جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-06@07:14:00 GMT

اللاسكون

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

اللاسكون

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

 

ما بين زمن ماضٍ وآخر نعيش أحداثه ثمَّة فارق لا نستشعره بعمق، الفرق أنه مختلف بشخوصه، وبالتالي طريقة تفكيره وآرائه وتطلعاته، نعيش التغيير في كل شيء تقريبًا وهذا أمر طبيعي إلى حد كبير جدًا، أقول طبيعي لأنَّ طريقة الحياة توحي بذلك؛ فلا شيء يمكن أن يبقى ساكناً وإلا فإنه لم يعد بمقدور الإنسان تأدية دوره في هذه الحياة.

السكون مطية الأشياء الجامدة التي لا عقل لها، السكون هو غياب الحركة عموماً، ولا يمكن مقارنة ذلك بالحياة لأنها غير جامدة في كل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، وقد يصيبها الجمود بموت لحظي كالنباتات التي لا تتحمل ظروف البيئة المحيطة أحيانا كالبرد أو فقر التربة، أو عدم كفاية أشعة الشمس؛ فتصاب ببطء أو توقف مؤقت في حركتها ونمو براعمها الخضراء، أو عند بعض الأحياء التي يصيبها السبات الشتوي.

الدور المأمول من الحركة هو الغربلة، والحركة التي أقصدها هي التقدم والنمو، يمكننا قياس الأمر على كل شيء، كل شيء قابل لذلك كحركة العين، ونبض القلب وحركة الرجلين كلها تستدعي موقفاً أو تستشعر نتيجةً أو تشرح أمرا ما، هذه وتلك لا يمكن التنبؤ بما ستصل إليه من خلال الحركة، شيء يستثير وآخر يستفز وربما آخر يصيبه الكُرهَ والاشمئزاز.

الحركة تُنبئ بكل ما يُمكن معرفته من نشاط سواء على مستوى الإنسان أو على مستوى التنمية المجتمعية؛ فالتطور والتنمية أيضا حركة يمكن أن يقاس بها تحرك المجتمع نحو الأمام، وكما قال الدكتور توفيق السيف في مقاله "العقل المؤقت" إن العقل عندما يصل إلى معرفة مُعينة لا يقف عاجزا بل يحاول تجاوزها إلى معارف أخرى ربما تكون مختلفة لكنها بُنيت على المعرفة الأولى، والعقل أو التفكير كالبحر تمامًا كلما استلم موجة دفعها واستلم غيرها.

وهذه الحركة هي التي تنشأ من خلالها المجتمعات، وهذا التقدم الذي نشاهده في العالم ما هو إلا نتيجة الحركة القديمة فيه، وحاجة الإنسان لاكتشافات وابتكارات أخرى قائمة في ظل الحركة التي نلمسها بكافة المجالات والتخصصات.

ويمكن وصف الوضع تمامًا كناقل الحركة في السيارة، والسوق في المجتمعات؛ فكما أن ناقل السيارة يحتاج إلى البنزين ليستمر في حركته؛ فإنَّ السوق تحتاج إلى البيع والشراء من خلال البشر والبشر يحتاجون إلى الأموال الكافية ليمضوا نحوها في حركة متواترة، هذه الحركة تخلق نموا وتحسينا وتطويرا في المجتمع تزيد في ظلها الابتكارات وتنهض المجتمعات نهوضا ذاتياً حسب مقاساتها وحسب إمكانياتها، ويستفيد اقتصاد الوطن فتتضخم الأموال لدى أصحاب الأعمال، وتزيد حركة العُمران، وربما يتجرأ التجار لفتح مصانع نوعية.

حركة البشر هي الأساس لخلق الفرص سواء للتاجر أو لأفراد المجتمع، وكما تخلق سوقا عقيما بسبب تأخر الحركة البشرية وقلتها لتأخر الوفورات المالية أو عدم كفايتها، أو وضعها في كفة واحدة، تستطيع أيضًا تحريك الراكد، وبالتالي لا تتأخر الموجه التالية من أمواج البحر ولا تنحسر لسبب واهٍ قد يجلب نتائج عكسية؛ فحركة المجتمع تعكس الأمر، وتوفر السيولة الكافية ينهض بالمجتمع وينشغل الناس بالتطوير والتحسين.

اللاسكون طفرة متقدمة ونعمة من الله، ويمكننا ملاحظة ذلك في الأشياء التي حولنا كالماء المتحرك والماء الراكد، كالحي والميت من الأشياء، عندما تتوقف الحركة تبقى الأمور في مكانها لا تتحرك، هكذا هي المجتمعات الراكدة رهينة العوائق والعقبات، أما المريض فيمكن علاجه، يمكن استئصال مرضه وكأنه لم يكن، بالحركة والتطور لن تتوقف الحياة، ستستمر طالما عُززت حركتها بدماء جديدة وحركة دائبة ودائمة.

قد نتعلم من الأشياء الساكنة بعض الدروس لوقت مُعين، كسبات بعض الأحياء الشتوي، كالصمت، كالمرض، لكن تبقى في وضعها غير منتجة ولا يرتجى منها شيء إلا حين ينهض السابت من سباته، والصامت من صمته، والمريض من مرضه، هنا يمكن أن نقفز عاليا ونمخر عباب هذا العالم، يمكن أن نتعلم من المعرفة، ونعبئ من فيضها، يمكن أن نملأ الدنيا حركة ونشاطًا.

