جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-26@04:01:43 GMT

الآباء الهليكوبتر

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

الآباء الهليكوبتر

 

 

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية

 

في مجتمعاتنا العربية كلنا يتذكر الأيام الخوالي بحسرة، حيث كان الطفل يتلقى التربية داخل المنزل وخارجه، في الشارع وفي الحارة وفي السبلة العامة، وكان الأب يغدو شاكرًا لكل من قوم خلقًا لابنه، كما أن اصطحاب الأب لولده إلى المعلم وبيده العصا قائلاً بكل حزم وثقة: "سلم العيون" أي أنَّه يعطيه الرخصة أن يضربه إن لزم الأمر لتعليمه على أن لا يضربه على الوجه، كان ديدن السواد الأعظم من الآباء قديمًا، لمكانة المعلم العظيمة لدى أولياء الأمور، ولثقتهم به بأنَّه سيعلم ويُربي، وكان الصاحب لا يخرج عن زميل الدراسة أو ابن الجيران أو ابن أحد معارف الوالدين، لذا كان الوالدان على اطلاع جيِّد بأقران أبنائهم.

كانت البيوت سابقًا كبيرة تتسع للأسرة من ثلاثة أجيال وأكثر، وكانت التكنولوجيا حتى البسيطة منها بعيدةً كل البعد عن الحياة اليومية قديمًا، لذا كان الأب والأم منشغليْن عن التركيز على تربية كل طفل على حدةٍ، لأنَّ الأسرة الواحدة لا يقل عدد الأطفال بها عن خمسة أطفال في المتوسط، ومع عمل المنزل المضني وعدم وجود الكهرباء كان الجميع يغفو بعد صلاة العشاء مباشرة، وكان الإخوة الأكبر سنا يقومون بالاهتمام بإخوتهم الأصغر سنًا، فالأم مشغولة بالأعمال المنزلية، والأب في عمله باحثاً عن الرزق، ثم ظهر الجيل (X) وهم مواليد منتصف ستينيات إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، الذين أحاطوا أبناءهم بالرعاية المفرطة وبخاصة في التعليم، فهم من ناحية يريدون تعويض الأبناء عما فقدوه هم في نشأتهم، ومن ناحية أخرى أصبحوا يتنافسون مع غيرهم من الآباء في نوعية التعليم وأنشطة ما بعد المدرسة التي يقدمونها لأبنائهم، وبالتالي عزلوا أبناءهم عن التواصل الاجتماعي الواقعي.

ظهر مصطلح (الآباء الهليكوبتر) لأول مرة في عام 1969 في كتاب "بين الآباء والأبناء" لعالم النفس الأمريكي "حاييم جينوت"، ليصف بذلك بعض الآباء الذين يحاصرون أبناءهم في كل شيء، ويظلون يحومون حولهم مُراقبين جميع تصرفاتهم، وحذر من هذه النوعية من الآباء، وعلى الرغم من أنَّ هذا الكاتب قصد بذلك المصطلح الآباء من مواليد أربعينيات إلى ستينيات القرن الماضي، إلا أن المصطلح انتشر انتشارا واسعا وتم ضمه إلى معاجم اللغة الإنجليزية؛ حيث ازداد عدد الآباء الهليكوبتر مع مرور الوقت ليشمل الأجيال (X) و(Y).

عالم النفس الاجتماعي "جوردن بيترسون" تحدث عن الإهمال المُفيد (usefully neglectful) وأهمية المساحات الصحية بين الآباء والأبناء، الحماية الزائدة خطيرة جداً على الأبناء، فعزل الطفل عن الواقع الحقيقي يحرم الطفل من الآليات النفسية التي تجعله يتعامل مع ما/من حوله، لذلك فالجيل (X) أصبحوا آباءً للجيل المعروف اليوم بالجيل (Z)، وأن عامل ارتفاع سن الوالدين أثر على صناعة هذا الجيل اليوم؛ حيث إن الفتيات والشباب لا يتزوجون في سن مبكرة كما كان يحدث في الماضي، ومع ارتفاع المعرفة ومستويات التعليم لهما أصبح عاملًا إضافيًا لأسلوب التربية التي ينتهجونها، لذا فإن إنجابهم لطفل أو طفلين جعلهم يغدقونهم بالاهتمام والرعاية المفرطين، ومع التكنولوجيا واتساع رقعة الأصدقاء كميًا ومكانيًا أصبح للطفل موارد خارجية للتربية، وهذا ما جعل الوالدين يحاولان ملء وقت الطفل بأنشطة خارجية بدنية وذهنية، ليعود الطفل منهكًا إلى فراشه مساء، وأفرطوا في حماية أبنائهم من كل شيء، ويتصدرون المواقف ويقومون باتخاذ القرارات نيابة عن أبنائهم، ليخرج جيل اليوم اتكالياً على والديه أحدهما أو كلاهما، وهذا ما حدث من الجيل (Z) الذي تخرجت الأفواج الأولى منه ودخلت سوق العمل، وصدموا بالعالم الواقعي، فوصفوا بالهشاسة النفسية (رقائق الثلج) لدرجة أن أحد علماء النفس الأمريكيين اعتبر هذا الجيل أزمة قومية (National Crisis)، لهشاشته وضعفه أمام المواقف الواقعية، لذا يجب أن ننتبه إلى هذا الجيل ونحاول دمجه في الواقع، وأن نعطيه مساحات معقولة من المسؤولية الواقعية، وأن نكف أن نكون يديه ورجليه وعقله.

