جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-18@17:45:45 GMT

الآباء الهليكوبتر

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

الآباء الهليكوبتر

 

 

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية

 

في مجتمعاتنا العربية كلنا يتذكر الأيام الخوالي بحسرة، حيث كان الطفل يتلقى التربية داخل المنزل وخارجه، في الشارع وفي الحارة وفي السبلة العامة، وكان الأب يغدو شاكرًا لكل من قوم خلقًا لابنه، كما أن اصطحاب الأب لولده إلى المعلم وبيده العصا قائلاً بكل حزم وثقة: "سلم العيون" أي أنَّه يعطيه الرخصة أن يضربه إن لزم الأمر لتعليمه على أن لا يضربه على الوجه، كان ديدن السواد الأعظم من الآباء قديمًا، لمكانة المعلم العظيمة لدى أولياء الأمور، ولثقتهم به بأنَّه سيعلم ويُربي، وكان الصاحب لا يخرج عن زميل الدراسة أو ابن الجيران أو ابن أحد معارف الوالدين، لذا كان الوالدان على اطلاع جيِّد بأقران أبنائهم.

كانت البيوت سابقًا كبيرة تتسع للأسرة من ثلاثة أجيال وأكثر، وكانت التكنولوجيا حتى البسيطة منها بعيدةً كل البعد عن الحياة اليومية قديمًا، لذا كان الأب والأم منشغليْن عن التركيز على تربية كل طفل على حدةٍ، لأنَّ الأسرة الواحدة لا يقل عدد الأطفال بها عن خمسة أطفال في المتوسط، ومع عمل المنزل المضني وعدم وجود الكهرباء كان الجميع يغفو بعد صلاة العشاء مباشرة، وكان الإخوة الأكبر سنا يقومون بالاهتمام بإخوتهم الأصغر سنًا، فالأم مشغولة بالأعمال المنزلية، والأب في عمله باحثاً عن الرزق، ثم ظهر الجيل (X) وهم مواليد منتصف ستينيات إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، الذين أحاطوا أبناءهم بالرعاية المفرطة وبخاصة في التعليم، فهم من ناحية يريدون تعويض الأبناء عما فقدوه هم في نشأتهم، ومن ناحية أخرى أصبحوا يتنافسون مع غيرهم من الآباء في نوعية التعليم وأنشطة ما بعد المدرسة التي يقدمونها لأبنائهم، وبالتالي عزلوا أبناءهم عن التواصل الاجتماعي الواقعي.

ظهر مصطلح (الآباء الهليكوبتر) لأول مرة في عام 1969 في كتاب "بين الآباء والأبناء" لعالم النفس الأمريكي "حاييم جينوت"، ليصف بذلك بعض الآباء الذين يحاصرون أبناءهم في كل شيء، ويظلون يحومون حولهم مُراقبين جميع تصرفاتهم، وحذر من هذه النوعية من الآباء، وعلى الرغم من أنَّ هذا الكاتب قصد بذلك المصطلح الآباء من مواليد أربعينيات إلى ستينيات القرن الماضي، إلا أن المصطلح انتشر انتشارا واسعا وتم ضمه إلى معاجم اللغة الإنجليزية؛ حيث ازداد عدد الآباء الهليكوبتر مع مرور الوقت ليشمل الأجيال (X) و(Y).

