجماهير، اللاعبون جميعا يحتاجون إلى إعداد نفسي قوي قبل بداية كل موسم، وذلك من أجل تحقيق ما يريده المدير الفني وهو بكامل قدرته النفسية والإجتماعية والبدنية وهو في كامل تركيزه، وعلى ثبات كامل بالمستوى بنفس التوقيت.
فاللاعب يحتاج إلى الشجاعة والمثابرة لاستحداث الوسيلة التي تعينه على الصمود ومجاراة الصراع القوي والمستمر تطلعًا لتحقيق الهدف، وهنا يظهر الإعداد النفسي كعامل مهم، وهو أسلوب من أساليب عملية التخطيط والاستعداد للمنافسات، جنبا إلى جنب مع الإعداد البدني، بل وفي أحيان كثيرة يصبح أكثر أهمية وفاعلية في إحداث التفوق المنشود عن الجانب البدني.
وذلك لكونه يرتبط مباشرة بالصفات النفسية للاعب ويؤدي دورًا مهمًا في تطورها بما يساعده على التكيف مع مختلف الظروف والتغييرات التي تحدث أثناء المباريات.
أهمية علم النفس، تتمحور في إعداد اللاعب نفسيا وتطوير شخصيته وأدائه ونظامه الحياتي وثقافته، وكيف يوزع برنامجه، فاللاعب إن لم يستطع أن ينظم حياته سينتهي به الأمر هو معتزلًا لكرة القدم في سن الـ 35 على أقصى تقدير، ولن تتطور الرياضة المصرية إذا لم يدخل فيها الجانب العلمي مثل علم النفس وعلم التغذية، فهذه جوانب مهمة جدًا للنهوض بالرياضة المصرية.
ويجب أن تكون البداية بتحديد مهام الأداريين بالفريق، وهي عدم تدخلهم في توجيه اللاعبين نهائيا أثناء المباراة، وهو ما يجعل اللاعب في حالة تشتيت مستمرة طوال المباراة، ومن المفترض أن يتوقف هذا الأمر عند المدير الفني للفريق فقط.
كما هو الحال قبل المباراة، وهو أنه لا يجب التحدث إلى اللاعبين ليلة المباراة نهائيا إلا من شخصين هم المسؤولين عن ذلك الأمر، وهو المُعد النفسي، والمدير الفني لتوضيح التعليمات المقرر تنفيذها في المباراة، وذلك حسب ما وصفه خافي جارسيا الُمعد الذهني السابق بريال مدريد في تصريحات سابقة.
لا يوجد في مصر سوى النادي الأهلي الذي يضم في جهازه الفني طبيب نفسي وهو الدكتور محمد أبو الوفا، وسبق للأهلي أن تعاقد مع طبيب نفسي بالصدفة أثناء ولاية مانويل جوزيه الثانية، وذلك حسب وصف الدكتور محمد أبو الوفا الطبيب النفسي بالنادي الأهلي آنذاك.
الإعداد النفسي أصبح علم غائب عن أنديتنا، وتدمير اللاعبين نفسيًا أصبحت عادة في عصر السوشيال ميديا، لا يمكن التغلب عليها، إلا بالعلم والمعرفة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الإعداد النفسی
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: غزة: معركة البقاء والصمود أمام مأساة متجددة
غزة ليست مجرد جغرافيا، وليست صفحة عابرة في تاريخ القضية الفلسطينية. إنها رمز الصمود في وجه التحديات، عنوان الإرادة التي لا تنكسر. وفي كل مرة تُعلن الحرب عليها، تبرز أسئلة أكثر من الإجابات، ويبقى جوهر القضية في صمود الإنسان الفلسطيني الذي يدفع ثمنًا باهظًا أمام عالم يراقب بصمت.
منذ أكتوبر 2023، شهدت غزة واحدة من أعنف الحروب التي مرت بها، حيث تجاوزت الخسائر البشرية والمادية كل تصور. أكثر من 46 ألف شهيد سقطوا، بينهم نسبة كبيرة من النساء والأطفال، فضلًا عن أكثر من 110 آلاف جريح، كثير منهم يعانون من إعاقات دائمة. قطاع غزة، الذي يعاني أصلًا من حصار خانق منذ سنوات، وجد نفسه أمام كارثة إنسانية ومأساة تعكس حجم التحدي الذي يواجهه أهله يوميًا.
وفي خضم هذه الأرقام المفجعة، يبرز السؤال الأكبر: هل انتهت الحرب فعلًا؟ الإجابة قطعًا لا. الحرب على غزة ليست فقط قصفًا بالطائرات وتدميرًا للمباني، بل هي معركة يومية تستهدف حياة الناس وكرامتهم، معركة تُخاض في البحث عن المأوى، والطعام، والأمان، بل وحتى الأمل.
