فيلسوف الأزهر وأستاذه الأكبر.. سر محبة الشيخ مصطفى عبد الرزاق لـ أم كلثوم: «نعمة من نعم الدنيا»
تاريخ النشر: 11th, July 2024 GMT
سر محبة الشيخ مصطفي عبد الرازق لـ أم كلثوم.. فيلسوف الأزهر وأستاذه الأكبر، هكذا اشتهر الشيخ مصطفى عبد الرازق، شيخ الأزهر الأسبق، ورائد الفكر الفلسفي الإسلامي، والذي يُعد أحد أبرز رجال الدين الذين حملوا مشعل التنوير والإصلاح والتجديد الديني في تاريخ مصر المعاصر.
من هو الشيخ مصطفي عبد الرازق؟وُلد الشيخ مصطفى عبد الرازق، عام 1885 في قرية «أبي جرج» إحدى قرى محافظة المنيا، وحفظ القرآن الكريم في سن صغير، ثم أرسله والده إلى الأزهر للتعلم، حتى حصل على الشهادة العالمية في 29 يوليو سنة 1908، وفي 23 يونية سنة 1909م سافر إلى فرنسا لدراسة اللغة الفرنسية والفلسفة في جامعة السوربون حيث تخصص في علم الفلسفة.
ويعد الشيخ مصطفى عبد الرازق، رائد الدرس الفلسفي في مصر المعاصرة، وأول أستاذ جامعي يقوم بتدريس الفلسفة الإسلامية من وجهة نظر إسلامية خالصة، حيث كانت تدرس من قبل في الجامعة المصرية من خلال الدرس الاستشراقي الذي ربط الفلسفة الإسلامية بالتراث اليوناني، وأنكر أي دور للعقل المسلم في تطوير الفكر الفلسفي عامة.
تولي الشيخ مصطفى عبد الرازق مشيخة الأزهرتولى الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق، مشيخة الأزهر في 27 من ديسمبر سنة 1945، وسط موجة عارمة من معارضة كبار العلماء في الأزهر، بسبب أنه لم يكن عضوًا في هيئة جماعة كبار العلماء، إضافة إلى أنه لم يكن قد باشر التدريس بالأزهر، وكان مدرسًا بالجامعة المصرية.
وفي 15 فبراير 1947 م، ذهب الشيخ إلى مكتبة بمشيخة الأزهر، وترأس جلسة المجلس الأعلى للأزهر، ثم عاد إلى بيته فتناول طعامه ونام قليلًا، ثم استيقظ فتوضأ وصلى، وشعر بإعياء شديد فاستدعى أهل بيته الطبيب فوجد أن الشيخ قد وافته المنية.
رأي الشيخ مصطفي عبد الرازق في أم كلثومبحسب ما نشرته له صحيفة السياسة، في 3 ديسمبر 1925، وصف الشيخ مصطفى عبد الرازق، كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، قائلًا: «تظهر أم كلثوم بادىء الأمر رزينة ساكنة، تشدو وتشدو بصوتها الحلو شدوا لينا من غير أن يتحرك طرف من أطرافها إلا هزة لطيفة تنبض بها رجلها اليسرى أحيانا، ثم ينبعث الطرب في هيكلها كله فتنهض قائمة، وترسل الكلمات متعالية تذهب في الآفاق هتافا مرددا، أو تترجع رويدا حتى تتلاشى حنينا خافتا، وتهزها أريحية الشباب والطرب فتساير النغمات في حركاتها مندفعة بوثبات الشعور وراء مذهب الفن، وتتلوى عن يمينها وشمالها أعناق الشيوخ (إشارة إلى تختها المكون من الشيوخ بعمائمهم، عن اليمين شيخان وعن اليسار شيخان)، أم كلثوم نعمة من نعم الدنيا فما بالها تأبى إلا أن تتجلى على الناس في ظهر الآخرة».
