أفريقيا في عصر "روسيا البوتينية"
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
كانت العقيدة السياسية والعسكرية للاتحاد السوفييتي في زمن ما عُرف بـ"الحرب الباردة" تقتصر على الكيانات المكونة للاتحاد السوفييتي ودول "حلف وارسو" فقط لا غير، أما الحلفاء والأصدقاء للسوفييت في الجغرافيات الأخرى وفي حال تعرضهم للخطر، فليس لهم سوى الدعم السياسي الخجول والدعم اللوجستي العسكري بحسب ثقل الحليف وأهميته، لهذا عُرف عن السوفييت خذلانهم لحلفائهم وتنكرهم لهم في أحلك الظروف، وهذا ما دفع العديد من الدول إلى التحالف مع الغرب لما عُرف عنهم من تدخلات مُباشرة حين تتهدد مصالحهم في أي جغرافية كانت.
في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انقلبت الأمور والمواقف تمامًا، فأصبحت العقيدة السياسية والعسكرية الروسية هي الدفاع عن مصالح روسيا في أي بقعة في العالم، وقد وجد بوتين في الأزمة السورية مناخًا مثاليًا لتدشين "روسيا البوتينية" وعقائدها الجديدة للعالم، وهذا ما جعل العديد من البلدان تهرول نحو روسيا بعد اتضاح رؤيتها وعقائدها الجديدة والجلية تجاه مصالحها وحلفائها في العالم عبر بوابة دمشق.
روسيا البوتينية اليوم خالية تمامًا من العقائد السياسية والأطماع الاستعمارية؛ حيث لا وجود للشيوعية السوفيتية، ولا سوابق استعمارية لها، وهذا السجل جعلها جاذبة للتحالفات والمحاور الجديدة، والتي تبحث عن حلفاء تؤطرهم المصالح مع احترام سيادة الدول والاحتكام لقواعد القانون الدولي وقواعد العلاقات الدولية.
الأزمة الأوكرانية كانت الملف الآخر الذي كشف أكثر عن هوية روسيا البوتينية بعد الملف السوري؛ حيث تفهمت الكثير من الدول مخاوف روسيا وسعيها للحفاظ على أمنها ووجودها من سطوة الغرب ومُخططاته الخبيثة، ولم تتوقف تلك الدول عند عتبة التفهم؛ بل زادت من موقفها الداعم لروسيا في هذه الحرب وأعلنت الكثير منها تلميحًا وتصريحًا أن روسيا تحارب الغرب ومخططاته الشيطانية في أوكرانيا بالنيابة عن العالم أجمع.
ما يحدث اليوم في أفريقيا، وتحديدًا المستعمرات الفرنسية السابقة: النيجر، ومالي، وأفريقيا الوسطى، وبوركينا فاسو، والتي شهدت تمردات جلية وصادمة لفرنسا، وسعت بقوة لنيل الاستقلال الكامل غير المنقوص أو المشروط من فرنسا، مع أحقية هذه البلدان وشعوبها في ثرواتها المنهوبة من قبل فرنسا في اتفاقيات استقلال منقوصة، يُدلِل على أن أفريقيا والمستعمرات الغربية السابقة في حالة ثورات جديدة عنوانها التحدي والكبرياء في ظل هشاشة الغرب ووهنه، وصعود وإسناد النجم والقطب القوي روسيا البوتينية.
لم تكن القمة الروسية الأفريقية المنعقدة في موسكو مُؤخرًا قمة بروتوكولية تعارفية تُمارس خلالها دبلوماسية القمة بكل مظاهرها الهشة المعروفة؛ بل كانت قمة أشبه بالمبايعة والإقرار بحق روسيا البوتينية في قيادة العالم، وتفويضها للدفاع عن الضمير العالمي الحُر، فكل من تابع يوميات تلك القمة الاستثنائية يشعر بحجم الروح العائدة للقارة السمراء عبر قياداتها الشابة الشجاعة، ويشعر بحجم المشاعر الوطنية التي تكسو الشعوب التي انتفضت على فرنسا، وواجهت قوتها ونفوذها بكل تحدٍ وكبرياء.
بكل تأكيد لن تكون فرنسا هي الضحية الاستعمارية الأولى؛ بل ستتبعها كل من أمريكا وبريطانيا كذلك، فالتقليد والمُحاكاة عند الشعوب حالات خطيرة ومعروفة تاريخيًا، وهذا ما يُهدد الغرب في نفوذه ثم وجوده، فهذا الغرب الذي لا يمتلك سوى السرقة والسطو والقرصنة لثروات الشعوب، أصبح اليوم في أوهن حالاته ومن أول اختبار له في المستنقع الأوكراني الذي تحالفت فيه حسابات الحقل والبيدر، وتحالفت في المقابل قوى الضمير العالمي المصحوبة بالإرادة الشعبية والتي ستحقق المُعجزات.
قبل اللقاء.. يقول الزعيم الصيني ماوتسي تونج: "هناك دائمًا حركات صغيرة غير مرئية في التاريخ تتسبب في تغيير مجرى التاريخ".
وبالشكر تدوم النعم..
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فرنسا تعلن السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخها بعيدة المدى ضد روسيا
على صعيد التوتر بين روسيا والغرب، انضمت فرنسا إلى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا في قرار السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لاستهداف العمق الروسي، في تحول أثار غضب موسكو.
وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، نشرت أجزاء منها أمس السبت، إن إطلاق أوكرانيا للأسلحة على روسيا سيكون عملًا من أعمال "الدفاع عن النفس".
ولم يؤكد بارو ما إذا كان قد تم استخدام أسلحة بعيدة المدى بالفعل.
وتجنب الوزير التأكيد ما إذا كانت الصواريخ الفرنسية قد استخدمت سابقاً، قائلاً: "مبادئنا واضحة.. رسائلنا تسلَّمها بوضوح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي".
No 'red lines' in Ukraine support, French foreign minister tells BBC https://t.co/Sky9flaBxd
— BBC News (World) (@BBCWorld) November 23, 2024وأوضح بارو في تصريحاته أنه لا توجد "خطوط حمر" لدى فرنسا فيما يتعلق بدعمها لأوكرانيا.
وفيما يتعلق بإمكانية مشاركة جنود فرنسيين في الحرب الأوكرانية، قال بارو: "لا نستبعد أي خيار".
وتابع: "سندعم أوكرانيا بالكم والمدة التي تحتاجهما.. لماذا؟ لأن المعني هنا هو أمننا".
واعتبر أي تقدم يحققه الجيش الروسي يزيد التهديدات تجاه أوروبا.
Aucune "ligne rouge" dans le soutien à l'Ukraine, assure le ministre français des Affaires étrangères
➡️ https://t.co/6WCsMwGu6Y pic.twitter.com/uzCGiPbUZo
وانتقدت موسكو بشدة تصريحات بارو، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، لوكالة أنباء "تاس" الروسية، إن الموافقة "ليست دعماً لأوكرانيا، بل إنها ناقوس الموت لأوكرانيا".
???????????????????????? Russian FM spokeswoman Maria Zakharova said no attempts by "French warmongers" would change the outcome of the conflict, and that France only finishes off Ukraine by allowing it to strike inside Russia.
"This is not support for Ukraine, it is finishing it off." pic.twitter.com/f0xH6UxiTc
ومنذ 24 فبراير (شباط) عام 2022، تشن روسيا هجوماً عسكريًاً على أوكرانيا، وتشترط لإنهائه تخلي كييف عن الانضمام لكيانات عسكرية غربية، ما تعتبره كييف "تدخلًا" في شؤونها.