يصف المؤرخون الأوروبيون طارق بن زياد بأنه شخصية غامضة وصلت إلى "هسبانيا" بجيش صغير وتركت وراءها إرثا هاما. إنه القائد العسكري الذي أسهم في فتح شبه جزيرة أيبيريا في وقت قياسي.

طارق بن زياد كان نزل الجبل الذي حمل اسمه فيما بعد بجيش صغير يقدر بين 7000 إلى 10000 مقاتل معظمهم من الأمازيغ، "البربر" في مايو عام 711.

كان هذا الجيش بمثابة قوة استطلاع رئيسة وصلت إلى المنطقة بعد قوة استطلاع أولى صغيرة قادها طريف بن مالك.

كان موسى بن نصير واليا على إفريقيا في زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، فيما كان طارق قائدا عسكريا تحت إمرة ابن نصير.

تلك القوة الصغيرة التي قادها طارق بن زياد في الحملة على شبه جزيرة أيبيريا تمكنت خلال فترة قصيرة من السيطرة على شمال إسبانيا وكان ذلك في 9 يوليو عام 711.

كانت شبه جزيرة أيبيريا والتي كانت تسمى وقتها "هسبانيا" تحت سيطرة القوط الغربيين. كان هؤلاء قوة احتلال استعبدت السكان المحليين ومارست ضدهم كل أنواع الظلم والاضطهاد، فيما كان السكان ينظرون إلى القوط على أنهم برابرة.

ملك القوط رودريك أو "لذريق" بحسب النصوص العربية، كان يعاني من نزاع في الأسرة الحاكمة فضلا عن كراهية السكان المحليين. شقيقان له كانا يتحينان الفرص لانتزاع التاج منه.

علاوة على ذلك كانت سبتة في الضفة الإفريقية المقابلة للمضيق، تحت حكم الكونت يوليان. هذا الحاكم استنجد بالمسلمين سادة شمال إفريقيا وقتها للانتقام من الملك رودريك، لأنه "سلب عفاف ابنته"!

الكونت يوليان أمن لقوات الفتح الإسلامي ممرا آمنا إلى الضفة الأخرى وساعدهم على العبور إلى هناك بالسفن والمؤن.  

المسلمون ما إن دخلوا شمال إفريقيا حتى أولوا اهتماما خاصا ببناء أسطول بحري حربي. لهذا الغرض افتتحوا حوضا لبناء السفن في تونس على يد قائد الفتوحات في شمال إفريقيا، حسن بن النعمان.

السفن التي بنيت في تونس كانت ضمن الأسطول الذي استخدمه طارق بن زيادة في العبور إلى الأندلس، علاوة على القوارب التي وفرها الكونت يوليان.

بعد مرور ثلاثة أشهر من عبور طارق بن زياد بقواته المضيق، استعد للمعركة الفاصلة مع الملك رودريك باستقدام تعزيزات تقدر بخمسة آلاف مقاتل.

واجه جيش الفتح الإسلامي قوات القوط الغربيين في معركة استمرت ثمانية أيام وانتهت بانتصار مشهود وبمقتل ملك القوط، وأصبحت الطريق بعدها سالكة إلى جميع أرجاء شبه جزيرة أيبيريا، وسقطت قرطبة وملقة وكذلك طليطلة عاصمة القوط.

حين سمع موسى بن نصير والي إفريقيا بسقوط ممدن الأندلس تباعا أمام قوات طارق بن زياد، سارع إلى اللحاق به بجيش تعداده 18 ألف شخص، وتمكن من فتح مدينة "شذونة" ثم "قرمونة" وكامل إشبيلية.

يقال إن ابن نصير وبخ طارق بن زياد بشدة على اندفاعه وتوغله في الأندلس وأنه سجنه لمخالفته أوامره. بعض المؤرخين يعتقدون أن موسى بن نصير رأى في طارق بن زياد منافسا ينازعه على شرف فتح الأندلس.

الرواية تشير إلى أن طارق بن زياد تمكن من الاتصال بالخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك من سجنه، وأن الخليفة أمر بإطلاق سراحه.

موسى بن نصير وطارق بن زياد اجتمعا من جديد بعدها وأكملا معا فتح شبه جزيرة أيبيريا التي تضم الآن إسبانيا والبرتغال.

بقيت إسبانيا من عام 711 إلى 1492، لأكثر من 750 عاما تحت الحكم الإسلامي، وعاشت فترة طويلة من الازدهار الحضاري والاستقرار، وكانت بمثابة منارة أشعت على أوروبا.

دخل طارق بن زياد الذي يوصف بـ"القائد العسكري الغامض"، التاريخ من دون مقدمات، وأصبح اسمه على الخرائط بجميع اللغات.

تحول الرجل إلى أسطورة كبيرة في أكثر من جانب، ودار جدل طويل حول أصل طارق بن زياد. هل هو من الأمازيغ أم العرب أم الفرس. الجدل لا يزال دائرا على الرغم من ترجيح احتمال أنه كان أمازيغيا.

