زهير عثمان حمد

علي أستحياء بدا الحديث عن إمكانية العفو عن مليشيات الدعم السريع وعودتها للمشهد السياسي بموافقة العسكر والمكونات السياسية في السودان
تمر السودان بمرحلة حرجة ومعقدة من تاريخها السياسي والاقتصادي، حيث تتفاقم الأزمات نتيجة للصراعات المسلحة والتدخلات الأجنبية والفشل المتكرر للنخب السياسية والعسكرية في تحقيق استقرار دائم.

يعتبر الصراع حول الذهب والثروات الطبيعية جزءًا من المشكلة الأكبر التي تواجه البلاد. يطرح السؤال حول إمكانية العفو عن مليشيات الدعم السريع وعودتها للمشهد السياسي بموافقة العسكر والمكونات السياسية تساؤلات أخلاقية وسياسية عميقة حول مستقبل السودان.

خلفية عن مليشيات الدعم السريع
تأسست مليشيات الدعم السريع كجزء من استراتيجية الحكومة السودانية السابقة للتصدي للتمرد في دارفور ومناطق أخرى. تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أصبحت قوة شبه عسكرية ذات نفوذ كبير، متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد المدنيين. بعد الإطاحة بنظام البشير، لعبت مليشيات الدعم السريع دورًا حاسمًا في الفترة الانتقالية، ما زاد من تعقيد المشهد السياسي في السودان.

الواقع السياسي الراهن
في ظل الأزمات الحالية، تحاول جميع الأطراف البحث عن حلول سياسية لتجنب انهيار الدولة. يمكن أن يُنظر إلى العفو عن مليشيات الدعم السريع وإعادة دمجها في العملية السياسية كخطوة لتحقيق الاستقرار، رغم أنها مثيرة للجدل.

العوامل المؤيدة للعفو وإعادة الدمج
الحاجة إلى استقرار فوري: يمكن أن يساعد العفو في تهدئة الوضع الأمني وتخفيف حدة الصراع المسلح، مما يتيح فرصة لبناء عملية سياسية جديدة.
ضغط المجتمع الدولي: قد يمارس المجتمع الدولي ضغطًا على الأطراف المتنازعة للوصول إلى تسوية سياسية تشمل جميع الفصائل المسلحة، بما فيها الدعم السريع.
التجارب السابقة: هناك سوابق في دول أخرى حيث تم العفو عن الجماعات المسلحة ودمجها في الحياة السياسية كجزء من عملية السلام.
العوامل المعارضة للعفو وإعادة الدمج
العدالة والمساءلة: يعتبر العفو عن مليشيات الدعم السريع إهانة لضحايا الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها، مما يقوض العدالة والمساءلة.
تكرار الفشل: التجارب السابقة في السودان أظهرت أن العفو عن المليشيات وإعادة دمجها غالبًا ما يؤدي إلى تكرار نفس الأخطاء والصراعات.
فقدان الثقة: يمكن أن يؤدي العفو إلى فقدان الثقة بين المواطنين والنخب السياسية، مما يزيد من حدة التوترات والانقسامات.
مواقف الأطراف الرئيسية
العسكر: قد يميل الجيش إلى دعم العفو كوسيلة لتحقيق الاستقرار، لكن ذلك يعتمد على التوازنات الداخلية ومواقف القيادات العسكرية المختلفة.
المكونات السياسية: قد يكون هناك انقسام بين القوى السياسية حول هذا الأمر، حيث تدعم بعض الفصائل العفو لتحقيق السلام بينما تعارضه أخرى حفاظًا على العدالة والشرعية.
المجتمع المدني والشباب: من المرجح أن يعارض المجتمع المدني والشباب العفو بدون تحقيق العدالة، حيث يسعون إلى تغيير حقيقي وشامل في البلاد.
السيناريوهات المستقبلية
العفو والتسوية السياسية: إذا تم العفو عن مليشيات الدعم السريع وتم التوصل إلى تسوية سياسية تشمل جميع الأطراف، قد يساهم ذلك في استقرار نسبي لكنه سيكون مؤقتًا إذا لم تُعالج الأسباب الجذرية للصراع.
الفشل في الوصول إلى تسوية: قد يؤدي الفشل في التوصل إلى اتفاق شامل إلى استمرار الصراعات المسلحة، مما يفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية.
تحقيق العدالة أولاً: العمل على تحقيق العدالة والمساءلة قد يكون الخيار الأصعب لكنه الأكثر استدامة، حيث يبني الثقة ويؤسس لدولة قانونية قوية.

إن مسألة العفو عن مليشيات الدعم السريع وعودتها للمشهد السياسي بموافقة العسكر والمكونات السياسية في السودان تظل قضية معقدة تتطلب دراسة متأنية للعديد من العوامل السياسية والاجتماعية والأخلاقية. إن التحدي الأكبر يكمن في تحقيق توازن بين تحقيق السلام والاستقرار الفوريين وضمان العدالة والمساءلة على المدى الطويل. تظل الحاجة ماسة لإرادة سياسية قوية وإشراك حقيقي لجميع الفئات المجتمعية لضمان مستقبل أفضل للسودان.

