في الجزء الأول من هذا المقال تم تعريف السبب المباشر لحرب ١٥ أبريل بأنه صراع على السلطة بين برهان وحميدتي والمؤتمر الوطني، ويتم تغذية هذه الحرب وتعزيزها بالتوترات العرقية والجهوية، فشل الحكم وضعف المؤسسات المتطاول، الإرث التاريخي لعسكرة المجتمع والمظالم غير المحلولة، الفشل الإقتصادي، فشل إتفاقيات السلام السابقة، والتدخلات الخارجية لصنع النفوذ ونهب الموارد وغيرها.

كل أسباب الحرب تقع ضمن إطار مؤشرات فشل الدولة كما تناول المقال السابق، لذلك فإن أي إتفاق أو محاولة للتهدئة دون معالجة الأسباب المباشرة لإندلاع الحرب، والأسباب المعززة لاستمرارها، أي بمعنى أن أي إتفاق لا يعالج مؤشرات فشل الدولة سيكون محكوماً بالفشل، حتى ولو أدى إلى تهدئة مؤقتة. في هذا الجزء الثاني والأخير أتناول مطلوبات تحقيق سلام دائم وإنتقال ديمقراطي مع تناول تجارب بعض الدول الناجحة في صنع سلام دائم واستقرار وربما شكل معقول من الإنتقال الديمقراطي من حالة الحرب، كما أتناول التحديات الخاصة بالسياق السوداني.

*الحوار الشامل والتفاوض*

الوصول لسلام دائم وإنتقال ديمقراطي يتم غالباً عبر التفاوض، فمهما تطاولت الحرب أو إنتصر أحد الأطراف فلن ينتج سلام دائم واستقرار، فالمنتصر ستواجهه تحديات قاسية وربما مستحيلة. سيفتقد المنتصر للشرعية بسبب الإنقسامات العرقية والجهوية التي تم تأجيجها بسبب الحرب، والتظلمات بسبب الحروب السابقة والحالية، وضعف الثقة، فستنشأ في الغالب جيوب مقاومة مسلحة في حالة كسب أي طرف للحرب مما يؤدي لاستمرار دورات العنف، ومهما تطاولت فلن ينجح طرف في استئصال الآخر بالكامل. التحدي الكبير في حالة السودان أن أطراف الصراع لم تصل بعد لمرحلة الإرهاق التام أو تهديد مصالحها الذاتية لتشكل إرادة حقيقية وصادقة لوقف الصراع، يُساهم في ذلك غياب مفاهيم الوطن والوطنية والمواطنة والأمن القومي والمصلحة العامة لدى الأطراف المتحاربة، وقد نحتاج لسنوات وربما أجيال جديدة للوصول لقناعة للغالبية من السودانيين أن سلام دائم أفضل للجميع.
يجب أن يُجرى حوار شامل بمشاركة جميع الأطراف المعنية المسلحة، والمجتمع المدني والمجتمعات المهمشة وغيرها، ومن الأفضل أن تكون الوساطة منظمات دولية محايدة أو دول محايدة، لتقليل التدخل الخارجي الداعم لأطراف الصراع.

*إتفاقية سلام شاملة*

يُختتم الحوار الشامل بإتفاقية سلام شاملة ومفصلة تعالج الأسباب المباشرة للنزاع، والأسباب التاريخية، السياسية، الإقتصادية، والإجتماعية المعززة للصراع. يجب أن تتجنب بنود الاتفاقية الغموض والتناقض، كما يجب أن تشمل الإتفاقية آليات واضحة لتنفيذها، مع جداول زمنية وإجراءات مساءلة، لتجنب أخطاء الإتفاقيات السابقة.

*العدالة الإنتقالية*

واحدة من أسباب استمرار الحروب والعنف في السودان، هو الإفلات من العقاب على الجرائم السابقة، فلم يحدث من قبل محاكمة أو إدانة أياً من المتورطين في جرائم حروب السودان السابقة، وقد يكون الاستثناء الوحيد هو محاكمة علي كوشيب الجارية في لاهاي. يجب تنفيذ تدابير العدالة الإنتقالية التي يُتفق عليها، مثل لجان الحقيقة ومحاكم جرائم الحرب، لمعالجة إنتهاكات حقوق الإنسان، كما يجب تطوير برامج لإعادة الحقوق المسلوبة وتعزيز المصالحة وشفاء المجتمعات.

