سودانايل:
2025-01-31@04:09:24 GMT

في محبة بروف مهدي امين التوم

تاريخ النشر: 11th, July 2024 GMT

بسم الله الرحمن الرحيم
المعلم والاستاذ مهدي امين التوم من الشخصيات النادرة التي ينطبق عليها وصف، حيازة المجد من اطرافه. فهو من ناحية اكاديمية ارتقي اعلي الدرجات، اكسبته حصيلة معرفية في اختصاصه، تظل ذخر لكل مرتادٍ لمجاله. ومكنته كذلك من الاسهام في تعليم وتاهيل اجيال عديدة لاداء مهامها الوظيفية كاحسن ما يكون، بدلالة تميُّزه الذي لا تخطئه العين المنصفة.


وعندما يضاف لهذا التميُّز الاكاديمي سلوك مهذب وتواضع كبار العلماء، يشكل ذلك قدوة فريدة، ترسل رسائل تربوية وقيمية شديدة التاثير، تصبح سندا في الحياة وحصانة ضد تقلباتها لمن يلتقطها وياخذ بها من طلبته والمحيطين به. وفي هذا المقام تعود بي الذاكرة الي مجمع شمبات، والمكوث بكل احترام واجلال امام واحد من اساطين وافذاذ العلماء. شخصية كلها عذوبة وطيبة وجمال وظرف يضفيه علي كل مكان او مجلس يتواجد به، الا وهو بروف عامر محمد صالح. ويا ليت امثال هؤلاء الرموز تجد من يوثق لمسيرتها المهنية والانسانية، اقلاه تلطفيا لاجواء السياسة المحتقنة والبائسة والمحبطة علي الدوام. اي ان نجد بؤر نجاح مشرفة وسط كل هذا الفشل المحيط. خاصة وهو نجاح نُحت علي الصخر ولم ياتِ مصادفة او فهلوة او عبر بندقية طويلة وحلقوم عريض ومتاجرة رخيصة بقضايا حساسة وعذابات البسطاء. ولذلك كان له مردود اجتماعي وتنموي ووطني مما يمكث في الارض وينفع الناس.
والجانب الآخر المشرق من حياة البروف، هو قربه من الوسط السياسي وانحيازه للتوجه الديمقراطي والدولة المدنية. وساعده علي ذلك الاحتكاك بكبار السياسيين في العهود السابقة. وهي عهود تعتبر ذهبية اذا ما قارنها بالفوضي العارمة التي ضربت اطنابها في الوسط السياسي والحياة بصفة عامة، منذ ان اطل علينا عصر الانقاذ الارهابي المظلم. ليتصدر المشهد امثال البشير وقوش الي ان وصلنا مرحلة البرهان وكباشي والعطا وآل دقلو، وما يحيط بهؤلاء من مستشارين ومناصرين في غاية الانتهازية وتدني منسوب الكفاءة وموت الضمير، وهو ما يجيز وصفه بعهد الصعلكة السياسية، وليس مستغرب والحال كذلك الانجرار الي هذه الحرب الوحشية.
المهم التواجد في هذا الوسط منذ وقت مبكر، مكنه من الالمام بشئون السياسة وخبايا الساسة عن قرب. الشئ الذي ساعده في طرح آراء سياسية في غاية الموضوعية، والاهم من منظور انساني يبتغي توفير الرعاية والكرامة لكافة المواطنين والسلامة والاستقرار للبلاد، من دون الانخداع بالشعارات الكبري والطموحات الطوباوية. اي ما يمكن وصفه بنصير الواقعية السياسية، التي يشغلها رفع العبء عن كاهل المواطنين باعجل ما تيسر وباقل كلفة، وليس انتظار النقلة الكبري من واقع البؤس الي جنة الرفاه المشتهاة علي البساط السحري.
ويبدو ان هذه الواقعية السياسية اذا صح الوصف وانطبقت علي شخصيتنا المحبوبة، مردها واقع خبراته ومعايشته عن قرب لتمرحلات العملية السياسية وانحدار مردودها الايجابي باستمرار. وذلك لانشغالها بالمظاهر والشعارت وهوس السلطة وتصلب المواقف التي تُخلط بالمبادئ، اكثر من انشغالها بالهموم المعيشية ولكن الاساسية للمواطنين. الي ان وصلت البلاد الي ما تعانيه راهنا، بعد ان تسيدها كما سلف انصاف السياسيين وكامل الجهلاء العسكريين.
وهو ما دعا البروف الي طرح طريق بديل منذ وقت مبكرا، وهو تفويض امرنا للامم المتتحدة لانقاذ ما يمكن انقاذه. وكما ذكرت في مادة سابقة فقد كُنت من الناقمين علي هذا الطرح (حماس شباب في حينها) واعتبرته نوع من الهروب من الساحة وتخلٍ عن المسؤولية او احساس بالدونية والتابعية التي لا تليق بدولة مستقلة! لاكتشف في نهاية المطاف وبعد خراب مالطة، كم كان البروف مستبصرا وعالما بمحصول حصادنا السياسي البائر، وافتقادنا لمؤهلات وقناعات وتضحيات القيام بشئون الدولة والاضطلاع بمسؤولية الحكم! وكم كنا خاضعين لوطأة الشعارات البراقة والكلمات الكبيرة (الوطنية والاستقلال) والتي قد تكون جميلة ومبهرة من ناحية المشاعر، ولكنها عمليا وعلي ارض الواقع ليس لها وجود، او بالاصح لم نملك دولتنا يوما ، لنديرها جميعا كما نشاء (استقلال) او نحدد مصيرنا كما نريد (المواطنة)! بعد ان خضعنا لحكم اوصياء الداخل من قادة الجيش وحاضنتهم العقائديين، ليسومنا سوء العذاب، سواء من جهة سوء استخدام السلطة او اهدار الموارد او تدمير كل فرص النهوض والتقدم! والمفارقة انه عند المقارنة بين حكم العسكر وحكم الانجليز، رغم ان الاول يقع تحت مظلة ما يسمي بالاستقلال والآخر تحت بند الاحتلال، إلا ان الكفة تميل لصالح الاخير، سواء من ناحية تقديم الخدمات وجودتها او الموارد وادارتها او الموضوعية في التعامل مع السلطة!
