لجريدة عمان:
2024-12-26@18:00:15 GMT

مشكلة منع الانتشار النووي

تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT

مؤخرا، حَذَّرَت أفريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية في الولايات المتحدة، من أن «احتياج روسيا إلى الدعم في سياق أوكرانيا أرغمها على منح بعض التنازلات المنشودة منذ فترة طويلة للصين، وكوريا الشمالية، وإيران، وهذا من المحتمل أن يؤدي، بين أمور أخرى، إلى تقويض مبادئ منع الانتشار القائمة منذ أمد بعيد».

ولكن إلى أي مدى قد يكون هذا الأمر مهما؟ دأب بعض المنظرين على التشكيك في الجهود الرامية إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية، حتى أنهم ادّعوا أن الانتشار من الممكن أن يعمل كقوة معزِّزة للاستقرار.

وكما يزعمون، فإذا كانت الأهوال المرتبطة بالأسلحة النووية أحد الأسباب التي منعت اندلاع حروب بين القوى العظمى منذ عام 1945، فربما يكون من الممكن تكرار ذات التأثير على المستوى الإقليمي. لقد أوجدت الهند وباكستان توازنا نوويا في تسعينات القرن العشرين، ولم يترتب على ذلك عواقب كارثية حتى الآن. ولكن هل تظل الـغَـلَـبـة للحِكمة في عالم من «الدول الصغيرة العديدة المسلحة نوويا»؟ لم يكن الرئيس الأمريكي جون ف. كينيدي يعتقد ذلك على حد تعبيره أثناء مؤتمر صحفي عقده في مارس 1963، «على مدار تاريخ الحرب، وتاريخ الجنس البشري، من المؤسف أن الحروب كانت أكثر من السلام بوضوح، ومع انتشار الأسلحة النووية وتوافرها في مختلف أنحاء العالم، والنفور الشديد من جانب أي شعب من قبول الهزيمة، أرى أنه من المحتمل في سبعينات القرن العشرين أن يضطر رئيس الولايات المتحدة إلى مواجهة عالَـم حيث قد تمتلك 15 أو 20 أو 25 دولة هذه الأسلحة. وأنا أعتبر ذلك أعظم المخاطر والمجازفات الممكنة على الإطلاق». في وقت لاحق من ذلك العام، وَقَّـعَ كينيدي على معاهدة تحظر إجراء التجارب النووية في الغلاف الجوي، الأمر الذي مهّد الطريق لإبرام معاهدة منع الانتشار النووي عام 1968، والتي تضم الآن 191 عضوا. تعهدت الدول الخمس المسلحة نوويا المعترف بها في المعاهدة ــ الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي (السابق)، وبريطانيا، وفرنسا، والصين ــ بعدم نشر الأسلحة النووية، وتعهدت البلدان الأعضاء الأخرى (186 دولة) بعدم تطويرها. ورفضت إسرائيل والهند وباكستان التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي وعملت على تطوير الأسلحة النووية؛ وَوَقَّـعَـت كوريا الشمالية على المعاهدة، لكنها انسحبت بعد ذلك لتطوير برنامجها النووي. هذا يرفع إجمالي الدول المسلحة نوويا إلى تسع دول، وهو أمر بعيد كل البعد عن الكمال، ولكنه أفضل كثيرا مما توقع كينيدي. يزعم المدافعون عن هذا النظام المعيب أن معدل الانتشار لا يقل أهمية عن عدد الدول التي تمتلك القنبلة، لأن زيادة القدرة على التنبؤ تعمل على تحسين احتمالات القدرة على صيانة الاستقرار. وبالفعل، هددت المملكة العربية السعودية بتطوير الأسلحة النووية إذا فعلت إيران ذلك. ولكن إذا نشأت سلاسل إقليمية من دول مسلحة نوويا جديدة، فإن احتمال وقوع الحوادث وسوء التقدير سوف يزداد بدرجة كبيرة.

ذَكَـرَت هاينز صراحة إيران وكوريا الشمالية. كانت كل منهما خاضعة لعقوبات الأمم المتحدة التي تعاونت فيها الصين وروسيا والغرب. حتى وقت قريب، كان لروسيا تاريخ طويل في دعم جهود منع الانتشار. فهي لم تكتف بالتوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي، بل تبنت أيضا مبادئ مجموعة موردي المواد النووية لعام 1978، والتي بموجبها وافق بائعو المعدات النووية المدنية على ممارسة الحكمة والحيطة في إدارة سياسات التصدير. ولكن الآن وقد أصبح فلاديمير بوتين معتمدا على الإمدادات العسكرية الكورية الشمالية لدعم حربه في أوكرانيا، فإنه بذلك أنهى تعاون روسيا في مجال منع الانتشار.