*إصلاح القطاع العسكري والأمني*

دون الوصول لجيش وطني واحد محترف، لا يتدخل في السياسة والإقتصاد، فلن ينجح أو يستمر أي سلام. يجب إصلاح القطاع الأمني والعسكري، كما يجب أن يتم تنفيذ برامج لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج لتحويل المقاتلين إلى الحياة المدنية باستصحاب التجارب السابقة والمعايير الدولية اللازمة.

*التنمية الإقتصادية*

يجب أن يتم إعطاء الأولوية لمشاريع إعادة الإعمار والتنمية، لإعادة بناء البنية التحتية وخلق فرص العمل والتركيز على التعليم الفني، لخلق طبقة قادرة على إعادة وتطوير الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي. كما يجب أن توزع الموارد وثروات البلاد بطريقة عادلة لمنع النزاعات المستقبلية حول الموارد. يجب أن تكون هذه الحرب درساً وفرصة لتنمية الريف ونقل المدينة إلى الريف وليس ترييف المدن كما حدث سابقاً، حيث أن طبيعة الإقتصاد السوداني ما زالت زراعية ورعوية، ويجب زيادة قيمة منتجاتنا الزراعية والحيوانية بدعم الصناعات التحويلية البسيطة لزيادة قيمتها الإقتصادية وتجنب تصديرها كخام، مما يسمح بتنمية وتطوير المجتمعات الريفية. كما يجب أن نحدد المجالات التي يتم الاستثمار فيها بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وتفادي بيع الأصول من أراضي وموانئ وغيرها، وتجنب الشراكات الظالمة حتى لا نسقط في النفوذ الأجنبي إقتصادياً. اتسمت العقود الأخيرة بالفساد الواسع مما أدى للتطبيع معه على مستوى الدولة والمجتمع، فيجب أيضاً أن تتم مكافحة الفساد بطريقة جادة وفعالة، فلن توجد تنمية حقيقية مع الفساد.

*الدعم والمراقبة الدولية*

تأمين إعفاء الديون وإعادة دمج السودان في الإقتصاد العالمي ضروري لدعم جهود الإعمار والتنمية، وربما الاستعانة بقوات حفظ سلام فعالة لضمان الاستقرار.

*تجارب سابقة ناجحة*

رواندا:
عانت من إبادة جماعية، وكانت نقطة التحول استيلاء الجبهة الوطنية بقيادة بول كاغامي على السلطة، حيث أنهت الإبادة وبدأت عملية البناء. تم إنشاء محاكم مجتمعية لمعالجة جرائم الإبادة وتعزيز المصالحة، وتم التركيز على النمو الإقتصادي، وتقليل الفقر، وتحسين البنية التحتية، كما تم إنشاء مؤسسات حكومية كفؤة وفعالة، وحظيت رواندا بدعم دولي كبير ساهم في إعادة بناء الأمة. وصلت رواندا إلى سلام مستدام واستقرار كبير ولم تصل لنظام ديمقراطي.

موزمبيق:
عانت من حرب أهلية وحشية من ١٩٧٧ إلى ١٩٩٢ بين الحكومة ومتمردين. تم التوصل إلى إتفاق سلام بوساطة دولية كبيرة من الأمم المتحدة والكنيسة الكاثوليكية. تم نزع السلاح وإعادة الدمج للمقاتلين في الحياة المدنية. أجريت أول إنتخابات متعددة بعد عامين من الاتفاق مما أسس لحكم ديمقراطي، تم التركيز على إعادة بناء الإقتصاد من خلال الإصلاحات والمساعدات الدولية.

السلفادور:
استمرت الحرب الاهلية السلفادورية من ١٩٨٠ إلى ١٩٩٢ حيث قاتلت الحكومة ضد مجموعات يسارية وشيوعية، تصنف الحرب السلفادورية كحرب في إطار الحرب الباردة. أنهت إتفاقية سلام النزاع، تم إنشاء لجنة حقيقة، نزع السلاح ودمج المقاتلين في المجتمع، ساعد الدعم الدولي الكبير في تسهيل التحول. وصلت السلفادور إلى ديمقراطية ولكنها مُهدَدة حالياً.