وكل ما سلف يقول بشكل صريح ومن غير تحيُّز، ان طرح البروف يستند علي تجارب عملية وليس مجرد طرح نظري انهزامي. وما يثبت ان طرحه كان متقدم علي غيره، وكأنه يتمتع بحس تنبوئي، ليس ما جرتنا اليه هذه الحرب من فقدان مصيرنا وتهديد بلادنا برمتها وليس فقدان الاستقلال فحسب، وانما ذات الدعوة اصبحت تاتي من كل الجهات، وكانها الخلاص الوحيد من هذه الحرب الوحشية، التي يخوضها الطرفان علي جماجم الشعب دون احساس بالذنب او المسؤولية.
كما ان طرح البروف لو فُهم بطريقة صحيحة، لا يدعو لدعوة طوعية للاحتلال (دولة بعينها)، وانما نوع من الادارة الاممية، يُسند لها دور تنظيم البلاد واعدادها دستوريا، حتي تسهُل ادارتها وتٌحسم مسالة السلطة، التي شكلت كعب اخيل في تدمير هذه البلاد. اي كل المطلوب مرحلة انتقالية تنقلنا من خانة الاستقطاب والصراعات العدمية علي السلطة، الي طريقة ادارة دولة واسلوب حكم متفق عليه، ومعلوم كيفية الادارة والوصول الي الحكم. وذلك بعد ان اثبتت التجارب اننا كسودانين نميل للتعصب وسرعة الانفعال والغضب والاستعداد لممارسة العنف والانتصار للذات وعدم الاعتراف بالاخطاء والتقصير، والاسوأ بناء تصورات ذاتية للآخر وغالبا سلبية، والبناء عليها في اصدار الاحكام! وكل ذلك يتنافي مع مؤهلات القيادة وفن الادارة من جانب القادة والاداريين. وصعوبة الانقياد والخضوع للمعايير الموضوعية كالنظم والقوانيين واللوائح من جانب الجمهور. ومحصلة ذلك ما لا يمكن معالجته بسهولة او ان نقوم به بانفسنا!
ويبدو ان الميل للحلول الجذرية الذي يسم معظم النشطاء والاحزاب السياسية العقائدية، هو انعكاس لاستسهال المسؤوليات والاستهانة بالتحديات، وهو ما اوقعنا في مستنقع الانقلابات العسكرية، التي غالبا ما تجد في تلك الاحزاب السالف ذكرها، سند ونسب بحكم المنظار الضيق للقضايا والطرح الشامل للحلول! لدرجة ان كلمة تسوية (لُب السياسة) اصبحت سُبة وعار او مرادفة للاستسلام، رغم انها ارقي وسيلة لحل الصراعات وتجنب المسلحة منها.
وقد يري البعض ان طرح البروف فيه شئ من المثالية، النابعة من شدة خوفه علي مصير البلاد والعباد، ورغبته في رؤية تحسن الاوضاع كواقع ملموس وليس كحلم مؤجل. ولكنه يفتقر لوسائل تنزيله علي الارض، بسبب عوائق لوجستية اذا جاز التعبير، بما فيها الكيفية والمواعين المستوعبة في ظل عدم التوافر علي شئ من ذلك التفويض ضمن مهام ومسؤوليات الامم المتحدة، كما فهمنا من الناقدين لطرحه! ولكن ما يعيب اولئك الناقدون انهم لم يقدموا البدائل! والاهم ان من يتفق مع مبادرته التي نال بها قصب السبق والاصرار عليها بمثابرة يحسد عيها، انهم لم يؤطروها في شكل مشروع متكامل، يستقطب بسهولة المناصرين، عسي ولعل تتحول الي تيار سياسي قادر بدوره علي التخلص من كل العوائق، بما فيها ايجاد بدائل او وسائل ضغط تدفع في نجاح المشروع دوليا، او اقلاه تسحب البساط من اولئك الذين يفرضون علينا انفسهم من غير تفويض او مؤهلات سواء في السلطة او المعارضة.
المهم يحسب للبروف ليس طرح مبادرته، ولكن تحليه بالشجاعة في طرحها رغم تصادمها مع نوع من القداسة الممنوحة لمدركا الاستقلال والوطنية، والحساسية المفرطة في التعامل مع المجتمع الدولي الذي يوصف بالامبريالية. ويظهر نضج وثقة البروف، في انه لا يجهل ان العلاقة من المجتمع الدولي تكتنفها الكثير من الشكوك والاحباطات والمخاوف، ولكن ذلك لا يمنع التعامل معه والاستفادة منه، طالما ذلك اصبح لغة العصر والقدر الذي يصعب الافلات منه. اي الافضل ليس العزوف العاطفي والرفض المطلق ولكن التعامل بحذر وحيطة والاستفادة حيثما ما كان ذلك ممكنا.
وكقارئ محب للبروف امين التوم، بقدر ما اشعر بالحزن والاسف لاعلانه اعتزال الكتابة، بقدر ما اشعر بالفخر والاعتزاز ان منحتنا هذه البلاد رغم محنها وانكساراتها واشرارها، رموزا علي هذا القدر من الجمال والعطاء والنبل. بل من يُعطي نعمة واحدة كنعمة العقل فهو ينعم بالكثير، ومن يوظفها للمنفعة العامة فقد قام بواجبه واكثر. فما بالك من وهب اضافة للعقل الكبير القلب الاكبر، الذي يفيض محبة لهذه البلاد وانسانها. وهو ما دعاه طوال مسيرته ان يوظفهما (المعرفة/الانسانية) لخدمة شعبه وبلاده. ويا له من عطاء يليق بجلال العظماء ويستحق منا كامل الوفاء. وليمتعك الله بالصحة والعافية، ويلطف بهذه البلاد التي طال عناءها.
واخيرا
يمكن تلخيص مسيرة بروف مهدي امين في صلته بابناء شعبه وعلي الاخص نخبته (لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي). ودمتم في رعاية الله.

