تسببت الإغلاقات والتصعيد الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة بالتزامن مع عدوان المتواصل على قطاع غزة، في تدمير النظام الصحي في الضفة بعد تعمد الاحتلال تقويضه من خلال التضييق على الفلسطينيين، حسب تقرير نشرته صحيفة "ديلي تلغراف".

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ينان مسلم كان يدير قبل الحرب على غزة، منجرة ناجحة لصناعة التذكارات الدينية في بيت لحم، وظل في عمله بسبب عملية غسيل الكلى التي يجريها ثلاث مرات في الأسبوع، إلا أن عملية الغسيل تأثرت بالإغلاق الذي فرضه الجيش الإسرائيلي على الضفة الغربية الذي أعقب الحرب في غزة، حيث أصبح الوصول للعلاج صعبا وكذا الحصول على الأدوية.



وانخفضت نسبة الوقت المخصصة لغسيل كلى الشاب البالغ من العمر 24 عاما بنسبة 25 بالمئة والجهاز المتوفر لديه لتنقية دمه يصلح لطفل وليس لبالغ، ما يجعله غير فعال في تنقية دمه. هذا إضافة إلى أن مكمل البيكربونات الذي يمنع من الفشل الكلوي لم يعد متوفرا بشكل دوري. ونقلت عنه الصحيفة: "أصبح نقص الادوية الآن أسوأ مما قبل الحرب، فقبلها ربما لم يتوفر دواء، أما الآن فثلاثة وغسيل الكلى هو لثلاث ساعات وليس أربعا".


ونتيجة لهذا أجبر مسلم على قضاء معظم وقته في البيت من أجل توفير طاقته وبانتظار الحصول على متبرع بفئة دم "ألف زائد". وقال للصحيفة "طلب منا الأطباء في المستشفى البحث عن كلية لأنني شاب ولو بقيت على هذا الحال مع الغسيل، فإن وضعي سيسوء عندما أكبر، ولهذا أريد زراعة في أقرب وقت".

وبحسب الصحيفة، فغنه "لا يوجد أي نقص لولا الكتل الإسمنتية والحواجز والأسلاك الشائكة التي تفصل الضفة الغربية عن إسرائيل، ولا تبعد المسافة بينهما سوى 20 دقيقة".

ويعاني النجار الشاب والألاف الفلسطينيين من "فصل عنصري صحي" حسب  توصيف جماعات الإغاثة. فقد عانت الضفة الغربية من دمار وحرمان خبيث أصاب مؤسساتها الصحية. ويضم المرضى، مصابون بمرض السرطان الذين لم يستطيعوا الحصول على الأدوية الضرورية، وكذا المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة حيث منعوا من السفر بحرية وحضور مواعيدهم الطبية.

وفي حالة موثقة بشكل جيد، فقد فصلت نساء عن مواليدهن الجدد.

ويقول النقاد إن الهجوم منظم، فمن خلال حجب أموال الضريبة "المقاصة" ومنع الناس من الحركة داخل الضفة الغربية إلا من خلال التصاريح والحواجز، فإن النظام الصحي الفلسطيني الضروري لمجتمع مستقر يتعرض للتقويض على يد الاحتلال، حسب التقرير.

وبسبب نقص الدواء لم يعد مسلم قادرا على استخدام منجرته التي يعمل منها على نحت تذكارات يبيعها للحجاج الزوار لبيت لحم. وحتى لو استطاع نحت تذكارات فلن يجد من يشتريها لأن الإغلاق قلل من عدد السياح إلى بيت لحم. وقتل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر أكثر من 500 فلسطينيا في الضفة الغربية، حسب وزارة الصحة الفلسطينية ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، وهو ثلاثة أضعاف الذين قتلوا في كل 2022.