سيراليون:
عانت من حرب أهلية من ١٩٩١ إلى ٢٠٠٢ تضمنت فظائع واسعة النطاق وتجنيد الأطفال. انتهت الحرب باتفاق سلام في ١٩٩٩ وتم تحقيق السلام الشامل في ٢٠٠٢، ولكن نقطة التحول الرئيسية كانت تدخل قوات غرب افريقيا عسكرياً. تم نزع السلاح وإعادة الدمج، عالجت لجنة الحقيقة والمصالحة الانتهاكات وعززت المصالحة، أُنشئت المحكمة الخاصة بسيراليون بالإتفاق مع الأمم المتحدة لملاحقة من يتحملون أكبر قدر من المسوؤلية عن جرائم الحرب، أدانت هذه المحكمة وحاكمت تشارلز تايلور رئيس ليبريا المجاورة لتورطه بالتواطؤ ودعم الإنتهاكات. لعبت بعثة الأمم المتحدة في سيراليون دوراً حاسماً في الحفاظ على السلام والأمن. وصلت سيراليون إلى شئ من الديمقراطية ولا تزال تعاني من الفساد وإنتهاكات حقوق الإنسان.

ما نجح في دول أخرى ليس بالضرورة أن ينجح في السودان والعكس صحيح، ولكن العناصر المشتركة للتحولات الناجحة تتمثل في عمليات سياسية شاملة، آليات للعدالة الإنتقالية، إصلاح القطاع الأمني والعسكري، بناء المؤسسات، إعادة الإعمار الإقتصادي، والدعم الدولي، كما تتطلب قيادة قوية.

*تحديات السياق السوداني*

السياق السوداني مُفخخ بالعوامل الداخلية والخارجية المُناقضة لتحقيق سلام دائم وتحول ديمقراطي، ويبدو أن العوامل والتأثيرات الخارجية أصبحت هي العامل الأكثر تأثيراً على مسار الوصول لسلام دائم وتحول ديمقراطي.

*أهداف الرعاة والداعمين*

تورط الامارات، روسيا، إيران، وغيرهم في الدعم والتسليح لاطراف الحرب يُعقِد الوضع ويُضعف فرص الحل الداخلي، ويُناهض جهود التهدئة، بإعطاء الأطراف المتصارعة السلاح والذخيرة للاستمرار في الحرب، وتمديد زمن الوصول لنقطة الإرهاق وتهديد المصالح السلطوية والإقتصادية للمتصارعين. تسابُق القوى الخارجية على موارد البلاد كالذهب، الأراضي الزراعية، الموانئ، والحصول على قواعد عسكرية، يُساهم في تغذية الصراع. الوعود لروسيا بقاعدة بحرية عسكرية على البحر الأحمر، يُهدد الجيران ويُخاطر بإدخال البلاد في جحيم صراع دولي بالوكالة، يُشبه ما كان يحدث في الحرب الباردة، هذا إن لم تكن البلاد سقطت فيه بالفعل. كذلك فإن حرب أوكرانيا وغزة لها تأثير على الصراع بحيث يتعذر الوصول لإجماع دولي لإيقافه. إضافة لذلك فإن غياب كروت ضغط دولية مؤثرة على أطراف الصراع تُضعف تأثير المجتمع الدولي، وحتى الآن تبدو العقوبات الأمريكية والأوروبية على المتصارعين غير فعالة. كذلك فإن تقاطعات المصالح والديناميكيات المتغيرة بين الدول الإقليمية والدولية يُضعف الإجماع للوصول لسلام دائم.