المؤرخ البريطاني توماس ووكر أرنولد "1864 – 1830" في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" يقول عن فتح الأندلس: "لا نسمع شيئا عن التحول القسري أو أي شيء مثل الاضطهاد في الأيام الأولى للفتح العربي. ربما كان موقفهم المتسامح تجاه الدين المسيحي إلى حد كبير هو الذي سهل اكتسابهم السريع للبلاد".

 

 

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: طارق بن زیاد

إقرأ أيضاً:

الكلثرات المادة العجيبة التي تحفظ الدفء لقمر زحل الغامض

يعتبر قمر زحل المسمى "تيتان" من بين أكثر الأجرام السماوية غموضا وجاذبية في نظامنا الشمسي، إذ يعد القمر الوحيد بخلاف الأرض الذي يمتلك غلافا جويا سميكا وسطحا يحتوي على بحيرات وأنهار مكونة من مواد هيدروكربونية مثل الميثان والإيثان.

وفي دراسة جديدة بواسطة علماء الكواكب بجامعة هاواي في مانوا بالولايات المتحدة الأميركية كشف الباحثون عن طبقة جليدية سميكة من مادة "كلثرات الميثان" بعمق يصل إلى 10 كيلومترات تغطي قشرة القمر تيتان، هذه القشرة بمثابة عازل حراري يحافظ على دفء القمر ويساهم في تفسير وجود الغلاف الجوي الغني بالميثان.

أسرار القشرة الغنية بالميثان

وحسب الدراسة، فإن هذه القشرة العجيبة الغنية بالميثان تحتوي على بلورات جليدية تحتجز الغاز داخل بنيتها، وتساهم في عزل الحرارة الموجودة في باطن القمر، مما يؤدي إلى تليين وتدفئة القشرة الجليدية.

قمر تيتان (ناسا)

وتقول لورين شورماير الباحثة المشاركة في الدراسة والأستاذة بمعهد هاواي للجيوفيزياء وعلم الكواكب في تصريحات خاصة للجزيرة نت "الميثان كغاز دفيء يسهم في تسخين سطح تيتان بطريقة مشابهة للأرض، إذ يحبس الحرارة في الغلاف الجوي"، وهو ما يعزز عملية الحمل الحراري في القشرة.

والحمل الحراري في القشرة هو عملية تشبه ما يحدث عند تسخين وعاء من الماء، فعندما يسخن الماء من الأسفل ترتفع كتل الماء الأكثر دفئا والأخف وزنا إلى الأعلى، في حين تنزل الجزيئات الباردة والأثقل إلى الأسفل، مما يخلق تيارات دائرية مستمرة تتمظهر في تقلب سطح الماء الذي نراه أثناء الغليان.

وقد أظهرت النماذج الحاسوبية التي اعتمد عليها الباحثون أن سمك قشرة تيتان كبير ويتراوح بين 5 و10 كيلومترات، وأن هذه القشرة الدافئة تسمح للجبال والفوهات على سطح تيتان بالتهالك بمرور الزمن.

ويبدو أن تأثير الحرارة الناتج عن هذه القشرة يؤدي إلى ضحالة الفوهات السطحية بشكل مشابه لذوبان الأنهار الجليدية السريع على الأرض.

كيف تشكلت طبقة الكلثرات؟

أشارت جويندولين بروير المرشحة للدكتوراه في معهد هاواي للجيوفيزياء وعلم الكواكب والمشاركة في الدراسة إلى أن قشرة تيتان قد تكون ناتجة عن عوامل عدة، وتقول "قد يكون المطر الميثاني الذي يتساقط على سطح تيتان مسؤولا عن طبقة الكلثرات، وبدلا من أو ربما بالإضافة إلى المطر الميثاني قد تكون الكلثرات قد تشكلت في وقت مبكر من تاريخ تيتان في أعماقه وطفت عبر المحيط إلى قاعدة القشرة الجليدية حيث يمكن للعمليات الجيولوجية واسعة النطاق مثل الحمل الحراري أن تحركها إلى الأعلى".

هذا التفسير يفتح الباب أمام احتمال مساهمة هذه العمليات في كتابة تاريخ تيتان، مما يسهم في تطوير فهم جديد لتطور هذا القمر.

إن تغير المناخ على تيتان بمرور الزمن قد يكون مشابها للأرض، إذ يمكن أن يساهم الغلاف الجوي الغني بالميثان في رفع درجة الحرارة على سطح القمر.

ومع تزايد التركيز على تيتان كمختبر طبيعي لفهم آليات الاحتباس الحراري تشير بروير إلى أن الدروس المستفادة يمكن أن تقدم رؤى مهمة عن العمليات الجيولوجية والمناخية التي تحدث على الأرض.

من جهتها، تقول شورماير "إذا كانت لتيتان قشرة عازلة من الكلثرات فإن القشرة الجليدية المائية الأساسية سوف تتحرك بالحمل الحراري رغم من تدفق الحرارة المنخفض نسبيا من اللب".