ومعظم الشهداء قتلوا في مواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي والتظاهرات، لكن هناك مارة وفلسطينيين قتلهم المستوطنون الذين أدى عنفهم بدول مثل بريطانيا لفرض عقوبات عليهم. كما وجرح آلاف آخرون مما زاد من العبء على النظام الصحي، وفقا للتقرير.

وقال أطباء من نابلس ورام الله وبيت لحم والخليل، إن أثر الحرب كان مدمرا على النظام الصحي. ويمثل مريض السرطان أحمد نمر عاصي واحدا من الضحايا غير المرئيين. وقال من المجمع الطبي الفلسطيني في رام الله حيث يعالج: "أعاني من سرطان البنكرياس، وفتحوني من جانب إلى آخر ولكنني لم أتحسن بعد العملية".

وأضاف أن حالته مرتبطة في جزء منها بنقص الدواء، كابكتابين، الذي يبطئ المرض أو يمنع نمو الخلايا، وأحد أهم الأدوية في نظامه العلاجي، وهو غير متوفر في النظام الصحي الفلسطيني المتداعي. ويظل البحث عن العلاج من مصادر بديلة خارج قدرات سائق الشاحنة المتقاعد، كما ووضعه الإسرائيليون على القائمة السوداء ومنع من السفر إلى القدس الشرقية والعلاج هناك، لسبب لا يعرفه. وأضيف لمتاعبه  تشخيص زوجته العام الماضي وأنها مصابة بسرطان الرحم، حيث أرسلت إلى نابلس ويحاول الأطباء إنقاذ حياتها.

وفي جانب آخر من الممر، تبدو حالة ماري حصري، 65 عاما أفضل، ولكنها وصفت الصدمة التي تعرضت لها عندما أجريت لها عملية استئصال ورم من الرحم بمستشفى في القدس الشرقية وحيدة في يوم عيد الميلاد وبدون السماح لأمها أو شقيقها لمرافقتها. وقالت "أجريت عمليتين بدون وجود أي من أفراد عائلتي" و "تترك غرفة العمليات إلى غرفة العناية الفائقة وتستيقظ بدون أن تجد احدا، وكان صعبا جدا علي، وتقيأت بعد التخدير ولم يكن أحد معي".


وبعد ستة أيام كان عليها العودة إلى رام الله وعبور نقطة تفتيش حيث نقلها صديق للعائلة إلى جانب الحاجز وقابلها ابن اختها على الجانب الآخر، وفقا للصحيفة.

وقد تعافت الحصري من المرض ، إلا أن المجمع الطبي الفلسطيني وبعد أشهر من العملية  لم يعد لديه الأدوية اللازمة للعلاج الإشعاعي، مما يهدد تعافيها.

ونقلت الصحيفة عن الدكتور محمد مناصرة، رئيس قسم الأورام في المجمع، قوله إنه فقد ثلاثة مرضى في الأسبوع الماضي بسبب نقص الأدوية، منهم شاب عمره 25 عاما. وأضاف "نعاني من نقص شديد في الأدوية والتي تضم  العلاج المناعي مثل بمبروليزامب أو كيترودا ولسرطان الثدي هناك حبة علاج اسمها ريبوسيكليب أو كيسقالي وغير متوفرة منذ شهر" و "لدي 37 مريضا على كيسقالي". وهو سيناريو يائس تكرر في كل أنحاء الضفة حيث هناك نقص في الأدوية للأمراض المزمنة بما فيها غسيل الكلى.

ولفتت الصحيفة إلى أن تدهور النظام الصحي في الضفة، أدى إلى إحباط الأطباء الذي رأوا تدهورا مستمرا في صحة مرضاهم. وقال الدكتور إبراهيم الحيح، الذي يدير عيادة في حلحول قرب الخليل بأنه يرى يوميا ما بين 85-90 مريضا بأمراض مزمنة. وتم تخفيض عمل العيادة من خمسة أيام إلى يومين حيث يتلقى الأطباء نصف رواتبهم  الـ 1,500 دولارا في الشهر ويكافحون لإعالة عائلتهم ودفع رسوم السفر. ثم قدم قائمة من الأدوية غير المتوفرة مثل المضادات الحيوية وأنالجيسك للسكري ودواء الضغط والسرطان وأمراض الأعصاب والكوليسترول.