*بنية وأدوار الفاعلين*

تبدو علاقة البرهان بالمؤتمر الوطني نفعية تبادلية أكثر من أن تكون إنتماءاً فكرياً، وتشبه علاقة البشير مع الإسلاميين في سنواته الأخيرة، فالبرهان بحاجة لقاعدة إجتماعية وحزبية للسيطرة هي الإسلاميين، والإسلاميين بدورهم بحاجة لإحكام السيطرة على الجيش رافعتهم الوحيدة للسلطة عبر البرهان وغيره من كبار ضباط الجيش المنتمين لهم فكرياً أو المتحالفين معهم. هذا التحالف التكتيكي المرحلي غير المستقر يُعيق السيطرة الكاملة على الجيش ويؤثر على قراره حرباً وسلماً ويُدلل على ذلك إنهيار مفاوضات المنامة. كذلك حلفاء الجيش الذين يقاتلون معه بصورة شبه مستقلة كالقوات المشتركة وكتائب الإسلاميين، قد تتبلور لديهم آراء مستقلة حال حدوث خلافات وتقاطعات في الأهداف والمصالح في مرحلة ما. ضُعف سيطرة الطرفين المتصارعين على قواتهما، من الممكن أن تؤدي لجيوب وبؤر مسلحة لا تستجيب لأوامر قيادتها، حال قررت القيادات أو جزء منها التفاوض أو الوصول لسلام، مما يؤدي إلى استمرار دائرة العنف.
رغم ممانعة الطرفين لوقف الحرب عند بدايتها، لإعتقاد كل طرف قدرته على السيطرة، إلا أن الديناميكيات المتغيرة للصراع قد تُقنعهم أو على الأقل أطراف منهم بوقف الحرب. الإسلاميون والبرهان وقيادات الجيش بسبب سيطرة الدعم السريع على مناطق واسعة وتمدده في عدد كبير من الولايات السودانية، وظهور بوادر لإنهيار الجيش مع ضعف الإمداد العسكري الخارجي. أما بالنسبة للدعم السريع فالإنتهاكات الواسعة نسفت شرعيته الضعيفة أصلاً تماماً، ونسفت دعاويه التي يسوغ بها للحرب لغالبية الشعب السوداني من غير حواضنه القبلية.
الوضع الحالي هو أن الطرفين لا يمكن الوثوق بهما للوصول لسلام دائم أو استعادة التحول المدني الديمقراطي، وفق قناعة وبإرادة صادقة، يأتي عدم الثقة هذا من كون الإسلاميين والدعم السريع هما جسمان سُلطويان استحواذيان بحكم بُنيتهم وطريقة وصولهم للسلطة، فقد وصلا للسلطة بقوة السلاح، واستخدما السلطة والسلاح للاستحواذ على موارد البلاد، فبالتالي هذه هي طريقتهم وما يعرفانه عن السلطة. طبيعة المتصارعين السلطوية الاستحواذية تعيق الوصول لسلام دائم، فطبيعة هذا الصراع هو تفتت الجسم العسكري، المشوه أصلاً، بناءاً على أطماع سلطوية استحواذية، وليس بغرض قضايا ثورية أو مطلبية أو لدفع تظلمات أو نتيجة تظلمات سابقة، مما يصعب الوصول لإتفاق. في حالة وصولهم لتهدئة في الغالب ستكون مؤقتة، ريثما يتربصان ببعضهم البعض، كذلك فإن السياق الإقليمي وربما الدولي الرافض للإسلاميين، سيمنع أي إتفاق يُعيد إسلاميو بورتسودان وإسلاميو الدعم السريع للسلطة، إلا ربما في حالة استثنائية واحدة هي تهديد الصراع للسلم والأمن الإقليمي والدولي يتمثل في تهديد أمن الدول المجاورة، وبداية هجرة غير شرعية بأعداد كبيرة من ضحايا الصراع إلى أوروبا. لذلك قد تتجه الأطراف الخارجية لشكل من التسوية السريعة لتهدئة الأوضاع، ولكنها في الغالب ستكون تهدئة مؤقتة لأنها لكن تخاطب جذور المشكلة كما حدث سابقاً في الوثيقة الدستورية. كذلك فإن بنية المتحاربين السلطوية الاستحواذية والديناميكيات الإقليمية والدولية المتغيرة تهدد بتجدد الصراع في أي وقت.
رغم أن الكثير من الأطراف المدنية السودانية لم تتورط في الصراع بصورة مباشرة وتنادي بوقف الحرب، إلا أنها تعاني أيضاً من مشاكل ذاتية عميقة شأنها شأن أطراف النزاع المسلحة، مما يعيق الوصول لسلام دائم. تعاني القوي السياسية المدنية من مشاكل ذاتية عميقة، فهم فسيفساء تتراوح من الإيدولوجيات إلى الطائفية إلى الليبرالية، إلى كيانات لا يستطيع أن يُحدد المُتابِع هل هي أحزاب مدنية أم حركات تحرر ومقاومة مسلحة، ولكل مشاكله الذاتية ولكنهم يشتركون في أن الغالبية تنظيمات غير ديمقراطية تُقرر فيها القيادة منفردة نيابة عن العضوية، كما أصبح إنقسام هذه القوى من العادات التقليدية. القوى الثورية الشبابية كلجان المقاومة ورغم أن شكلها التنظيمي الأفقي كان من مميزاتها عند الثورة وبعدها، إلا أن عدم وجود قيادة واضحة، هو عائق عند تمثيلها للتفاوض، وكذلك هي أيضاً أصيبت بعدوى الإنقسام، ومحاولات السيطرة عليها حزبياً. هذه النخب المدنية، إن جازت التسمية، من الصعب جمعها على طاولة واحدة، فالقضية ليست مجرد مسألة اختلافات فقط ولكن عدد من أفرادها يفتقد الحد الأدنى من الوطنية والأخلاق، وعدد منهم يسعى وراء مصالحهم التنظيمية والشخصية، وهي نفسها تعاني من الشمولية واحتكار الرأي داخلها. معظم ھذه التنظيمات المدنية التي يُنتظر منھا إنتاج رؤية مشتركة لإنقاذ السودان من المأزق الحالي، ھي نفسھا في حاجة إلى إنقاذ من أزماتھا ومعضلاتها البنيوية والهيكلية والوظيفية. كذلك مع تطاول الدكتاتورية والشمولية، وإنغلاق القوى المدنية على نفسها، وإختراقها أمنياً، أصيب عدد من القوى المدنية بداء صعود شخصيات ضعيفة فِكرياً وغير مبدئية، صعدت الهرم عبر المؤامرات، وتنظر للسياسة على أنها القدرة للوصول ولو بالتآمر والتحايل غير الأخلاقي والمبدئي وسهولة تغيير المواقف، وإبعاد الشخصيات المؤهلة والموهوبة، وغيرها من الأساليب القذرة، فأصبح عدد ممن في المشهد الحالي هم من متوسطي أو عديمي التأهيل والموهبة الفكرية، وضعيفو الوطنية، وعديمو الإحساس بالفقراء والمظلومين من السودانيين، وذوي رؤية محدودة، وذاتيون، أو موهوبون وذوي قدرات فكرية ولكنها مُستغلة من أجل الذات والتنظيم وليس المصلحة العامة، أو ذوي قدرات في مجالات معينة ونوايا مخلصة ولكن تلازمهم سذاجة سياسية وسؤ تقدير.