إسرائيل وأوهام التهجير: فشل استراتيجي متجدد
منذ نكبة 1948، وضعت إسرائيل التهجير القسري للشعب الفلسطيني في صلب استراتيجيتها، محاوِلةً اقتلاع الإنسان من أرضه وهويته. إلا أن غزة، ورغم القصف والدمار، أثبتت أن الشعب الفلسطيني يملك إرادةً لا تقهر. ورغم كل المحاولات، بقي أهلها على أرضهم، يدافعون عنها بجسارة، لتفشل مرة أخرى مساعي الاحتلال في تحويل غزة إلى نموذج للتهجير أو الإذعان.
لكن، ومع هذا الصمود، لا يمكننا إغفال الثمن الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون. عائلات بأكملها أُبيدت، منازل تحولت إلى ركام، وأجيال قُتلت أحلامها قبل أن ترى النور. هذه الحقائق لا تُعبر فقط عن عدوان الاحتلال، بل عن تقاعس العالم في حماية حقوق الشعب الفلسطيني.
غزة بين التاريخ والكارثة الحاضرة
إن أي قراءة لمعاناة غزة لا يمكن أن تتجاهل التاريخ الطويل للمآسي الفلسطينية. منذ النكبة وحتى اليوم، دفع الشعب الفلسطيني أكثر من 134 ألف شهيد على مدى عقود من الاحتلال والمقاومة. لكن ما حدث في الأشهر الأخيرة، بعد أكتوبر 2023، يُعد تصعيدًا نوعيًا في حجم المأساة.
الأرقام تتحدث عن نفسها: أكثر من 136 ألف مبنى دُمر بالكامل، و245 ألف وحدة سكنية تضررت، مما جعل مئات الآلاف من الفلسطينيين بلا مأوى. هذا الدمار المادي لا يعبر عن كل القصة، فالمأساة الإنسانية أعقد بكثير؛ إذ أن الدمار طال النفوس قبل أن يطال البنيان.
معركة الحياة: صراع ما بعد الحرب
من يظن أن الحرب في غزة تنتهي بإعلان وقف إطلاق النار، فهو يغفل عن حقيقة المشهد. الحرب مستمرة، ولكنها أخذت أشكالًا جديدة. إنها حرب البقاء، حيث يصارع الناس من أجل الطعام والماء والمأوى. إنها حرب البحث عن الكرامة وسط الحطام. آلاف الأيتام والأرامل يواجهون مستقبلًا غامضًا، في وقتٍ تسود فيه البطالة، ويتفاقم فيه الفقر. التحديات في غزة ليست فقط مادية، بل هي اجتماعية ونفسية، في ظل أجيال نشأت على الأنقاض، وحلمها الوحيد هو النجاة.
المسؤولية الدولية: غياب الدور الفاعل
في مواجهة هذه المأساة، يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة. غزة ليست مجرد كارثة إنسانية، بل اختبار لأخلاقيات العالم وعدالته. لم يعد مقبولًا الاكتفاء بإصدار بيانات الإدانة، بينما تُهدم غزة ويُقتل أهلها. ما تحتاجه غزة اليوم هو دعم حقيقي، يبدأ بإعادة إعمار القطاع، ولا ينتهي عند ضمان حياة كريمة لشعبها.
على الدول الكبرى والمؤسسات الدولية أن تعي أن غزة ليست مجرد ملف إنساني يُترك لجولات المفاوضات السياسية، بل قضية أخلاقية تستدعي تحركًا عاجلًا، لضمان عدم تكرار هذه المأساة.
التفكير خارج الشعارات: حب غزة مسؤولية
حبنا لفلسطين وغزة ليس في رفع الشعارات، أو التغني بالصمود دون أن نفكر بعمق في واقع المعاناة. غزة بحاجة إلى خطاب جديد، خطاب مسؤول يطرح التساؤلات الجادة حول كيفية دعم صمودها، وكيفية حماية شعبها من الحروب القادمة. حبنا لغزة يجب أن يكون صادقًا، بعيدًا عن المجاملات أو تسجيل المواقف العاطفية.
غزة اليوم، ورغم جراحها، تظل رمزًا للكرامة والصمود. لكن هذا الصمود لا يمكن أن يستمر وحده. غزة بحاجة إلى دعم سياسي وإنساني ومادي يعيد الحياة إلى شوارعها، ويمنح أهلها فرصة لعيش حياة كريمة. لا نريد لغزة أن تبقى صورة في الأخبار أو مأساة متكررة، بل أن تصبح نموذجًا للانتصار الحقيقي على الظلم، بانتصار الإنسان على المأساة.
ختامًا، غزة لا تُقاس بحجم الدمار أو أعداد الشهداء فقط، بل تُقاس بإرادة الحياة التي يتمسك بها أهلها. إنها قصة شعب لا يعرف الاستسلام، لكنها أيضًا مسؤوليتنا جميعًا. مسؤوليتنا في أن نكون صوت غزة في العالم، وأن نحول حبنا لها إلى أفعال تمنح الأمل لأجيالها القادمة.