هناك إبادة جماعية تحدث على بُعد مسافة قريبة منا.. اضطهاد قاس لا يمكن وصفه بالكلمات.. كل يوم، عشرات النساء والأطفال الفلسطينيين يفقدون حياتهم. وهذه الإبادة الجماعية تتواصل أمام أعين العالم بكل وحشيتها. عندما تنظرون إلى الخرائط، قد تعتقدون أنها بعيدة، لكن الحقيقة أن البُعد بيننا لا يتجاوز 700، أو حتى 800 كيلومتر فقط.
لدينا تعبير شائع نستخدمه؛ "ورقة عباد الشمس" (لفحص الأحماض). تعرفونه أليس كذلك؟ تغمس الورقة بالفحص، فيميز بين المادة الحمضية والمادة القاعدية. في المجاز، نستخدم هذا التعبير للدلالة على الأشياء التي تفصل بين الخير والشر، والرحيم والظالم، والصحيح والخطأ، وإذا كان للعالم ورقة كهذه اليوم، فإنها غزة بلا شك، إنها تكشف بكل وضوح أكاذيب الديمقراطية، وعلاقات القوة، وحتى حضارة الغرب، لتميز بين الخير والشر.
يريدون منا ألا نرى هذا الأمر.. يريدون منا أن ندير ظهورنا.. يريدون منا أن ننشغل بقضايا تافهة حتى لا نرى غزة، ولا نواجه الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، وننغلق على أنفسنا، ونتصارع مع بعضنا بعضا.
يريدون منا أن نتشاجر ونتقاتل، لهذا السبب يتم إجراء أنواع مختلفة من الهندسة الاجتماعية في جميع أنحاء المنطقة، وبالطبع في العالم الإسلامي أيضا.
يراد لغضبنا وسخطنا أن يُوجه نحو أماكن أخرى غير إسرائيل
يراد لغضبنا وسخطنا أن يُوجه نحو أماكن أخرى غير إسرائيل.. لكي نتحول فجأة من أشخاص عاقلين إلى عقارب تلدغ نفسها، ولكي ننسى كل ما تعلمناه من ديننا. لا تنخدعوا أمام هذه الحيلة! حذّروا وأيقِظوا كل الشرائح التي يتم تحريضها من حولكم! قفوا أمام الذين يتبعون السارق! كونوا إنسانيين، وتحلوا دائما بالإنسانية! هل هناك خطأ سياسي؟ عبروا عنه، ومارسوا سياسة معارضة لهذا الخطأ، ولكن لا تتسامحوا مع أولئك الذين يريدون إطفاء عقولكم وقلوبكم بالحقد.
لا ترسموا خطوط الظلم في وجوهكم حتى تشعروا بالخجل عندما تنظرون إلى المرآة، فندمكم الأخير لن ينفعكم.
الدول الغربية التي تدعي أنها حضارية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تدعم الإبادة الجماعية في غزة منذ 9 أشهر، وفي المقابل تثير ضجة عالمية بدعوى إنقاذ العالم من التغير المناخي. يقولون: "دعونا نترك الكوكب نظيفا لأحفادنا".
لقد اخترعوا مصطلحا يعرف بالاحتباس الحراري، وأصبحوا يربطون كل شيء به… يخلقون حالة إنذار على نطاق عالمي. ويتخذون في هذا الصدد العديد من الإجراءات التي تجبر الحكومات على الامتثال لحججهم.
وتضطر الحكومات للرضوخ، لأنه عندما لا تلتزم تتعرض للإقصاء بشكل علني. يدعون بأنهم يفكرون في الإنسان، ويفكرون في مستقبلنا.. ويفكرون في كوكبنا.. ويفكرون في الأطفال.. الكلمات الرنانة تتطاير في الهواء، أما منظماتنا التي تحصل على تمويل منهم، فإنها تكتب أيضا؛ "البصمة الكربونية تسرق مستقبل الأطفال".
لو أننا لا نعرف حقيقتهم، لكنا سنصدق أن محبة الأطفال وصلت إلى ذروتها عندهم. في غزة، يموت مئات الأطفال يوميا بسبب القنابل والجوع، فهل هذه القوى التي تزعم بأنها تسعى جاهدة إلى تتبع البصمة الكربونية، تلفت أنظارها وتنصت إلى أنين وصرخات هؤلاء الأطفال؟
الغرب نفسه مسؤول مباشرة عن المجازر التي يرتكبها الصهاينة في غزة
خلاصة الكلام؛ الغرب نفسه مسؤول مباشرة عن المجازر التي يرتكبها الصهاينة في غزة، ومن المؤكد أن الصهاينة، وحوش الأرض، سيدفعون ثمن ذلك. هذه الكائنات «ذات الجينات الملوثة» تشكل تهديدا مشتركا للجنس البشري بأكمله! سيتم وصف هؤلاء بالمجتمع المشؤوم في الأرض، أعتقد أن هذا سيتحقق قريبا. ويتعين على الشعوب الإسلامية أيضا أن تطلق ثورتها الداخلية ضد الدول الإسلامية التي تلتزم الصمت وتدعم بشكل غير مباشر المذابح في غزة منذ أشهر.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإبادة الجماعية غزة الدول الغربية غزة الاحتلال الإبادة الجماعية الدول الغربية مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة فی غزة
إقرأ أيضاً:
صوت العدالة في زمن الإبادة.. كيف أزعج البابا فرنسيس إسرائيل؟
بينما كان العالم يغرق في صراعات دامية، حافظ البابا فرنسيس على مكانته كأحد أبرز الأصوات الأخلاقية التي وقفت في وجه الظلم، خصوصًا في ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة.
