الجديد برس:

مرة أخرى، تقع الرياض في سوء التقدير حول قدرة حركة «أنصار الله»، وتفشل في قراءة خريطة موازين القوى الناتجة من عجز تحالف «حارس الازدهار» الأمريكي – البريطاني، والبعثة الأوروبية «أسبيدس»، عن رفع الحصار الجزئي الذي تفرضه صنعاء على الكيان الإسرائيلي.

من هنا، تضع القيادة السعودية نفسها مجدداً أمام خطر استئناف الحرب مع الجار الجنوبي من بوابة التطبيع مع العدو الإسرائيلي، بعدما أخطأت قبل عشر سنوات عندما أعلنت الحرب عليه، مراهنةً على عقد اتفاقية الحماية الأمنية للنظام مع الولايات المتحدة، في وقت تعجز فيه الأساطيل الأميركية والبريطانية والأوروبية عن حماية نفسها في البحرين الأحمر والعربي من هجمات اليمنيين.

وتخاطر هذه القيادة، من خلال مواقفها الأخيرة، بمشاريعها الواعدة بجعل المملكة «أوروبا الشرق الأوسط»، كما أراد وليّ عهدها، محمد بن سلمان، الذي يجازف بالمشروع الحلم في البحر الأحمر، «نيوم»، المتصدّع أصلاً من دون حروب، وربما يطلق رصاصة الرحمة على «رؤية 2030»، الخطة الشاملة للتنمية السعودية. ذلك أن اليمن لم يعد لاعباً إقليمياً فاعلاً في الجغرافيا الجيوسياسية المحيطة فحسب، بل مكّنه استغلال موقعه، والاستثمار فيه، للمرة الأولى في التاريخ المعاصر، من أن يصبح شريكاً في أمن التجارة العالمية، وصاحب كلمة في اقتصادات الدول الكبرى القائمة على الشحن والعبور.

ويبدو أن القيادة السعودية لم تعتبر من فشل حربها الطويلة على اليمن وارتداداتها على الداخل السعودي، ولا سيما عبر الهجوم على منشآت «أرامكو» عام 2019، والذي أقرّ وزير النفط السعودي، عبد العزيز بن سلمان، بأنه «أصعب يوم» في حياته. على أنه هذه المرّة، لن يضع العدوان المتجدّد على اليمن، الاقتصاد السعودي وحده على المحك، بل إن التأثير جراء الاستهداف المحتمل للمنشآت سيطاول العالم الصناعي بأسره، وقد يبدو مشهد احتراق منشآت “أرامكو” في بقيق وهجرة خريص، مجرّد نموذج مصغّر ممّا سيحدث. فاليمن يمتلك القدرات الكافية لاستهداف كل المنشآت الحيوية في المملكة، مع قدرة تدميرية وإمكانية تملّص من أنظمة الدفاع الجوي.

ولم تستوعب السعودية، بعد، حيازة اليمن خطوط إنتاج صواريخ فرط صوتية، واشتغاله على تطوير هذه السرعة لتصل إلى ما فوق «8 ماخ» (الماخ = 1224 كيلومتراً في الساعة)، وفق تقارير استخبارية، فيما الخشية الأميركية تتزايد من وصول اليمن إلى تلك المرحلة التي ستحذف فارق الثواني القليلة بين النجاة والموت للضباط والجنود الأميركيين في حاملات الطائرات والمدمّرات التي تحوّلت من قوة ضاربة إلى قوة مرعوبة متردّدة.

كما أن السعوديين يظهرون كأنهم لم يسمعوا عن أجواء الضباط والجنود الأميركيين المتوتّرة، والأعصاب المشدودة بشكل دائم من الرعب الذي يتملّكهم جراء الاستهدافات اليمنية، ولم يقرأوا ما نقلته وكالة «أسوشيتدبرس» عن إريك بلومبرغ من السفينة «يو إس إس لابون»، من أن «الناس لا يفهمون حقاً مدى خطورة ما نقوم به وحجم التهديد الذي تتعرّض له السفن»، ولم يتنبّهوا إلى حديث المسؤولين في «البنتاغون» عن كيفية رعاية البحّارة عند عودتهم إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك الاستشارة والعلاج لاضطراب ما بعد الصدمة المحتمل، وإفادات البحارة الأوروبيين (اليونانيين) عن شدة خوفهم، وإطلاقهم النار بشكل متكرّر في اتجاه النجوم في السماء لاعتقادهم بأنها مسيّرات يمنية.

أيضاً، لم يدرك السعوديون حقيقة أن «محور المقاومة» لن يسمح بهزيمة المقاومة الفلسطينية، وأن التشبيك بين أركانه ومكوّناته متين جداً، وأن وحدة الساحات في ذروتها، والتنسيق بين اليمن والعراق قائم في استهداف منشآت إسرائيلية وأخرى في البحر المتوسط.