*موقع السودان الجيوستراتيجي وسياقه الإقليمي*

تاريخياً لم يستغل السودانيون موقع بلادهم المميز، بل أصبح خصماً على استقرار البلاد خصوصاً في هذه الحرب. السودان واسع المساحة وتصعب إدارته بنظام هش وضعيف، فهو يأتي في المرتبة ١٦ عالمياً رغم إنفصال الجنوب، حيث كان في المرتبة العاشرة عالمياً. هذه المساحة الكبيرة لدولة هشة وضعيفة تُصعِب من السيطرة على الحدود، خصوصاً ومعظمها حدود سهلية منبسطة دون موانع طبيعية، مما يصعب عملية ضبط الحدود. يجعل ذلك من الصعب نشر قوات دولية أو أفريقية أو أياً كانت في كل هذه المساحة الواسعة من الأرض الغارقة في العسكرة مع أطنان من السلاح.
موقع السودان وسياقه الإقليمي، خصوصاً العربي، رافض للديمقراطية تماماً ويخشى عدواها، وهنالك إجماع حالي على منع الإخوان المسلمين من الحكم، فبالتالي جُل التدخلات الإقليمية، وجزء من التدخلات الدولية تقع في إطار تعزيز النفوذ عبر تعزيز شموليات ودكتاتوريات أو تحويل البلدان إلى أجزاء مقسمة تابعة إقليمياً كما يحدث في ليبيا، أو ربما يتم تحويلها لممالك أسرية، ولا يهمهما ما يحدث للسودانيين حالياً من المآسي ما لم تؤثر هذه الحرب على هذه الأنظمة بصورة مباشرة قوية.

