التغيير سلاحا ذو حدين إما إيجابيا محمودا وإما سلبيا مذموما والفيصل بينهما هي القيم الاجتماعية والأخلاقية إن كنت غير مسلما أو غير مسلما والأمر يزيد إذا كنت مسلما فهو لا يخلو من وجوب تحكيم القرآن والسنة والإثنين يدعمان بقوة القيم الاجتماعية والأخلاقية الإنسانية عامة فلا تعارض وفي كلتا الحالتين التغيير في المجتمعات جميعا يجب أن يستند إلى قيم أخلاقية فلابد أن يكون للتغيير حدود أخلاقية وحدود منطقية وعقلية وإلا ربما سيكون تغييرا ضارا غير محمود يسوق المجتمعات للعديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية التي لا حصر لها كما يقودها للانحدار الأخلاقي الذي سيحرق الجميع وهذا ما لا يريده أحدا؟
إن العصر الذي نعيشه بوسائل اتصاله الحديثة التي تتخطى الحدود تتطلب منا الكثير من أجل الحفاظ على القيم الاجتماعية والأخلاقية للمجتمعات وخاصة مجتمعاتنا العربية فالذي يجري في مدينة أو قرية صغيرة في أمريكا يمكن أن يشاهده مباشرة شاب أو أي إنسان في أي مدينة أو قرية صغيرة في أي بقعة من العالم تقريبا وحتى نحدد نقول في وطننا العربي وهذا ما يهمنا.
التغيير حصل وسيحصل لظروف الحياة التي نعيشها والتي تلعب فيها وسائل الإعلام غير التقليدية دورا كبيرا في حياة الأفراد فعلى سبيل المثال أغلبنا يقضي أوقاتا ليست بالقصيرة تصل إلى ساعات يتنقل فيها الإنسان بين هذه الوسائل الجذابة بتنوع أخبارها، تتسم هذه الأخبار والمشاهد بأنها قصيرة ولذلك فقد كثيرٌ منا الصبر وصار أغلبنا وخاصة صغار السن لا يطيقون القراءة لوقت طويل بل حتى المشاهدة لوقت طويل فكل ما يريدونه هو القفز عن الشاشة من خبر لآخر ومن مكان إلى مكان وبكل تأكيد يؤثر هذا في عدم القدرة والصبر على القراءة والتفكر، قراءة موضوع أو كتاب أو حتى الاستماع أو مشاهدة برنامج أو محاضرة هادفة، أيضا هذا النوع من التعدد الإخباري القصير والمختل قد يسبب نوع من القلق عند المتلقي لأنه يريد أن يعرف الكثير مهما كان هذا الكثير فالمحتوى غير مهم بل أصبح يبحث عن أشياء مسلية ومضحة من حول العالم وهذه تجر إلى مضيعة للوقت في أشياء غالبا ما تكون غير هادفة ولا مفيدة ولا نافعة للفرد ولا للأسرة ولا للمجتمع؟.
أصبح التغيير بشكل كبير مرتبط بالتقنية كما أوضحنا سالفا فمن يملك التقنية يملك التغيير ويلعب الهاتف النقّال دورا رئيسيا في نقل وتغيير الثقافة بنوعيها وتتنافس الدول الكبرى كأمريكا والصين في السيطرة على العالم مع التقدم الأمريكي الواضح وفرض الثقافة والسيطرة الأمريكية والهيمنة على العقول بمختلف أنواعها منذ عقود في صور المطاعم الأمريكية مثل ماكدونلد وكونتاكي وستار بوكس وغيرها كثير لدرجة أصبحنا فيها نتدافع لدخولها حين تفتح فروعها في دولنا لنأكل أو نشرب قهوتها وكأنها تطيل في أعمارنا وهي في الحقيقة أطعمة غير صحية على الإطلاق ولكنها الهيمنة على العقول والغزو الثقافي!؟.