تخاطر الرياض من خلال مواقفها الأخيرة بمشاريعها الواعدة بجعل المملكة «أوروبا الشرق الأوسط»

وعليه، تبدو القيادة السعودية متجهة إلى خسارات جديدة، برفضها الاستجابة للنصائح اليمنية، ولامبالاتها بالتنبيهات التي أرسلها قائد «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، في الأسابيع الأخيرة والتي أكد فيها أن «اليمن لن يقبل بأن يشكّل التطبيع تهديداً لأمنه القومي»، الأمر الذي دفع الأخير، بمناسبة رأس السنة الهجرية، إلى أن يطلق تهديده الأعنف باستهداف المرافق الحيوية في السعودية، بشكل متماثل مع تعطيلها مرافق اليمن واستجابتها للمطالب الأميركية بالضغط من أجل نقل البنوك اليمنية من صنعاء إلى عدن.

ووضع الخطاب، الذي وُصف بالأكثر وضوحاً وجرأة منذ أكثر من عشر سنوات، الرياض أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستجابة لمقتضيات السلام بين البلدين بعيداً عن المماطلة والخداع، وإما فإن اليمن مضطرّ إلى رفع المظالم عن شعبه، بالتطبيق العملي للإحداثيات التي نشرها «الإعلام الحربي اليمني« وتظهر فيها المنشآت والمرافق، أي «المطار مقابل المطار، والمرفأ مقابل المرفأ، والبنك مقابل البنك»، كما قال الحوثي في كلمته.

يأتي ذلك فيما تعمل الولايات المتحدة على ربط الملف الاقتصادي والإنساني في اليمن، أي ما يطلق عليه «خريطة الطريق»، بملف الهجمات في البحر الأحمر، والذي أضافت إليه أخيراً ملف العملاء المعتقلين في صنعاء. وتستخدم واشنطن كل أدوات الضغط المتاحة لديها، بما فيها تكرار محاولاتها التوسط عند أطراف خارجية منافسة، وآخرها اللقاء الذي عقده المبعوث الأميركي لليمن، تيم ليندركينغ، مع السفير الصيني في السعودية الأسبوع الماضي، لتوسيطه مع القيادة اليمنية حول صفقة مغرية تقدّم لصنعاء مقابل وقف هجمات البحرين الأحمر والعربي، تشمل تسيير رحلات جوية إضافية من وجهات مختلفة، فضلاً عن البدء بتسليم مرتّبات الموظفين اليمنيين، ونقل البنك المركزي إلى صنعاء وامتيازات أخرى.

وعلى رغم جهوزية اليمن واستعداداته العسكرية، فإنه لم يقطع التواصل مع بقية الأطراف، وتعامل بإيجابية مع محاولات التوسط، لكن الرياض، بدل التجاوب مع مساعي السلام، تعمّدت احتجاز الحجاج اليمنيين، ولم تستجب لمساعي عودتهم الى الوطن إلا بعد تهديد أطلقته صنعاء.

وبدا واضحاً أن ذلك الإجراء السعودي، كما غيره، يأتي في إطار استجابة المملكة للجانب الأميركي الذي يلعب بالأوراق الداخلية والاقتصادية كتعويض عن عجزه في المواجهة العسكرية في البحرين الأحمر والعربي، تمهيداً لاستخدام هذه الأوراق في ابتزاز صنعاء، بغية ثنيها عن مواصلة حصارها الجزئي للكيان الإسرائيلي.

وفي مؤشر إلى التاثير السريع لتهديدات الحوثي، ذكرت مصادر لـ«الأخبار» أن السعوديين تواصلوا مع القيادة اليمنية وأبدوا استغرابهم للهجة خطاب الحوثي، وأكدوا استعدادهم لعودة الأمور إلى ما قبل السابع من أكتوبر والتجاوب مع جميع مطالب اليمن ولا سيما «خريطة الطريق».

وأضافت المصادر أن «اليمن لن يغلق الباب على المبادرات السياسية ويعتبر المطالب الإنسانية حقاً من حقوق الشعب الطبيعة، وهي ليست خاضعة للمساومة بأي شيء آخر. وهو يفضّل الحلول السياسية على الخيارات الأخرى التي يلجأ إليها فقط وقت الضرورة».

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية

المصدر: الجديد برس

إقرأ أيضاً:

ضغوط أممية وسعودية تجبر الشرعية اليمنية على التنازل عن مكاسب معركتها الاقتصادية

كشفت العديد من المؤشرات والمعطيات حجم الضغوطات التي تعرضت لها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من أجل التنازل عن مكاسب معركتها الاقتصادية ضد ميليشيا الحوثي الإرهابية.

وتفاجأ الشارع اليمني الثلاثاء، بإعلان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ عن اتفاق الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وميليشيا الحوثي الإرهابية على أربع نقاط أهمها إلغاء كافة القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين واستئناف رحلات الخطوط الجوية اليمنية بين صنعاء والأردن وزيادتها إلى ثلاث رحلات يومية وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يوميا أو حسب الحاجة.

وجاء هذا الاتفاق بعد أيام من طلب تقدم به المبعوث الأممي إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي بشأن تأجيل تنفيذ قرار سحب تراخيص البنوك التي لا زالت مراكزها في صنعاء إلى أغسطس القادم.

وما أثار دهشة الشارع هو موافقة الحكومة على الالتزام بالامتناع مستقبلاً عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة، على الرغم من معرفتها بعدم التزام الطرف الآخر بأي اتفاق إلا فيما يخص مصلحته.