عبدالله مكاوي

abdullahaliabdullah1424@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هذه البلاد وهو ما

إقرأ أيضاً:

الثورة الرأسمالية التي تحتاجها إفريقيا

في السنوات القادمة ستصبح إفريقيا أكثر أهمية مقارنة بأي وقت آخر في العصر الحديث، فخلال العقد المقبل من المتوقع أن ترتفع حصتها من سكان العالم إلى 21% من 13% في عام 2000 و9% في عام 1950 و11% في عام 1800، ومع تزايد شيخوخة سكان باقي العالم ستتحول إفريقيا إلى مصدر بالغ الأهمية للعمل، فأكثر من نصف الشباب الذين يلتحقون بالقوة العاملة العالمية في عام 2030 سيكونون أفارقة.

هذه فرصة عظيمة لأفقر القارات، لكن لكي تنتهزها بلدان القارة (54 بلدا) سيلزمها أن تفعل شيئًا استثنائيًا وهو التخلص من ماضيها ومن أرثوذكسية الدولة الكئيبة التي تُمسِك بخناق أجزاء كبيرة من العالم (تقصد الإيكونومست بأرثوذكسية الدولة الاعتقاد التقليدي بمركزية الدولة وهيمنتها على الاقتصاد والمجتمع والسياسة وجعل هذه الهيمنة أساسا للحكم وتنظيم الحياة - المترجم). سيلزم قادة إفريقيا تبني الأنشطة الإنتاجية الخاصة والنموَّ وحرية الأسواق. إنهم بحاجة إلى إطلاق ثورة رأسمالية.