الستالصفات التي أشتهر بها الشيخ مصطفي عبد الرازق
يرى الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، أن هناك ثلاث خصال لازمت الشيخ عبد الرازق طيلة حياته، وهي: أنه لا يعرف محبًّا لطلب العلم مخلصاً في هذا الحب إلا سعى إليه واتصل به وقرّبه منه وفتح له قلبه وعقله وداره أيضاً، وإذا كان حب العلم وطلابه المخلصين هو الخصلة الأولى من الخصال التي لازمته حياته كلها، فخصلة الوفاء هي الخصلة الثانية من خصاله، والبر بطلاب العلم خاصة وبكل من كان يحتاج إلى البر عامة كان الخصلة الثالثة من خصاله، والذين سبقوا الشيخ عبد الرازق في تدريس الفلسفة والفلسفة الإسلامية في الجامعة المصرية كانوا مجموعة من المستشرقين الأجانب، وهم الإيطاليان سانتلانا ونلينو، والإنجليزيان أرنولد توماس ووكر وآرثر آربري، والفرنسيان لويس ماسينيون وبول كراوس، والبلجيكي أرمند آبل.
الشيخ مصطفي عبد الرازقويشرح الكاتب المصري حسين أحمد أمين، طريقة الشيخ عبد الرازق في التعليم، قائلًا: كان لهذا الشيخ الأزهري المعمم أسلوب خاص في التعليم الجامعي، لا يكاد ينهجه غيره من الأساتذة في مصر، فالتعليم عنده لم يكن مجرد إلقاء الدرس على الطلاب وتلقينهم إياه، ولكنه عبارة عن صلة عقلية ينشئها بينه وبين طلابه. فهو يشركهم معه في بحث المواضيع واستخراجها من مظانها، وفي مناقشته المسائل وفهم النصوص وتحرير الآراء. وهو في كل ذلك يراجعهم ويراجعونه، ويعينهم ويعينونه. كلهم لكلهم أساتذة، وكلهم لكلهم طلاب! وهكذا يصير درسه عبارة عن مجتمع تتقارب فيه الأرواح وتتآلف النفوس، وتنبت في جنباته عواطف الصدق والإخلاص، وبهذا المنهج الجامعي كان يربي طلبة يحبهم ويحبونه، وينشؤون على ما عودهم إياه من سنن العلماء وآدابهم.
وعن علاقته بطلبته وتلامذته، يقول عنه الدكتور إبراهيم مدكور، الرئيس السابق لمجمع اللغة العربية: اتسع قلبه لتلاميذه، وشملهم جميعاً برعايته، فكان يلقاهم في درسه وبيته، ويستمع إليهم في العلم وشؤون الحياة، وكانوا يسرون إليه بما يشغلهم، ويعرضون عليه مشاكلهم، ولم يكن يدخر وسعاً في معونتهم والأخذ بيدهم، فكان منهم بمثابة الأب من أبنائه، أو شيخ الطريقة من مريديه، وتلك هي القيادة الروحية التي تنقصنا، وما أحوجنا إليها.
اقرأ أيضاًصابرين تكشف عن رأيها في تجسيد منى زكي لشخصية «أم كلثوم» بعمل سينمائي
صابرين تكشف عن رأيها في تجسيد منى زكي لشخصية «أم كلثوم» بعمل سينمائي
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الدكتور عبد الكافي الشيخ الشيخ ابو بكر الشيخ سعيد الشيخ عمر الشيخ محمد أبو بكر الشيخ محمد ابو بكر العراق تركي آل الشيخ درس الشيخ صاحبة السعادة عبد الفتاح السيسي عبدالله الشريف عمر عبد الكافي كريم عبد العزيز مصطفى بكري مصطفى متولي أم کلثوم
إقرأ أيضاً:
فى محبة القانون وناسه وأشغاله
تزعجنى نغمة الاستهانة الشائعة بالعلوم الاجتماعية، وتستفزنى تلك النظرة الاستعلائية تجاه دراسات القانون والتاريخ والفلسفة وغيرها من الدراسات، تحت وهم خادع يتصور أنها غير نافعة. ففى الحقيقة، فالعلوم الاجتماعية لا تقل أهمية عن العلوم التجريبية مثل الطب والهندسة والصيدلة والتكنولوجيا.
