حوادث السيارات لها تداعيات إنسانية لما تسببه من آلام في فقد فلذات الأكباد. وبالتالي عدم التحكم في هذه الحوادث، ومعرفة أسبابها، ووضع الحلول للحد من زيادة عدد الإصابات والوفيات، له تأثير سلبي في استقرار الأسرة والمجتمع. الأمر الذي يكون معه لزاما أن يتشارك الجميع في التقيد بأنظمة وقواعد المرور أثناء قيادة السيارات حفاظًا على الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة.
طبقًا لمؤشرات قطاع التأمين وأيضا بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، بلغ عدد الحوادث المرورية في (2022) ما يقرب من (76,2) ألف حادث، منها (15,3) ألف تم تصنيفها كحوادث جسيمة والباقي حوادث بسيطة. نتج من تلك الحوادث (532) حالة وفاة بارتفاع قدره (22.5%) عن العام السابق له، هناك أيضًا الإصابات التي بلغت (2080) إصابة، وبنسبة ارتفاع قدرها (28.3%) خلال الفترة نفسها. زيادة حوادث السيارات أيضًا تؤثر على جودة وكفاءة الخدمات الصحية، فالإصابات الناتجة عن الحوادث تكون بعضها طارئة يُستدعى معه ليس فقط تقديم خدمات الإسعافات الأولية، وإنما التدخل العلاجي مما يؤثر سلبًا في إعادة جدولة الخدمات الصحية.
أكثر الحوادث وقعت في محافظة مسقط بنسبة (24.1%) مقارنة بالحوادث التي وقعت في باقي المحافظات، ولكن هذا لا يعطي دليلا على وجود علاقة بين عدد السكان مقارنة بعدد الحوادث، حيث جاءت محافظة الداخلية في المرتبة الثانية وبنسبة (13.7%) من إجمالي الحوادث في عام (2021)، على الرغم أن هناك محافظات أكثر منها عددا في السكان. أما بالنسبة لأنواع الحوادث المرورية يأتي التصادم بين المركبات ليكون النوع الأكثر حدوثًا، وهذا قد يفسر بأن السرعة الزائدة التي تخالف أنظمة المرور هي المسبب الرئيسي لوقوع الحوادث، حيث مثلت وحدها نسبة (53.3%) مقارنة بالأسباب الأخرى وهي: سوء التصرف، والإهمال، وعدم ترك مسافة الأمان والتجاوز. وبالتالي هذه الأسباب الرئيسية يلعب قائد المركبة الدور الأكبر في حدوثها؛ لأنه لم يتحل بالصبر أثناء القيادة، ولم يتمهل عندما تتطلب لوائح وإرشادات المرور ذلك، ولم يتقيد بأنظمة السلامة المرورية. بالنسبة لعامل السرعة، تشير بعض الدراسات بأنه كلما تم تخفيض معدل سرعة قيادة السيارة في حدود 10 كم/ساعة، فإن من شأن ذلك أن يساعد في تخفيض احتمالات وقوع الحوادث بنسبة (20%)، وفي تخفيض الإصابات بنسبة (30%) وأيضًا في تخفيض الوفيات بنسبة (40%)، الأمر الذي يظهر جليا مدى أهمية الالتزام بالسرعة القانونية عند القيادة.
ولعل القوانين واللوائح المرورية تطرقت إلى الوسائل والطرق التي على أساسها يتم الحصول على رخص القيادة. إلا أن الملاحظ بأن اختبارات الحصول على رخص القيادة وإن كانت تظل جيدة، إلا إنها تحتاج إلى إعادة تحديث ومنها على سبيل المثال، اختبارات الشارع؛ نظرًا لغياب الثقافة المرورية مع قلة إلمام السائق المعرفية بالجوانب المهمة في لوائح وإرشادات الأمن والسلامة المرورية. كما أن تطبيق أفضل الممارسات الجيدة في تقييم تلك الاختبارات قد يكون مناسبًا بالنظر إلى المدة الطويلة التي مرت عليها. ونذكر على سبيل المثال: في المملكة المتحدة هناك اختبارات - جديرة بالدراسة - يخضع لها المتقدم لنيل رخصة القيادة ومنها اجتيازه لاختبارات تحريرية بنظام إلكتروني (اختر الإجابة الصحيحة). حيث يقوم المتقدم للحصول على رخصة القيادة بالإجابة على (50) سؤالاً تقريبًا أغلبها تتعلق بإرشادات الطرق، والأمن والسلامة، وكيفية التصرف في حال وقوع الحادث. ويلزم اجتياز هذا الاختبار قبل التقدم للاختبار الذي يليه. ذلك الاختبار وتنوع تلك الأسئلة والبعض منها يكون في شكل حالات عملية، الهدف منه بأن يكون قائد المركبة مطلعًا على أنظمة المرور؛ متمكنا عند القيادة، ولا يتولد لديه الخوف أو عدم القدرة على التصرف عند أبسط الأمور، أو في الحالات الطارئة التي قد تواجهه أثناء القيادة، إذا ما علمنا بأن سوء التصرف يحتل المرتبة الثانية ضمن أسباب وقوع الحوادث.
