يُخطئ من يتصور، لقلة معرفة وفقر اطلاع، أن قيمة سعد زغلول الوحيدة تتلخص فى دوره الوطنى العظيم فى إيقاظ الهمم والكفاح من أجل استقلال مصر، وقيادة أعظم ثورات الشعب المصرى فى التاريخ هى ثورة 1919.
فقيمة الرجل الحقيقية تتجلى فى تفرد أخلاقه وسمو قيمه ونبله الإنسانى وعصاميته ليُصبح نموذجا استثنائيا لرجل من الطبقة الوسطى، حاز النجاح، ورضا الناس معا بفضل اعتداده الشديد بمبدأ الاستقامة.
وتراث سعد زغلول فى الأخلاق والسجايا الكريمة أعظم وأبقى من تراثه السياسي، مع خالص تقديرنا لعطائه فيما قدمه على الساحة السياسية وزيرا، وبرلمانيا، ورئيسا للحكومة، وزعيما فريدا للأمة كلها.
وحسبنا أن نستذكر كيف اشتهر بأخلاقه المستقيمة خلال احترافه مهنة المحاماة منذ 1884 إلى 1892، حتى إن العقاد يقول فى كتابه عن سيرته إن مهنة المحاماة قبل سعد، كانت على حال ثُم صارت إلى حال آخر بعد عمله بها.
لقد كان الناس يعتبرون المحامى شخصا مراوغا، طالبا للمال، وموظفا كل جهد وقدرة فى سبيل تحقيق الفوز لموكله، لكن كما يقول العقاد، فإن مهنة المحاماة لم تهبط بسعد زغلول كما كان يخشى، بل هو الذى ارتفع بها. وكل ما صنعه الرجل هو أنه لم يقبل قط الدفاع عن باطل، ولم يرفض قط الدفاع عن حق، ولم يحضر جلسة إلا ودرس جميع جوانبها. وكان (كما يقول العقاد) إذا عرضت فرصة للصلح بين متخاصمين، ينتهزها ويشجع موكله على قبولها برد مقدم الأتعاب، فكان يُقيد مقدم الأتعاب فى باب الأمانات لا باب الموارد ليقى نفسه ضعف نفسه كما كان يقول، حتى إذا أراد الموكل الصلح رد إليه ماله وقال له: هذه أمانتك.
بعد عمل مُضنٍ كانت أبرز دلائله تأخر زواجه حتى سن السادسة والثلاثين عاما، ذاع صيت سعد زغلول كأكثر المحامين أمانة وبراعة وصدقاً فى القطر المصرى. وصار توكيله فى قضية ما ضمانا لكسبها، حيث وثق فيه القضاة، وأعجبوا بذكائه وانحيازه للعدالة.
جاءه يوما وجيه من المنوفية متهما بتزوير عقد امتلاك ثمانية عشر فدانا، فرجاه أن يقبل الدفاع عنه فلم يفعل إلا بعد اعترافه بالتزوير، وكتاتبه إشهادا على النزول عن الأرض لأصحابها يحفظه عنده ليسلمه لهم بعد صدور الحكم بالبراءة.
ونذر سعد فى بداية عمله بالمحاماة إن زاد دخله عن ستين جنيها ليدافع عن الفقراء بغير أتعاب، ولما ذاع صيته أوفى بعهده حتى أنصف مظاليم كثراً من الفقراء لم يكونوا قادرين على مجابهة خصومهم لقلة الحال. وكانت براعة سعد وأمانته واستقامته مضرب الأمثال وهو ما دفع القضاء أن يعرض عليه وظيفة قاضٍ عليه ليصبح أول محام فى مصر يتم تعيينه قاضيا.
وفيما بعد استوزر سعد، وانتخب فى الجمعية التشريعية، ووكلته الأمة ليتحدث باسمها أمام الاحتلال، ثُم صار أهم وأعظم زعيم وطنى فى مصر بل وأكثر شخص محبوب من الناس، لكنه لم يتخل عن بساطته ورحمته بالضعفاء والمساكين، حتى إنه كتب فى وصيته بمبالغ من المال لخدمه ذاكرا إياهم واحدا تلو الآخر بالاسم.
وكما ذكر العقاد، فقد كان سعد على غير ما يشيع عنه البعض، متسامحا مع خصومه ومجاملا لهم حتى إنه ذهب إلى شعراوى باشا فى منزله عقب عودته من النفى الأول يزوره ويصل ما انقطع من صداقة، وصالح عبد العزيز باشا فهمى وأثنى عليه رغم الاختلاف فى الرأى.
وكان معروفا بالصراحة والنفور من المنافقين والمادحين، محبا للخير، كريما، مثقفا، ذا كرامة، وبسيطا، ووفيا للأصدقاء. لذا فقد استحق الرجل ما حاز من أمجاد ومحبة، ذلك أن أخلاقه وقيمه مثلت نهرا متدفقا من العطاء تنهل منه الأجيال.
وما أحوجنا اليوم أن نستذكر تراثه التراث الأخلاقى والتمسك بالاستقامة لدى زعيم الوفد.
فسلام عليه، وسلامٌ على الأمة المصرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د هانى سرى الدين الطبقة الوسطى سعد زغلول حتى إن
إقرأ أيضاً:
حصيلة بضحايا الغارات الإسرائيلية الجديدة باليمن وأين سقطوا.. الإحتلال يقول بأنها ''لن تكون الأخيرة''
أعلنت جماعة الحوثي في اليمن، الخميس، مقتل 9 أشخاص وإصابة 3 جراء 12 غارة إسرائيلية على العاصمة صنعاء، ومحافظة الحديدة المطلة على البحر الأحمر غربي البلاد.
القتلى التسعة مدنيين، سقطوا في الغارات الاسرائيلية على منشأة رأس عيسى النفطية وميناء الحديدة غربي اليمن، اضافة الى إصابة 3 آخرين، وفق اعلام الحوثيين.
وفي صنعاء شن الاحتلال بالتزامن مع غارات الحديدة، 4 غارات على محطة كهرباء حزيز جنوب العاصمة، وغارتين على محطة كهرباء ذهبان شمال العاصمة".
وتمكنت فرق الدفاع المدني تمكنت من إخماد النيران في محطة ذهبان، وتواصل أعمالها في محطة حزيز، ولم تسجل خسائر بشرية".
لن تكون الأخيرة
قال جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه شن غارات فجر الخميس؛ استهدفت أهدافا شملت موانئ وبنى تحتية للطاقة في اليمن.
وذكر متحدث الجيش دانيال هاغاري -في بيان- أن جماعة الحوثي أطلقت صاروخا نحو إسرائيل، ليلة الخميس، أجبر ملايين الإسرائيليين على الاحتماء في الملاجئ.
اما وزير الطاقة الإسرائيلي فقال إن الغارات على موانئ وبنى تحتية باليمن "لن تكون الأخيرة" وفق إذاعة الجيش.
من جانبه تحدث إعلام عبري بأن مسيرات اسرائيلية شاركت في قصف صنعاء والحديدة بجانب 14 مقاتلة.
وفي وقت سابق فجر الخميس، دوت صفارات الإنذار في وسط إسرائيل بعد اعتراض صاروخ أطلق من اليمن، بحسب ما أعلن عنه جيش الاحتلال
وعقب هذه الغارات اعلن الحوثيون عن هجوم استهدف موقعين عسكريين في تل أبيب بصاروخين باليستيين.