من أعلى الجبل الصغير الذي يشرف على واحة "معدن العرفان" في قلب الصحراء الموريتانية، تبدو هذه البقعة كنهر أخضر ينساب على حدود بحر رملي يمتد إلى ما لا نهاية.
في منطقة معزولة كلياً في ولاية آدرار الموريتانية، على بعد 400 كيلومتر إلى شمال شرق نواكشوط، تقع قرية واحة "معدن العرفان" التي أسسها المرشد الروحي الصوفي محمد الأمين سيدينا عام 1975.

صورة مؤسس القرية

يقوم مجتمع هذه القرية على التعاضد والمساواة والأخوة والتسامح والعمل، واللافت أنها لا تزال، رغم مرور أكثر من عشرين عاماً على وفاة مؤسِسها، توفّر نموذجاً حيّاً للانسجام التام، ولم تعد مجرّد "مدينة فاضلة" وهمية.
وقال الإمام طه سيدينا، الذي كان يرتدي الدراعة الزرقاء الكبيرة والأنيقة التي يضعها سكان موريتانيا، في موقع أقدم مبنى في القرية "هذا هو المكان الذي حلّت فيه الرؤيا على والدي". وأضاف "كل مساء، كانت القرية تجتمع للتخطيط لليوم التالي، فتُقرر حفر بئر، أو شقّ طريق، أو زرع شجرة نخيل".
نمت القرية منزلاً تلو منزل، وأقيم سد صغير لحفظ المياه التي تشكّل مورداً مهماً وثميناً. ثم استُصلحت حقول زراعية وافتُتِحَت مدرسة ومستوصف.

أخبار ذات صلة انتشال جثث 89 مهاجراً قبالة سواحل موريتانيا مصرع 87 مهاجراً وفقدان العشرات في السواحل الموريتانية

وقال جبريل نيانغ (70 عاماً)، الذي وصل إلى الواحة من السنغال قبل 50 عاماً وبقيَ فيها "هنا، توجد مساواة. لا طبقات ولا أعراق. نحن جميعاً إخوة. إذا احتاج شخص ما إلى شيء ما، نعمل جميعاً معاً لمساعدته".
وتزوج جبريل، ذي البشرة الداكنة، من ابنة المرشد الروحي "وهو أمر لم يكن وارداً" في ذلك الزمن، على ما قال، معرباً عن امتنانه إلى الأبد لمعلمه السابق.
وحُسن الضيافة من القيم الأساسية في واحة العرفان. ويؤوي "بيت الزوار" كل عابر، ويوفر له المأكل والمشرب.
وبينما تفقد معظم البلدات المحيطة سكانها، تكتسب واحة معدن العرفان المزيد، وتشهد أراضيها الصالحة للزراعة توسُّعاً، بمساعدة الرياح التي تدفع الرمال إلى مسافة أبعد قليلاً.
وتتسم الواحة، التي تبدو أشبه بجزيرة خضراء وسط بياض رمل الصحراء، بأنها أرض خصبة.
- الزراعة المُراعية للبيئة
وصف المُزارع محمد ولد فايد (45 عاماً)، حصاد هذه السنة بأنه "ممتاز"، وهو يعرض بفخر الطماطم والفلفل والبصل والجزر والبطيخ التي بدأ أخيراً برَيّها، وفق تقنية التنقيط. وقال: "لن أترك معدن العرفان أبداً، لا يوجد مكان مثله".

ومثل الغالبية العظمى من أبناء القرية، يعتاش فايد بشكل رئيسي من الزراعة، وقد غيّر طريقة عمله بفضل التقنيات التي تعلّمها من المفكر الفرنسي من أصل جزائري بيار رابحي، أحد رواد الزراعة العضوية في فرنسا.
في عام 2018، قبل ثلاث سنوات من وفاته، انتقل هذا المدافع الدؤوب عن الزراعة المراعية للبيئة إلى موريتانيا، ووقع تحت سحر قرية معدن العرفان وقرر مساعدتها من خلال مؤسسته.
يعرّف رابحي السكان بأخلاقيات الطبيعة. يتم استبدال الأسمدة الكيماوية بالسماد. ويستعيض عن المضخات ذات المحركات العاملة بالوقود بألواح شمسية تضمن استقلالية فعلية للقرية.
ووفّر آلة لطحن الحناء، بفضلها تستطيع النساء تحويل هذه النبتة المحلية إلى مستحضرات تجميل عندما لا يمارسن الحرف أو الزراعة أو التجارة.