ولأن القانون هو علم تأسيسى لازم، ولأنه لا يمكن لمجتمع أن يتطور ويتقدم إلى الأمام دونه، فإنه يستحق اهتمامًا أكبر، وتقديرًا أعظم، وسعيًا دائمًا لتطوير دراساته، وتنويعها، ومواكبتها للعالم من حولنا، وتشجيع أجيال جديدة على الاستفادة من مناهجه فى مختلف مناحى الحياة. وهذا يستلزم بلا شك تغيير النظرة المجتمعية العامة لكليات الحقوق، ورد الاعتبار لها. فالحقوق ليست كلية الفاشلين كما يتصور البعض، ولا هى دراسة من تفوته طموحاته، وشهادتها لا يمكن اعتبارها شهادة أصحاب الدرجات الأقل.
القانون لغة من اللغات الأساسية فى أى مجتمع، فهو لغة السياسة، والحقوق، والمالية العامة، بل والصحافة وكثير من الإجراءات المدنية. ولاشك أنه يحتاج حراكًا عظيمًا لنصلح صورة دراساته.
إن رد الاعتبار لكليات الحقوق يتطلب فى رأيى أمورًا عديدة، منها تطوير مناهج القانون ونظم تدريسه، لأن حامل شهادة القانون فى النهاية شخص مهم جدا للدولة، فمنهم قضاة يفصلون بين البشر، ومنهم محامون يسعون إلى العدالة والانصاف، ومنهم أيضًا وكلاء النيابة مسئولون عن الوصول للحقيقة، ومنهم المشرعون.
لقد كُنت وما زلت متحفظًا على استخدام نظام الأسئلة الاختيارية (صح وغلط دون تعديل) فى امتحانات الحقوق، لأنه لا يصح أبدًا أن تخرج لنا كليات الحقوق، قضاة، وقانونيين، ومحامين غير قادرين على كتابة مذكرة أو مقال أو طرح فكرة عامة. لذا، كان ضروريًا إعادة النظر فى هذا النظام، والتراجع عنه.
وفى رأيى، فإن التعليم والتدريب بالنسبة لدارس القانون، هو أمر مستدام، وينبغى ربط انتقال المحامى من درجة إلى أخرى بعدد ساعات تدريب، أو ببحوث ودراسات وامتحانات، بدلًا من الاعتماد على المدد الزمنية التى تمر. إننا يمكن أن نستفيد من النظم المعمول بها فى هذا الشأن فى كثير من الدول المتقدمة، والتى يترقى فيها أى محام أو حتى صاحب أى مهنة، من خلال نظم واضحة، ومتدرجة. كما يجب تطبيق ذات النظام فى الترقى للقضاة وأعضاء النيابة العامة.
إن إنصاف دراسة القانون فى بلادنا هى قضية مهمة، ويندرج تحتها حل مشكلات وصعوبات مهنة المحاماة، التى تفتقد إلى عوامل الاستدامة والتوسع. ولا شك أن تحسين مناخ العمل بالمحاماة فى مصر ضرورة لأنه ما زال هناك نبغاء يتخرجون من كليات الحقوق، وللأسف الشديد تجتذبهم الشركات العالمية. وهناك من لا يجد فرصة حقيقية للعمل.
لقد سمعنا كثيرًا عن مكاتب محاماة كبرى تكون ملء السمع والبصر، وبعد وفاة أصحابها تندثر وتتلاشى، لأنها تقوم على جهود فردية، وتفتقد للعمل المستدام، ولو شجعنا تأسيس شركات المحاماة باعتبارها شركات مدنية لها نُظمها الفريدة، ولو أزلنا ما تواجهه من صعوبات، وشجعناها لفتحنا الباب لطموحات أجيال جديدة من دارسى القانون للتماهى مع النظم العالمية. ولتحقيق غاية القوانين، وهى العدالة.
وسلامٌ على الأمة المصرية..