وعبّر طوال فترة بابويته عن مواقفه المناصرة للسلام والعدالة، متحديًا الروايات السائدة، ورافضًا الصمت أمام ما وصفه بـ"الإبادة الجماعية" التي تُرتكب بحق المدنيين الفلسطينيين. ومع وفاته، ظهرت ردود الفعل الإسرائيلية التي عكست حرجًا سياسيًا ودبلوماسيًا، بل وعداءً مبطنًا لشخصه ومبادئه.
ومنذ اعتلائه سدة البابوية، رسم البابا فرنسيس صورة رجل الدين الإنساني، الحاضر في آلام الشعوب، والمدافع عن المظلومين.
وفي واحدة من آخر خطاباته قبل وفاته، وصف ما يجري في غزة بأنه "إبادة جماعية" تستدعي التحقيق والمساءلة، في موقف نادر الوضوح من زعيم ديني بحجم بابا الفاتيكان تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ردًا على مواقف البابا الراحل، اختارت إسرائيل خفض تمثيلها في جنازته، إذ اكتفت بإيفاد سفيرها لدى الفاتيكان، يارون سيدمان، دون مشاركة رفيعة المستوى، في وقت تستعد فيه الدول الكبرى لإرسال رؤساء دول أو أفراد من العائلات الملكية. هذا القرار، بحسب وكالة "رويترز"، يعكس التدهور الكبير في العلاقات بين تل أبيب والفاتيكان منذ اندلاع الحرب على غزة عام 2023.
عقب إعلان وفاة البابا، نشر حساب رسمي للحكومة الإسرائيلية على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) رسالة تعزية تضمنت صورة للبابا وهو يزور حائط البراق، لكن تم حذفها لاحقًا دون تفسير.
ونقلت صحيفة "جيروزالم بوست" عن مصادر في الخارجية الإسرائيلية قولها إن المنشور نُشر عن طريق الخطأ، ما يعكس ارتباكًا داخل مؤسسات الاحتلال في التعامل مع رحيل شخصية دينية نددت بجرائمهم علنًا.
اقتصر رد فعل السفارة الإسرائيلية لدى الفاتيكان على إعادة نشر تعزية الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، الذي وصف البابا بأنه "رجل يتمتع بإيمان عميق ورحمة لا حدود لها"، دون أي إشادة بمواقفه أو حضوره الديني والسياسي.
شهدت العلاقات بين إسرائيل والفاتيكان توترًا متصاعدًا منذ بدء العدوان على غزة. فقد ضغط السفير الإسرائيلي السابق لدى الفاتيكان، رافائيل شوتز، على أمانة الدولة في الكرسي الرسولي للضغط على البابا كي يدين حماس، إلا أن الفاتيكان تمسك بمواقفه المتوازنة. وفي تصريحات علنية، وصف الكاردينال بيترو بارولين، وزير خارجية الفاتيكان، الرد الإسرائيلي بأنه "غير متناسب"، ما قوبل بانتقاد رسمي من السفارة الإسرائيلية، قبل أن تعود وتتراجع عنه بحجة "سوء الترجمة".
في نوفمبر الماضي، دعا البابا فرنسيس المجتمع الدولي إلى دراسة ما إذا كانت الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. وفي يناير، وصف الوضع الإنساني في القطاع بأنه "مخز"، ما أثار غضب بعض الشخصيات الدينية اليهودية، وعلى رأسهم الحاخام الرئيسي في روما.
حتى في ظل مرضه، لم يتوقف فرنسيس عن التنديد بالقصف الإسرائيلي، إذ خرج في مارس الماضي من نافذة مستشفى بروما ليطالب بوقف "صوت السلاح"، مؤكدًا أن "الأبرياء تعبوا من الموت".
وفي آخر رسالة له بمناسبة عيد الفصح، وقبل وفاته بساعات، دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، والإفراج عن الأسرى، مشددًا على تضامنه مع "الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء".
دعم لفلسطين وانتقاد للاحتلاللطالما تبنى البابا فرنسيس مواقف مؤيدة لحقوق الفلسطينيين. ففي زيارته للأراضي الفلسطينية عام 2014، ترجل بشكل مفاجئ عند جدار الفصل العنصري، واصفًا إياه بـ"جدار الألم"، رغم محاولات إسرائيل منع اقترابه منه.
وفي لقاءاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، شدد على ضرورة وقف الاستيطان، واعتبر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة "مشينًا". كما اعترف عام 2015 بدولة فلسطين على المستوى الدبلوماسي، في خطوة أغضبت إسرائيل بشدة.
برحيل البابا فرنسيس، يفقد العالم صوتًا إنسانيًا نادرًا، اختار الانحياز إلى الضحايا، لا إلى موازين القوى. كما تنكشف في ردود أفعال إسرائيل الرسمية تجاه رحيله صورة أعمق من مجرد اختلاف سياسي، إنها صورة الحرج من رجل دين لم يتردد في تسمية الأشياء بأسمائها، ووضع العدالة قبل التحالفات. فرنسيس لم يكن مجرد بابا، بل كان شاهدًا على المأساة، وصوتًا صارخًا في وجه آلة القتل، حتى الرمق الأخير.