تعاونية النساء في معدن العرفان

وتقول زينب بنت بوبو (57 عاماً)، رئيسة تعاونية المزارعات: "في معدن العرفان، تستطيع المرأة أن تمارس الزراعة (...) وتقوم بالأعمال اليدوية، وتصافح الرجال بيدها، وهو واقع مختلف عن القرى الأخرى".
على أطراف القرية والصحراء، بينما تتحوّل الشمس إلى قرص ذهبي وتختفي خلف الكثبان، يجلس محمد ولد علي عابدين على بساطه، وسرعان ما ينضم إليه عدد قليل من رفاقه.
وبالقرب منه تستعد جماله لقضاء الليل.
وبيد خبيرة، يُضرم النار ويُعِدُّ الشاي. ويصبّ المشروب الساخن في كوب تلو كوب. ويشعر محمد ولد علي عابدين بالارتياح في معدن العرفان، فمستقبل زوجته وأطفاله السبعة ومستقبله الشخصي يرتسم في هذا المكان.

المصدر: آ ف ب

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: التسامح الأخوة موريتانيا قرية

إقرأ أيضاً:

ما رسائل النظام السوري من وضع أردوغان على قائمة داعمي الإرهاب؟

في الوقت الذي تتزايد فيه الترجيحات بقرب موعد اللقاء الذي سيجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس النظام السوري بشار الأسد، يبعث الأخير برسائل متضاربة "وضاغطة" في هذا المسار، تمثلت في وضع النظام السوري اسم الرئيس التركي أردوغان على قائمة من المتهمين لديه بتهمة "دعم وتمويل الإرهاب".

وفي التفاصيل، نشرت مصادر إخبارية صوراً لقائمة جديدة صادرة عن "هيئة مكافحة وغسل الأموال وتمويل الإرهاب" التابعة للنظام السوري، صادرة في تموز/ يوليو 2024، ضمت اسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الحكومة التركية السابق أحمد داوود أوغلو.

والقائمة هي تحديث لقائمة الأشخاص والكيانات المتهمة بغسيل الأموال ودعم الإرهاب المحلي، اعتاد النظام على إصدارها منذ اندلاع الثورة ضده في العام 2011.

واللافت أن اسم أردوغان جاء على رأس القائمة، الأمر الذي أثار تساؤلات عن أهداف النظام السوري من هذه الخطوة "السياسية"، وتوقيتها الذي يأتي بالتزامن مع تجديد تركيا رغبتها بتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وإبداء الأسد مرونة حيال اللقاء بأردوغان.

رسائل ضاغطة
ويضع الباحث في مركز "إدراك للدراسات الاستراتيجية" محمد سالم خلال حديثه لـ"عربي21" الخطوة، في خانة التأكيد من النظام السوري على شروطه المسبقة قبل الموافقة على اللقاء بين أردوغان والأسد.

ويشترط النظام السوري بالدرجة الأولى انسحاب القوات التركية من الشمال السوري، في حين تربط أنقرة تنفيذ المطلب بانتهاء التهديدات التي تشكلها "التنظيمات الإرهابية" التابعة لحزب "العمال" الكردستاني على أمنها انطلاقا من الحدود السورية.



بالتالي، وفق سالم، الهدف من تضمين أردوغان في قائمة "الإرهاب" من قبل النظام هو محاولة فرض الانسحاب العسكري من قبل الاتراك من شمال سوريا، أو على الأقل الوعد به، مضيفاً: "نشاهد عددا من وسائل الضغط منها على سبيل المثال هذه الرسالة إلى جانب أو بالتوازي مع الرسائل العسكرية مثل استخدام "المسيرات" في شمال سوريا واستهداف النقاط العسكرية التركية، كما حصل قبل أيام".