يشبه الوضع الراهن في السودان من حيث تعقيداته وتداخل المصالح المحلية والإقليمية والدولية، عدة نزاعات تاريخية حول العالم حيث أُجبرت الأطراف المتصارعة على الدخول في تسويات صعبة تحت ضغوط شديدة. في هذا التقرير، نستعرض أمثلة تاريخية لتسويات معقدة، وكيف يمكن أن نستفيد من هذه الأمثلة في فهم السيناريوهات المحتملة في السودان.

نماذج تاريخية للتسويات المعقدة
اتفاق دايتون للسلام (1995)

الخلفية: أنهى اتفاق دايتون الصراع الدموي في البوسنة والهرسك بعد حرب أهلية استمرت لأكثر من ثلاث سنوات.
العناصر الرئيسية للتسوية: شمل الاتفاق تقسيم البلاد إلى كيانين رئيسيين، الفيدرالية البوسنية والكرواتية وجمهورية صرب البوسنة، مع حكومة مركزية ضعيفة.
الدروس المستفادة: أهمية الضغط الدولي، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لفرض تسوية. كما أن تقديم تنازلات كبيرة من جميع الأطراف كان ضروريًا لتحقيق السلام.
اتفاقية الطائف (1989)

الخلفية: أنهت هذه الاتفاقية الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت لمدة 15 عامًا.
العناصر الرئيسية للتسوية: إعادة توزيع السلطة بين الطوائف اللبنانية المختلفة، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني لصالح مجلس الوزراء مجتمعاً.
الدروس المستفادة: ضرورة تعديل النظام السياسي لتحقيق توازن بين القوى المتصارعة، وأهمية الرعاية الإقليمية والدولية لضمان تنفيذ الاتفاق.
اتفاقية أوسلو (1993)

الخلفية: كانت محاولة لتحقيق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد عقود من الصراع.
العناصر الرئيسية للتسوية: إنشاء سلطة فلسطينية مؤقتة والبدء في التفاوض حول قضايا الوضع النهائي مثل القدس واللاجئين والحدود.
الدروس المستفادة: أن التفاوض المباشر يمكن أن يؤدي إلى خطوات تقدمية حتى في ظل عدم وجود حل شامل للصراع، وأهمية التنازلات المتبادلة وبناء الثقة تدريجيًا.
تطبيق الدروس المستفادة على الوضع السوداني
الضغط الدولي والإقليمي
يجب على المجتمع الدولي والإقليمي أن يلعب دورًا حاسمًا في الضغط على الأطراف السودانية للتوصل إلى تسوية شاملة، مع تقديم حوافز اقتصادية ودبلوماسية لضمان تنفيذ الاتفاقات.
توزيع السلطة وإعادة الهيكلة
مثلما حدث في لبنان، قد يتطلب الوضع السوداني إعادة هيكلة النظام السياسي لتوزيع السلطة بشكل أكثر توازناً بين مختلف القوى السياسية والعسكرية والمجتمعية.
بناء الثقة والتنازلات المتبادلة
من الضروري أن تبدي جميع الأطراف السودانية استعدادها لتقديم تنازلات مؤلمة من أجل تحقيق السلام والاستقرار، مع التركيز على بناء الثقة من خلال خطوات تدريجية ملموسة.
دور العفو والعدالة الانتقالية
يمكن أن يكون العفو عن بعض الفصائل المسلحة جزءًا من التسوية، شريطة وجود آليات للعدالة الانتقالية تضمن محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات بشكل عادل وشفاف.
إن تسوية "كسر العظم والهزيمة" في السودان تحتاج إلى نهج شامل ومستدام، مستفيدين من التجارب التاريخية في مناطق أخرى من العالم. إن الضغوط الدولية، وإعادة توزيع السلطة، وبناء الثقة، والتعامل مع قضايا العفو والعدالة الانتقالية، كلها عناصر حيوية لتحقيق تسوية ناجحة في السودان. تظل الإرادة السياسية القوية وإشراك جميع الفئات المجتمعية المفتاح الأساسي لضمان مستقبل أفضل ومستقر للسودان.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدروس المستفادة جمیع الأطراف تحقیق السلام فی السودان إلى تسویة یمکن أن

إقرأ أيضاً:

نداءات استغاثة من جزيرة توتي لرفع حصارها من قبل الدعم السريع

أطلقت غرفة طوارئ جزيرة توتي وسط العاصمة السودانية الخرطوم نداء استغاثة عاجلا لمنظمات العمل الإنساني، مطالبة بالتدخل الفوري لإجلاء الأسر العالقة داخل الجزيرة، وذلك بعد انعدام مقومات الحياة نتيجة الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على مواطني المنطقة.