نحن ننشد التغيير وهذه طبيعة الحياة، ولكنه التغيير الذي نحافظ فيه على قيمنا الاجتماعية والأخلاقية والدينية التي ترشدنا وتقودنا وتحافظ على إنسانيتنا وتَرابط أسرنا ومجتمعاتنا وعلاقاتنا ومن يزغ منا يجد له مرجعية يستند ويرجع إليها عند الحاجة وفي الوقتين الرخاء والشدة، إن القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية لا غنى للفرد عنها، وبدونها يصبح لا حدود للعبث البشري وتختلط على الفرد الأشياء فيُمسِي تائها ويصبح حائرا وانظر إلى المجتمعات الغربية من أمريكا إلى الدول الغربية حين تخلّت عن هذه القيم صار العبث في هذه المجتمعات لا حدود له بل أصبحت القيم التي كانت منتشرة بينهم يوما ما غريبة يوما ما وهذا ما سيحدث حين يتخلى الإنسان عن القيم الإنسانية فيصبح الشاذ من الأقوال والأفعال هو الشائع والمقبول، فعلى سبيل المثال بدأ الأمر بالمساواة بين الرجل والمرأة التي اتخذت أبعادا غير طبيعية فالأصل أن المجتمعات تتكون من رجل وامرأة ولكلٍّ دوره المكمّل للآخر فالمسألة مسألة تكامل وليست مسألة مساواة بل تعدى الأمر عندهم حين تخلّو عن القيم المذكورة إلى وجود جنس ثالث ومن المضحك أيضا أنّ على المولود أن يختار جنسه ذكرا أو أنثى فأنتشر الشذوذ حتى بلغ الأمر الآن مبلغه بأن لا يستطيع أفراد المجتمعات الغربية أن يعارضوا هذه الأفكار والتوجهات المخالفة للطبيعة البشرية كل ذلك يحدث نتيجة تخلي الإنسان عن القيم التي تنظم المجتمعات ليعيش الجميع في سلام وأمن اجتماعي ونفسي ينعكس إيجابيا على الصحة العامة للفرد والمجتمع بأكمله، وبالنظر لتلك المجتمعات الغربية وما يعانيه الكثير من أفرادها من اضطرابات وأمراض اجتماعية ونفسية مزرية لا تخفى على وصار نتيجة ذلك أن أصبحت الدول تخصص ميزانيات ضخمة لعلاج هذه الأمراض.
مع إصرار تلك الدول على تصدير وتسويق أزماتها عن طريق ثقافات تافهة لتغيير مجتمعاتنا وقلبها رأسا على عقب، يجب أن يكون لدينا ولدى شبابنا خاصة الوعي الكامل بخطورة اتّباع تلك الثقافات والأعمال الدنيئة والانحدار الأخلاقي دون وعي وتفكّر وتمحيص فيجب أن نأخذ من تلك الثقافات ما يتناسب مع قيمنا الاجتماعية والثقافية والدينية ونترك التفاهات ولنكن على قدر كبير من الوعي والمسؤولية والقدرة على الحفاظ على أنفسنا ومجتمعاتنا أمام التغيرات التي تعصف بنا وبقيمنا وتهدم البناء الأسري لدينا وأن لا نكون ضعافا نُساق كما يُساق القطيع.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
المساجد والكنائس.. رفع الوعي وتعزيز القيم لبناء مجتمع متماسك
تلعب المساجد والكنائس دوراً محورياً فى رفع الوعى، حيث لا تقتصر مهمتها على الجانب الدينى فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى كونها مراكز فكرية وثقافية تسهم فى تعزيز الهوية الوطنية وتوجيه الشباب نحو القيم الإنسانية المشتركة.
ومن خلال برامجها التربوية والفكرية، تعمل هذه المؤسسات على تربية جيل قادر على مواجهة التحديات الفكرية والمساهمة الفاعلة فى مسيرة التنمية الشاملة، ليكون شريكاً حقيقياً فى بناء مجتمع يسعى نحو مستقبل أفضل.
بدوره أكد الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، فى أكثر من مناسبة، أن الأزهر يولى أهمية كبيرة فى رفع الوعى العام بالقضايا المجتمعية المعاصرة، ويستعد لتصميم مقررات دراسية جديدة تتناول تلك القضايا بما يواكب التحديات الحالية، موضحاً أن الأزهر يهدف من خلال هذه الخطوات إلى تعزيز الهوية الدينية والأخلاقية، خاصة فى ظل انتشار الأنماط الثقافية الغريبة التى باتت تؤثر فى شبابنا وتعزلهم عن هويتهم الثقافية والدينية، ما يجعلهم عرضة للاستقطاب الثقافى. وأوضح «الطيب» أن الأزهر يسهم بشكل فعال فى تحقيق أهداف مبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان»، التى تستهدف قضية الوعى بالمقام الأول، وتسعى إلى تحسين مستوى المواطن المصرى فى مجالات التعليم والصحة والثقافة، بما ينسجم مع الاحتياجات المتجددة لسوق العمل.
وأوضح الإمام الأكبر أن الأزهر يشارك بفاعلية فى هذه المبادرة، من خلال قطاعاته المنتشرة فى جميع أنحاء الجمهورية، إيماناً بدوره الوطنى فى تعزيز القيم الأخلاقية، خاصة فى مواجهة ما وصفه بالغزو الثقافى المسموم الذى يستهدف الشباب.
