جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-09@06:12:49 GMT

الآباء الهليكوبتر

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

الآباء الهليكوبتر

 

 

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية

 

في مجتمعاتنا العربية كلنا يتذكر الأيام الخوالي بحسرة، حيث كان الطفل يتلقى التربية داخل المنزل وخارجه، في الشارع وفي الحارة وفي السبلة العامة، وكان الأب يغدو شاكرًا لكل من قوم خلقًا لابنه، كما أن اصطحاب الأب لولده إلى المعلم وبيده العصا قائلاً بكل حزم وثقة: "سلم العيون" أي أنَّه يعطيه الرخصة أن يضربه إن لزم الأمر لتعليمه على أن لا يضربه على الوجه، كان ديدن السواد الأعظم من الآباء قديمًا، لمكانة المعلم العظيمة لدى أولياء الأمور، ولثقتهم به بأنَّه سيعلم ويُربي، وكان الصاحب لا يخرج عن زميل الدراسة أو ابن الجيران أو ابن أحد معارف الوالدين، لذا كان الوالدان على اطلاع جيِّد بأقران أبنائهم.

كانت البيوت سابقًا كبيرة تتسع للأسرة من ثلاثة أجيال وأكثر، وكانت التكنولوجيا حتى البسيطة منها بعيدةً كل البعد عن الحياة اليومية قديمًا، لذا كان الأب والأم منشغليْن عن التركيز على تربية كل طفل على حدةٍ، لأنَّ الأسرة الواحدة لا يقل عدد الأطفال بها عن خمسة أطفال في المتوسط، ومع عمل المنزل المضني وعدم وجود الكهرباء كان الجميع يغفو بعد صلاة العشاء مباشرة، وكان الإخوة الأكبر سنا يقومون بالاهتمام بإخوتهم الأصغر سنًا، فالأم مشغولة بالأعمال المنزلية، والأب في عمله باحثاً عن الرزق، ثم ظهر الجيل (X) وهم مواليد منتصف ستينيات إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، الذين أحاطوا أبناءهم بالرعاية المفرطة وبخاصة في التعليم، فهم من ناحية يريدون تعويض الأبناء عما فقدوه هم في نشأتهم، ومن ناحية أخرى أصبحوا يتنافسون مع غيرهم من الآباء في نوعية التعليم وأنشطة ما بعد المدرسة التي يقدمونها لأبنائهم، وبالتالي عزلوا أبناءهم عن التواصل الاجتماعي الواقعي.

ظهر مصطلح (الآباء الهليكوبتر) لأول مرة في عام 1969 في كتاب "بين الآباء والأبناء" لعالم النفس الأمريكي "حاييم جينوت"، ليصف بذلك بعض الآباء الذين يحاصرون أبناءهم في كل شيء، ويظلون يحومون حولهم مُراقبين جميع تصرفاتهم، وحذر من هذه النوعية من الآباء، وعلى الرغم من أنَّ هذا الكاتب قصد بذلك المصطلح الآباء من مواليد أربعينيات إلى ستينيات القرن الماضي، إلا أن المصطلح انتشر انتشارا واسعا وتم ضمه إلى معاجم اللغة الإنجليزية؛ حيث ازداد عدد الآباء الهليكوبتر مع مرور الوقت ليشمل الأجيال (X) و(Y).

عالم النفس الاجتماعي "جوردن بيترسون" تحدث عن الإهمال المُفيد (usefully neglectful) وأهمية المساحات الصحية بين الآباء والأبناء، الحماية الزائدة خطيرة جداً على الأبناء، فعزل الطفل عن الواقع الحقيقي يحرم الطفل من الآليات النفسية التي تجعله يتعامل مع ما/من حوله، لذلك فالجيل (X) أصبحوا آباءً للجيل المعروف اليوم بالجيل (Z)، وأن عامل ارتفاع سن الوالدين أثر على صناعة هذا الجيل اليوم؛ حيث إن الفتيات والشباب لا يتزوجون في سن مبكرة كما كان يحدث في الماضي، ومع ارتفاع المعرفة ومستويات التعليم لهما أصبح عاملًا إضافيًا لأسلوب التربية التي ينتهجونها، لذا فإن إنجابهم لطفل أو طفلين جعلهم يغدقونهم بالاهتمام والرعاية المفرطين، ومع التكنولوجيا واتساع رقعة الأصدقاء كميًا ومكانيًا أصبح للطفل موارد خارجية للتربية، وهذا ما جعل الوالدين يحاولان ملء وقت الطفل بأنشطة خارجية بدنية وذهنية، ليعود الطفل منهكًا إلى فراشه مساء، وأفرطوا في حماية أبنائهم من كل شيء، ويتصدرون المواقف ويقومون باتخاذ القرارات نيابة عن أبنائهم، ليخرج جيل اليوم اتكالياً على والديه أحدهما أو كلاهما، وهذا ما حدث من الجيل (Z) الذي تخرجت الأفواج الأولى منه ودخلت سوق العمل، وصدموا بالعالم الواقعي، فوصفوا بالهشاسة النفسية (رقائق الثلج) لدرجة أن أحد علماء النفس الأمريكيين اعتبر هذا الجيل أزمة قومية (National Crisis)، لهشاشته وضعفه أمام المواقف الواقعية، لذا يجب أن ننتبه إلى هذا الجيل ونحاول دمجه في الواقع، وأن نعطيه مساحات معقولة من المسؤولية الواقعية، وأن نكف أن نكون يديه ورجليه وعقله.

