أيهم المحظور المؤتمر الوطني أم القوى المدنية؟

خالد فضل  

(1)

عند اندلاع حرب 15 ابريل 2023م، كان قد مضى على عودة عناصر النظام البائد للسلطة المطلقة نحو عام ونصف العام، فمنذ انقلاب 25 أكتوبر 2021م عاد الإسلاميون للظهور بقوة بعد فترة اختفاء قصيرة تحديدا من 30 يونيو 2019م إلى أكتوبر 2020م، التواريخ مهمة جدا في سياق ما نحن بصدده، ففي أكتوبر 2020م تم توقيع اتفاقية جوبا والتي ظهر بموجبها فصيل من فصائل الإسلاميين بقيادة د.

جبريل إبراهيم؛ والذي لم يخف ولاءه الأساسي مثلما لم يتمكن من طمس عدائه المستحكم للثورة والثوار، المهم بعد الانقلاب مباشرة تم تقديم قائمة بألف وظيفة في جهاز الدولة، أقصى منها البرهان كل من له صلة بالثورة السودانية وأعاد إليها عناصر النظام المباد ومن شايعهم من عناصر الحركات التي كانت مسلحة في دارفور.

لقد ظل المؤتمر الوطني يسيطر ويحكم ليس عبر المنظومة العسكرية والأمنية فحسب بل عبر دولاب الخدمة المدنية، وعندما اندلعت الحرب كانت هذه هي الصورة الحقيقية للوضع، بكل واقعية، وقد نوه حميدتي إلى هذا الأمر أكثر من مرة، وأن عناصر العهد المباد قد سيطروا على السلطة عقب انقلاب 25 أكتوبر بما يخالف الاتفاق بينه وبين البرهان عندما تآمرا سوياً ونفذا الانقلاب، المهم حميدتي اعترف بالخطأ واعتذر عن مشاركته في ذلك الانقلاب، وكل أحاديثه في هذا الشأن متاحة عبر شبكة الإنترنيت، لست هنا في مقام تقييم كذبه من صدقه فيما قال وزعم، ولكن للتنبيه إلى أحد أهم جذور الحرب. وهو شعور الإسلاميين أن السلطة ربما تنتزع منهم سلمياً هذه المرة وإلى الأبد إذا تم التوقيع على الاتفاق الإطاري، وتم تنفيذه بجدية وصدق، فهو يشتمل على تجريدهم من أهم أداة للقهر والقمع، الجيش والأجهزة الأمنية، بتحويلهما إلى مؤسسات موحدة مهنية وطنية قومية احترافية تبتعد عن الحكم والاقتصاد! وهذا أمر دونه تدمير البلاد. كما صرحوا وقالوا ومنشور ومبذول لكل باحث عن الحقيقة.

(2)

لحظة اندلاع الحرب كان الوضع كالآتي: رأس مجلس سيادة انقلابي قائد الجيش، وكلاء وزارات وحكام ولايات ومسؤولين في أروقة الدولة عينهم قائد الانقلاب معظمهم من عناصر التنظيم المحظور اسميا المؤتمر الوطني، وبعض منسوبي حركات اتفاق جوبا- الغريب أن التوم هجو زعيم مسار الوسط عاد بعد أربعة أعوام على اتفاق جوبا ليسأل عن حصته في السلطة والسلاح- مجلس السيادة الانقلابي نفسه أبعد منه حميدتي (لتمرده) والطاهر حجر ود. الهادي إدريس لرفضهما الحرب ودعوتهما للسلام، بقي مكنكشاً فقط مالك عقار داعية الحرب ورافض السلام مع بقية عناصر المؤتمر الوطني/ الحركة الإسلامية.

