الفريق البرهان بطل قومي! سباحة عكس التيار!
تاريخ النشر: 11th, July 2024 GMT
بقلم حاتم أبوسن
لابد من أن تتغير الثقافة السياسية السودانية و أن يتم تقييم عادل لكل أطراف اللعبة فالسياسي الإنتهازي الذي يميل للتربح الشخصي من المعارضة لا يقل سوءا و وضاعة عن الكوز الفاسد الذي يستبيح المال العام و يستوي مع الأرزقي الذي يسعي للتنفذ عن طريق النفاق و الولاء الكاذب..
و ينبغي أيضا تقييم الأشخاص و المواقف السياسية وفق حقائق و معلومات عوضا عن الأحاديث العامة و السب الرخيص و إتباع عقلية القطيع في الحب و الكراهيه دون هدي أو دليل من عقل و منطق.
أعلم تماما أن محاولة إنصاف الرئيس البرهان و صحبه من قيادات الجيش السوداني الوطني كالفريق ياسر عطا و الفريق الكباشي و الفريق إبراهيم جابر و معظم قيادات الجيش السوداني الذي يقاتل الآن أشرس المعارك الوطنية هي سباحة عكس التيار لن يستحسنها الكثيرون و لكني غير مكترث لذلك لأن هدفي من هذه المقالة هو مصلحة الوطن في المقام الأول و المساهمة في تقويم المسار.. إن قناعتي التامة هي أن إنتصار الجيش السوداني الآن هو أمر حتمي لبقاء السودان و كل السفسطة و الثرثرة التي تدور الآن في كل الأوساط لا تعكس شيء سوي حالة التوهان السياسي و الوعي الزائف و انتشار الجهل النشط الذي زين لكثير من السودانين مساومة الوطن بلا مقابل!
ما يحدث في السودان هو ضرب من الجنون أن يقف الناس ضد مصالحهم المباشرة بحجج واهية و قصص مفتعلة و حسابات مختلة تقدم صراعات سياسية و أدوار وهمية و مزعومة لمن إنضموا لموكب الوعي مؤخرًا جدا و بعد فوات الآوان ليصبحوا متطرفين في كل شيءٍ بدعوي عدائهم المتأخر و المتطرف لمن حكموا البلاد ثلاثين عاما في نهايتها و علي فجاءة استبد بهم الغضب ليجعلوا منه ذريعة و مبررا واهيا لضياع الوطن.
لم يكن الفريق البرهان و حتي حدوث التغيير سوي ضابط في الجيش السوداني شأنه شأن كثير من ضباط الجيش السوداني الذين عملوا في هذا الجيش قبل و أثناء و بعد نظام الإنقاذ.. في هذه النقطة ينبغي للقاريء أن يحدد موقف سياسي مبدئي.. هل تدرج أي ضابط في الجيش السوداني و استمرار عمله في الجيش مع نظام الإنقاذ جريمة في حد ذاته و إن كان كذلك فهل كل من إستمر في العمل في الجيش بعد يوم من الإنقلاب يكون مجرما أم أن هنالك تاريخ محدد للضباط الشرفاء لمغادرة الجيش؟
القصد من إثارة هذه النقط هو أن العلاقة بين الجيش و السياسة في السودان علاقة معقدة و من الصعب المحاسبة السياسية لضباط الجيش فقط بسبب إنتمائهم للجيش الذي يسيطر عليه فصيل سياسي معين.. من الأفضل هنا التركيز علي المسئولية الفردية و التي تتركز علي مدي إلتزام ضابط الجيش بالقانون السائد و اتباع تعليمات قادته.
لابد للسياسين السودانين من التعامل مع الجيش السوداني بوعي و الإعتراف بدوره الأساسي و الواقعي في حماية البلاد و الكف عن الإستهتار بهذا الدور فتضحيات الجيش و ما يقدمه أفراده للوطن أكبر بكثير مما قدمه و يقدمه السياسيون و أجد نفسي مضطرا للقول أن مقدرات الجيش السوداني و ضباطه و حتي معرفتهم و ثقافتهم السياسية و استيعابهم لقضايا الوطن تتجاوز مقدرات كثير من السياسين السودانيين و بعض النشطاء الذين يستسهلون النقد و يفتون حتي في اختصاصات العسكريين!
