واحة قائمة على الأخوة والتسامح والعمل في موريتانيا
تاريخ النشر: 11th, July 2024 GMT
من أعلى الجبل الصغير الذي يشرف على واحة "معدن العرفان" في قلب الصحراء الموريتانية، تبدو هذه البقعة كنهر أخضر ينساب على حدود بحر رملي يمتد إلى ما لا نهاية.
في منطقة معزولة كلياً في ولاية آدرار الموريتانية، على بعد 400 كيلومتر إلى شمال شرق نواكشوط، تقع قرية واحة "معدن العرفان" التي أسسها المرشد الروحي الصوفي محمد الأمين سيدينا عام 1975.
يقوم مجتمع هذه القرية على التعاضد والمساواة والأخوة والتسامح والعمل، واللافت أنها لا تزال، رغم مرور أكثر من عشرين عاماً على وفاة مؤسِسها، توفّر نموذجاً حيّاً للانسجام التام، ولم تعد مجرّد "مدينة فاضلة" وهمية.
وقال الإمام طه سيدينا، الذي كان يرتدي الدراعة الزرقاء الكبيرة والأنيقة التي يضعها سكان موريتانيا، في موقع أقدم مبنى في القرية "هذا هو المكان الذي حلّت فيه الرؤيا على والدي". وأضاف "كل مساء، كانت القرية تجتمع للتخطيط لليوم التالي، فتُقرر حفر بئر، أو شقّ طريق، أو زرع شجرة نخيل".
نمت القرية منزلاً تلو منزل، وأقيم سد صغير لحفظ المياه التي تشكّل مورداً مهماً وثميناً. ثم استُصلحت حقول زراعية وافتُتِحَت مدرسة ومستوصف.
وقال جبريل نيانغ (70 عاماً)، الذي وصل إلى الواحة من السنغال قبل 50 عاماً وبقيَ فيها "هنا، توجد مساواة. لا طبقات ولا أعراق. نحن جميعاً إخوة. إذا احتاج شخص ما إلى شيء ما، نعمل جميعاً معاً لمساعدته".
وتزوج جبريل، ذي البشرة الداكنة، من ابنة المرشد الروحي "وهو أمر لم يكن وارداً" في ذلك الزمن، على ما قال، معرباً عن امتنانه إلى الأبد لمعلمه السابق.
وحُسن الضيافة من القيم الأساسية في واحة العرفان. ويؤوي "بيت الزوار" كل عابر، ويوفر له المأكل والمشرب.
وبينما تفقد معظم البلدات المحيطة سكانها، تكتسب واحة معدن العرفان المزيد، وتشهد أراضيها الصالحة للزراعة توسُّعاً، بمساعدة الرياح التي تدفع الرمال إلى مسافة أبعد قليلاً.
وتتسم الواحة، التي تبدو أشبه بجزيرة خضراء وسط بياض رمل الصحراء، بأنها أرض خصبة.
- الزراعة المُراعية للبيئة
وصف المُزارع محمد ولد فايد (45 عاماً)، حصاد هذه السنة بأنه "ممتاز"، وهو يعرض بفخر الطماطم والفلفل والبصل والجزر والبطيخ التي بدأ أخيراً برَيّها، وفق تقنية التنقيط. وقال: "لن أترك معدن العرفان أبداً، لا يوجد مكان مثله".
ومثل الغالبية العظمى من أبناء القرية، يعتاش فايد بشكل رئيسي من الزراعة، وقد غيّر طريقة عمله بفضل التقنيات التي تعلّمها من المفكر الفرنسي من أصل جزائري بيار رابحي، أحد رواد الزراعة العضوية في فرنسا.
في عام 2018، قبل ثلاث سنوات من وفاته، انتقل هذا المدافع الدؤوب عن الزراعة المراعية للبيئة إلى موريتانيا، ووقع تحت سحر قرية معدن العرفان وقرر مساعدتها من خلال مؤسسته.
يعرّف رابحي السكان بأخلاقيات الطبيعة. يتم استبدال الأسمدة الكيماوية بالسماد. ويستعيض عن المضخات ذات المحركات العاملة بالوقود بألواح شمسية تضمن استقلالية فعلية للقرية.