وأحد الأدوية الضرورية هو دواء تاكروليموس او بروغراف، المستخدم  لمنع رفض جسم من أجرى عملية زراعة الكلى. وهو غير متوفر إلا بوزارة الصحة التي وصل مخزونها لادنى مستوياته، مما أجبر المرضى على إحضاره من الأردن، تركيا أو "إسرائيل".

وبحسب الصحيفة، فإن عدم توفر العلاج يعني الحياة أو الموت لمريم طروار، 52 عاما التي تعافت من عملية زارعة كلى قبل 3 أعوام. وزاد طبيبها من جرعتها اليومية إلى أربعة أقراص في اليوم، في وقت انخفضت مخصصاتها من وزارة الصحة. ويحاول زوجها توفير الدواء من معارفه في تركيا، حيث تبلغ كلفة العلبة المكونة من 100 حبة 150 دولارا، بشكل يزيد من الأعباء المالية لكنهم يتبرعون الإمدادات القليلة لمن أجروا عمليات زراعة.

وأشارت الصحيفة للقرارات التي اتخذها وزير المالية في حكومة الاحتلال، المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي منع موارد الضريبة وهدد بإلغاء الإعفاءات للبنوك الإسرائيلية كي تتعامل مع البنوك الفلسطينية مما أدى إلى شل السلطة الوطنية وأجبرها على تخفيض الرواتب للموظفين المدنيين.

وأعلن المسؤولون الإسرائيليون في الأسبوع الماضي، أن الحكومة دفعت 450 مليون شيكل (116 مليون دولارا أمريكيا) من موارد الضريبة وعن نيسان/أبريل وأيار/مايو وأنها دفعت 530 مليون شيكل (144 مليون دولارا أمريكيا) عن حزيران/يونيو. إلا أن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى يقول إن دولة الاحتلال لا تزال مدينة للسلطة بـ 6 مليار شيكل (1.6 مليار دولارا) وهو مبلغ كبير.

هذا إلى جانب منع عشرات الألاف من العمال الفلسطينيين السفر إلى "إسرائيل" منذ بداية الحرب، مما أدى إلى زيادة المعاناة الاقتصادية وقيد من قدرتهم على توفير العناية الطبية الخاصة. هناك ألاف من التصاريح التي أصدرتها إسرائيل للمرضى كي يذهبوا إلى القدس الشرقية، ولكنها سحبت أو علقت، بحسب الصحيفة.

واتهمت منظمات حقوقية وطبية، إسرائيل بمعاملة الفلسطينيين ضمن نظام فصل عنصري. ونقلت الصحيفة عن أسيل بيضون مديرة الحملات في الجمعية الطبية لفلسطين (ماب) قولها "تحتفظ إسرائيل بنظام سيطرة على حق الفلسطينيين في العلاج الصحي ومنذ نصف قرن ، وعبر الاحتلال والضم والإغلاق". وتقول الصحيفة إن "الثمن الإنساني لإجراءات إسرائيل كان ضخما".

ونقلت عن فادي الأطرش من مستشفى المطلع على جبل الزيتون في القدس، قوله بيأس "هذه المرأة بحاجة إلى علاج بيولوجي يمنحها نسبة 70% شفاء من سرطان الثدي، ولكننا لا نستطيع هذا بسبب الوضع المالي". وأضاف "أستطيع شراء علاج لمريض واحد، لكن لدي خمس تحويلات، فمن أختار؟ وليس سهلا لأن سرطان الثدي يصيب مزيدا من النساء الشابات".