موازنة بين موسكو وطهران
أما الكاتب والمحلل السياسي حسن النيفي، فيقول: "منذ أن أبدت أنقرة استعدادها لإعادة العلاقات مع نظام الأسد في العام ٢٠٢٢، واجه الأخير تلك الاستعدادات التركية بمزيد من الفتور الذي يرقى الى مرحلة الاشتراطات والرفض، ومع استمرار الرغبة التركية بموازاة مع الضغوطات الروسية عليه لدفعه نحو مزيد من التجاوب مع الرغبة التركية تظهر إيران ودورها الرافض لابتعادها عن المشهد، وقد عبرت عن رفضها من خلال الإيحاءات المتكررة للأسد برفض أي لقاء مع أردوغان دون أن يكون مشروطا بانسحاب تركي".

ويضيف لـ"عربي21" : في واقع الحال يحاول الأسد اتخاذ موقف متوازن حيال حليفيه الروسي والإيراني دون إشعار أحدهما بالانحياز للآخر، ولذلك فإن المرونة التي أبداها بشار الأسد مؤخرا حيال لقائه بأردوغان، أراد أن تكون موازية لموقف متشدد يرضي إيران، فكان أن أدرج اسم أردوغان ضمن القائمة التي أصدرها حول ممولي الإرهاب.

ويعتقد النيفي أن الخطوة لا تعكس حقيقة موقف النظام الفعلي بقدر ما تعكس اللعب على التوازنات.

تصعيد قبل اللقاء المرتقب
من جهته، يرى الباحث في مركز "الحوار السوري" أحمد القربي، أن النظام السوري اعتاد التصعيد قبل أي استحقاق تفاوضي.

ويقول لـ"عربي21"، إن النظام يدرك أن توقيت الجلوس مع الأتراك قد اقترب، وبالتالي هو يرفع السقف من خلال الشروط، وأيضاً من خلال الخطوة الأخيرة المتمثلة بوضع أردوغان على لائحة "الإرهاب".



وبحسب القربي، لا تعدو الخطوة عن رسالة سياسية بدون أي مفاعيل حقيقية، مستدركاً بقوله: "لا يعني ذلك، أن النظام يرفض التفاوض مع الأتراك، وإنما هي خطوة تفاوضية، أي من غير المستبعد إزالة اسم أردوغان من اللائحة بمجرد الجلوس على طاولة التفاوض، كبادرة حسن نية".

يذكر أن مصادر إخبارية تركية قد تحدثت مؤخراً عن قرب موعد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس النظام السوري بشار الأسد، وذلك في لقاء من شأنه أن ينهي قطيعة استمرت لأكثر من عقد، على خلفية اندلاع الثورة، ودعم تركيا المعارضة السورية.

مقالات مشابهة

  • وزير الزراعة ونظيره السوداني يطلعان على عدد من المشاريع النموذجية والبحثية بحماة
  • إدراج مسجد باب السلام بمسقط ضمن قائمة أعظم أماكن العالم لعام 2024
  • وزير الزراعة: ضمانة لبنان هي الوحدة والتمسك
  • المشدد 15 عاما لمديري مديرية الزراعة في الجيزة
  • ما رسائل النظام السوري من وضع أردوغان على قائمة داعمي الإرهاب؟
  • 46 عاماً من الذكريات في قلعة الأسود
  • سفير الصومال يبحث مع نظيره الموريتاني سبل تعزيز التعاون المشترك
  • مخيم بلاطة.. أحد أكبر مخيمات الضفة الغربية
  • سوء الطعام والتنقل.. معاناة مصرية في القرية الأولمبية
  • أمين مجمع الفقه بجدة: ديننا الحنيف لم ينتشر بسيف ولا برصاص بل بالأخلاق والتسامح