مؤخرا، حَذَّرَت أفريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية في الولايات المتحدة، من أن «احتياج روسيا إلى الدعم في سياق أوكرانيا أرغمها على منح بعض التنازلات المنشودة منذ فترة طويلة للصين، وكوريا الشمالية، وإيران، وهذا من المحتمل أن يؤدي، بين أمور أخرى، إلى تقويض مبادئ منع الانتشار القائمة منذ أمد بعيد».
ولكن إلى أي مدى قد يكون هذا الأمر مهما؟ دأب بعض المنظرين على التشكيك في الجهود الرامية إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية، حتى أنهم ادّعوا أن الانتشار من الممكن أن يعمل كقوة معزِّزة للاستقرار.
ذَكَـرَت هاينز صراحة إيران وكوريا الشمالية. كانت كل منهما خاضعة لعقوبات الأمم المتحدة التي تعاونت فيها الصين وروسيا والغرب. حتى وقت قريب، كان لروسيا تاريخ طويل في دعم جهود منع الانتشار. فهي لم تكتف بالتوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي، بل تبنت أيضا مبادئ مجموعة موردي المواد النووية لعام 1978، والتي بموجبها وافق بائعو المعدات النووية المدنية على ممارسة الحكمة والحيطة في إدارة سياسات التصدير. ولكن الآن وقد أصبح فلاديمير بوتين معتمدا على الإمدادات العسكرية الكورية الشمالية لدعم حربه في أوكرانيا، فإنه بذلك أنهى تعاون روسيا في مجال منع الانتشار.
في حين ظلت إيران لفترة طويلة تدير برنامجا للأسلحة النووية يعتمد على اليورانيوم المخصب، فقد كان تقدمها غير منتظم ومتقطعا استجابة لضغوط خارجية. وكان النظام حريصا على إبقاء إنتاجه من اليورانيوم عالي التخصيب عند مستوى أدنى من العتبة اللازمة لإنتاج ترسانة نووية. ولكن مع اعتماد روسيا على الطائرات الإيرانية الـمُـسَـيَّـرة آليا، واعتماد الصين على النفط الإيراني، وإلغاء دونالد ترمب بحماقة الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018، انهار التعاون الدولي بشأن منع الانتشار هنا أيضا. فضلا عن ذلك، يعتقد بعض المراقبين (ربما عن طريق الخطأ) أن روسيا ما كانت لتغزو أوكرانيا لو احتفظ الأوكرانيون بالأسلحة النووية التي ورثوها عندما انهار الاتحاد السوفييتي. إذا اكتسب هذا الافتراض قوة دفع، فسوف تتدهور احتمالات منع الانتشار. يحضرني الآن موقف مشابه في الماضي (أستعيده في مذكراتي بعنوان «حياة في القرن الأمريكي»). في أعقاب أزمة النفط عام 1973، كان الرأي الغالب هو أن العالم سيحتاج إلى اللجوء إلى الطاقة النووية. ولكن لأن كثيرين تصوروا (مخطئين) أن اليورانيوم المتاح في العالم بدأ ينفد، فقد ركز الجميع على البلوتونيوم المعاد معالجته ــ وهو منتج ثانوي لإحراق اليورانيوم في المفاعلات النووية. في ذلك الوقت، كانت التوقعات تشير إلى أن نحو 46 دولة ستعيد معالجة البلوتونيوم بحلول عام 1990. وإذا كان الأمر كذلك، فإن العالم سيصبح مغمورا بمواد صالحة للاستخدام في صنع الأسلحة، وسوف تزداد مخاطر الانتشار النووي والإرهاب النووي بشكل كارثي. في عام 1974، أصبحت الهند أول دولة غير الدول الخمس المدرجة في معاهدة منع الانتشار النووي تطلق ما أسمته على سبيل التلطيف «تفجيرا نوويا سلميا». بعد ذلك بفترة وجيزة، وافقت فرنسا على بيع مصنع لإعادة معالجة البلوتونيوم إلى باكستان، حيث تعهد رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو بأن بلاده لن تسمح أبدا للهند بتطوير احتكار نووي في جنوب آسيا. وفي أمريكا اللاتينية، كانت ألمانيا تبيع للبرازيل مصنعا لتخصيب اليورانيوم، وكانت الأرجنتين تتطلع إلى الحصول على البلوتونيوم. ومع استكشاف دول أخرى عديدة بهدوء الخيارات المتاحة لها، بدا الأمر وكأن سباق التسلح النووي جار بالفعل. لحسن الحظ، لم يتحقق ذلك قَـط. فقد لاحَقَ الرئيس الأمريكي جيمي كارتر سياسة عدم الانتشار التي نجحت في إبطاء ذلك الزخم. وطورت دولتان إضافيتان فقط القنبلة النووية منذ سبعينات القرن العشرين، وليس 25 دولة كما كان كينيدي يخشى. بينما افترض الجميع انعدام إمكانية منع الانتشار النووي حقا، كان كارتر يعتقد خلاف ذلك. وبفضل جهود إدارته، جرى إحباط الصفقتين الفرنسية الباكستانية والألمانية البرازيلية. وأنشأت الولايات المتحدة لجنة دولية لدراسة دورة الوقود النووي، وأدى هذا إلى تقليص الزخم نحو إعادة معالجة البلوتونيوم واستخدام «مفاعلات هجين». يجب على أولئك الذين تساورهم الشكوك حول جدوى منع الانتشار النووي أن يضعوا في الاعتبار هذا الدرس من التاريخ. فحتى لو لم يكن من الممكن وقف الانتشار النووي، فمن الممكن إبطاؤه، وهذا من شأنه أن يحدث فارقا حقيقيا.
جوزيف ناي أستاذ فخري في كلية كينيدي بجامعة هارفارد ومساعد سابق لوزير الدفاع الأمريكي، وهو مؤلف كتاب «هل الأخلاق مهمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين روزفلت إلى ترامب».
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأسلحة النوویة من الممکن
إقرأ أيضاً:
جولة رابعة من المحادثات النووية بين واشنطن وطهران.. السبت المقبل
جولة ثالثة من المحادثات النووية بين واشنطن وطهران اتسمت بالجدية من الجانب الإيراني، بينما وصفها الطرف الأمريكي بالإيجابية والبناءة، إذ أنها جولة المفاوضات التي استضافتها العاصمة العمانية مسقط والتي سعى الوسيط العماني من خلالها إلى تضييق مساحة الخلاف بين واشنطن وطهران.
جاء ذلك وفق تقرير تلفزيوني عرضته قناة «القاهرة الإخبارية» بعنوان «جولة ثالثة من المحادثات النووية بين واشنطن وطهران»، مسلطًا الضوء على عقد جولة رابعة من المحادثات بينهما بسبب عدم كفايتها.
وأشار التقرير إلى أنه برغم جدية هذه المفاوضات بين واشنطن وطهران إلا أنها لم تكن كافية لجسر الهوة بين الجانبين، ليتم الإعلان عن دورة رابعة السبت المقبل.
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي وصف المفاوضات بأنها جرت في أجواء مرضية وعملية أقر بوجود خلافات في القضايا الرئيسية والتفاصيل، مشددا على ضرورة إجراء المزيد من الدراسات حول كيفية تقليص تلك الخلافات، وفي إشارة غير صريحة حول الخلافات مع واشنطن أكد عراقجي أن طهران تتفاوض حول ملفها النووي فقط، مؤكدا عدم قبولها بطرح أي مواضيع أخرى للتفاوض، في إشارة ضمنية لبرنامج التسليح الإيرانية.
تصريحات الوفد الأمريكي بإيجابية المفاوضاتعلى الجانب الآخر جاءت التصريحات الصادرة عن الوفد الأمريكي بخصوص جولة المفاوضات إيجابية إلى حد كبير، حيث أشارت إلى إحراز تقدم على صعيد التوصل لاتفاق مع إيران، إلى أن الوفد الأمريكي صرح في الوقت ذاته بوجود بعض المسائل التي تحتاج إلى مزيد من التفاهمات.