إذا تابعتَ التطورات في إفريقيا من بعيد ستكون مدركًا لبعض متاعبها كالحرب المدمرة في السودان وبعض جوانبها المضيئة كالهوس العالمي بموسيقى «آفروبيتس» الإفريقية التي ارتفع معدل بثها عبر منصة «سبوتفاي» بنسبة 34% في عام 2024، وما يصعب استيعابه واقعُها الاقتصادي الصادم الذي وثقته الإيكونومست في تقرير خاص نشرته هذا الشهر وأسمته « فجوة إفريقيا»

التحولات التقنية والسياسية التي شهدتها أمريكا وأوروبا وآسيا في العقد الماضي لم تؤثر إلى حد بعيد على إفريقيا التي تخلفت كثيرا وراء الركب. فدخل الفرد في إفريقيا مقارنة بالدخل في باقي العالم هبط من الثلث في عام 2000 إلى الربع. وربما لن يكون نصيب الفرد من الإنتاج عام 2026 أعلى عن مستواه في عام 2015. إلى ذلك أداء عملاقين إفريقيين هما نيجيريا وجنوب إفريقيا بالغ السوء. بلدان قليلة فقط مثل ساحل العاج ورواندا تجنبت ذلك.

خلف هذه الأرقام يوجد سجل بائس لركود الإنتاجية. فالبلدان الإفريقية تشهد تحولا كبيرا بدون تنمية. فهي تمر عبر اضطرابات اجتماعية مع انتقال الناس من المزارع إلى المدن دون أن يترافق ذلك مع ثورات زراعية أو صناعية، وقطاع الخدمات، الذي يجد فيه المزيد من الأفارقة فرص عمل، أقل إنتاجا مقارنة بأي منطقة أخرى. وهو بالكاد أكثر إنتاجا في الوقت الحالي من عام 2010.

البنية التحتية الضعيفة لا تساعد على ذلك، وعلى الرغم من كل الحديث عن استخدام التقنية الرقمية والطاقة النظيفة لتحقيق قفزة إلى الأمام تفتقر إفريقيا إلى مستلزمات القرن العشرين الضرورية للازدهار في القرن الحادي والعشرين. فكثافة طُرُقِها ربما تراجعت، وأقل من 4% من الأراضي الزراعية مَرويَّة ويفتقر نصف الأفارقة تقريبا جنوب الصحراء إلى الكهرباء.

للمشكلة أيضا بُعدٌ آخر لا يحصل على تقديرٍ كافٍ. فإفريقيا «صحراء» من حيث توافر الشركات. في السنوات العشرين الماضية أنتجت البرازيل شركات تقنية مالية عملاقة وإندونيسيا نجوما تجارية وتحولت الهند إلى الحاضنة الأكثر حيوية لنمو الشركات في العالم. لكن ليست إفريقيا. فهي لديها أقل عدد من الشركات التي تصل إيراداتها على الأقل إلى بليون دولار مقارنة بأي منطقة أخرى في العالم، ومنذ عام 2015 يبدو أن هذا العدد قد تقلص، المشكلة ليست في المخاطر ولكن في الأسواق المبعثرة والمعقدة التي أوجدتها كل هذه الحدود السياسية الكثيرة في القارة، فبورصات إفريقيا المُبَلْقَنة (المجزَّأة) ليست جاذبة للمستثمرين.

وتشكل إفريقيا 3% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم لكنها تجتذب أقل من 1% من رأسماله الخاص.

ما الذي يجب أن يفعله قادة إفريقيا؟ يمكن أن تكون نقطة البداية التخلي عن عقود من الأفكار الرديئة. تشمل هذه الأفكار تقليد أسوأ ما في رأسمالية الدولة الصينية التي تتضح نقائصها والركون إلى الإحساس بعدم جدوى الصناعة التحويلية في عصر الأتمتة ونسخ ولصق مقترحات تكنوقراط (خبراء) البنك الدولي.

النصائح الجادة التي يقدمها البليونيرات الأمريكيون عن السياسات الكلية من استخدامٍ للناموسيات (للوقاية من الملاريا) وإلى تصميم ألواح الخلايا الكهروضوئية مقبولة. لكنها ليست بديلًا لإيجاد ظروف تسمح للشركات الإفريقية بالازدهار والتوسع.

إلى ذلك، هنالك نمط خطير من التفكير التنموي الذي يوحي بأن النمو لا يمكنه التخفيف من الفقر أو أنه ليس مهما على الإطلاق طالما هناك جهود للحد من المرض وتغذية الأطفال والتلطيف من قسوة الطقس. في الحقيقة في كل الظروف تقريبًا النمو الأسرع هو السبيل الأفضل لخفض الفقر وضمان توفر موارد كافية للتعامل مع التغير المناخي.