وباعتباره ثاني أكبر مستشفى في القدس يوفر المطلع علاجا للمرضى من الضفة وغزة ولديه وحدات مهمة لعلاج السرطان وغسيل الكلى. ومنذ بداية الحرب توقف وصول المرضى من غزة وانخفضت نسبة المرضى من الضفة وفي الثلاثة أشهر الأولى للحرب بنسبة 30%، كما قال الأطرش.

وأضاف أن "الأثر على الصحة واضح، وشاهدنا المزيد من الأشخاص بمراحل متقدمة [من المرض] نظرا لعدم حصولهم على نصيحة طبية ما بين تشرين الأول/أكتوبر إلى كانون الأول/ديسمبر".

ولفت إلى أن الناس عانوا ومات البعض أبكر من المتوقع نظرا لغياب العلاج. وقدر أن الإدارة المدنية وافقت على منح 85% من التصاريح للمطلع إلا أن الناس يترددون بالسفر بسبب الرحلة المتعبة والأوضاع غير المستقرة والخوف من هجمات المستوطنين. 


وأوضح أن الكثير من التصاريح رفضت للمرافقين من العائلة للمريض. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نسبة 44% من التصاريح التي قدمها مرضى عددهم 28,292 مريضا،  ما بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 و أيار/مايو 2024 طلبا للعلاج في خارج الضفة الغربية رفضت أو لا يزال ينظر فيها، وينسحب الأمر على المرافقين حيث بلغت نسبة الرفض أو عدم الرد إلى 48%.

وبمقارنة ما بين 2022- 2023، فإن هناك نسبة  56% تراجع هذا العام في طلبات المرضى وتراجع بنسبة 22% في الموافقة عليها، حسب ما أوردته الصحيفة.

وعنت القيود على أي شخص يسافر من غزة إلى القدس المحتلة فصل المواليد عن أمهاتهم اللاتي منحن تصاريح إنسانية للسفر إلى مستشفيات القدس والإنجاب هناك قبل الحرب على غزة بسبب المخاطر العالية للحمل.

وبعد الإنجاب عادت الأمهات إلى غزة لتقديم تصاريح والعودة لأخذ مواليدهن الذين أصبحوا في حالة صحية جيدة، لكنهن علقن في القطاع بعد الحرب. وفي مستشفى المقاصد هناك خمس أطفال منهم ثلاثة توائم  خضغت أمهم لستة أعوام من التلقيح الإصطناعي، حيث يقوم طاقم المستشفى بإعداد أشرطة فيديو للعائلات في غزة، حسب التقرير.

وحذر مدير المجمع الطبي في رام الله دكتور أحمد البيتاوي، من أن حرب غزة ستترك أثرا طويل الأمد على النظام الصحي في الضفة الغربية. و انخفضت العمليات الجراحية في المجمع الذي يجري عمليات خاصة من 24 عملية في اليوم إلى 8 عملية. وزادت الهجمات على العيادات الطبية وعمال الإغاثة الطبية وسيارات الإسعاف منذ تشرين الأول/أكتوبر حسب بيضون من الجمعية الطبية الفلسطينية، فيما وثقت منظمة الصحة العالمية 480 هجوما على النظام الصحي خلال الأشهر الثماني الماضية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الاحتلال الفلسطيني الضفة الغربية غزة النظام الصحي فلسطين غزة الضفة الغربية الاحتلال النظام الصحي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تشرین الأول أکتوبر على النظام الصحی الضفة الغربیة من التصاریح فی الضفة إلا أن ما بین

إقرأ أيضاً:

هل يجعل حفتر من ليبيا بوابة الروس إلى دول الساحل؟

سلطت صحيفة "جون أفريك" الضوء على زيارة صدام حفتر، نجل اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، إلى واغادوغو في التاسع من تموز/يوليو كانت تهدف إلى تعزيز العلاقات الأمنية مع دول الساحل.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه من خلال تقربه من الأنظمة القائمة في منطقة الساحل مثل قربه من موسكو يلعب اللواء الليبي على عدة جبهات، ولكنه يسعى قبل كل شيء إلى تعزيز سلطته في مواجهة السلطات الغربية ووضع نفسه كشريك لا غنى عنه بما في ذلك بالنسبة للغربيين.

