تركيا «المترددة» بين الدعم الأوروبى لأوكرانيا والمصالح الروسية
تاريخ النشر: 11th, July 2024 GMT
لا تنوى تركيا التخلى عن عملية التوازن الدقيقة التى تقوم بها بين انتمائها إلى حلف شمال الأطلسي، وتحسين العلاقات مع روسيا، وكونها حليفة لأوكرانيا فى الوقت الذى يستعد فيه التحالف العسكرى لإظهار الوحدة فى واشنطن هذا الأسبوع.
أبدى وزير الدفاع التركى يشار جولر استياءه من فكرة أن تركيا أصبحت خارج الخط مع بقية أعضاء التحالف الذى انضمت إليه أنقرة فى عام 1952
واكد جولر فى تصريحات صحفية أنه «فى بيئة يتواجد فيها 32 حليفا معا، فمن غير المعقول أن يكون لديهم نفس وجهات النظر حول كل قضية».
وقال إن «بعض الدول تحاول خلق مثل هذا التصور»، مشيرا إلى القيود التى فرضتها ألمانيا على صادرات طائرات يوروفايتر التى تسعى أنقرة إلى الحصول عليها، واصفا إياها بأنها «القضية الحقيقية التى تخلق انعدام الثقة داخل التحالف».
لكن لا يمكن إنكار أن تركيا ليست عضوًا عاديًا فى حلف شمال الأطلسى ان تركيا، إلى جانب المجر، تربطها علاقات وثيقة بروسيا. كما أن أغلب الدول الأوروبية الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى أعضاء فى الاتحاد الأوروبي؛ أما تركيا فهى ليست عضواً فيه. وهى تمتلك أكبر جيش فى الحلف إلى جانب الولايات المتحدة، ولديها مصالح أمنية خاصة بها ــ الانتشار العسكرى فى سوريا، والتوغل المتكرر فى العراق لمهاجمة المسلحين الأكراد
ولا تحاول أى دولة أخرى القيام بعمل مماثل على الحبل المشدود ولكن قِلة من الدول الأخرى لديها نفس القدر من المخاطر فى اللعبة مثل تركيا عندما يتعلق الأمر بالحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وفى إشارة إلى جهوده نحو إيجاد طريق وسط، التقى الرئيس رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضى بالزعيم الروسى فلاديمير بوتن فى كازاخستان. وهذا الأسبوع يحضر أردوغان قمة حلف شمال الأطلسى فى واشنطن التى تركز على التهديد الروسي.
وتحافظ تركيا على علاقاتها مع موسكو وتقاوم العقوبات المفروضة على روسيا والتى أقرتها أغلب دول حلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، وصف جولر موقف أنقرة بشأن حرب أوكرانيا بأنه «متوازن ونشط... فى إطار الشراكة الاستراتيجية مع أوكرانيا والحوار الإيجابى مع روسيا».
وقال وزير الدفاع «حتى الآن، كانت تركيا الدولة الوحيدة التى تمكنت من جمع جانبى الحرب فى محادثات رفيعة المستوى»، فى إشارة إلى البلاد باسمها المفضل.وتابع جولر «لن نسمح بأن يتحول البحر الأسود إلى ساحة معركة استراتيجية».
والجدير بالذكر أن تركيا زودت كييف بطائرات بدون طيار وسفن حربية ولكنها استمرت أيضًا فى شراء النفط والغاز الروسيين. كما لعبت دورًا دبلوماسيًا نشطًا، حيث عملت على تعظيم مكانتها كجارة على البحر الأسود لكل من روسيا وأوكرانيا، وتوسطت فى اتفاقية - انتهت صلاحيتها الآن - للسماح بشحن الحبوب الأوكرانية.
وفى حديثه لصحيفة بولتيكو أكد آرون شتاين، رئيس معهد أبحاث السياسة الخارجية، وهو مركز أبحاث غير حزبى مقره الولايات المتحدة، إن تركيا ستواصل موقفها المتردد لأن أنقرة «يبدو أنها توصلت إلى استنتاج مفاده أن أوكرانيا لا يمكنها الفوز، وبالتالى من الجيد أن تكون لها علاقة جيدة مع موسكو».
واضاف : «تريد تركيا إبقاء التوترات مع روسيا منخفضة، وإبقاء حلف شمال الأطلسى خارج المنطقة، وضمان السيطرة على أى تصعيد محتمل».
وفى الوقت نفسه، ارتفع عدد الشركات الروسية فى تركيا إلى 1363 من 177 شركة فقط فى عام 2022. وبالنسبة للعديد من حلفاء أنقرة فى حلف شمال الأطلسي، يبدو الأمر وكأنه محاولة للالتفاف على العقوبات الغربية.
لكن صادرات تركيا إلى روسيا تعرضت فى الآونة الأخيرة لضغوط أكبر، حيث تأثرت مبيعات الآلات بشكل خاص مع بدء تأثير العقوبات - بما فى ذلك الاقتراحات الأمريكية باتخاذ تدابير محتملة ضد البنوك التركية.