لذلك يجب أن يتخذ القادة الأفارقة موقفا جادا تجاه التنمية. عليهم استلهام روح الثقة بالذات في التحديث والتي شوهدت في شرق آسيا في القرن العشرين وحاليا في الهند وأماكن أخرى.

هنالك بلدان إفريقية قليلة مثل بوتشوانا وإثيوبيا وموريتشوس التزمت في أوقات مختلفة بما أسماها الباحث ستيفان ديركون «صفقات التنمية». إنها اتفاق ضمني بين النخبة بأن السياسة تتعلق بزيادة حجم الاقتصاد وليس فقط النزاع حول اقتسام ما هو موجود. المطلوب المزيد من مثل هذه الصفقات النخبوية.

في الوقت ذاته على الحكومات بناء إجماع سياسي يحبذ النمو. والأمر الجيد وجود أصحاب مصلحة أقوياء حريصين على الدينامية الاقتصادية. فهناك جيل جديد من الأفارقة الذين ولدوا بعد عدة عقود من الاستقلال. إنهم أكثر اهتماما بمستقبلهم المهني من عهد الاستعمار.

تقليص «فجوة إفريقيا» يدعو إلى تبني مواقف اجتماعية جديدة تجاه النشاط الاقتصادي الخاص وريادة الأعمال مماثلة لتلك التي أطلقت النمو في الصين والهند. فبدلا من تقديس الوظائف الحكومية أو الشركات الصغيرة يمكن للأفارقة إنجاز الكثير مع المليارديرات الذين يركبون المخاطر باتخاذ قرارات استثمارية جريئة.

وتحتاج البلدان الإفريقية كل منها على حِدة إلى الكثير من البنى الأساسية من الموانئ والى الكهرباء وأيضًا المزيد من التنافس الحر والمدارس الراقية.

هناك مهمة أخرى ضرورية وهي التكامل بين الأسواق الإفريقية حتى تستطيع الشركات تحقيق أكبر قدر من اقتصاد الحجم الكبير واكتساب الحجم الذي يكفي لاجتذاب المستثمرين العالميين. هذا يعني المضي في تنفيذ خطط إيجاد مناطق لا تحتاج إلى تأشيرة سفر وتحقيق التكامل بين أسواق رأس المال وربط شبكات البيانات وأخيرا تحقيق حلم المنطقة التجارية الحرة لعموم إفريقيا.

عواقب استمرار الوضع في إفريقيا على ما هو عليه ستكون وخيمة.

فإذا اتسعت فجوة إفريقيا سيشكل الأفارقة كل فقراء العالم «المُعْدَمين» تقريبا بما في ذلك أولئك الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي. وتلك ستكون كارثة أخلاقية. كما ستهدد أيضا عبر تدفقات الهجرة والتقلب السياسي استقرارَ باقي العالم.

لكن ليس هنالك سبب لتصوير الأمر وكأنه كارثة والتخلي عن الأمل. فإذا كان في مقدور القارات الأخرى الازدهار سيكون ذلك ممكنًا أيضًا لإفريقيا. لقد حان الوقت لكي يكتشف قادتها الإحساس بالطموح والتفاؤل. إفريقيا لا تحتاج إلى إنقاذ. إنها أقل احتياجًا إلى النزعة الأبويَّة والرضا بالواقع والفساد وبحاجة إلى المزيد من الرأسمالية.

مقالات مشابهة

  • لا حق للدول في الوجود ولكن الحق للشعوب
  • بوتين: المفاوضات ممكنة ولكن ليس مع زيلينسكي..ومسؤولون غربيون يحذرون كييف من الخلافات
  • بيان الأعضاء التي يجب السجود عليها في الصلاة
  • بسبب السب والقذف.. 26 فبراير الحكم في دعوى الكابتن رضا عبد العال ضد الاعلامى تامر امين
  • بوتين: الحرب في أوكرانيا قد تنتهي خلال شهرين والمفاوضات ممكنة ولكن ليس مع زيلينسكي لأنه “غير شرعي”
  • من أسيوط إلى القاهرة.. رحلة المبتهل محمد الكحكي في محبة آل البيت
  • الثورة الرأسمالية التي تحتاجها إفريقيا
  • واشنطن تطرح صفقة طويلة الأمد مع إيران.. لا حرب ولكن!
  • واشنطن تطرح صفقة طويلة الأمد مع إيران.. لا حرب ولكن! - عاجل
  • داليا مصطفى عن خبر انفصالها: لسه مخدتش أصعب قرار في حياتي ولكن هاييجي قريب