لم تمر زيارة صدام حفتر، الابن الأصغر للواء المتقاعد الذي يسيطر على أكثر من نصف ليبيا إلى واغادوغو في التاسع من تموز/يوليو، مرور الكرام على الرغم من جو التكتم الذي ميزها. لقد تم بالفعل تكليف الوريث المفترض لممتلكات والده بمهام دبلوماسية، تماما مثل إخوته الآخرين. ولكنه يتمتع بالهيمنة في المجال العسكري، لأنه تمت ترقيته في الخامس عشر من أيار/مايو إلى منصب رئيس أركان القوات البرية التابعة للجيش الوطني الليبي الذي أعلن والده عن تأسيسه.



وبينت الصحيفة أن التوقيت ليس مصادفة؛ حيث تأتي الزيارة بعد ثلاثة أيام من إنشاء اتحاد دول الساحل بين الأنظمة العسكرية التي استولت على السلطة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. ومن بنغازي إلى باماكو؛ تجمع بين كبار الضباط الذين يتولون القيادة نقاط مشتركة، حيث استولوا على السلطة من حكومات مدنية اعتبروها تحت السيطرة وعاجزة عن مواجهة الحروب التي تشعل المنطقة، أو صراعات يغذيها سقوط القذافي منذ نهاية سنة 2011.

التعاون الأمني المنطقي

وأوضحت أنه من النقاط المشتركة بين هؤلاء الضباط أن السياسيين والصحفيين والناشطين.. وكل من يعارضون رؤيتهم وأساليبهم يجدون أنفسهم في قبضة "الإرهاب مع الأعداء المعلنين للجيش: الجهاديين والإسلاميين المتطرفين. وهؤلاء، المتنقلون، والمنظمون في شبكات، يعرفون كيفية الاستفادة من البيئة الشاسعة والعدائية في منطقة الساحل وكذلك الفجوات الحدودية التي زادت بسبب عدم الاستقرار السياسي في الدول الأربع: بالتالي، يبدو إنشاء تعاون أمني فعال منطقيًّا، بل وضروريًّا. وفي الواقع، تم تعيين صدام حفتر، صاحب القوة المطلقة في جيش والده، لإبرام هذه الصفقة مع كونفدرالية دول الساحل".

ونقلت الصحيفة عن جليل حرشاوي، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في شؤون ليبيا قوله إن "أبناء حفتر جميعهم يخدمون دبلوماسيته، لكن صدام هو رئيس الأمن وهو المسؤول عن منطقة الحدود الجنوبية حيث تحاول مجموعات مسلحة متعددة التسلل. وكان مسؤولًا عن الملف السوداني، وكان قد التقى بشكل خاص بالتشادي إدريس ديبي قبل وفاته".

ومن بنغازي إلى باماكو؛ يواصل هذا الخط الروسي تأكيد نفسه بشكل أسرع وأعلى وأقوى في مواجهة أعدائه الغربيين المعلنين: فرنسا، التي تم طرد جيوشها من المنطقة، والولايات المتحدة التي بدأت بالانسحاب بالفعل. وهكذا يصبح ميناء طبرق ذو المياه العميقة، شرق بنغازي، الخاضع لسيطرة حفتر، بوابة الكرملين لطموحاته الأفريقية وفيلقه الأفريقي، التابع لوزارة الدفاع، التي حلت محل مجموعة فاغنر شبه العسكرية.