وانتقد وزير الدفاع العقوبات الأميركية المتبقية على تركيا والتى فرضتها إدارة دونالد ترامب السابقة ردا على شراء أنقرة لنظام الدفاع الجوى الروسى إس-400.
وتسعى أنقرة إلى الحفاظ على استقلاليتها فى سياستها تجاه الشرق الأوسط ، ورغم الاحتكاكات بشأن روسيا والعقوبات والشرق الأوسط، أكد سنان أولجن، رئيس مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية، وهو مركز أبحاث تركي، أن «الترتيب الأمنى الأساسى لتركيا هو عضوية حلف شمال الأطلسي».
وتحرص أنقرة على منع التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة من التنازل عن أى أرضية لأى مبادرات عسكرية يقودها الاتحاد الأوروبى وخاصة أن محاولة تركيا الانضمام إلى الكتلة تعثرت منذ فترة طويلة. وكان أحد شروط تركيا لدعم رئيس الوزراء الهولندى السابق مارك روته لمنصب رئيس حلف شمال الأطلسى الجديد هو عدم تفضيله لدول الاتحاد الأوروبى فى التحالف.
واوضح جولر أن حلفاء الاتحاد الأوروبى يسعون إلى إيجاد بدائل خارج المظلة الأمنية لحلف شمال الأطلسى من شأنها أن تضر بوحدة وتضامن التحالف مشيرا إلى ان المنظمة الأمنية الأكثر فعالية فى منطقة اليورو الأطلسية هى حلف شمال الأطلسي. ورغم أننا نتفهم جهود أوروبا لتعزيز أمنها، فإننا نعتقد أنه لا توجد حاجة إلى أى تشكيل آخر».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المصالح الروسية الدعم الأوروبي لأوكرانيا حلف شمال الأطلسی حلف شمال الأطلسى
إقرأ أيضاً:
هل تلعب تركيا مع الطرفين في الحرب الأهلية السودانية ؟
ترجمة: أحمد شافعي -
كشف تقرير حديث نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن تورط شركات تصنيع أسلحة تركية في بيع أسلحة لكل من القوات المسلحة السودانية، وربما لقوات الدعم السريع المتمردة التي تتهمها الولايات المتحدة بارتكاب إبادة جماعية وانتهاكات لحقوق الإنسان طوال الحرب الأهلية السودانية.
يقدم التقرير تفاصيل عن قيام شركة «بايكار» التركية الرائدة في تصنيع الأسلحة التي يملكها سلجوق بيرقدار صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، ببيع أسلحة هجومية إلى نظام الصناعات الدفاعية السوداني، وهو وكالة المشتريات العسكرية السودانية. ويبدو أن شحنات بايكار إلى القوات المسلحة السودانية تنتهك العقوبات الأمريكية والأوروبية القائمة.
بلغت قيمة الصفقة بين شركة بايكار والقوات المسلحة السودانية مائة وعشرين مليون دولار، ونتج عنها بيع ست طائرات مسيرة من طراز TB2، وثلاث محطات تحكم أرضية، وستمائة رأس حربي في عام 2023. ومن المثير للاهتمام أن عملية البيع تمت في السادس عشر من نوفمبر لعام 2023، أي بعد خمسة أشهر من فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على نظام الصناعات الدفاعية السوداني.
إضافة إلى ذلك، كشف تقرير صحيفة واشنطن بوست عن تورط شركة «أركا للدفاع»، وهي شركة تركية أخرى لتصنيع الأسلحة، في اتصالات مكثفة مع الغوني حمدان دقلو موسى، وهو شخصية بارزة في قوات الدعم السريع، ومسؤول المشتريات الرئيسي فيها، وشقيق قائدها. غير أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كانت شركة أركا قد باعت أسلحة لقوات الدعم السريع، فقد نفت الشركة هذا الاحتمال.
حرب السودان الأهلية
اندلعت الحرب الأهلية السودانية في أبريل 2023 إثر تصاعد توترات بين فصيلين متنافسين هما القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي). كان الجنرالان الكبيران في البلاد حليفين أول الأمر في انقلاب عام 2021 الذي أطاح بالحكومة الانتقالية السودانية الناشئة المؤيدة للديمقراطية عقب الإطاحة بعمر البشير عام 2019. غير أنهما اختلفا حول كيفية دمج القوات شبه العسكرية في الجيش النظامي.
وتصاعدت الحرب في السودان وتحولت إلى كارثة إنسانية كبرى. وقد انتهت بعثة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024 إلى أن كلا الجانبين ارتكبا «مجموعة مروعة من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية»، منها الاغتصاب الجماعي والاعتقالات التعسفية والتعذيب. ويحتاج نصف الشعب السوداني إلى مساعدات إنسانية، إذ يواجه خمسة وعشرون مليون نسمة انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، في حين أن الولايات المتحدة تقدر أن الحرب أودت بحياة مائة وخمسين ألف شخص.
