لجريدة عمان:
2024-10-07@22:51:14 GMT

أنا وأخوي على ولد عمي

تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT

عند الحديث عن الإبادة في غزة، يُجادل البعض أن اهتمامنا بالقضية يحثه التنشئة القومية والإسلامية. وكيف لنا أن نتوقع من العالم أن يلتفت، ويتدخل في وقف الحرب بينما نحن بالمقابل لا نشتبك مع القضايا البعيدة الأخرى مثل الصراعات التي تجري في ميانمار اليوم، بل وحتى في السودان.

يعتمد هذا الخطاب على فكرة القرابة الجينية من جهة، والأدلجة من جهة أخرى، ساعيا إلى تتفيه قدرة البشر على النظر بإنصاف واهتمام إلى قضايا العالم، والتأكيد على السلوك الأناني باختيار قرابة الدم والجغرافيا -في كل مرة- على حساب العدالة والإنصاف.

فيتبنى فكرة أننا ننتصر لأقربائنا (على مستوى الأفراد والشعوب)، والدور الأساسي للتنشئة والإعلام في تكوين مواقفنا، مُضخما الدور الذي تؤديه البروباغندا (رغم أنه ليس بالصغير)، ومحقرا من التباينات الشخصية في التوجهات. والتربية والإعلام اللذان لا يُشكك عاقل بدورهما الكبير إلا أنهما يُمكن أن يُستثمران لرفع المسؤولية الفردية عن الجناة.

يكمن خطر هذا الخطاب في أنه يكفر بقدرة شعوب العالم حتى في أحسن الأحوال على بناء مؤسسات دولية للرقابة والقضاء؛ لفض الصراعات على نحو سلمي. هذه المؤسسات وإن كانت عاجزة، وخاضعة للضغوطات السياسية، والمصالح المحلية، والفساد، وتأثيرات اللوبيات، إلا أنها من حيث الأساس فكرة لا بديل لها. فكما نُكرر دائما، الإيمان بفكرة طوباوية، والسعي نحو المثل براديكالية، خير من التسليم لواقع ظالم، ومحاولة الانخراط في اللعبة، عبر تقديم التنازلات.

لا أفهم لم يكون لنقاش كهذا أي مكان في وقت تستمر فيه شراسة القتل والتعذيب لأشهر طويلة. مع هذا سأحاول اليوم نقد هذا الخطاب من خلال لفت النظر إلى الآتي:

أولا، الطبيعة الاستعمارية الخاصة للحالة الفلسطينية. فعلى عكس الصراعات الأهلية وحروب الوكالة التي تجعل فض الصراعات عملية معقدة، المطلب الأساسي للغزيين هو وقف إطلاق النار، الانسحاب العسكري، وفض الحصار. أي أن يكفّ الطرف الأقوى أذاه، والأمر بهذه البساطة.

ثانيا، تُساعدنا دراسة المغالطات المنطقية على التعرف ومجابهة أوجه التفكير الأعوج. «الماذا-عنية» (whataboutism الكلمة المنحوتة من عبارة what about). هدف هذا النوع من الاستراتيجيات هو الزجّ بقضايا شبيهة (أو اتهام مُقابل للاتهام المُوجّه)، عوضا عن الاستجابة المباشرة للحجة المقدمة، بهدف أخذ الجدال إلى منطقة أخرى. عدم الاهتمام بقضايا أخرى (رغم إيماني بالمسؤولية الأخلاقية) لا ينال، ولا يُقلل من مشروعية القضية التي أمامنا.

