علي الكنزي

المبحث الأول

إن كان من السنة صوم عاشوراء فعلينا أن ننظر للآتي:
أن الرسول أخذ سنته من اليهود، حين رأى اليهود في المدينة يحتفلون بيوم عاشوراء. فسألهم لماذا تفعلون ذلك. فأجابوه بأنه يوم أنجا الله فيه موسى من فرعون. فأجابهم: "أنا أحق بموسى منكم"
أكان رسول الله يجهل ويغيب عليه أن الله أنجا موسى من فرعون حتى يسأل يهود
المدينة؟
وهل مثل هذا القول يتفق مع الآية من ٥١ سورة النساء التي تقول:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَلا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 51 )
ثم إننا نعلم من القرآن ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُعَلِمْ ولا يُعَلَمْ
ويظهر ذلك جلياً في سورة البقرة في جزء من الآيتين ١٢٩و ١٥١ من سورة البقرة:
(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ ….

(129)
(... يُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)
والكتاب هنا فسر بالتوارة والأنجيل والقرآن.
فبما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عالم بالتوارة والانجيل فهو عالم بيوم نجاة موسى من فرعون منذ أن كان بمكة.
ونحن نتلوا كتاب الله الذي جاء فيه في سورة الأعراف وهي سورة مكية:
(وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)
وفي سورة الشعراء وهي سورة مكية جاء قوله:
(فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)
علماً بأن خبر موسى وفرعون قد علم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من
الآيات أعلاه وهو بمكة فكيف يسأل عنه يهود المدينة؟
وهل كان يثق في إجابتهم؟
أليس من الممكن أن يخدعوه بإجابة خطأ، حتى يكشفوا للأخرين بأنه رسول كذب، لا ييعلم إن خدع؟
وقد حدث هذا كما يروي عبدالله بن عباس أن الآية ١٨٨ من سورة آل عمران (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم) أن هذه الآ
الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي عن شيء فكتموه إياه، فأخبروه بغيره.
وأين نحن من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري قال: إن أهل الكتاب أي اليهود كانوا يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم: " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي انزل الينا وأنزل اليكم."

المبحث الثاني:
اهل السنة يرون حديث صوم عاشوراء قائلين بلسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر مخالفة لليهود".
ونحن نعلم أن رسول الله مات في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة
الحادية عشر للهجرة. هذا يعني أنه صام العاشر من محرم للسنة الحادية عشر من الهجرة.
ونحن هنا أمام خيارين:
الخيار الأول: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صام عشر سنوات من عاشوراء، وكان صيامه ليوم واحد في كل سنة، وكان غافلاً عن مخالفة اليهود طوال عشرة سنين قضاها بالمدينة. ولكنه انتبه للأمر في أ آخر سنة من عمره، ونبه صحابته بأنه إذا بقى لقابل ليصومن التاسع والعاشر من عاشوراء مخالفة لليهود!
الخيار الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يصم إلا يوماً واحداً من
عاشوراء في السنة العاشرة للهجرة وبعده توفاه ربه.
والقارئ لسورة الحشر يعلم أن كل قبائل اليهود التي كانت تعيش في المدينة أو حولها (بنو القينقاع، بنوالنضير، بنو غريظة) اخرجوا جميعهم من ديارهم ولم يبق أحد منهم بالمدينة او حولها بعد السنة السابعة الهجرية، وذلك نتيجة لخيانتهم للعهد في غزوة الخندق.
المبحث الثالث:
أن صيامنا يوم عاشوراء يجب أن يوافق صيام اليهود لذلك اليوم، لأننا أخذناه منهم.
ولنرى هل توافق عاشوراء من شهر محرم الهجري والتي يدعو أهل السنة لصيامها ااااليوم الذي يصومه اليهود؟
والإجابة: كلا، ثم كلا، ثم كلا.
ولنبحث لماذا لا تتوافق عاشوراء محرم مع عاشوراء اليهود؟
أولاً: علينا أن نعلم ما هو التقويم اليهودي او العبري وكيف يحسب؟