الممر الروسي

وبحسب الصحيفة؛ يعد ميناء طبرق، الذي يمكن الوصول إليه بسرعة من البحر الأسود، محورًا أكثر ملاءمة بكثير مما كانت عليه جمهورية أفريقيا الوسطى المحاصرة، والتي كانت أول هدف روسي يتم ضربه في سنة 2018. ويشتبه منذ فترة طويلة في أن موسكو تسعى لفتح قاعدة بحرية في طبرق كما فعلت في سوريا، في طرطوس، وهي تتصرف الآن هناك كما لو أن الاتفاق قد تم إبرامه بشكل سري، حيث تتناوب سفنها الحربية على الميناء بوتيرة منتظمة. وفي أبريل/نيسان، تم تصوير العديد منهم هناك، أثناء تفريغ آلاف الأطنان من الأسلحة دون أي مراعاة للسرية.

وتقول البروفيسورة فيرجيني كولومبييه، رئيسة منصة ليبيا في جامعة لويس جويدو كارلي في روما: "لقد تساءلنا لمن خُصِّصت هذه المعدات. فربما بقيت كمية معينة في ليبيا، لكن جزءًا كبيرًا منها تم إنزاله ليتم نقله نحو بوركينا فاسو، على طريق بوركينا-النيجر-مالي المهم وعلى الجانب الآخر نحو السودان. لدى روسيا بالفعل مصلحة في استخدام ليبيا كمنصة ونقطة انطلاق نحو دول الساحل، ولا شك أن زيارة صدام إلى واغادوغو مرتبطة بها أيضا"؛ فهل سيصبح حفتر خادمًا لبوتين؟

في كثير من النواحي، تعتبر الدبلوماسية التي يستخدمها خليفة حفتر متناقضة: ففي السودان؛ يدعم قوات الجنرال المنشق حميدتي ضد قوات الجنرال البرهان، رئيس الدولة المدعومة من مصر، الداعم الرئيسي لبنغازي. وقد استضاف الجنود الفرنسيين وكذلك مرتزقة فاغنر الروس السابقين في قواعده، ويسعى إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع باريس بينما بينما يتقارب مع موسكو.

وأضافت الصحيفة أنه في الآونة الأخيرة، بدأ يتقرب من الأتراك، الذين يدعمون منافسيه في طرابلس، لكن مغريات عقود واعدة لإعادة الإعمار والتنمية في المنطقة تجذبهم.

وأنشأت فرنسا "القيادة من أجل أفريقيا" التي عُهد بها، في 26 يونيو/حزيران، إلى الجنرال باسكال لاني. وتتمثل مهمتها في إقامة "شراكات أمنية مع الدول التي تطلب ذلك"، من أجل جمع المعلومات الاستخبارية أولا لمكافحة الإرهاب، حسبما ذكرت صحيفة "'لو كانار انشينيه'" في عددها الصادر في 14 تموز/يوليو.

إذًا، هل ستجعل إعادة توجيه فرنسا نحو أفريقيا من حفتر إحدى أوراقها الرابحة في النصف الشمالي من القارة؟

ولفتت الصحيفة إلى أن عمل الموازنة المعقد الذي يقوم به المشير، والذي يوسع جغرافيته السياسية المحلية من الشراكات الانتهازية والذي نجح حتى الآن، لا يخلو من المخاطر، لأن الرغبة في سماع الجميع قد تجعلك مشتبهًا به من الجميع.

وبينت الصحيفة أن حفتر قد أثار غضب القاهرة، التي ترى في هذا الموقف نقصًا في الولاء، وكذلك من موسكو التي ترغب في وجود حاكم أكثر طاعة: فقد تميل هذه العواصم إلى إيجاد بديل له.

على الجانب الآخر؛ شجع تحالفه الاستراتيجي مع بوتين مؤيديه السابقين في الغرب، وفي المقام الأول فرنسا، على الابتعاد عنه منذ إعادة تنشيط الصراع الأوكراني في سنة 2022. لكن حفتر يحمل ورقة رابحة، وهو مقتنع بأنه لن يتمكن أحد من إيجاد بديل له في الساحة الليبية الحالية.