عالم النفس الاجتماعي "جوردن بيترسون" تحدث عن الإهمال المُفيد (usefully neglectful) وأهمية المساحات الصحية بين الآباء والأبناء، الحماية الزائدة خطيرة جداً على الأبناء، فعزل الطفل عن الواقع الحقيقي يحرم الطفل من الآليات النفسية التي تجعله يتعامل مع ما/من حوله، لذلك فالجيل (X) أصبحوا آباءً للجيل المعروف اليوم بالجيل (Z)، وأن عامل ارتفاع سن الوالدين أثر على صناعة هذا الجيل اليوم؛ حيث إن الفتيات والشباب لا يتزوجون في سن مبكرة كما كان يحدث في الماضي، ومع ارتفاع المعرفة ومستويات التعليم لهما أصبح عاملًا إضافيًا لأسلوب التربية التي ينتهجونها، لذا فإن إنجابهم لطفل أو طفلين جعلهم يغدقونهم بالاهتمام والرعاية المفرطين، ومع التكنولوجيا واتساع رقعة الأصدقاء كميًا ومكانيًا أصبح للطفل موارد خارجية للتربية، وهذا ما جعل الوالدين يحاولان ملء وقت الطفل بأنشطة خارجية بدنية وذهنية، ليعود الطفل منهكًا إلى فراشه مساء، وأفرطوا في حماية أبنائهم من كل شيء، ويتصدرون المواقف ويقومون باتخاذ القرارات نيابة عن أبنائهم، ليخرج جيل اليوم اتكالياً على والديه أحدهما أو كلاهما، وهذا ما حدث من الجيل (Z) الذي تخرجت الأفواج الأولى منه ودخلت سوق العمل، وصدموا بالعالم الواقعي، فوصفوا بالهشاسة النفسية (رقائق الثلج) لدرجة أن أحد علماء النفس الأمريكيين اعتبر هذا الجيل أزمة قومية (National Crisis)، لهشاشته وضعفه أمام المواقف الواقعية، لذا يجب أن ننتبه إلى هذا الجيل ونحاول دمجه في الواقع، وأن نعطيه مساحات معقولة من المسؤولية الواقعية، وأن نكف أن نكون يديه ورجليه وعقله.

-------------------------------------------------------------

توقيع:

"من عيرك شيئًا ففيه مثله، ومن ظلمك وجد من يظلمه، وإذا نهيت عن الشيء فابدأ بنفسك، ولا تشاور مشغولا وإن كان حازماً، ولا جائعاً وإن كان فاهما، ولا مذعورا وإن كان ناصحا". قس بن ساعدة الإيادي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نصائح للآباء والأمهات للتعامل مع الطفل الجاحد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تربية الأبناء من المسؤوليات الصعبة على الآباء والأمهات لنها تحتاج الى وعي وحكمة للكثير من الأمور التي تحدث مع الطفل حتى يتعامل الام والاب معها بشكل صحيح فهناك طباع معينة للاطفال من الصعب التعامل معها وتحتاج لحسن تصرف فهناك الكثير من المتاعب والصعوبات التي تجعل الأم والاب يشعرون بالتعب والعجز لكن عليهم الصبر والتفهم والوعي، كما ان كل طفل يختلف عن الآخر، فلا يمكن تطبيق طريقة واحدة في تربية أبنائهم، ومن ضمن المشاكل التي قد تواجه الاهل هي جحود الأطفال.
 

-علامات تدل ان الطفل جاحد:

*لا يستطيع أن يسمع كلمة لا ولا يتقبل الرفض او العقاب.

*عدم تقبل الهدايا التي لا يريدها في عيد ميلاده مثلا حتى لو كانت الهدايا متعددة ويرفض ويبدى انزعاجه.

*رفض الطفل اتباع القواعد فالطفل الجاحد لا يرغب في تطبيق حتى أبسط القواعد في المنزل، ويغضب عند فرض أمر معين عليه.

*الغضب المتكرر كتعبير عن رفضه لأمر معين أو استيائه من قرار اتخذه الأهل بحقه.

*عدم شكر أحد فعندما يقدم الأهل لأطفالهم أشياء تسعدهم يتمنون أن يسمعوا منهم كلمة "شكراً" أو أن يظهروا الامتنان بطريقة معينة، ولكن الطفل الجاحد لا يشكر أحداً مهما قدم له.

 

-أسباب جحود الطفل :

*عدم التفكير المنطقي قبل تلبية طلبات الطفل حيث يسعى الأهل غالباً إلى جعل طفلهم سعيداً، فيسارعون إلى تلبية طلباته.

*عدم إعطاء الطفل مساحة ليكتشف العالم بسبب حماية الآباء لدرجة جعل الطفل يعيش في فقاعة خالية من مخاطر الواقع ويعتقد ان كل الامتيازات حقوقه والحياة خالية من المشاكل وغير ممتن لوجود اي شيء بحياته ولا يشعر بقيمته.