حتى عند تحديد مشكلة الدراسات الإنسانية، فإنها تحمل بذرة الحركة، مبدأ البناء بعدها؛ فلا تقف ولا تنكمش في هذه المعرفة أو تلك، لا تكتفي بما تراه وتؤمن به من نتائج، بل الغاية هو استمرار البحث والتقصي لمعرفة أوسع وأشمل، ويذكر ذلك العالم الفرنسي باشلار حين يقول: "ينبني العلم على التصحيحات المستمرة للمعرفة"، وهو الأمر الذي يدل على الحركة؛ فالمعرفة لا تنبني على السكون، والعقل الساكن عقل واجم مستسلم لا يُمكن البناء من خلاله أو التقدم.

باختصار.. الحياة هي الحركة، حركة المجتمع والناس، حركة العلم، حركة المجرات، حركة البحار والأنهار، حركة كافة المخلوقات، الحركة تبني الكون، وتوسع أفق الأفراد؛ بل تشد من علاقاتهم الإنسانية وترسخ قيمهم ومبادئهم، اللاسكون يضخ النشاط والحيوية في كافة مفاصل الحياة، يشفي الأمراض، ويُذهب الأفكار الخبيثة والوساوس، إذا انتصب اللاسكون في كل بقعة ترى الحياة الحقيقية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حماس: إبعاد الحركة عن غزة وهم إسرائيلي لن يتحقق

أكد القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عزت الرشق اليوم الخميس أن إبعاد الحركة أو قادتها عن قطاع غزة "وهم إسرائيلي" لن يتحقق.

جاء ذلك تعقيبا على تقارير بشأن إمكانية مغادرة قادة حماس غزة ضمن صفقة لوقف إطلاق النار في القطاع وتبادل الأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي.

وقال الرشق عبر حسابه على منصة تليغرام "لا أعلق عادة على الشائعات السخيفة التي تنشرها بعض وسائل الإعلام"، مضيفا أن "حماس موجودة في فلسطين، تقاتل العدو الذي يحتل فلسطين".

وشدد على أن "إبعاد حماس أو قادتها عن غزة هو حلم ووهم إسرائيلي لن يتحقق"، مشيرا إلى أن "المنطق يقتضي أن يرحل المحتل ويبقى أهل الأرض وسكانها الأصليون".

وفي وقت سابق الخميس، قالت تقارير صحفية إن "هناك أفكارا جديدة متداولة لوقف إطلاق النار تقضي بخروج قادة حركة حماس وجميع مقاتليها بشكل آمن من غزة إلى السودان".

وأضافت التقارير أن "إحدى الأفكار تقترح انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، وإتمام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، على أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة القطاع مقابل خروج حماس عبر معبر رفح إلى مصر، وبعدها إلى السودان حيث ستحصل على مكاسب مالية وسياسية".

وأشارت إلى أن "هذا المقترح لاقى استحسانا لدى الأطراف المعنية بوقف الحرب التي تقترب من نهاية عامها الأول، في مساعٍ لإنجاز صفقة التبادل بين الطرفين".

وبحسب التقارير نفسها، فإن "الجيش السوداني وافق على استضافة جميع قادة حماس ومقاتليها على أراضيه".

ولم تعقب إسرائيل أو السودان أو الوسطاء على هذه التقارير.

ويقدر الاحتلال الإسرائيلي وجود 101 أسير في قطاع غزة، في حين أعلنت حركة حماس مقتل عشرات منهم بغارات إسرائيلية عشوائية.

وبوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة أجرت إسرائيل وحماس على مدى شهور مفاوضات غير مباشرة متعثرة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل أسرى.

وبدعم أميركي مطلق ترتكب قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في قطاع غزة أسفرت عن أكثر من 138 ألف شهيد وجريح فلسطيني -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

وفي استهانة بالمجتمع الدولي يواصل الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة متجاهلا قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي في غزة.

مقالات مشابهة

  • ابراهيم الصديق: مصلح نصار الرشيدى
  • انتهاء تجهيزات مشروع سوق المزارعين بالإسكندرية
  • هيئة الطرق: الطريق الساحلي السريع أحد أهم الطرق الرئيسية بمنطقة جازان التي أسهمت في دعم الحركة السياحية
  • وسط حضور وتفاعل كبير.. انطلاق مبادرة «أنت الحياة» بقرية كوم أشفين مركز قليوب
  • التغيرات المناخية والصحة النفسية| التأثيرات وسبل التكيف
  • حماس: إبعاد الحركة عن غزة وهم إسرائيلي لن يتحقق
  • فيديو | محمد بن زايد يؤكد أهمية تعزيز قيم التكافل التي تميز مجتمع الإمارات
  • المعهد الديمقراطي: ندوب الحرب التي دامت عقد من الزمان لا تزال تلازم كل جوانب الحياة في اليمن
  • وزير الإسكان يُعين 3 مساعدين لنواب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة
  • كيف يمكن لضربة واحدة على الرأس أن تحولك إلى مجرم مدى الحياة؟