وكشفت غرفة طوارئ توتي -للجزيرة نت- عن نهب الدعم السريع للطعام من المطابخ المشتركة بقوة السلاح ونهب المحلات التجارية وتخريب ونهب المركز الصحي والعيادة الخارجية والصيدليات.

وأضافت الغرفة أن الجزيرة ستصبح خالية من الغذاء تماما خلال أسبوع واحد، مع انقطاع تام لمياه الشرب منذ يونيو/حزيران 2023، حيث توقف الإمداد المائي في ظل انقطاع التيار الكهربائي.

 

وكان السكان يعتمدون على شراء الوقود لتشغيل مضخات المياه، لكن مع الارتفاع الكبير في تكاليف شراء المياه وانتشار قناصة الدعم السريع شرقي الجزيرة، أصبح من المستحيل على المواطنين جلب المياه من النيل.

وتعاني جزيرة توتي من أوضاع صحية كارثية، حيث أدت الظروف الإنسانية القاسية إلى وفاة أكثر من 500 شخص حتى الآن، ما بين وفيات طبيعية وحوادث رصاص طائش أو قصف. كما تفتقر الجزيرة إلى الأدوية والرعاية الصحية، مما أدى إلى انتشار الحميات والأمراض. كما تم توثيق اعتقالات واسعة شنتها قوات الدعم السريع، حيث تم احتجاز أكثر من 30 شخصًا، وتوفي 6 منهم في المعتقلات جراء التعذيب وسوء المعاملة.

ووفقا لمصادر محلية استهدف الجيش السوداني عقب بدء هجومه على مواقع للدعم السريع في محوري الخرطوم والخرطوم بحري، ارتكازات الدعم السريع في جزيرة توتي، لتقوم القوات باستبدال القوة الموجودة في الجزيرة.

ووثقت غرفة طوارئ توتي اعتداء قوات الدعم السريع على المواطنين وتقييد حركتهم والتنكيل بكل من يتحرك في الطرقات ومنعهم من الخروج من الجزيرة، ومداهمة المنازل وشن حملة اعتقالات وطلب فدية نظير إطلاق صراح المعتقلين، مع زيادة معدل الوفيات نتيجة لانتشار الحميات وانعدام الدواء.

https://www.facebook.com/story.php?story_fbid=122176358708159430&id=61554782911235&mibextid=oFDknk&rdid=xr16y6BVAi6hKhm4

وتجاوز عدد المعتقلين 30 شخصا وتوفي منهم 6 أشخاص بمعتقلات الدعم السريع، وذلك بحسب غرفة طوارئ توتي.

من جهتهم، قال محامو الطوارئ إن قوات الدعم السريع اقتحمت 15 منزلا واعتدت بالضرب بالسياط على السكان بمن فيهم النساء إضافة للتهديد بالقتل، وذلك عقب تقدم الجيش في مناطق الخرطوم والخرطوم بحري.

ودعا محامو الطوارئ لضرورة الضغط على الدعم السريع لوقف الانتهاكات تجاه المدنيين والسماح بمرور الحالات الإنسانية ووصول الخدمات الطبية إلى داخل الجزيرة.

ويعاني مواطنو جزيرة توتي -منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي- من انتهاكات الدعم السريع والحصار المفروض على المدنيين، حيث فرضت رسوم مالية لمغادرة الجزيرة قُدّرت بنحو ملياري جنيه سوداني (حوالي ألف دولار).

وتقع جزيرة توتي وسط العاصمة السودانية الخرطوم، حيث يلتقي النيلان الأبيض والأزرق في منطقة المقرن، ويحدها جنوبا القصر الجمهوري، وشرقا القيادة العامة للجيش، مما جعلها محورا للاشتباكات العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

مقالات مشابهة

  • من هو الذي أكثر ديسمبرية من الدعم السريع الذي يقاتل الكيزان؟
  • اللواء محمد عبد المنعم: الجيش السوداني و«الدعم السريع» لا يمكنهما حسم المعركة
  • شبكة أطباء السودان: مقتل 7 أشخاص بينهم طفلتان وإصابة 14 آخرين جراء قصف الدعم السريع للفاشر
  • الدعم السريع تنفذ حملات اعتقالات واسعة بكتم
  • الدعم السريع يختطف موظفين يعلمون في برنامج الغذاء العالمي
  • مصرع نجل الداعية مزمل فقيري برصاص الدعم السريع
  • غرفة طواريء الخرطوم تطالب بالإفراح عن 4 متطوعين محتجزين من قبل الدعم السريع
  • إصابة 3 مدنيين في قصف مدفعي للدعم السريع استهدف أم درمان
  • نداءات استغاثة من جزيرة توتي لرفع حصارها من قبل الدعم السريع
  • المبعوث الأمريكي إلى السودان يوجه دعوة لقوات الدعم السريع والجيش