ثالثا، القبول بالقدرات المحدودة للدماغ. لا عيب في أن يهتم المرء بما يهتم به، للأسف، نحن لا نملك الطاقة والقدرات لدراسة والانخراط في كل قضايا العالم، ومحاولة تغيير واقع الجميع. ونأمل فقط أن تكتسب كل القضايا العادلة الزخم الذي يؤدي أخيرا للتغيير. لا يُمكن لأحد أن يُشكك في أن تعاطفك مع جارك واهتمامك برفاهه وخيره، لا يُضاهي تعاطفك مع شريكك أو أبنائك، ولا حزنك عليه يُقارن بحزنك إذا ما خسرت حبيبك أو قريبك. فحتى إن صحّ -مثلا- أن يهتم الواحد منا بقضايا الخليج باعتباره خليجي، أو بقضايا النساء باعتبارها امرأة، فأيا يكن الباعث، فهو لا يعيب المهتم بهذه القضايا في شيء. على العكس، يرجع أن يكون لدى المرء عزيمة أقوى وإصرار في الجهاد لأجل فكرة تمسه/ا شخصيا، أو تمس من يهتم لأمرهم بشكل خاص. هذا ما يُبقي جمرة النشاطوية مشتعلة. ما أحاول قوله، أنه حتى وإن كان باعث المرء عروبيًا قوميًا، أو إسلاميًا، فهذا لا ينتقص من شرعية الموقف. ليس الأمر وكأننا نقف مع إخوتنا ضد أبناء عمومتنا على أي حال، ولكننا نقف معهم لأن قضيتهم عادلة.

رابعا، لا يُمكن رفع المسؤولية عن اللاعبين المباشرين في صراع ما. إذا كانت دولتك تُسلّح وتشارك في إبادة جماعية بشكل مباشر، فلديك المسؤولية الأخلاقية لتعترض، لأنك مُسهم أنت أيضا فيها، ويقع عليك العبء الأخلاقي لمحاولة إيقافها. فبينما لا أتوقع من الإسبان -مثلا- الكثير. يحمل الأمريكان، والألمان، والفرنسيون مسؤولية الاشتباك مع القضية، والضغط على حكوماتهم لأجل وقف الدعم السياسي والمادي.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

هكذا وظفت إسرائيل الخطاب الديني في عدوانها على لبنان

القدس المحتلة- بالتزامن مع توسيع جيش الاحتلال العدوان على لبنان وشن غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتيال قيادات لحزب الله وأبرزهم أمينه العام حسن نصر الله، تعالت -بإسرائيل- الأصوات الداعية إلى "الاستيطان" في جنوب لبنان تحت ذريعة إعادة الأمن والأمان للإسرائيليين في الجليل.

ودعت جمعيات وحركات، أبرزها حركة "عوري هتسفون- من أجل الاستيطان في جنوب لبنان"، إلى استغلال الحرب على حزب الله و"احتلال لبنان على اعتبار أنه جزء من أرض إسرائيل الكبرى".

ووظفت قيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية الخطاب الديني التوراتي في الحرب على الجبهات المتعددة، والذي كان بارزا في الخطاب الأخير لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة.

علم حركة "عوري هتسفون" التي تدعو إلى الاستيطان في جنوب لبنان (مواقع التواصل) مخططات استيطانية

انطلقت حركة "عوري هتسفون" (جلود الشمال) في نشاطها في 12 أبريل/نيسان 2024، من أجل تعزيز الوعي الجمعي الإسرائيلي، والترويج -في واقع القتال والحرب- لفكرة إحياء "لبنان كوطن يهودي مزدهر كجزء من أرض إسرائيل الكبرى"، بحسب إلياهو بن أشير أحد مؤسسي الحركة.

ورفعت الحركة راية خاصة بها تتوسطها شجرة أرز مزروعة في الأرض تؤطرها نجمة داود، حيث يريد أعضاؤها "غزو جنوب لبنان كخطوة أولى حتى حدود تركيا في الشمال، والفرات بالعراق شرقا، وفق ابن أشير.

وجاء في المواد الدعائية للحركة على منصاتها التواصلية "كيف سنستوطن الجليل الشمالي الجديد؟" وفي ذروة الحملة الشمالية، يخطط أعضاء الحركة لغزو الأراضي التي يحتلها الجيش و"إقامة مستوطنات يهودية هناك وفرض وقائع على الأرض".