لتقويم والشهور العبرية في الكتاب المقدس
الشهر العبري، هو شهر قمري، بمعنى أنه يعتمد في حسابه على ظهور الهلال النحيل لميلاد القمر الجديد. وبذلك تتكون السنة العبرية القمرية من: 354 يوم + 8 ساعات + 48 دقيقة + 38 ثانية
The Tempel : Its Ministry and Services, P.200
من أجل هذا السبب يتأرجح الشهر العبري – دائماً – بين 29، 30 يوماً لكل شهر. وبناء على ذلك تقل السنة العبرية القمرية عن السنة الشمسية بمقدار 10 أيام + 21 ساعة تقريباً.
Victor Buksbazen, The Gospel in the Feasts of Isrsel, P. 24
ولإحداث التوازن بين التقويمين، اضطروا أن يضعوا ما يُعرف بـ " السنة الكبيسة " وهو إضافة الشهر الثالث عشر، وسُميَّ هذا الشهر بـ" آذار الثاني " . وحتى سنة 360 ميلادية، كانت كل: 8 سنوات عبرية قمرية + 3 شهور كبيسة = 8 سنوات شمسية، ولكن لما غير اليهود تقويمهم سنة 360 م، أصبحت السنةالعبرية القمرية أقصر من السنة الشمسية بمقدار 10 أيام فقط، وبذلك صارت كل: 19 سنة قمرية + 7 شهور كبيسة = 19 سنة شمسية. وهذا ما أطلق عليه اليهود بـ " دورة الفصح الكبرى"، حتى تأتي الأعالاعياد في مواعيدها بالضبط كل سنة.
وهنا نشدد على القول: (وهذا ما أطلق عليه اليهود بـ " دورة الفصح الكبرى"، حتى تأتي الأعياد في مواعيدها بالضبط كل سنة.)
ومن هذا نفهم أن يوم صيام اليهود يأتي في يوم محدد لا يتغلب في الفصول مثل عاشوراء عند أهل السنة.
ثانياً: علينا أن نعلم يوم صيامهم يسمى يوم كيبور (أي يوم الغفران) “ويوم الغفران هو في الواقع يوم صوم، ولكنه مع هذا أضيف على أنه عيد، فهو أهم الأيام المقدَّسة عند اليهود على الإطلاق ويقع في العاشر من تشرين (فهو، إذن، اليوم الأخير من أيام التكفير أو التوبة العشرة التي تبدأ بعيد رأس السنة وتنتهي بيوم الغفران). ولأنه يُعتبَر أقدس أيام السنة، فإنه لذلك يُطلَق عليه «سبت الأسبات»، وهو اليوم الذي يُطهِّر فيه اليهودي نفسه من كل ذنب.
يقر بنو إسرائيل، في أيام التكفير هذه، أنه لا غنى عن رحمة الله وغفرانه: “إن كنت تراقب الآثام، يا رب يا سيد فمن يقف بريئاً” (مزمور 130 [129]: 3).
وهو اليوم الذي شن فيه السادات حربه على اسرائيل في ٦ اكتوبر ١٩٧٣ الموافق العاشر من رمضان، وهي ما يسميها الاسرائليون بحرب يوم الغفران بالعبرية
المبحث الرابع والأخير:
إن صوم عاشوراء أمر مستحدث في السودان، وقد عايشتُ وانا صغير في الريف أن يوم عاشوراء لم يكن يوم صوم بل كانوا يسمونه يوم (التوسعة) ففي هذا اليوم يحبب زيادة الطعام وجوجلب اي طعام آخر على أن يخلط بالسكر. في الريف كنا نأكل الشعيرية والسكسكانية والقراصة بالسمن والسكر.

خلاصة الامر
حقيقة الأمر ما اريد بصيام هذا اليوم إلا صرف انتباه الامة المسلمة عن مقتل الحسين بن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه. وهو (اي الرسول) أوصانا بلسان رب العالمين في القرآن الذي نتلوه ليل نهاروهو يقول في سورة الشورى:
(... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)
فأنظروا كيف عملنا نحن بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقبره مازال رطباً لم ينشف ترابه بعد. فكان مقتل الحسين في حياة عصبة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا احياء في ذلك اليوم الأاالأسود.
لهذا فلا تصوموها§§§ بل ردوها إلى الله ورسوله.
اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.
email. alkanzali.gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یوم الغفران صوم عاشوراء موسى من فی سورة

إقرأ أيضاً:

ميثاق غليظ

 

 

 

أنيسة الهوتية

"ميثاق غليظ" مصطلح ورد في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع وقد ورد في سورة الأحزاب في الآية 7؛ حيث يقول الله تعالى: "وإذ أَخَذْنَا من النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا". 