استمرت الحرب لمدة عامين، وذلك جزئيًا بسبب تدخل قوى خارجية. ففي حين أن مصر والمملكة العربية السعودية هما الداعمان الرئيسيان للقوات المسلحة السودانية، فإن الكثيرين يعزون النجاحات الأخيرة التي حققتها القوات المسلحة السودانية في ساحة المعركة إلى التزويد السري بالطائرات الإيرانية المسيرة. وفي الوقت نفسه، أصبحت الإمارات داعمًا رئيسيًا لقوات الدعم السريع، وهي خطوة بررتها باتهام القوات المسلحة السودانية بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين. وقد خلص تقرير لمرصد الصراع السوداني «بشكل شبه مؤكد» إلى أنه فيما بين يونيو 2023 ومايو 2024، انتقلت اثنتان وثلاثون رحلة جوية بشحنات من الإمارات إلى قوات الدعم السريع، التي اتهمتها إدارة بايدن بارتكاب إبادة جماعية.
من دوافع تورط القوى العربية والأفريقية في حرب السودان السعي إلى الوصول إلى البحر الأحمر الاستراتيجي والسيطرة عليه. ففي فبراير 2025، أعلن وزيرا الخارجية الروسي والسوداني التوصل إلى اتفاق يسمح لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورسودان.
لا يخفى على أحد أن أردوغان قد عمل على توسيع العلاقات العسكرية والدبلوماسية التركية في منطقة القرن الإفريقي. إذ تكمن المصلحة، بالنسبة لتركيا، في ترويج نفسها بوصفها قوة كبرى. وفي ديسمبر 2024، اتصل أردوغان بقائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وعرض عليه «التدخل لحل النزاعات بين السودان والإمارات».
كما أن تركيا قد عززت حضورها في القارة الإفريقية من خلال ترسيخ وجود عسكري في الصومال وتوقيع اتفاقية للتنقيب عن اليورانيوم مع حكومة النيجر. وفي حالة الصومال، استثمرت أنقرة استثمارًا كثيفًا، إذ عرضت التدريب والمساعدة على الجيش الصومالي، وحصلت على حقوق التنقيب عن الهيدروكربون، وأقامت علاقة ودية مع دولة لها موقع استراتيجي على ممرات الشحن الحيوية في القرن الإفريقي. وفي حالة النيجر، يبدو أن أنقرة تستكشف خيارات الحصول على اليورانيوم سعيًا إلى إنشاء قدرات نووية. فلطالما حلم الرئيس أردوغان بأن تصبح تركيا مستقلة عن الغرب من حيث التزاماتها بالتحالف ومن حيث احتياجاتها من المشتريات العسكرية.
يشير تورط أنقرة في السودان إلى أن سياستها الخارجية تفتقر إلى أي قيم، وعزمها على تجاهل العقوبات التي تستهدف ردع استمرار إراقة الدماء. ولا ينبغي أن يكون أي من هذا مدهشا. فأردوغان يلعب على كلا الجانبين في الصراع الأوكراني. إذ يتظاهر، من ناحية، بالوفاء بمسؤوليات تركيا بوصفها عضوًا في حلف الناتو، فيغلق المضائق التركية أمام السفن الروسية. ومن ناحية أخرى، سمح للنظام المصرفي التركي بتحويل الأموال الروسية غير المشروعة التابعة لرجال بوتين من الأثرياء، وسمح للشركات التركية ببيع سلع مزدوجة الاستخدام للجيش الروسي، موفرًا بذلك دعمًا حيويًا لجهود بوتين الحربية غير القانونية.
وفي عام 2012، أسست مجموعة من الجنرالات العسكريين الأتراك، بقيادة عدنان تانريفيردي، المطرودين من الجيش التركي بسبب ميولهم الإسلامية في عام 1997، أول شركة عسكرية خاصة في تركيا، وهي شركة (بي إم سي) سادات. وتانريفيردي هو أحد المقربين لإردوجان. ومنذ تأسيس (بي إم سي) سادات، قدمت الشركة الأمن والتدريب العسكريين للمنظمات ذات التوجهات الإسلامية في ليبيا وأذربيجان وغرب أفريقيا وسوريا والعراق. وتتضمن مهمتها المعلنة الرغبة في تشكيل تحالف من الدول الإسلامية يحتل مكانه بين القوى العظمى في العالم.
وينبغي أن تنتبه الولايات المتحدة وأوروبا لهذا الأمر. فهناك إجماع متزايد في الغرب على أنه من أجل مواجهة التهديدات الروسية التوسعية تجاه أوروبا، فلا بد من منح تركيا مقعدًا على الطاولة، على أن يتضمن ذلك إعادة إطلاق عملية انضمام أنقرة المتعثرة إلى الاتحاد الأوروبي. وثمة قناعة لدى رئيس وزراء بولندا والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بأن أوروبا، التي تضم تركيا بقدراتها العسكرية الهائلة، هي وحدها القادرة على مواجهة التحديات الأمنية الوجودية التي يفرضها العدوان الروسي. لكن السؤال هو: ما الذي يجعلهما يعتقدان أن تركيا سوف تكون دعما لأوروبا ؟
سنان سيدي زميل أول غير مقيم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، حيث يشارك في (برنامج تركيا) التابع لها وفي (مركز القوة العسكرية والسياسية) (CMPP).
صوفيا إيبلي متدربة في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وطالبة في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون.
عن ذي ناشونال إنتريست