هذا الاتفاق أثار استياء الشارع العام في المناطق المحررة ووضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع الشعب الذي أعلن رفضه تأجيل تنفيذ القرارات، فكيف يتم إلغاؤها كما في الاتفاق.

لكن إشادة بيان المبعوث بدور السعودية في إنفاذ الاتفاق وتصريح ناطق الميليشيات بأن الاتفاق كان مع السعودية، أظهر بجلاء حجم الضغوطات التي تعرض لها مجلس القيادة الرئاسي والحكومة وقيادة البنك المركزي الموافقة على هذا الاتفاق الذي تضمن صراحة الموافقة على مطالب الميليشيات الحوثية.

هذا الأمر أشارت له صحيفة العرب الدولية استنادا للعديد من الدوائر السياسية التي استبعدت أن تكون الشرعية اليمنية قد أقدمت على الخطوة التصالحية عن طيب خاطر، خصوصا وأن المحتوى المعلن عنه للاتفاق يصب بالكامل في مصلحة جماعة الحوثي ولا يلبي أي مطلب للشرعية وخصوصا شرطها المطروح سابقا بكف يد الجماعة عن عرقلة تصدير النفط الذي كان يشكّل المورد الرئيسي للحكومة المعترف بها دوليا.

واعتبرت تلك الدوائر أنّ الاتفاق يصنّف ضمن سلسلة أطول من التنازلات للحوثيين قدمتها السعودية أو دفعت الشرعية لتقديمها في سبيل جلبهم لطاولة الحوار والتفاهم، ومن ذلك قبول الرياض بمحاورتهم مباشرة وإيفاد ممثلين لها إلى صنعاء واستقبال ممثلين للجماعة في عاصمة المملكة، وأيضا تقديم امتيازات مالية واقتصادية لهم من خلال خارطة الطريق التي أعلنت الأمم المتحدة في وقت سابق عن التوصل إليها بمباركة من السعودية.

بالشأن نفسه تحدثت الباحثة في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن ندوة الدوسري، التي كتبت على منصة إكس أنّ “القرار اتخذ نتيجة للضغوط السعودية على مجلس القيادة الرئاسي”. وأضافت “يسعى السعوديون بشكل عاجل إلى توقيع اتفاق خريطة الطريق بين الحوثيين ومجلس القيادة الرئاسي قبل الانتخابات الأميركية 2024”.

ولعل ما ذكره مركز صنعاء للدراسات في تقريره الذي أعده نيد والي، الباحث في الوحدة الاقتصادية بالمركز، خفف حدة الانتقادات التي وجهت لمجلس القيادة والحكومة بسبب هذا التنازل.

وكشف تقرير المركز نقلا عن مصادر قولها، إن السفير ‎السعودي محمد آل جابر الذي يقود المفاوضات بين المملكة والحوثيين بذل قصارى جهده لإجبار الحكومة اليمنية على التراجع عن تلك الإجراءات، مشيرا إلى أن جهوده لم تفلح في تغيير موقف محافظ ‎البنك المركزي اليمني أحمد غالب، الذي ظل صامدا رغم التهديدات والإغراءات.

وأظهر التقرير أن آل جابر بعد ذلك وبوضوح استخدم قبضة ‎الرياض الخانقة على ‎مجلس القيادة الرئاسي، حيث استدعى أعضاء المجلس إلى اجتماع وهدّد بقطع التمويل تماما عن الحكومة بمعنى إلغاء منح الوقود والودائع النقدية والمساعدات التنموية ما لم يتم التراجع عن إجراءات البنك. 

كما ألمح السفير السعودي إلى أن الحكومة ستواجه مصيرها بمفردها في حال لجأ ‎الحوثيون للانتقام عسكريا، وفق تقرير المركز.


مقالات مشابهة

  • التغلب على التحالف الغربي وكسر الردع “الإسرائيلي .. اليمن يراكم انتصارات “الفتح الموعود”
  • حاملة الطائرات الأمريكية “آيزنهاور”.. إلى مثواها الأخير!
  • بلومبيرغ: النظام السعودي يخاف المواجهة مع اليمن وقد استوعب الدرس جيداً
  • للحد من تهديدات الفصائل.. واشنطن ترسل قاصفتين الى الشرق الأوسط
  • للحد من تهديدات الفصائل.. واشنطن ترسل قاصفتين من طراز بي-52 الى الشرق الأوسط
  • المملكة في أولمبياد باريس.. رؤية السعودية 2030 تحول الرياضة إلى صناعة واستثمار
  • ضغوط أممية وسعودية تجبر الشرعية اليمنية على التنازل عن مكاسب معركتها الاقتصادية
  • “بلومبرغ”: السعودية استوعبت الدرس وتسعى لتجنب صراع جديد مع صنعاء
  • برنامج جودة الحياة: مشاركة المملكة في “باريس 2024” يأتي ضمن مستهدفات رؤية 2030 في قطاع الرياضة
  • محمد علي الحوثي يجدد عرضه لصرف المرتبات لجميع الموظفين