مقارنة بسيطة بين أداء الجيش السوداني و الأحزاب السياسية السودانية توضح أن العسكريين في السودان أفضل أداءا في مجالهم من السياسيين في محيطهم و لذلك فإن علي السياسين الإرتقاء بالعمل السياسي و تطوير منظماتهم لكي يكونوا أكثر تأهيلا و استعداداً لإدارة الدولة و خلق علاقة جيدة مع الجيش ليعملا معا في تناغم و هذا هو السبيل الوحيد لبناء دولة قوية و حكم رشيد .. أفضل الخيارات المنطقية الآن هي رأب الصدع و خلق علاقة جديدة تجعل الجيش علي مسافة واحدة من كل القوي السياسية و لن يتم ذلك بمواصلة تجريم الجيش و الرمي به في أحضان تنظيم واحد .. الجيش جيشنا قوامه أبناء شعبنا و لا جدوي و لا سبب لعداءه..
استنادا علي ما سبق نحاول تقييم دور الفريق البرهان و نحاول أن نرفع بعض الظلم الذي يتعرض له هذا الرجل في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد.
أولا المتابع الحاذق للراهن السياسي يجد أن الفريق البرهان ضحية متلازمة حديثة في التجمل السياسي جعلت أن الصحيح سياسيا أن يلعن البرهان متي ما لعن حميدتي .. فاذا كنت في مجلس سوداني و أردت أن تتداري عن تهمة الكوزنة أو تتملص منها في بعض الأحيان أن تلعن حميدتي ممزوجا بالبرهان! لماذا؟ لأن هذا ما يطلبه المستمعون! هذا ضرب من التجمل السياسي Political Correctness لا وجود له إلا في السودان.. لأننا الآن مغيبين تماما نتعاطي مخدرات القروبات و أفيون اللايفات و نتلقي الأفكار من العطالي الفاشلين في كل شيء! إذا لم يكن هذا هو الحال فكيف لنا أن نساوي بين من مجرم و بطل؟ هل قلت بطل؟ نعم رغم كل أنف مكابر فإن البرهان بطل سوداني بكل معني الكلمة كيف لا وهو الذي يقود الجيش السوداني في حرب لا يجهل أبعادها إلا المصابين بالعمش السياسي الذي يجعلهم يتوهمون هذه الحرب صراعا محليا و تعجز رؤاهم عن رؤية أبعادها و مؤثراتها الخارجية إضاف لذلك فإن من ينتقد الجيش السوداني في هذا الوقت فليقارن نفسه و ما قدم للوطن و ما يؤهله لسب رجل حارب و قاتل و من ثم أوكلت له مهمة عسيرة و مسئولية كبيرة معقدة يعمل بكل عزم لأدائها.
لك عزيزي القاريء لكي تكون عادلا تصور الآتي.. تخيل أنك كنت ضابطا في الجيش السوداني و كنت ضابطا مؤهلا تدرجت في المناصب إلي أن وصلت إلي رتبة الفريق و من ثم حدث تغيير في الدولة و أوكلت إليك مهمة قيادة الدولة و كانت المعطيات كالآتي:
سبب أختيارك لهذه المهمة أن هنالك معضلة كبري و هي قوات موازية للجيش تكونت بأخطاء و تقصير سياسي كبير سمح لها أن تنمو بدرجة أصبحت السيطرة عليها صعبة و أن هذه القوي لديها مخطط كبير للسيطرة علي البلاد و استلامها استلاما كاملا..كانت مهمتك كقائد أن تقنع هذه القوات أن تنضم لعملية التغيير و عليك محاولة السيطرة عليها بكل الوسائل! لمن لا يعلم فإن دخول الرئيس البرهان إلي المشهد السياسي هو بشكل أساسي كان لمعالجة مشكلة الدعم السريع! أنت كسياسي أو مواطن عادي قد لا تستوعب صعوبة و تعقيد هذه المهمة لسببين لأن القوات موجودة أصلا بدرجة تجعل السيطرة عليها صعبة و أن بسبب هذا الوجود فإن مهمة وقف نموها أيضا صعب بدون مواجهة عسكرية..
أنت عزيزي القاريء كقائد سوف تجد نفسك في مهمة عسيرة جدا و هي محاولة كبح جماح هذه القوي.. لن يكون الأمر سهل و ستكون مضطرا للتعامل بالحكمة و التخطيط ..
و أعتقد أن ما كان يسعي إليه الرئيس البرهان هو محاولة إحتواء حميدتي و السيطرة علي قوات الدعم السريع و استيعابها في الجيش بصورة أو أخري و هنا أقول أن البرهان خلال سعيه لم تكن لديه صورة مكتملة أو خطة واضحة لتنفيذ ذلك بسبب أنه أوكل مهمة إدارة الدولة علي عجل و أيضا لأن الأحداث كانت تسير بشكل متسارع و أيضا بسبب التوترات المحيطة به من كل جانب و قد حاول ادارة الأمر بالحكمة و الحنكة و الدهاء و لكن الأمور كانت تسير بقوة في الأتجاه المعاكس.