-------------------------------------------------------------

توقيع:

"من عيرك شيئًا ففيه مثله، ومن ظلمك وجد من يظلمه، وإذا نهيت عن الشيء فابدأ بنفسك، ولا تشاور مشغولا وإن كان حازماً، ولا جائعاً وإن كان فاهما، ولا مذعورا وإن كان ناصحا". قس بن ساعدة الإيادي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي وحروب الجيل الرابع.. لقاء تثقيفي بالفيوم

نظم مركز إعلام الفيوم التابع للهيئة العامة للاستعلامات، لقاء تثقيفيا بالتعاون مع كلية التربية الرياضية بعنوان تعزيز الهوية المصرية.. حروب الجيل الرابع ومناهضة الأفكار الهدامة، بحضور الدكتور أشرف العباسي وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث، والدكتور  أحمد سلامة استاذ نظم المعلومات بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي، والمدير التنفيذي لشبكة معلومات جامعة الفيوم، ومشاركة لفيف من أعضاء هيئة التدريس والعاملين وطلاب الكلية.

يأتي اللقاء في إطار حرص قطاع الإعلام الداخلي بالهيئة العامة للاستعلامات بقيادة د. احمد يحيى رئيس القطاع على المشاركة في فعاليات المبادرة الرئاسية بداية جديدة لبناء الإنسان المصري والاستثمار في رأس المال البشري.

زيادة وعى الشباب

وفي كلمة افتتاحية ذكرت سهام مصطفى مدير مركز اعلام الفيوم أن الهيئة العامة للاستعلامات تسعى من خلال الحملات الاعلامية إلى زيادة وعي الشباب ورفع إدراكه بالمخاطر المحيطة به في مختلف الجوانب إيماناً بتوجهات الدولة المصرية؛ نحو تطوير الإنسان، وتعزيز قدراته في جميع المجالات .

وناقش اللقاء مفاهيم الهوية الثقافية والوطنية وكيفية الحفاظ عليها، ومشكلات الغزو الثقافي، وكيفية حماية عقول الشباب، وتعزيز دور الأسرة ومؤسسات 
الدولة، وأوضح الدكتور  أشرف العباسي أن هناك أهمية بالغة للعودة إلى القيم والحفاظ عليها، والتركيز على حضارتنا العريقة، خاصة في ظل وجود كثير من التحديات التي أثرت في وجهة نظر الشباب ومعتقداتهم الثقافية والفكرية، مؤكداً أنه مهما بلغت التحديات والصعوبات، التي نواجهها فإن الدولة المصرية بوزاراتها وهيئاتها المختلفة، تتعاون باستمرار من أجل ضمان غد أفضل لأبنائنا وللأجيال المقبلة قائم على أسس وجذور ومعايير تحافظ على الهوية الوطنية، وتحمي الشباب من الغزو الثقافي والأفكار الدخيلة.

وحول مفهوم الغزو الثقافي، أضاف أنه عبارة عن مجموعة السياسات والممارسات التي تنتهجها أمة بذاتها لاستهداف أمة بعينها، مشدداً على  أنه أكثر خطورة من الغزو العسكري، ويستهدف القيم الوطنية، وينال من المعتقدات الدينية ويزعزع القيم والأفكار والعادات والتقاليد التي تحكم أبناء الأمة، كما يستهدف عقول الشباب من خلال الذوبان في الثقافات المختلفة والانسلاخ من الهوية الوطنية ؛ وأشار أنه لحماية الشباب من  مخاطر الغزو الفكري والثقافي، ينبغي أن يتعلم الشباب ويتدرب جيدًا على كيفية انتقاء العناصر التي لا تتنافى مع قيمنا الثقافية، إلى جانب أهمية دور الأسرة والدور التكاملي للمؤسسات التعليمية المختلفة بالدولة.