ووفّر آلة لطحن الحناء، بفضلها تستطيع النساء تحويل هذه النبتة المحلية إلى مستحضرات تجميل عندما لا يمارسن الحرف أو الزراعة أو التجارة.
وتقول زينب بنت بوبو (57 عاماً)، رئيسة تعاونية المزارعات: "في معدن العرفان، تستطيع المرأة أن تمارس الزراعة (...) وتقوم بالأعمال اليدوية، وتصافح الرجال بيدها، وهو واقع مختلف عن القرى الأخرى".
على أطراف القرية والصحراء، بينما تتحوّل الشمس إلى قرص ذهبي وتختفي خلف الكثبان، يجلس محمد ولد علي عابدين على بساطه، وسرعان ما ينضم إليه عدد قليل من رفاقه.
وبالقرب منه تستعد جماله لقضاء الليل.
وبيد خبيرة، يُضرم النار ويُعِدُّ الشاي. ويصبّ المشروب الساخن في كوب تلو كوب. ويشعر محمد ولد علي عابدين بالارتياح في معدن العرفان، فمستقبل زوجته وأطفاله السبعة ومستقبله الشخصي يرتسم في هذا المكان.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: التسامح الأخوة موريتانيا قرية
إقرأ أيضاً:
نهيان بن مبارك يؤكد التزام الإمارات بإرساء مجتمع قائم على التعايش والتسامح
أكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، التزام دولة الإمارات بإرساء دعائم المجتمع القائمة على التعايش السلمي والتسامح تحت القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي يدرك أن التسامح هو السبيل لتعزيز التعاون والتفاهم وبناء جسور التعرف على الآخرين من الجماعات والثقافات المختلفة.
وقال معاليه في كلمته الافتتاحية في المنتدى الأول للحوار بين الثقافات والأديان، الذي تنظمه وزارة التسامح والتعايش بالتعاون مع سفارة جمهورية النمسا لدى الدولة، ضمن فعاليات المهرجان الوطني للتسامح الذي استضافه بيت العائلة الإبراهيمية بأبوظبي، إن التسامح يساعد في معالجة القضايا البيئية المهمة، وحل النزاعات والخلافات السياسية، وإن صاحب السمو رئيس الدولة يؤمن إيمانا راسخا بأن التسامح والأخوة الإنسانية سيسهمان في تحديد مسؤولياتنا الفردية والجماعية للعمل معا من أجل رفع راية السلام، والحفاظ على كرامة الإنسان، وتنمية مجتمعاتنا المحلية والعالمية، مستذكرا قول سموّه: “تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجا يحتذى به للتعايش بين مختلف الثقافات التي تمثل الملايين من المقيمين على أرضها”.
وأوضح معاليه أن من بين الأسباب العديدة التي تؤكد أهمية هذا المنتدى حول الحوار بين الثقافات والأديان هو تزايد الحاجة إلى السلام العالمي، والتفاهم واحترام ثقافات ومعتقدات الآخرين، مؤكدا أن العمل معا والتفكير معا هما السبيل لتحقيق ما يعدنا به الإبداع البشري لمجتمع عالمي مسالم ومزدهر.
وقال: “إن وجودنا كإماراتيين ونمساويين هنا معا يستحق التأمل، حيث نعمل معا بانسجام وسلام، وبالرغم من اعترافنا باختلافاتنا، فإننا نسعى إلى فهم وتقدير بعضنا البعض كأفراد تجمعنا الأخوة الإنسانية بمعناها الشامل، أفراد يتسامحون ويحترمون بعضهم البعض ويفهمون النوايا الطيبة لدى بعضهم البعض، مهما كانت اختلافاتنا الثقافية”.
وأشار معاليه إلى أن هذا المنتدى، يعد احتفالًا بالالتزام المشترك بتعزيز العلاقات المثمرة والودية بين الإمارات والنمسا، وأن الثقة التي تجمع بين البلدين على مر السنين ستستمر في تعزيز جهود التعاون في المستقبل، معربا عن سعادته كإمارتي بالعمل عن كثب مع الأصدقاء والزملاء النمساويين.