ويشار بهذا الميثاق الغليظ الأول إلى العهد العظيم الذي أخذه الله على الأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم بتبليغ رسالاته إلى البشرية ببالغ المسؤولية التي تتطلب القوة والعزيمة والإخلاص، وأيضًا يتعين عليهم تحمل المشاق والصعاب، ومواجهة التحديات، والصبر على الأذى في سبيل إيصال الحق.

وورد في سورة النساء الآية 21: "وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا". ويشار بهذا الميثاق الغليظ الثاني إلى عقد الزواج، وما يتضمنه من حقوق وواجبات بين الزوجين، وبأنَّه عهد قوي متين يصعب نقضه، ومهم الالتزام بمواثيقه.

وورد في سورة النساء الآية 154: "وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا". ويشار بهذا الميثاق الغليظ الثالث إلى العهد الذي أخذه الله تعالى من بني إسرائيل بالعمل بأحكام التوراة، وعدم تجاوز حدود الله.

أما الأول، فقد أتم الأنبياء والمرسلون ميثاقهم الغليظ مع الله على أكمل وجه، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في عدة مواضع. وفي الثالث، فإن بني إسرائيل لم يتموا ميثاقهم الغليظ مع الله تعالى، بل نقضوه مرارًا وتكرارًا. وقد ورد ذكر ذلك في القرآن الكريم في عدة مواضع.

أما الثاني، فهناك من التزم به، ومن لم يلتزم لأسباب! وبما أن الطلاق حلال وإن كان أبغضه، فإنه جائز، ولكن ليس بأن يتم الحكم على نقض الميثاق الغليظ نهائياً من أول "فلعة" تقع على رأس الزوجين. ولأنه ميثاق غليظ، فهو من غلظته غير قابل للنقض إلا بعد "فلعتين"، كما ذكر القرآن الكريم، بصريح العبارة وشدة الوضوح: "الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ" سورة البقرة الآية 229

وهنا الآية الكريمة تتحدث عن الطلاق الرجعي الذي يظهر فيه مبدأ رحمة الإسلام بإعطاء الزوجين فرصتين للمراجعة بعد إجراء كل عملية طلاق صحيحة الأركان لم تمر بالمنقضات. ولأهمية رابط الزواج في دين الإسلام تم وضع منقضات للطلاق، أربعة تخص المرأة وأربعة تخص الرجل.

ويستطيع الزوج استخدام الفرصتين لمراجعة زوجته خلال فترة العدة مرتين، في الطلقة الأولى والثانية، ولازال يستطيع إرجاعها بعد فترة العدة بعقد جديد إن رضيت، وهاتان الفرصتان للإرجاع عدل إلهي مطلق يُبين قيمة الرابط المقدس للحفاظ على اللبنة الأساسية للمجتمع وهي الأسرة.

والثالثة ثابتة بتحريم الرجوع إلا إذا تزوجت زوجاً غيره بنية الزواج دون التُحايل للتحليل، وانفصلت عنه أو توفي عنها.

وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن النَّاس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم" صحيح مسلم. ويُعتبر القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع في الإسلام، وتليه السنة النبوية الشريفة. والأحاديث المروية من "حبر الأمة" و"ترجمان القرآن" موثوقة.

لذلك أعتقد أنه آن الأوان أن يتم الاتفاق في أحكام الطلاق بين المذاهب كلها كما أمر الله تعالى سبحانه في محكم كتابه العزيز كمثل الاتفاق على أصول الدين الأساسية، وإعطاء كل زوجين فرصتهم المستحقة، خاصة في ظل الزواج من المذاهب المختلفة، وأيضًا منعًا لاستغلال فرصة تحليل المرأة.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • غربال الثورة الناعم
  • للصائم دعوة لا ترد
  • ميثاق غليظ
  • عمرو الورداني: استحضروا رسول الله في قلوبكم وراجعوا أمامه نياتكم في أفعال الخير
  • أقوى دعاء لطرد الشيطان.. ردده باستمرار يعصمك من ارتكاب المعاصي
  • الذكرى تنفع المؤمنين.. هذا هو شهر رمضان
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • الحياء.. شعبة من الإيمان
  • شخصيات إسلامية.. أبو هريرة أكثر الصحابة رواية للحديث
  • ماذا يفعل رسول الله أول جمعة في رمضان؟.. الإفتاء: 11 عبادة