ومن جانبه تحدث الدكتور احمد سلامة عن  الحروب السيبرانية وكيف توظف الدول التكنولوجيا في صراعاتها ،كما تطرق إلى تطور آليات الحرب النفسية نتيجة التطور التكنولوجي في طرق وأساليب الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، للعمل على هدم النظم والأسس والمبادئ التي تقوم عليها الدول بالتشكيك والشائعات، أو جذب مجموعة من الشباب بالخداع والتضليل والتلاعب بمدركاتهم، وإثارة سخطهم على الأوضاع القائمة للعمل ضد الدولة، و الانتقاص من شرعية الحكومات ونظم الحكم القائمة، والتشكيك في مصداقية وسائل الإعلام التقليدية من خلال إثارة التوترات المجتمعية، والترويج للأفكار المتطرفة والهدامة، وبث الشائعات ونشر الأخبار الكاذبة التي تزداد خطورتها بالنظر إلى أن مستقبلي الشائعات الذين يساعدون على ترويجها ليسوا أعداء وإنما هم عادة، مواطنون صالحون تعرضوا للخداع، وتحولوا إلى أدوات لترديد ونشر الأكاذيب دون أن يدركوا أنهم فريسة.

وفى سياق متصل نوه سلامة الى ضرورة زيادة الوعى الإلكترونى لدى الشباب لمواجهة التحديات التى يفرضها العالم الرقمى وأيضا لمواجهة حروب الجيل الرابع والخامس ، كما تحدث عن أهمية الذكاء الإصطناعى فى المستقبل واستخدامه في مجالات عديدة ،  ومدي محاكاته للقدرات الذهنية للعقل البشري، ومقدرته علي  الخروج ببدائل فائقة الذكاء، وغير عادية مضيفا أن استخدام الذكاء الاصطناعي يتطلب وجود بيئة فضاء معلوماتي متطورة ودفاع سيبراني محكم وقوة رقمية وأشخاص مؤهلين ذوي كفاءة عالية وتحدث أيضًا عن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات المستمدة من منصات التواصل الاجتماعي مما يعزز القدرات العسكرية للدول .

وفي نهاية اللقاء تم فتح باب المناقشة والحوار مع الطلاب والرد على تساؤلاتهم المختلفة بهدف إثراء أفكارهم ، واكد الحاضرون على أهمية مواكبة التكنولوجيات المتقدمة، وفي صدارتها؛ الذكاء الاصطناعي، بتقنياته المختلفة،  داعين الطلاب لصُنع قدراتهم، وتنميتها، واستثمار هذه المستجدات التكنولوجية في التسلح بالعلوم، والمعارف؛ ليكونوا قادرين على تلبية المتغيرات الجديدة التي يقتضيها سوق العمل محلياً، وعالمياً ، مدركين المخاطر المختلفة في ظل ما تشهده حدود الدولة من أحداث ملتهبة، وعدم التجاوب مع أيه محاولات لحروب الجيل الرابع من خلال وسائل التواصل الإجتماعي، بالإضافة الى ضرورة الحفاظ على لغتهم العربية وهويتهم الوطنية، وزيادة الانتماء والولاء لوطنهم .

أدار اللقاء شيماء الجاحد المسئول الإعلامي بالمركز تحت اشراف سهام مصطفى مدير المركز

1000021678 1000021681 1000021672 1000021675 1000021666 1000021669

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي وحروب الجيل الرابع.. لقاء تثقيفي بالفيوم
  • الري تستعرض تاريخ التعاون بين مصر ودول حوض النيل ومحاور الجيل الثانى
  • حزب الجيل عن رفع 716 اسما من قوائم الإرهاب: الدولة تفتح ذراعيها لكل أبنائها
  • «الجيل»: جماعة الإخوان تنشر الأكاذيب بهدف التشكيك في إنجازات الدولة ومؤسساتها
  • قيادي بـ«حزب الجيل»: مصر تواجه حرب شائعات تستهدف زعزعة استقرارها
  • الأنبا زوسيما يترأس عشية رحيل القديس مارمينا بكنيسة صول
  • مقاتلة الجيل السادس الصينية.. ماذا تعرف عن الإمبراطور الأبيض؟
  • شبكات الجيل السادس قد تكون أسرع 9000 مرة من الجيل الخامس
  • بعد حكم الدستورية.. هل يمتد عقد الإيجار القديم لزوجة الجيل الأول؟
  • إزاي تتخلصي من شقاوة أطفالك.. نصائح لتحسين العلاقة بين الأشقاء ومنع الشجار