أطباء: تقنيات التشخيص الحديثة أسهمت في رفع معدلات شفاء مرضى سرطان الغدة الدرقية

- فحوصات جينيه دقيقه لدراسة بعض المتغيرات والطفرات

- توفير جهاز علاج إشعاعي دقيق يقلل الأضرار بالأنسجة السليمة

- التعرف وتشخيص أورام الغدة الدرقية يتم في مراحل مبكرة جدا

-كوادر طبية متخصصة تعمل جاهدة لتوفير رعاية متكاملة في الجانب التشخيصي والعلاجي

أكّد أطباء أورام في علاج سرطانات الغدة الدرقية على أهمية الكشف المبكر لمساعدة المرضى في التشافي واستخدام العلاجات المتطورة للخروج بنتائج فاعلة وإنقاذ الأرواح، حيث إن هناك أنواعا من السرطانات تصل نسبة الشفاء منها إلى 99%، ويُشكّل سرطان الغدّة الدرقية من الحالات المرضية النادرة على مستوى العالم وسلطنة عُمان إلا أنه سجل ارتفاعا في معدلات الشفاء الأعوام الماضية نتيجة تطور تقنيات التصوير والكشف، حيث يوفر مركز السلطان قابوس المتكامل لعلاج وبحوث أمراض السرطان أحدث تقنيات تشخيص وعلاج سرطان الغدة الدرقية، ونجح في علاج 148 حالة جديدة خلال العام الماضي.

وقالت الدكتورة أميمة بنت طه الشفيع استشاري أول أمراض الغدد الصماء بمركز السلطان قابوس المتكامل لعلاج وبحوث أمراض السرطان بالمدينة الطبية الجامعية: إن سرطان الغدة الدرقية هو ورم يبدأ في خلايا الغدة الدرقية، ويحدث عندما تبدأ الخلايا غير الطبيعية داخل الغدة بالانقسام والنمو بطريقه لا يمكن السيطرة عليها، والغدة الدرقية هي غدة تقع في قاعدة الرقبة وتفرز هرمونات مهمه لتنظيم وظائف الجسم، مثل تنظيم درجة حرارة الجسم، ومعدل ضربات القلب، وضغط الدم والوزن.

وأوضحت أن سرطان الغدة الدرقية أكثر أنواع السرطانات شيوعا بين الإناث بعد سرطان الثدي في سلطنة عُمان حسب إحصائيات وزارة الصحة للعام 2019م، وهو من سرطانات الغدد الصماء الأكثر شيوعا في العالم. وهناك أربعة أنواع رئيسة، وهي سرطان الغدة الدرقية الحليمي وهو النوع الأكثر شيوعًا، يمثل حوالي 80٪ من جميع حالات سرطان الغدة الدرقية، ويتميز بأنه بطيء النمو وقليل الانتشار في أجزاء أخرى من الجسم ويستجيب بشكل جيد للعلاج وعادة ما يكون قابلا للشفاء خصوصا إذا تم تشخيصه بشكل مبكر.

ويُعدّ سرطان الغدة الدرقية الجريبي ثاني أكثر الأنواع شيوعًا، ويمثل حوالي 10٪ من جميع الحالات، وقد ينتشر هذا النوع من أورام الغدة إلى أماكن أخرى من الجسم.

أما سرطان الغدة الدرقية النخاعي فهو نوع نادر من سرطان الغدة الدرقية، ويمثل حوالي 5٪ من جميع الحالات، ويتميز ببطء النمو، ولكن قد ينتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم، ويوجد هذا النوع عادة لدى الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي للمرض، كما يحتاج هذا النوع علاجا مبكرا ومتابعة دورية أكثر من الأنواع الأخرى من سرطان الغدة الدرقية.

كما يعتبر سرطان الغدة الدرقية الكشمي النوع الأكثر ندرة، ويمثل أقل من 1٪ من جميع الحالات، سريع النمو والانتشار إلى أجزاء أخرى من الجسم مما يجعل علاجه صعبا.

وأضافت: لا يُعرف بالتحديد سبب حدوث سرطان الغده الدرقية، ولكن هناك عوامل قد تزيد من احتماليه الإصابة بهذا المرض من بينها: التعرّض السابق لمستويات عالية من الإشعاع، والتاريخ العائلي للمريض إذا ما كان هناك أشخاص مصابين بسرطان الغدة الدرقية في العائلة، كما أن النساء أكثر عرضة للإصابة به من الرجال، وهناك عوامل أخرى تؤدي للإصابة به كنقص تناول اليود وزيادة انتشار التهاب الغدة الدرقية المناعي المزمن والسمنة.