تحديات السياق السوداني الداخلية والخارجية صعبة ومعقدة بسبب بنية المتصارعين، النخب المدنية المنقسمة، موقع السودان الإقليمي ومساحته الواسعة، مما قد يعيق الوصول لسلام دائم في المستقبل القريب ما لم تُعالج هذه التحديات

بقلم محمد خالد

mkaawadalla@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: کما یجب أن سلام دائم هذه الحرب فی حالة التی ی

إقرأ أيضاً:

هل نُزع فتيل الحرب بين إيران والاحتلال الإسرائيلي بعد الهجمات الأخيرة؟

لا تزال التوترات مترفعة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي على خلفية التصعيد العسكري المتبادل بين الجانبين خلال الشهر الماضي، لكن الأمر لم تصل الأمور إلى مواجهة شاملة، إذ تتجنب الدولتان الانخراط في حرب تقليدية خشية التداعيات الإقليمية والدولية الخطيرة.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أشارت فيه إلى أن ما يقرب من شهر قد مر منذ أرسلت إسرائيل أكثر من 100 طائرة مقاتلة ومسيّرة لضرب القواعد العسكرية الإيرانية، وما زال العالم ينتظر ليرى كيف سترد إيران.

وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه توقف محمل بالأحداث في الصراع الخطير هذا العام بين القوتين في الشرق الأوسط.

وأشارت إلى أن الهجوم المضاد الإسرائيلي جاء بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من إطلاق إيران لأكثر من 180 صاروخا باليستيا - تم إسقاط معظمها - في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر للانتقام لمقتل اثنين من كبار قادة حزب الله وحماس.


وجاءت أول موجة من الضربات في نيسان/ أبريل، عندما قررت إيران الانتقام من هجوم على أحد مجمعاتها الدبلوماسية بقصف إسرائيل مباشرة بما لا يقل عن 300 صاروخ ومسيّرة. وحتى ذلك الحين، انتظرت إسرائيل أياما، وليس ساعات، للرد.

قبل فترة ليست طويلة، ربما توقع المحللون أن أي ضربة مباشرة من جانب إيران على إسرائيل، أو من جانب إسرائيل على إيران، من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع حريق فوري. لكن الأمر لم يحدث بهذه الطريقة.

ويرجع هذا جزئيا إلى الدبلوماسية المحمومة وراء الكواليس من قبل الحلفاء بما في ذلك الولايات المتحدة والسعودية وقطر والإمارات. لكن الضربات المحدودة المدروسة تعكس أيضا حقيقة مفادها أن البديل - حرب "الصدمة والرعب" بين إسرائيل وإيران - يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة ليس فقط على المنطقة ولكن أيضا على جزء كبير من العالم، وفقا للتقرير.

ونقلت الصحيفة عن جوليان بارنز ديسي، مدير الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قوله "يبدو أن طبيعة الهجمات تتحدث عن اعتراف مشترك بالخطر الحاد المتمثل في اندلاع حرب إقليمية أعمق لا يزال الجانبان يرغبان في تجنبها على الأرجح".

وأشار إلى أن هذا لا يعني عدم وجود مخاطر على النهج الحالي. وقال: "إنه مسار محفوف بالمخاطر وغير مستدام على الأرجح وقد يخرج عن السيطرة بسرعة. وهناك أيضا احتمال أن تكون إسرائيل أكثر تعمدا في التدرج على سلم التصعيد بنية القيام بشيء أوسع وأكثر حسما في نهاية المطاف".

في رسالة فيديو الأسبوع الماضي، بدا رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكأنه يحذر من أنه قد يزيد من حدة الصراع إذا ما ضربت طهران مرة أخرى. وقال نتنياهو: "كل يوم تزداد إسرائيل قوة. ولم ير العالم سوى جزء ضئيل من قوتنا".

وذكرت الصحيفة أن الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل لا تشبه كثيرا الحرب المعروفة باسم الصدمة والرعب ــ استخدام القوة النارية الساحقة والتكنولوجيا المتفوقة والسرعة لتدمير القدرات المادية للعدو وإرادته للمقاومة ــ والتي تم تقديمها لأول مرة كمفهوم في عام 1996 من قبل خبيرين عسكريين أميركيين.