وتشير إلى أن "الداخل الذي يتحرك بالحمل الحراري قد يؤدي إلى تكوين تضاريس متنوعة، وقد يسمح للبراكين الجليدية بالنشاط في ظل ظروف معينة"، وهو ما يمكن أن يفسر وجود هضاب وسلاسل جبلية كإحدى الظواهر الجيولوجية المحيرة وغير المفسرة على سطح القمر.

عيون على "دراغون فلاي"

من المقرر أن تطلق وكالة ناسا مهمة "دراغون فلاي" إلى تيتان في يوليو/تموز 2028، ومن المتوقع أن تصل المركبة إلى القمر في عام 2034.

وتتضمن المهمة مجموعة من الأدوات المتقدمة، منها أجهزة لقياس الزلازل، والتي ستستخدم لقياس النشاط الزلزالي بحسب شورماير التي تقول "مع وجود بيانات زلزالية عالية الجودة يمكن لمهمة دراغون فلاي أن تساعد في تأكيد سمك ووجود قشرة الكلثرات".

وتتوقع شورماير أن توفر "دراغون فلاي" صورا عالية الدقة لفوهة سيلك التي تمت دراستها في الدراسة الحالية.

وأضافت أن هذه الصور ستساعد في تقييم مدى تآكل الفوهة وضحالتها، واختبار ما إذا كانت تحتوي على مواد مثل الرمال، مما يدعم النماذج التي توضح العمليات التي تؤدي إلى ضحالة الفوهات بمرور الزمن.

وتشير الاكتشافات الحالية إلى أن الكلثرات قد تلعب دورا مهما في حماية المحيطات الجوفية من التجمد التام، حيث توفر عزلا حراريا يسمح بوجود سوائل تنساب تحت القشرة، وهذا يفتح آفاقا جديدة لإمكانية وجود حياة في تلك المحيطات.

وأوضحت بروير أن "الكلثرات لا تسهم فقط في توفير بيئة قد تكون صالحة للحياة، بل إن تأثيرها على الحمل الحراري في القشرة الجليدية يمكن أن ينقل المواد العضوية من المحيط إلى السطح، إذ يمكن للبعثات المستقبلية اكتشافها".

مركبة دراغون فلاي (ناسا)

ورغم أن تيتان يختلف عن الأقمار الجليدية الأخرى مثل أوروبا وإنسيلادوس في تركيبه الداخلي فإن الاكتشافات الجديدة قد تسهم في فهم أعمق بشأن كيفية تشكل القشور الجليدية وتطورها.

ومن خلال دراسة التشابهات والاختلافات بين هذه الأقمار يمكن للعلماء تقديم فرضيات جديدة بشأن إمكانية وجود حياة في الأنظمة الكوكبية الأخرى، مما يفتح آفاقا جديدة للاستكشاف العلمي في المستقبل.

ويواصل الفريق البحثي من جامعة هاواي العمل على تطوير نماذج تحاكي تكون الفوهات على سطح تيتان بالتعاون مع باحثين من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا وجامعة بيرديو ومعهد علوم الكواكب.

وتختتم شورماير حديثها قائلة "تلقينا تمويلا إضافيا من وكالة ناسا لمواصلة هذا العمل، نعمل مع فريق من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا وجامعة بيرديو ومعهد علوم الكواكب، يقومون بنمذجة عملية تأثير تشكيل الفوهات في قشور الكلثرات على تيتان بقيادة الدكتور شيجيرو واكيتا، ثم أقوم أنا وجويندولين بنمذجة التطور الطبوغرافي لتلك الفوهات على مدى فترات زمنية جيولوجية، ونأمل أن نفهم كيف تتغير الحفر من جميع الأحجام في قشور الكلثرات بمرور الوقت، إذ سيساعدنا هذا على تحديد سمك الكلثرات وعمر سطح تيتان بشكل أفضل".

مقالات مشابهة

  • ‏بوتين: الوضع في العالم أبعد ما يكون عن الاستقرار
  • بوتين: الوضع في العالم أبعد ما يكون عن الاستقرار
  • 5 صفقات فاشلة في ريال مدريد.. هل يكون مبابي السادس؟
  • الهريدي:انتخاب اللواء طارق نصير نائبًا لرئيس البرلمان العربي انتصار جديد يعزز مكانة مصر عربيا
  • الكلثرات المادة العجيبة التي تحفظ الدفء لقمر زحل الغامض
  • رئيس الدولة يطمئن على صحة طارق محمد عبدالله صالح الذي يتلقى العلاج في مستشفى زايد العسكري
  • محمد الدعيع: أتوقع أن يكون الهلال بطلًا لكأس العالم للأندية .. فيديو
  • ماذا تعرف عن ترامب.. الذي يريد أن يكون ثاني اثنين يعودان إلى البيت الأبيض بعد طول انقطاع
  • هذا هو الرجل الذي التقط أول صورة في العالم لشبح
  • شاهد ماذا فعل طارق صالح مع سائق ”الدينة” الذي اصطدم بسيارته وتسبب بإصابته ”فيديو”