*عدم منح الطفل الاستقلالية لتحكم الأهل بالطفل وبجميع قراراته وعدم السماح له بالقيام بالأمور التي يرغب فيها حتى وإن كانت طلباته منطقية ويمكنهم تحقيقها وفرض امور اخرى عليه تجعله جاحدا.

*عدم ربط المكافآت بسلوك الطفل فيجب أن يجتهد ليحصل على ما يريد ليشعر بقيمتها ويكون ممتناً لحصوله عليها مما يحفزه على بذل المزيد من الجهد للحصول على المكافآت ويحافظ على سلوكه الجيد مع أهله والآخرين.
 

-نصائح للتعامل مع الطفل الجاحد:

*عندما يظهر الطفل عدم امتنانه لأمر معين، عليك أن تناقشه وتعرف وجهة نظره وشرح وجهة نظرك .

*من الضروري أن تحافظ على هدوئك وتبتعد عن الغضب في النقاش مع الطفل الجاحد واخطاءه لأن ذلك يصعب الموقف.

*لا يجب تلبية طلبات الطفل فوراً بشكل دائم وعلى الأهل جعله ينتظر ليوم أو حتى يومين قبل أن يحقق ما يريد، فمثلاً عندما يطلب لعبة جديدة وإن كان باستطاعة الأهل جلبها فوراً.

*مشاركة طفلك بالنشاطات والأعمال الخيرية والتطوعية كي يرى أن الكثيرين من الناس يحتاجون إلى المساعدة وأن الحياة الواقعية صعبة جداً مما يجعله يشعر بالامتنان إلى ما لديه ويشكر الآخرين إن قام أحدهم بلفتة صغيرة تجاهه.

*يجب أن تكون قدوة صالحة لطفلك لأن الطفل يتعلم أولاً من والديه، فإن كل ما تتصرفه سيتعود ابنك عليه ويتصرفه معك ومع الآخرين لذلك يجب أن يكون اللطف من عاداتك في التعامل مع الآخرين، إضافة إلى الصفات الجيدة التي ترغب في رؤيتها في أبنائك مستقبلاً.

*يجب على الأب أن يشارك في تربية أبنائه إذ إن بعض الآباء يهتمون بتوفير المال لعائلتهم دون مشاركة أبنائهم في اللعب أو في تدريسهم مثلاً فيصبح الأب في نظر الأبناء كممول للعائلة دون وجود مشاعر المحبة تجاهه، ومن ثم لن يقدروا أياً من جهوده لعدم قربه منهم.

*الانتباه إلى أصدقاء أبنائك فقد يغير الطفل الكثير من عاداته نتيجة لما يراه من أصدقائه لذلك من الضروري إن لاحظ الأهل تصرفات لم تعجبهم في الأصدقاء أن ينبهوا الطفل لها كي لا يقلد صديقه ومن الأفضل أن يبتعد عنه.

مقالات مشابهة

  • 4 عبارات مؤذية نفسيا لا تقلها لطفلك.. أبرزها بلاش عياط
  • حسابات المراهقين الجديدة من إنستغرام تعزز حماية المستخدمين الأقل من 16 عاما
  • نصائح للآباء والأمهات للتعامل مع الطفل الجاحد
  • "الجارديان": قيود على حسابات المراهقين على "إنستجرام" لتعزيز إشراف الآباء
  • بطل الإيمان الأرثوذكسي.. الكنيسة القبطية تحيي ذكرى وفاة "البابا ديسقورس"
  • انتشال جثة طفل غرق في نيل "جريس" بالمنوفية
  • جمال سليمان يُحاول فك شفرة الجيل الجديد في مُسلسل "مين قال" يوميًا على "MBC مصر"
  • وفاة طفل غرقًا في سد مائي بمأرب
  • “زين”.. الأفضل في استراتيجيات تطوير الأعمال في الجيل الخامس
  • دراسة تشير لخطر يصيب الأطفال نتيجة انشغال آبائهم بهواتفهم الذكية