وحول تقنيات اكتشاف وعلاج سرطانات الغدة الدرقية أوضحت الدكتورة أميمة: إن مركز السلطان قابوس المتكامل لعلاج وبحوث أمراض السرطان يوفر أحدث تقنيات تشخيص وعلاج سرطان الغدة الدرقية، فخلال العام الماضي 2023م تم علاج 148 حالة جديدة من سرطان الغدة الدرقية باليود المُشع بعد استئصال الغدة الدرقية جراحيا، مشيرة إلى أن العلاج يتم بمناقشة جميع الحالات الجديدة في اجتماع موسّع يضم كوادر متعددة التخصصات من استشاريين وأخصائيين من قسم الغدد الصماء، والجراحة، والأشعة، والأشعة الوظيفية، والمختبر، وقسم الأورام والإشعاع، كم يتم اتباع كافة الإجراءات والفحوصات المتبعة عالميا في الجانب التشخيصي.

ويوفر المركز فحوصات دقيقة وبالأخص في حالات سرطانات الغدة الدرقية المقاومة لليود والسرطانات النادرة، حيث يستخدم التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني نظائر مُشعة مختلفة، مثل  فلوريد الجلوكوز منقوص الأكسجين (FDG)،  والجاليوم-68 (68Ga) في هذه الحالات لتحديد مدى نشاط الورم وأماكن انتشاره، بالإضافة إلى ذلك توجد إجراءات تشخيصيه أخرى، مثل: تنظير القصبات بالموجات فوق الصوتية داخل الشعب الهوائية (EBUS) لتصوير الغدد الليمفاوية في الجهاز التنفسي، وأخذ عينات للمختبر إذا استدعت الحاجة في حال انتشار الورم في هذه الأجزاء من الجسم.

كما يوفر المركز فحوصات جينية دقيقة لدراسة بعض المتغيرات والطفرات التي يمكن استهدافها بالعلاج الدوائي الموجه أو العلاج المناعي.

كما يتوفر العلاج الإشعاعي عند الحاجة بما في ذلك جهاز علاج إشعاعي آلي (CyperKnife) الذي يهدف إلى تقديم جرعة إشعاعية عالية بدقة متناهية جدا لتقليل الأضرار بالأنسجة السليمة المحيطة.

ويوجد بالمركز مرافق للقيام بغسيل الكلى بعد العلاج باليود المشع لمرضى سرطان الغدة الدرقية الذين يعانون من الفشل الكلوي.

تحسن التشخيص..

من جانبه أوضح الدكتور جمعه الكاسبي استشاري جراحة أورام الرقبة والعنق آلية تشخيص سرطان الغدة الدرقية قائلا: بعد إجراء الفحوصات السريرية، يتم إجراء العديد من الكشوفات والإجراءات لتشخيص أورام الغدة من فحوصات الدم لفحص وظيفة الغدة الدرقية (هرمونات الغدة الدرقية)، والتصوير بالموجات فوق الصوتية لتحديد الورم في الغدة الدرقية وتصوير العقد اللمفاوية في الرقبة. وإجراء الخرعة وهو أخذ عينه من الورم أو الكتلة المشكوك فيها في التصوير التلفزيوني، وإرسال العينة للمختبر لتحليلها. أما فحص اليود المشع فيستخدم غالبا بعد الجراحة للتقصي عن أي خلايا سرطانية متبقيه في الجسم، ويستخدم هذا الفحص غالبا في سرطاني الغدة الدرقية الحليمي والجريبي، بالإضافة إلى فحوصات أخرى مثل: التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني باستخدام نظائر مشعة مختلفة، وفحوصات جينية دقيقة لدراسة بعض المتغيرات والطفرات في بعض أنواع سرطانات الغدة.

وحول الارتفاع الملحوظ في معدل الإصابة بأورام الغدة الدرقية الأعوام الماضية، أوضح أن تشخيص سرطان الغدة الدرقية كان يعتمد بالمقام الأول على الأعراض المصاحبة للمرض، مثل: ظهور عقدة في الرقبة أو تغيير في الصوت أو صعوبات في البلع وغالبا ما يكون هذا في مرحلة متأخرة من المرض، أما الآن فهناك العديد من المرضى الذين يتم تشخيصهم في المرحلة ما قبل السريرية، ومن دون وجود أي عرض واضح، وذلك نتيجة لتحسُّن تقنيات التصوير التي تسمح للأطباء باكتشاف سرطانات الغدة الدرقية الصغيرة، مثل: فحوصات التصوير التلفزيوني والمقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغناطيسي أصبح بالإمكان التعرّف وتشخيص أورام الغدة الدرقية في مراحل مبكرة جدا.