ربما كان أبرز مظاهرها هو وابل الغارات الجوية التي بدأت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، والتي أعقبتها قوات برية أرسلت صدام حسين إلى الاختباء. ولكن تكتيكاتها الأساسية استُخدمت في وقت سابق، في حرب الخليج عام 1991، وكذلك في الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001.

سيكون من الصعب تنفيذ حرب الصدمة والرعب في هذا الصراع الحالي في الشرق الأوسط، حيث من المرجح أن يتطلب إطلاق القوات البرية المزيد من الأصول البرية والجوية والبحرية أكثر مما قد ترغب إسرائيل أو إيران في نشره عبر مئات الأميال التي تفصل بينهما، حسب التقرير.

ولفتت الصحيفة إلى أن هناك أيضا نقاش مستمر في الدوائر العسكرية حول ما إذا كان هجوم الصدمة والرعب لا يزال قابلا للتطبيق. زعم رئيس هيئة الأركان المشتركة المتقاعد، الجنرال مارك ميلي، وإريك شميت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، في تحليل في آب/ أغسطس لمجلة "فورين أفيرز"، أن الأسلحة المستقلة والذكاء الاصطناعي يحولان الحرب. وكتبا: "لقد انتهى عصر حملات الصدمة والرعب - حيث يمكن لواشنطن أن تدمر خصومها بقوة نيران ساحقة".

ورد محللان في مركز الدراسات الاستراتيجية للبحرية الملكية البريطانية، الشهر الماضي، بأن حرب الصدمة والرعب تتطور، ولم تنته، وأشارا إلى الهجمات التي شنتها إسرائيل باستخدام أجهزة النداء واللاسلكي ضد حزب الله في لبنان. فقد قُتل العشرات وجُرح الآلاف، لكن الخوف الذي أحدثته الهجمات كان بمثابة ضربة نفسية للجماعة المسلحة. وبعد أسبوعين، قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية حسن نصر الله، زعيم حزب الله منذ فترة طويلة.

وكتبا: "بعيدا عن كونها شيئا من الماضي، يجب أن تكون الصدمة والرعب جزءا لا يتجزأ من نهجنا للحرب متعددة المجالات".

لعقود من الزمان، كانت إيران وإسرائيل منخرطتين في حرب خفية، حيث نفذت إسرائيل هجمات سرية واعتمدت إيران على الميليشيات بالوكالة في العراق ولبنان وسوريا واليمن كقوات خط المواجهة.


وفقا للتقرير، فقد تغير كل ذلك في الأول من نيسان/ أبريل. في حين تم اعتراض جميع الصواريخ والمسيّرات التي وجهتها إيران إلى إسرائيل تقريبا، كانت الضربات الجوية هي المرة الأولى التي هاجمت فيها طهران إسرائيل مباشرة من الأراضي الإيرانية.

وذكرت الصحيفة أن ذلكا وضع المسؤولين في جميع أنحاء العالم في حالة تأهب لحرب إقليمية أوسع. بعد ساعات من الضربات، قال الجنرال حسين سلامي، القائد العام لحرس الثورة الإسلامية الإيراني، إن إيران قررت إنشاء "معادلة جديدة" في صراعها المستمر منذ سنوات مع إسرائيل.

ولكن حتى الآن، تم تنفيذ الصراع فقط بضربات صاروخية دقيقة للغاية، استهدفت بشكل أساسي القواعد العسكرية في بلد الطرف الآخر.

وقال فرزان ثابت، المحلل السياسي المتخصص في شؤون إيران والشرق الأوسط في معهد جنيف للدراسات العليا في سويسرا، إن وابل الهجمات الصاروخية المحدود بدا وكأنه يشير إلى نوع جديد من الحرب.

وقال ثابت: "إن الضربات الدقيقة ليست جديدة، ولكن استخدامها على هذا النطاق كقطعة مركزية [في الصراع] أمر جديد".

ومع ذلك، قال: "ربما لم نر أسوأ ما في الأمر"، مشيرا إلى أن طهران أشارت مؤخرا إلى استعدادها لضرب مصادر الطاقة الرئيسية في إسرائيل - بما في ذلك حقول الغاز ومحطات الطاقة ومحطات استيراد النفط - إذا تم ضرب البنية التحتية المدنية الإيرانية. وقال ثابت: "سيكون هذا عنصرا جديدا".