لا يمكن لهذه المقالة أن تكون موضوعية إذا لم تحمل الرئيس البرهان بعض من مسئولية و بعض أخطاء أساسية غير أن اختلافي مع آخرين هو في اعتقادي أن الخطأ وارد في القيادة و الإدارة و القرار غير أني لا اعتقد أن الرجل تنقصه الوطنية و حسن القصد لقيادة البلاد نحو بر الأمان كما أعتقد أن من الإنصاف الإقرار بأن ولاء البرهان الأكبر هو للوطن و للجيش و للشعب و من الممكن جدا أن يتطور لقائد عسكري وطني مستقل.
اذن فإن الخطأيين الرئيسيين للرئيس البرهان هما:
*بطء التحرك في مواجهة الدعم السريع و رفع جاهزية الجيش للتصدي له كجزء من سياسة الإحتواء و كان لابد له وهو يحاول ذلك الإحتواء أن يقوم ببعض الإجراءات الموازية لمعادلة تمدد الدعم السريع.
*السماح بتسريح أعداد كبيرة من الضباط الوطنيين خاصة إذا ما تأكد دور حميدتي في ذلك.. حيث أن تلك الإجراءات أوضحت نوايا حميدتي و ما كان للبرهان التهاون في وقف ذلك منعا لإضعاف الجيش.
قد يتسأل البعض عن أسباب هذه المقالة هل المقصود منها الإطراء النفاقي glazing و تمجيد البرهان..و الإجابة بالطبع لا و إنما هي قناعة الكاتب بأن وجود البرهان علي قيادة الدولة الآن هو ضرورة تحتمها ظروف المرحلة و هو رجل مناسب لإنجاز المهمة و علينا التعامل معه و دعمه حتي ينتصر الجيش في معركته هذه و من ثم التعاون معه و مع الجيش للوصول لاتفاقات لإدارة الدولة يكون للجيش دوره الهام فيها و بما يتطلبه وضع البلاد المعقد جدا و لإفشال المخططات الخارجية التي تستهدف الوطن في الجيش و شخص البرهان المفتري عليه.
و لابد لي في خاتمة هذا المقال و بالتنويه للدور الهام للجيش في ماضي و حاضر و مستقبل الدولة السودانية حيث أن الجيش القوي هو أساس وجود الدولة و هو مقدم علي السياسة و إن اصلاح الجيش و دعمه هما أقصر الطرق لقيادة البلاد إلي بر الأمان و هنا أستشهد بقول أبي الطيب عن حتمية وجود الجيش و قتاله و الحرب كضرورة في بعض الأحيان دفاعا عن الدولة كشرط وجودي للدولة نفسها.
فإن تكن الدولات قسما فهي … لمن ورد الموت الزؤام تدول
إذا اخترنا الطرق السهلة و لم نقف مع من يقاتل دفاعا عن الأرض و العرض فنكون قد أضعنا جيشنا و قادتنا العسكريين فمصير دولتنا الضياع و مصير شعبنا التشرد..
فهل نرتقي و نسمو فوق خلافتنا السياسية و نحرر بلادنا و نستشرف آفاقا جديدة؟
habusin@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الجیش السودانی الفریق البرهان الرئیس البرهان الدعم السریع السیطرة علی فی السودان فی الجیش
إقرأ أيضاً:
وسائل إعلام إسرائيلية: الجيش الإسرائيلي يبدأ التحقيق في أسباب عدم اعتراض الصاروخ الذي أطلق من اليمن
أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية، أن الجيش الإسرائيلي بدأ التحقيق في أسباب عدم اعتراض الصاروخ الذي أطلق من اليمن.
وأعلنت إسرائيل، موافقتها رسميًا على الخطة التي اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية، لوقف إطلاق النار بين حزب الله وتل أبيب والذي دخل حيز التنفيذ في الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء بتوقيت العاصمة اللبنانية بيروت.
وفي وقت سابق، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي، عملية برية محدودة في جنوب لبنان تستهدف البني التحتية لحزب الله، وسط تحليق مكثف للطيران وقصف مكثف بالمدرعات والدبابات على مناطق الجنوب.
وقد شهدت لبنان حادثة مؤلمة بعد انفجار المئات من أجهزة الاتصال "البيجر" المستخدمة من قبل عناصر حزب الله، ما أسفر عن مقتل 11 أشخاص وإصابة نحو 3000 آخرين.
هذه الحادثة أثارت اهتمامًا دوليًا واسعًا، حيث كانت الأجهزة المنفجرة تُستخدم للتواصل بين عناصر الحزب.