(3)

في سياق الحرب، ودعايتها المركزة، تم تجريم القوى المدنية والثورية التي كانت وما تزال تناهض الانقلاب وتتمسك بالانتقال المدني نحو الديمقراطية، وترفض الحرب، وفي استغلال تام لغرس الغيبوبة والتجهيل والتسطيح وتجريف العقول  الذي رعاه الإسلاميون لأكثر من خمسين عاماً وحان وقت قطافه، تحول الثوار والثورة والقوى المدنية إلى مدانيين ومذنبين بتهمة إشعال الحرب التي يقودها الدعم السريع ضد كتائب ومليشيات الإسلاميين الرسمية، وشبه الرسمية، لقد بات الفعل المدني السلمي جريمة، وتبارى ولاة الولايات المنتمين للتنظيم والمعينين من قائد الانقلاب والحرب البرهان يصدرون الفرمانات بتجريم الانتماء لتنظيمات وقوى تحالف إعلان الحرية والتغيير(ق. ح. ت)، ومن بعد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، بل صار العسكر التابعين للمليشيا الإسلامية يفتشون هواتف الصحفيين، كما حدث للصحفي صالح محمد عبد الله في أم درمان الاسبوع الفائت، وتحذيره بأنه يتعرض لتهم خطيرة لإنتمائه للحرية والتغيير- المجلس المركزي، وهو ما نفاه الزميل حسب إفاداته، لقد باتت قوى الثورة هي المحظورة بينما عناصر المؤتمر الوطني وحركته الإسلامية هي المشروعة، والسبب المزعوم هو أنها ذراع سياسي للدعم السريع، يقرر المؤتمر الوطني وعناصره تعيين الخصوم مثلما يعينون الموالين، ينصبون هذا وطنيا مخلصا وذاك خائنا مجرما، يحظرون تلك القوى ويبيحون لهذه المليشيات المجال، يحدث ذلك طبعا في ولايات كسلا والبحر الأحمر والقضارف والشمالية بالكامل وبعض أنحاء الخرطوم والجزيرة ونهر النيل وشمال دارفور وكردفان  والنيل الأبيض والنيل الأزرق وسنار؛ أي في المناطق التي تسيطر عليها مليشياتهم الرسمية والجهوية والقبيلية والعقائدية، وتتبجح قائدتهم سناء حمد بتحديد من تتفاوض معهم ومن ترفض، ومع ذلك تجد من السودانيين من يغالط نفسه بإصرار نافياً مسؤولية الإسلاميين عن إشعال الحرب والدمار ويسندها مباشرة إلى القحاطة أو تقدم، ومع أن مأثور القول (من لم تجلبه قلائد الإحسان جذبته سلاسل الامتحان) بيد أن سلاسل الامتحان القاسي يبدو أنها فشلت حتى الآن في إنارة طريق ووعي بعض من رانت عليهم غشاوة العقود من التخريب للعقول ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الوسومالأجهزة الأمنية البرهان الجيش الخرطوم المؤتمر الوطني النيل الأبيض انقلاب 25 اكتوبر 2021 تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم جبريل إبراهيم حميدتي خالد فضل دارفور قوى الحرية والتغيير نهر النيل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأجهزة الأمنية البرهان الجيش الخرطوم المؤتمر الوطني النيل الأبيض انقلاب 25 اكتوبر 2021 تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم جبريل إبراهيم حميدتي خالد فضل دارفور قوى الحرية والتغيير نهر النيل المؤتمر الوطنی القوى المدنیة

إقرأ أيضاً:

لافتات سبتمبرية (18) دور الخلايا المدنية في ثورة 26 سبتمبر

لافتات سبتمبرية (18) دور الخلايا المدنية في ثورة 26 سبتمبر

مقالات مشابهة

  • بوريطة يلتقي بالرباط وفدا جنوب إفريقي من المؤتمر الوطني الإفريقي
  • تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم): بيان حول انعقاد اجتماع الهيئة القيادية الثاني
  • ‏نتنياهو يقترح تغيير اسم الحرب من "السيوف الحديدية" إلى "حرب القيامة"
  • «تقدم»: لا حل عسكري للنزاع بالسودان وسنظل سداً أمام مخططات الفلول
  • بطارية “iPhone 16” مُقابل “Galaxy S24″ و”Pixel 9”.. أيهم يدوم أكثر؟
  • بطارية "iPhone 16" مُقابل "Galaxy S24" و"Pixel 9".. أيهم يدوم أكثر؟
  • لافتات سبتمبرية (18) دور الخلايا المدنية في ثورة 26 سبتمبر
  • محلل سياسي: القوى العظمى شريكة في الحروب الدائرة بالشرق الأوسط
  • إنقسام وتشرذم القوي المدنية! مالسبب؟
  • عاليا أبونا: مساواة القوات المسلحة بالمليشيا المتمردة لا يستقيم