وعن نسبة الشفاء في حالة الكشف المبكر عن المرض، أشار قائلا: إن معدل الشفاء من سرطان الغدة الدرقية مرتفع للغاية، خاصةً عند اكتشافه مبكرًا؛ ففي حالات سرطان الغدة الدرقية الحليمي والجريبي، اللذين يشكلان معًا حوالي 90% من جميع حالات سرطان الغدة الدرقية، يصل معدل الشفاء إلى 99.5% عند اكتشاف المرض في مراحله المبكرة. يعني ذلك أن 99.5 من بين كل 100 شخص يتم تشخيص إصابتهم بسرطان الغدة الدرقية الحليمي أو الجريبي في مراحله المبكرة سيتشافون من المرض. كما أن معدل الشفاء بشكل عام يعتمد على نوع المرض؛ حيث تكون سرطانات الغدة الدرقية الحليمية والجريبية قابلة للعلاج بشكل أفضل من الأنواع الأخرى. كما تؤثر مرحلة المرض في معدل التشافي؛ فكلما تم اكتشاف السرطان مبكرًا، كان من السهل علاجه بشكل أفضل. وبالإضافة إلى ذلك يظهر أن الأشخاص الأصغر سنًا لديهم معدل شفاء أفضل من كبار السن.

العلاج المتوفر..

وحول العلاج المتوفر لرعاية مرضى سرطان الغدة الدرقية، أكدت الدكتورة زمزم الهشامية استشاري طب الأورام أن العلاج يعتمد على نوع السرطان ومرحلة انتشاره والصحة العامة للمريض، وتعتبر الجراحة العلاج الأساس لسرطان الغدة الدرقية متضمنة استئصال كلي، وفي بعض الأحيان استئصال العقد اللمفاوية في الرقبة. وتعتمد العملية الجراحية التي يحددها الفريق الطبي على نوع وحجم الورم ومدى انتشاره في العقد اللمفاوية ومرحلة الورم. وتعتبر الجراحة العلاج الأمثل للشفاء والتخلص من هذا المرض.

وهناك العلاج بهرمونات الغدة الدرقية، حيث يؤخذ العلاج الهرموني على شكل أقراص بعد الجراحة على المدى الطويل لتعويض هرمونات الغدة الدرقية، وبالأخص في حاله استئصال الغدة الدرقية بالكامل. كما يستخدم العلاج الهرموني بجرعات عالية لمنع نمو الخلايا السرطانية في بعض حالات سرطان الغدة الدرقية بالغة الخطورة.

أما العلاج باليود المشع فهو يُعد علاج مكمل بعد الجراحة ويستخدم للتخلص من خلايا سرطان الغدة الدرقية، وخلايا الغدة الدرقية الطبيعية التي قد تظل موجودة بعد الجراحة، ويستخدم في علاج معظم سرطانات الغدة الدرقية المتمايزة، مثل سرطان الغدة الحليمي والجريبي بينما لا يستخدم في سرطان الغدة الكشمي والنخاعي لعدم ثبوت فعاليته في هذا النوع من الأورام.

وذكرت الدكتورة زمزم وجود علاجات أخرى لسرطان الغدة الدرقية المقاومة لليود المشع والنادرة (سرطان الغدة الكشمي والنخاعي) بالعلاج الدوائي الموجه (مثبطات تايروسين كاينيز)، حيث يُستخدم هذا العلاج في علاج بعض أنواع سرطان الغدة الدرقية لوقف نمو وانتشار السرطان. وتستهدف هذه العلاجات تغيرات جينية معينة بعد ثبوت هذه التغيرات في الفحوصات الجينية الدقيقة للسرطان التي يطلبها الطبيب المعالج. كما تستهدف بعض هذه الأدوية الأوعية الدموية المغذية للسرطان.

ويُستخدم العلاج الكيميائي في التحكّم وعلاج سرطانات الغدة الدرقية سريعة النمو والانتشار، مثل سرطان الغدة الكشمي، أما العلاج الإشعاعي فقد يستخدم في علاج أعراض سرطان الغدة الدرقية حيث يوجه الإشعاع الخارجي حزما عالية الطاقة لنقاط محدودة في الجسم للقضاء على الخلايا السرطانية وعلاج الأعراض المصاحبة للورم مثل الألم.

المصدر: لجريدة عمان