شرطة عمان السلطانية من منطلق عملها في تقليل الازدحام والاختناقات المرورية عادة ما تقوم بتكثيف الإرشادات والتعليمات الخاصة بالتقيد بأنظمة المرور في أوقات العطل الأسبوعية والرسمية، لأن البيانات تشير بأن أكثر الحوادث تقع في أيام الخميس والجمعة والسبت وهي أيام أغلبها يدخل ضمن الإجازات الأسبوعية. في المقابل فإن السرعة الزائدة هي السبب الأول لوقوع الحوادث؛ لأن نسبة (58%) منها يقع خارج المدن وفي الطرق المستقيمة.
تعتبر شرطة عمان السلطانية من الوحدات الحكومية الرائدة في التحديث والتطوير المستمر بأنظمة المرور، وتطبيق ما قد يساهم في فاعلية الإجراءات للتسهيل على متلقي الخدمات. ولعل التحديث الأخير بمنح المؤسسات الخاصة القيام بإجراءات الفحص الفني للسيارات دليل أن شرطة عمان السلطانية دائمًا لها السبق في تطبيق أفضل الممارسات التي تتوافق مع مبادئ تجويد الخدمة، وتقريبها من المستفيدين، والتخفيف من الازدحام، أو التكلف في الذهاب إلى مراكز الفحص الفني التابعة للشرطة للحصول على تلك الخدمة. هذا النظام المستحدث يتوافق مع الممارسات الجيدة المطبقة في بعض الدول، وقد يكون شبيها بالنظام المطبق في المملكة المتحدة والذي يعرف بــ ((MOT أو ((Ministry of Transport الهادف إلى الفحص الاختباري للمركبة للتأكد من سلامتها ومطابقتها لمعايير المرور، وأيضًا النسبة المسموحة لانبعاثات الدخان الذي يخرج من عادم السيارات سواء التي تعمل بالبترول أو الديزل بحيث لا يكون مضرًا بالبيئة. عليه فإن التوجه ليكون فحص المركبات عن طريق المؤسسات الخاصة يفتح مجالاً للشباب ورواد الأعمال للانخراط في مهنة الفحص الفني وتصليح السيارات.
في الجانب الآخر، فإن التعويضات المدفوعة لمطالبات تأمين المركبات، بلغت في (2022) ما يقرب من (25) مليون ريال وبنسبة انخفاض (12.6%). مع ذلك فإن شركات التأمين تحتاج إلى نظرة مستقبلية أكثر ديناميكية في التسويق التأميني للمركبات، وأن تكون لديها مرونة أكثر في تشجيع التأمين الشامل، مع منح أصحاب وثائق التأمين الذين لديهم «صفر حوادث» في الحصول على تخفيضات عند تجديد المركبات تشجيعًا لهم على التقيد بأنظمة السير، ومساهمتهم المباشرة في تخفيض أعداد الحوادث. حيث يلاحظ بأن شركات التأمين تعاقب الذين لديهم حوادث في رفع سعر التأمين بشكل كبير عند رغبتهم في تجديد وثائق التأمين في نفس الشركة. فعلى شركات التأمين أن يكون لديها سجل للزبائن الملتزمين بأنظمة المرور، ومنحهم معاملات تفضيلية. في السياق نفسه ينبغي دراسة تقديم خصومات لقائدي المركبات الذين يكون سجلهم المروري خاليًا من الحوادث ومن المخالفات المرورية. بحيث يتم تكريمهم على مستوى المحافظات أو مراعاتهم عند تجديد ملكيات سياراتهم من قبل شرطة عمان السلطانية كمبادرة وطنية للحد من الحوادث المرورية.