وبالتالي فإن زيارة صدام حفتر إلى واغادوغو تهدف إلى جعل والده همزة الوصل في تحالف أمني من موسكو إلى كوناكري، والوسيط الذي لا غنى عنه في المنطقة للقوى الدولية التي لها مصالح هناك، كما تهدف إلى بناء شرعية سلطة حفتر بين رؤساء الدول الانقلابيين، الذين هم أيضًا في بحث عن نفس الشرعية الدولية، مع بسط نفوذه إقليميا.

وحسب فيرجيني كولومبييه: "منذ سنة 2011، فقدت ليبيا النفوذ الخارجي الذي كانت تتمتع به في عهد القذافي. ويشعر العديد من محاوري الليبيين بالحزن بسبب ذلك، وقد فقدت الجهات الفاعلة فيها القدرة على فهم بيئتها الإقليمية والتفاعل معها، سواء في شمال أفريقيا وخارجها في القارة، وهو ما يعتبر فجوة كبيرة. ومع ذلك، في هذه الحلقة، هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها إسقاطا دبلوماسيا إقليميا من هذا النوع".



وأكدت الصحيفة على أن المسؤولين الليبيين، من الشرق والغرب، يكثفون من الزيارات الدولية ويستقبلون أعدادًا من الدبلوماسيين. لكن الحسابات ذات طبيعة داخلية، بهدف ضمان الشرعية السياسية وتكوين شراكات اقتصادية والحفاظ على الدعم المستمر لرعاتهم الأجانب، مصر وروسيا والإمارات العربية المتحدة من جانب بنغازي، وتركيا، وبدرجة أقل الجزائر وقطر من جهة طرابلس.

وتذكر الصحيفة أن الباحثة فيرجيني كولومبييه ترى أن "احتلال هذا الفراغ هو خطوة من إستراتيجية حفتر الشاملة التي تهدف إلى ضمان السيطرة على عدد من رافعات القوة الأساسية. وهكذا، وبعد أن كانت يده على رافعة الأمن لفترة طويلة، جعل من جيشه الركيزة الأساسية للاقتصاد سيرًا على خطى النموذج المصري.

ولفتت إلى أن الاقتصاد السري يقع تحت سلطته، بل إنه يشارك في العمل الإنساني، حيث تم تعيين ابنه بلقاسم على رأس "صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا" بعد الفيضانات الكارثية التي اجتاحت درنة في أيلول/سبتمبر 2023، التي خلفت رهانات اقتصادية ضخمة. وفي سياق يتوقع فيه الجميع رؤية المشير البالغ من العمر 80 سنة، والذي أصيب بجلطة دماغية في سنة 2018، يختفي بين عشية وضحاها، وحيث لا يستطيع أحد معرفة ما سيحدث في اليوم التالي، يحاول الأب وأبناؤه إغلاق أكبر عدد ممكن من الآليات الأساسية للسيطرة على أجزاء البلاد التي تقع تحت سيطرتهم.

مقالات مشابهة

  • إطلاق نار قرب الخليل والاحتلال يواصل حملته العسكرية بالضفة
  • تدمير واسع لقطاع التعليم.. الإجرام الصهيوني يعمق مأساة الطلاب بغزة
  • هل يجعل حفتر من ليبيا بوابة الروس إلى دول الساحل؟
  • 39400 شهيد منذ بدء الاحتلال عدوانه على قطاع غزة
  • الاحتلال الإسرائيلي يقتحم بلدات بالضفة ويعتقل فلسطينيين
  • الاحتلال يصعّد حملة الاعتقالات بالضفة والأعداد تناهز 10 آلاف
  • بالضفة فقط.. "التعليم" تعلن نتائج الثانوية العامة بدون نسب عامة للنجاح
  • بالضفة دون غزة.. التعليم يعلن نتائج الثانوية العامة بدون نسب عامة للنجاح
  • اعتقالات خلال مداهمات واسعة بالضفة
  • الأمراض الجلدية تفتك بأجساد أطفال غزة