وأكد البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، فى تصريحات له، على دور الكنيسة القبطية فى التوعية بالقيم الإنسانية والمفاهيم البناءة، مشيراً إلى أنه يجب مواجهة الأزمات بالوعى والترشيد والتكاتف، مشدداً على ضرورة إطلاق حملات توعوية وتثقيفية تستهدف رفع الوعى لدى أبناء الوطن جميعاً، خصوصاً الأطفال والشباب. وأعرب البابا تواضروس عن استعداد الكنيسة الكامل للمشاركة فى دعم الفعاليات التى تهدف إلى زيادة الوعى وبناء الإنسان والمجتمع. وحرصت الكنيسة على المشاركة فى مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان، التى أطلقتها الدولة من أجل تقديم إنسان واعٍ ومتعلم ومثقف للمجتمع، من خلال تقديم عدة نشاطات فى القطاعات الصحية، التعليمية، الثقافية، السلوكية.
من جانبه أكد د. أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، أن المساجد تلعب دوراً حيوياً فى رفع وتنمية الوعى المجتمعى، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل بشكل مستمر على تعزيز هذا الدور، من خلال برامج دعوية تهدف إلى نشر القيم الأخلاقية وتعزيز الوعى الثقافى والدينى لدى أفراد المجتمع. ولفت «الأزهرى» إلى أن المساجد أصبحت منابر أساسية لتوجيه الأفراد نحو التمسك بالقيم الإنسانية والإسلامية التى تساهم فى بناء مجتمع متماسك ومؤثر. وأوضح «الأزهرى»، فى تصريحات له، أن الوزارة أطلقت عدة مبادرات تهدف إلى تعزيز دور المساجد فى المجتمع، ومن أبرزها حملة لمواجهة التفكك الأسرى التى تم إطلاقها عبر مجلة «وقاية»، التى تناولت قضايا مهمة، مثل التفكك الأسرى وأثره السلبى على الأفراد والمجتمع. وأوضح الوزير أن هذه المبادرات تركز على تقديم حلول فكرية وفلسفية لتعزيز تماسك الأسرة المصرية، ما يسهم بشكل مباشر فى التنمية المستدامة وبناء الوطن.
وشدد وزير الأوقاف على أهمية الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعى والقنوات الفضائية كأداة لتوجيه الأفراد وتعزيز التفاعل المجتمعى الإيجابى. كما أكد ضرورة التعاون بين جميع الوزارات المعنية لتحقيق تكامل الجهود نحو بناء الشخصية المصرية والوعى المجتمعى، مع توظيف السوشيال ميديا بشكل إيجابى لتعزيز القيم الإنسانية والاجتماعية.
وأشار «الأزهرى» إلى أن المساجد تعد الوسيلة المثلى لتعزيز الوعى المجتمعى، من خلال خطب ودروس دعوية، وهو ما يعزز الروابط بين أبناء المجتمع. كما أشار إلى ضرورة توعية الأفراد بمخاطر الانغماس فى وسائل التواصل الاجتماعى دون وعى، مع التأكيد على أهمية استخدامها فى رفع الوعى الدينى والثقافى. وسلط «الأزهرى» الضوء على المبادرة الجديدة المتعلقة بعودة الكتاتيب، التى تأتى ضمن خطة الوزارة لإحياء هذا النظام التعليمى التقليدى، وتهدف هذه الكتاتيب إلى تعليم الأطفال القرآن الكريم وتربيهم على الأخلاق الإسلامية، مع غرس حب الوطن وتدعيم المبادئ الإنسانية فى وجدانهم. وقال «الأزهرى»: «الهدف من هذه الكتاتيب ليس فقط حفظ القرآن، بل بناء وعى حقيقى لدى الأجيال القادمة وتزويدهم بالقيم الأساسية التى تشكل شخصيتهم». وأكد وزير الأوقاف أن الكتاتيب ستكون منارة للعلم والمعرفة، تسهم فى بناء شخصية الإنسان على الخلق القويم، وترسخ معانى الصلة والود بين أفراد المجتمع، مشيراً إلى أن الوزارة تنسق مع مؤسسات الدولة المختلفة لعودة هذه الكتاتيب إلى القرى والمدن لتكمل دور وزارة التربية والتعليم فى تعليم الأطفال.
وأكد الدكتور القس أندريه زكى، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، والهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، أن الهيئة تحرص على المشاركة فى بناء الوعى المجتمعى، وتسليط الضوء على قضايا معاصرة، وإبراز الدور الفاعل للكنيسة فى التنمية، بما يتسق مع رؤية الدولة المصرية فى دعم مصادر المعرفة وبناء الإنسان. فيما قال الأنبا باخوم، النائب البطريركى لشئون الإيبارشية البطريركية للأقباط الكاثوليك، مسئول اللجنة الأسقفية للإعلام بالكنيسة الكاثوليكية بمصر، أن الكنيسة تعمل على بناء الإنسان وتشكيل الوعى بصفة عامة بما لا يقتصر على الجانب الروحى فقط وإنما يمتد ليشمل الجانب الاجتماعى والثقافى والنفسى، مشيراً إلى ضرورة نشر الروح الوسطية فى المجتمع من قبول الآخر واحترام الحقوق.