وبحسب مفهوم الحركة التأسيسي، كان الوعي بشأن لبنان غارقا في غيبوبة وسبات عميق لدى الجمهور الإسرائيلي عامة، وأيضا لدى الجمهور اليهودي الصهيوني الذي يؤمن بمفاهيم "الوطن اليهودي" من منظور ديني وتوراتي.

وتنحدر فكرة إقامة الحركة إلى تيار "الصهيونية الدينية" برئاسة الوزير، بتسلئيل سموتريتش، وتبلورت بعد مقتل الجندي سوكول (24 عاما) في غزة في 22 يناير/كانون الثاني 2024، حيث كان عراب إحياء فكرة إعادة الاستيطان في جنوب لبنان، وروج -بين الجنود خلال الحرب- للنصوص التوراتية بأن لبنان "جزء من إسرائيل الكبرى".

وواصلت نشاطها وتجنيد نشطاء في الأشهر التي شهدت تبادل القصف والنيران على جانبي الحدود بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، حتى أقامت المؤتمر الأول في 17 يونيو/حزيران 2024، وتعمدت أن يكون المؤتمر افتراضيا لضمان مشاركة يهود من جميع أنحاء العالم.

وشارك بالمؤتمر كذلك المستوطنون من الضفة الغربية المحتلة، وغالبيتهم من معسكر اليمين وتيار الصهيونية الدينية الجديدة، حيث وسعت نشاطها بأوساط الجمهور الإسرائيلي عبر حملات التوعية لفكرة الاستيطان في لبنان من أجل إعادة الأمن والأمان لسكان وبلدات الجليل.

أطماع

لكن في حركة "عوري هتسفون"، يتعاملون بشكل أقل مع الإسرائيليين النازحين من البلدات اليهودية والأراضي المهجورة في الجليل الأعلى والمناطق الحدودية مع لبنان، ويوجهون أعينهم وأطماعهم إلى ما وراء الحدود، بهدف استيعاب فكرة الاستيطان اليهودي في جنوب لبنان وإقناع الإسرائيليين بأن ذلك يجلب الأمن.

وتحدث بالمؤتمر حجاي بن أرتسي شقيق سارة نتنياهو زوجة رئيس الوزراء، الذي ادعى بالماضي أن إسرائيل يجب أن تكون دولة تحتكم إلى التوراة والكتاب المقدس، ودعا أولئك اليهود الذين يريدون الديمقراطية للهجرة إلى الولايات المتحدة.

كما تحدث عمياد كوهين، ضابط الاحتياط بالجيش الإسرائيلي والمدير التنفيذي لمؤسسة (تيكفا) التي تدير مشاريع تعليمية توراتية وهي أحد المانحين للمنتدى الكنسي، وجوديث كاتسوبر الذي يدعو لتطبيق السيادة على الضفة الغربية، ودانييلا فايس رئيسة حركة (نحالا) الاستيطانية وزعيمة حركة الاستيطان في قطاع غزة.

ووفقا لرؤية الحركة، فإن "أرض إسرائيل ستبقى أرضها، حتى لو قررت الدولة الانسحاب منها. كما أنها ستبقى أرضها حتى عندما ننساها. فالأرض تطاردنا بقدر ما نحاول الهروب منها".

وأضافت وثيقة تأسيسها أن "هذا ما يحدث في غزة، وهذا ما يجب أن يحدث أيضا في لبنان، فإسرائيل تعرف أن النصر هو انتزاع الأراضي من العدو، هي أرض الوطن اليهودي سواء في غزة أو لبنان أو جبل الهيكل-المسجد الأقصى".

وأتى الترويج لرؤية الحركة في الوقت الذي واصل فيه الجيش الإسرائيلي هجماته على جنوب لبنان واستهداف المدنيين وإجبارهم على النزوح القسري، ووسعت الحركة من نشاطها في أوساط الإسرائيليين ومعسكر اليمين والأحزاب الدينية المشاركة في ائتلاف حكومة نتنياهو.

كما انضم إلى فعالياتها ونشاطاتها العديد من حاخامات الصهيونية الدينية وأبرزهم الحاخام إسحاق غينزبورغ، الذي دعا إلى الاستيطان في لبنان على اعتبار أنه "جزء من أرض إسرائيل الكبرى"، بحسب التعاليم التوراتية والنصوص التلمودية.