سلطنة عمان تعتبر من الدول المتميزة في جودة الطرق، وفي تقيد العمانيين والمقيمين بها، بأنظمة السير وإعطاء الطرقات حقها. إلا أن هناك فئات من المجتمع - وإن كانت قليلة - لا تتحلى بالصبر لما يشاهد من استمرارها في السرعة الزائدة، والتعمد في عدم التقيد بأنظمة السير. وللحد من ذلك، فإن أغلب الدول تتجه نحو التشديد في فرض العقوبات على المستهترين بأنظمة السير الذين يرتكبون مخالفات جسيمة تصل تلك العقوبات إلى السجن مع سحب رخص القيادة لفترات حسب جسامة المخالفات التي يرتكبونها. كما أن هناك حاجة إلى خطة وطنية تعتمد على مؤشرات سنوية لمتابعة ومراقبة عدد الحوادث الجسيمة والمتوسطة، وعدد المخالفين، وعدد السيارات المتوقع أن تكون في الطرق، وتطبيق أنجح طرق الاختبارات للحصول على رخص القيادة. كل هذا سيساعد بإذن الله تعالى في التقليل من عدد حوادث السيارات والإصابات، وبالتالي المحافظة على النفس البشرية التي هي أساس البناء وأساس التنمية.
ختامًا، فإن التقيد بأنظمة المرور والحد من حوادث السير ليس من اختصاص أو مسؤولية شرطة عمان السلطانية فقط، وإنما مسؤولية تشاركية بين الأفراد والمؤسسات بكافة أنواعها، مع ذلك يبقى قائدو المركبات أهم تلك الفئات .
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: شرطة عمان السلطانیة حوادث السیارات رخص القیادة فی تخفیض على رخص
إقرأ أيضاً:
العراق يعزز أمن حدوده بأنظمة مراقبة متطورة لمواجهة التهديدات المستقبلية
فبراير 6, 2025آخر تحديث: فبراير 6, 2025
المستقلة/- في خطوة جديدة لتعزيز الأمن الوطني، أعلن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، عن تزويد القوات المرابطة على طول الحدود بأنظمة مراقبة إلكترونية حديثة، متفوقة في تقنياتها على مثيلاتها في العديد من الدول المتقدمة. وأكد النعمان أن هذه الأنظمة تعد جزءاً من الاستراتيجية الأمنية الرامية إلى ضمان سيطرة تامة على الحدود العراقية، وحماية البلاد من أي تهديدات إرهابية أو أمنية.
وأشار النعمان إلى أن القدرات التسليحية والتقنية للقوات المسلحة العراقية قد تطورت بشكل ملحوظ، مما يسمح لها بمواجهة أي تهديدات محتملة بفعالية أكبر. من جهة أخرى، أشار إلى أن تنظيم “داعش” الإرهابي الذي لقي هزيمة مدوية في العراق، أصبح فاقدًا للعناصر التي كانت تمنحه القوة في الماضي، مؤكداً أن أجهزتنا الاستخبارية، وعلى رأسها جهاز المخابرات الوطني العراقي، تتابع جميع الأنشطة المشبوهة خارج الحدود العراقية لمنع أي محاولات لتمويل أو دعم هذا التنظيم في الداخل.
التحديات الأمنية المستمرة
على الرغم من التقدم الكبير الذي حققته الأجهزة الأمنية العراقية في مواجهة الإرهاب، لا تزال هناك تحديات أمنية كبيرة، خاصة في ظل وجود خلايا نائمة للتنظيمات الإرهابية على الأراضي العراقية. هذه الأنظمة التقنية الحديثة قد تكون جزءًا من الحل، ولكن السؤال يبقى: هل ستكون كافية للحفاظ على الأمن في ظل التهديدات المستمرة؟
يعتبر التحسين المستمر للقدرات الاستخبارية والتقنية في العراق خطوة هامة في إطار مكافحة الإرهاب، إلا أن الاستمرار في مواجهة التنظيمات الإرهابية يتطلب تكاملًا بين القوة العسكرية والاستخبارية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي لمواجهة الشبكات المتورطة في تمويل الإرهاب.
خطة شاملة لمستقبل آمن؟
تستمر الجهود الحكومية لتأمين الحدود وحماية العراق من تهديدات “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى، ولكن يبقى السؤال الأهم هو كيفية تكامل هذه الأنظمة المتقدمة مع استراتيجية شاملة لمكافحة الفكر المتطرف والتطرف داخل المجتمع، بحيث لا تقتصر الحرب على الإرهاب فقط على الجانب العسكري، بل تمتد إلى الجوانب الفكرية والاجتماعية التي تساهم في استمرارية تهديدات الجماعات المسلحة.
هل يمكن للعراق أن يبني قاعدة أمنية مستدامة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، أم أن الجهود العسكرية والاستخبارية ستظل بحاجة إلى تعزيزات مستمرة؟ هذه الأسئلة ستظل محور النقاش في المستقبل القريب.