وقال معالي الشيخ نهيان بن مبارك إن هذا المنتدى يؤكد، أن الحوار هو جوهر المجتمعات المتسامحة، وإن دولة الإمارات العربية المتحدة، تعتبره أحد أهم ملامح نجاحها كبلد متنوع وشامل وحيوي، يعد مركزًا ثقافيًا مزدهرًا ومركزًا عالميًا هامًا للتبادل الثقافي، وبناء علاقات إيجابية مع الآخرين على أساس قيم الأخوة الإنسانية والتعاطف والاحترام المتبادل، مؤكدا أن الحوار الذي يدعو إليه هذا المنتدى بين الأنداد، هو حوار لديه القدرة على تبديد الأساطير وسوء الفهم، وتعزيز التعاون وتشجيع لقاء العقول.
وأوضح معاليه أن الإمارات في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو رئيس الدولة، تؤمن بأهمية الحوار بين الثقافات والأديان، وأن لدى قيادتها ومواطنيها قناعة راسخة بأن الحوار الصادق والثقة المتبادلة بين الأفراد والمنظمات والدول التي تمثل البشر، من ديانات وثقافات ومعتقدات وخلفيات متنوعة، سيجعل العالم أفضل وأكثر سلاما وازدهارا، كما يمكن للحوار بين الثقافات والأديان أن يكمل العلاقات الدولية الجيدة، فمفهومه يعزز الإيمان بوجود مجال واسع وعظيم يمكن من خلاله أن يعمل الجميع معا للدفاع عن القيم الأخلاقية التي تشكل جزءًا من التراث الإنساني المشترك، مشيرا إلى أن المنتدى يعكس رغبة كل من النمسا والإمارات في العمل معا لدعم التسامح والحوار بين الأديان وتمكين الشباب في العصر الرقمي، كما يظهر بوضوح أن هناك أرضية مشتركة متاحة وممكنة، “إذا ما تعرف بعضنا على بعض كشراء ومناصرين للسلام والرفاه الإنسانية”.
وطرح معاليه على المشاركين في المنتدى بعض المحاور الهامة ودعاهم إلى التفكير فيها خلال الجلسات المختلفة، موضحا أن هذه النقاط الحيوية، تبدأ بأسئلة واضحة حول كيفية تمكين مجتمعي النمسا والإمارات، من العمل معا ليكونا محركا للتسامح والتغيير الاجتماعي في العالم، وما هو الدور الذي يجب أن تلعبه الأديان والحوار بين الأديان في مساعدة المجتمعين على تعزيز التسامح والقبول؟ وكيف يمكن سد الفجوة في التواصل بين أتباع الديانات المختلفة وعبر الثقافات المختلفة؟ وفي ظل جميع الدعوات من التحالفات والمؤتمرات واللقاءات بين الأديان التي انعقدت على مر السنين، لماذا لا يزال السلام المستدام بعيد المنال؟ وكيف يمكننا استخدام أدوات القرن الحادي والعشرين لبناء علاقات إيجابية بين الناس، وتبديد الأفكار النمطية، وتعزيز طرق جديدة للتفكير؟ وكيف يمكننا تبادل خبرات بلدينا في تمكين الشباب، من الرجال والنساء، ليكونوا مواطنين فاعلين ومسؤولين وواثقين؟.
وعبر معاليه عن ثقته بإن مجموعة المتحدثين المتميزين للغاية المشاركين في المنتدى يمتلكون رؤى وإجابات ثرية حول هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة المماثلة، من خلال الحوار الإيجابي الواعي والنقاشات الهامة التي تضمها جلساته، داعيا إياهم إلى مواصلة العمل معا من أجل عالم يسوده السلام ويضمن التقدم والازدهار للجميع.
وختم معاليه كلمته بالقول: “أرحب بضيوفنا النمساويين وأعبر عن أملي الكبير وتفاؤلي بأن الإمارات والنمسا ستواصلان العمل معًا لتحسين الظروف الإنسانية وتعزيز تقدم المجتمع الإنساني والعالم، وسنساعد في تشكيل مستقبل أكثر أمانًا ومرونة، مستقبل متجذر في التسامح والأخوة الإنسانية، ومبني على روح المجتمع والتعاون الإبداعي”.