-------------------------------------------------------------

توقيع:

"من عيرك شيئًا ففيه مثله، ومن ظلمك وجد من يظلمه، وإذا نهيت عن الشيء فابدأ بنفسك، ولا تشاور مشغولا وإن كان حازماً، ولا جائعاً وإن كان فاهما، ولا مذعورا وإن كان ناصحا". قس بن ساعدة الإيادي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مصرع طفل إثر تعرضه لصعق كهربائى بسوهاج

استقبل مستشفى دار السلام المركزي، جنوب شرق محافظة سوهاج جثة الطفل "محمد ع. ع." (5 سنوات) مصابًا بصعق كهربائي، حيث توفي أثناء وصوله للمستشفى تم التحفظ على الجثة تحت تصرف النيابة العامة التي تولت التحقيق في الحادث.

ترجع الواقعة عقب تلقى اللواء صبري صالح عزب، مساعد وزير الداخلية مدير أمن سوهاج، بلاغًا من مأمور مركز شرطة دار السلام يفيد بوصول الطفل جثة هامدة إلى المستشفى بعد تعرضه لصعق كهربائي داخل منزله.

بالانتقال إلى مكان الواقعة، تبين من التحريات التي أشرف عليها اللواء محمود طه، مدير إدارة المباحث الجنائية، وقادها رئيس مباحث المديرية، وضباط وحدة مباحث مركز شرطة دار السلام وبسؤال والدته "س. س. ع. أ." (37 سنة، ربة منزل) وعمه "م. ع. ع." (44 سنة، عامل) أفادا أنه أثناء لهو الطفل بالمنزل، لامست يده أحد الأسلاك العارية بموتور مياه كهربائي مما أدى إلى تعرضه للصعق الكهربائي، ما أسفر عن وفاته وأضافا أنهما لا يشتبهان في وجود شبهة جنائية وراء الحادث.

تم توقيع الكشف الطبي على الجثة بمعرفة مفتش الصحة، وأفاد التقرير الطبي أن سبب الوفاة هو "هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية" نتيجة تعرضه لصعق كهربائي تم تحرير المحضر اللازم بالواقعة، وجرى العرض على النيابة العامة التي تولت التحقيق في الحادث.







مشاركة

مقالات مشابهة

  • الجيل: السيسي وماكرون يطلقان نداء السلام وعلى العالم الاستجابة
  • رئيس حزب الجيل يكشف رؤية حزبه للنظام الانتخابي لمجلسي النواب والشيوخ
  • الجيل للدراسات: اتفاقيات البحث العلمي مع فرنسا تتماشى مع مستهدفات التنمية المستدامة
  • أوامر رئاسية بتعميق شامل للدراسات المتعلقة بإطلاق الجيل الخامس لشبكات الهاتف النقال
  • الأنبا صليب يدشن معمودية كاتدرائية "مارجرجس" بديرب نجم
  • «إي آند الإمارات» تختبر نطاقات 6 جيجاهرتز و600 ميجاهرتز لشبكة الجيل الخامس
  • الجيل: زيارة ماكرون لمصر فرصة لتكثيف الدعم الدولي للقضية الفلسطينية
  • مصرع طفل إثر تعرضه لصعق كهربائى بسوهاج
  • مسؤولو مراكز صيفية بأمانة العاصمة يتحدثون لـ«الثورة »: الدورات الصيفية فرصة الآباء الذهبية للحفاظ على أبنائهم وبنائهم البناء الصحيح
  • ختام دورة دراسية للكهنة الجدد بإكليريكية المحرق.. صور