وقال هو ومحللون آخرون إن الضربات الجوية حتى الآن، جنبا إلى جنب مع التحذيرات العامة التي سبقتها، كانت جزءا من حملة ردع من قبل الدولتين لمحاولة منع الصراع من الخروج عن السيطرة، حسب التقرير.

ونقلت الصحيفة أساف أوريون، العميد الإسرائيلي المتقاعد واستراتيجي الدفاع في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قوله إن "الأمر أشبه بـ 'أنا أصفع، وبالتالي تحصل على صفعة، حتى تفهم، وبالتالي يمكنك الآن أن تقرر ما إذا كنت تريد التراجع أو التصعيد'". وأضاف: "الحقيقة هي أن كلا الطرفين يأخذان وقتهما في الحساب والتعاون وتشكيل عملياتهما".

وفي حين لم تستخدم إسرائيل الصدمة والرعب التقليديين ضد إيران، إلا أنها كانت أقل تحفظا في هجماتها على وكلاء إيران، حزب الله وحماس، كما أظهرت هجمات أجهزة النداء. 

لكن إيران نجت من حجم الموت والكوارث الإنسانية التي فرضتها إسرائيل على وكلائها. حتى أنها سعت إلى تصوير هجماتها الصاروخية ضد إسرائيل على أنها نجاح باهر.

وقال ثابت إن طهران بدت مهتمة بإظهار عدد الضربات "المذهلة" التي شنتها ضد إسرائيل لجمهورها بقدر ما تهتم بعدد الضربات التي أصابت أهدافها.


وأضاف "تحاول إيران أن تكون لها الكلمة الأخيرة، بشكل ما. إنها تريد أن تظهر الرد، وتظهر لجمهورها المحلي والإقليمي أنها فعلت شيئا، لكنها لا تريد تصعيد الصراع".

لكنه أضاف: "لست متأكدا من أن هذا سينجح".

أشارت الصحيفة إلى أن الهجمات الإسرائيلية المنهكة على حزب الله وحماس، والتي اعتمدت عليها إيران منذ فترة طويلة لما تسميه الدفاع الأمامي، تشكل ضربة لطهران. ولكن إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب، الحليف القوي لنتنياهو، يغير المعادلة مرة أخرى.

فقد التقى أحد مستشاري ترامب المقربين، الملياردير إيلون ماسك، الأسبوع الماضي بسفير إيران لدى الأمم المتحدة في ما وصف بأنه محاولة افتتاحية لنزع فتيل التوترات بين طهران والرئيس الأمريكي القادم.

ولكن من المتوقع على نطاق واسع أن يجعل ترامب السياسة الخارجية الأمريكية أكثر ملاءمة لإسرائيل، وأن يحشد حكومته بالصقور تجاه إيران. وقد يؤدي هذا إلى نقل الحرب بين إيران وإسرائيل إلى أرض جديدة، وفقا للتقرير.

مقالات مشابهة

  • هل نُزع فتيل الحرب بين إيران والاحتلال الإسرائيلي بعد الهجمات الأخيرة؟
  • سلام اتصل بنظيره الاسباني شاكرا لبلاده الدعم والتضامن مع لبنان
  • مصدر سياسي:طهران أبلغت واشنطن بأ
  • مبارك الفاضل: الشعب السوداني وقع ضحية الصراع الدولي وهو ينزف وينزح دون وجيع
  • التفرقة والوحدة: دروسٌ من توحد اليهود وصراعات الأُمَّــة
  • خسائر لبنان بسبب الحرب تقترب من 20 مليار دولار
  • مبعوث بايدن إلى لبنان: إنهاء الصراع بات «في متناول اليد»
  • بالأرقام.. وزير الإقتصاد يكشف عن خسائر الإقتصاد بسبب الحرب
  • دعا لـ "سلام عادل".. زيلينسكي يحيي ذكرى مرور ألف يوم على حرب روسيا
  • خبير: بايدن يحاول وضع ترامب في مأزق بسبب الحرب «الروسية - الأوكرانية»