خالد زبارقة: توظيف إسرائيل للبعد الديني بالحرب هو في سياق تفسيراتهم لأحداث آخر الزمان (الجزيرة) أهداف سياسية

تعليقا على ذلك، يقول المحامي المختص في قضايا القدس والاستيطان خالد زبارقة إن "هناك تيارا واسعا بالمجتمع الإسرائيلي الذي يتبنى التفسيرات الدينية التوراتية للواقع والحالة التي نعيشها الآن، وكذلك النبوات التلمودية التي ترتكز على أخبار وأحداث آخر الزمان". وأضاف للجزيرة نت أن هذه التفسيرات التوراتية باتت جزءا من مخططات ومشاريع سياسية ضمن نهج الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو في الحرب متعددة الجبهات.

وبرأيه، فإن مختلف مركبات الائتلاف التي تعتمد على أحزاب اليمين ومختلف التيارات الدينية والمستوطنين، يتنافسون فيما بينهم على توسيع ما يسمى بالمفهوم الديني التوراتي "مرحلة الحسم".

وأوضح زبارقة أن الانتصار المطلق الذي يلوح به نتنياهو هو بالأساس مفردات دينية توراتية متعلقة بمفهوم هذه المرحلة بحسب التفسيرات التلمودية، حيث يحاولون تطبيقها وفرضها على الواقع، ويعتقدون أن الأمور تسير نحو الهدف المسنود وهو "إقامة إسرائيل الكبرى".

وبشأن دعوات الاستيطان في جنوب لبنان، يقول زبارقة إنه يُنظر إلى لبنان على أنه "جزء من إسرائيل الكبرى"، وهذا بحسب المفهوم الديني الصهيوني، وبالتالي مع توسع الحرب، "بتنا نسمع هذا الخطاب الديني بغطاء سياسي وقانوني وأمني، والذي تناغم مع تصريحات مرشح الرئاسة الأميركية دونالد ترامب، الذي قال إن إسرائيل صغيرة ويجب التفكير بتوسيع حدودها".

واستعرض الأطماع الدينية اليهودية في لبنان، قائلا إن نتنياهو وفي سياق توظيف البعد التوراتي أقام لجنة خاصة من الحاخامات اليهودية التي تهتم بأخبار وأحداث آخر الزمان حسب المفهوم التوراتي.

وأشار زبارقة إلى أن هذه اللجنة تقدم التفسيرات والاستشارة لنتنياهو الذي يُنظر إليه على أنه اسم ديني توراتي، و"هو يتعلق بظهور المسيح الدجال، وذلك وفق تفسيراتهم الدينية لأحداث آخر الزمان، وعلى هذا الأساس يحظى نتنياهو بالدعم من اليهود رغم الموبقات التي يقوم بها".

مقالات مشابهة

  • نقابة الصحفيين تعبر عن قلقها لظروف اختطاف المياحي وتحمل الحوثيين المسؤولية
  • تجدّيد الخِطاب السياسِي السُودْاني
  • ‎وزير العدل يوجه بإحالة موظفين متورطين بقضايا ابتزاز إلى القضاء
  • العريبي: نرفض العبث بأرصدة وأموال جمعية الدعوة الإسلامية وعلى الأجهزة الرقابية تحمل المسؤولية
  • "محمود سعادة" صاحب فكرة فك شفرة وقود الصواريخ في حرب أكتوبر
  • الدكتور محمود سعادة.. صاحب فكرة فك شفرة وقود الصواريخ في حرب أكتوبر
  • القناة الأولى تعرض تقريرًا عن صاحب فكرة فك شفرة وقود الصواريخ في حرب أكتوبر
  • هكذا وظفت إسرائيل الخطاب الديني في عدوانها على لبنان
  • "فيسبوك" يهتم بمحتوى وأحداث محلية لجذب الشباب للمنصة
  • معالم الفشل.. تشنج الخطاب (1-2)