في حين ظلت إيران لفترة طويلة تدير برنامجا للأسلحة النووية يعتمد على اليورانيوم المخصب، فقد كان تقدمها غير منتظم ومتقطعا استجابة لضغوط خارجية. وكان النظام حريصا على إبقاء إنتاجه من اليورانيوم عالي التخصيب عند مستوى أدنى من العتبة اللازمة لإنتاج ترسانة نووية. ولكن مع اعتماد روسيا على الطائرات الإيرانية الـمُـسَـيَّـرة آليا، واعتماد الصين على النفط الإيراني، وإلغاء دونالد ترمب بحماقة الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018، انهار التعاون الدولي بشأن منع الانتشار هنا أيضا. فضلا عن ذلك، يعتقد بعض المراقبين (ربما عن طريق الخطأ) أن روسيا ما كانت لتغزو أوكرانيا لو احتفظ الأوكرانيون بالأسلحة النووية التي ورثوها عندما انهار الاتحاد السوفييتي. إذا اكتسب هذا الافتراض قوة دفع، فسوف تتدهور احتمالات منع الانتشار. يحضرني الآن موقف مشابه في الماضي (أستعيده في مذكراتي بعنوان «حياة في القرن الأمريكي»). في أعقاب أزمة النفط عام 1973، كان الرأي الغالب هو أن العالم سيحتاج إلى اللجوء إلى الطاقة النووية. ولكن لأن كثيرين تصوروا (مخطئين) أن اليورانيوم المتاح في العالم بدأ ينفد، فقد ركز الجميع على البلوتونيوم المعاد معالجته ــ وهو منتج ثانوي لإحراق اليورانيوم في المفاعلات النووية. في ذلك الوقت، كانت التوقعات تشير إلى أن نحو 46 دولة ستعيد معالجة البلوتونيوم بحلول عام 1990. وإذا كان الأمر كذلك، فإن العالم سيصبح مغمورا بمواد صالحة للاستخدام في صنع الأسلحة، وسوف تزداد مخاطر الانتشار النووي والإرهاب النووي بشكل كارثي. في عام 1974، أصبحت الهند أول دولة غير الدول الخمس المدرجة في معاهدة منع الانتشار النووي تطلق ما أسمته على سبيل التلطيف «تفجيرا نوويا سلميا». بعد ذلك بفترة وجيزة، وافقت فرنسا على بيع مصنع لإعادة معالجة البلوتونيوم إلى باكستان، حيث تعهد رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو بأن بلاده لن تسمح أبدا للهند بتطوير احتكار نووي في جنوب آسيا. وفي أمريكا اللاتينية، كانت ألمانيا تبيع للبرازيل مصنعا لتخصيب اليورانيوم، وكانت الأرجنتين تتطلع إلى الحصول على البلوتونيوم. ومع استكشاف دول أخرى عديدة بهدوء الخيارات المتاحة لها، بدا الأمر وكأن سباق التسلح النووي جار بالفعل. لحسن الحظ، لم يتحقق ذلك قَـط. فقد لاحَقَ الرئيس الأمريكي جيمي كارتر سياسة عدم الانتشار التي نجحت في إبطاء ذلك الزخم. وطورت دولتان إضافيتان فقط القنبلة النووية منذ سبعينات القرن العشرين، وليس 25 دولة كما كان كينيدي يخشى. بينما افترض الجميع انعدام إمكانية منع الانتشار النووي حقا، كان كارتر يعتقد خلاف ذلك. وبفضل جهود إدارته، جرى إحباط الصفقتين الفرنسية الباكستانية والألمانية البرازيلية. وأنشأت الولايات المتحدة لجنة دولية لدراسة دورة الوقود النووي، وأدى هذا إلى تقليص الزخم نحو إعادة معالجة البلوتونيوم واستخدام «مفاعلات هجين». يجب على أولئك الذين تساورهم الشكوك حول جدوى منع الانتشار النووي أن يضعوا في الاعتبار هذا الدرس من التاريخ. فحتى لو لم يكن من الممكن وقف الانتشار النووي، فمن الممكن إبطاؤه، وهذا من شأنه أن يحدث فارقا حقيقيا.

جوزيف ناي أستاذ فخري في كلية كينيدي بجامعة هارفارد ومساعد سابق لوزير الدفاع الأمريكي، وهو مؤلف كتاب «هل الأخلاق مهمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين روزفلت إلى ترامب».

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأسلحة النوویة من الممکن

إقرأ أيضاً:

«نوكليون».. تفاصيل أول سيارة تعمل بالطاقة النووية

هل يمكن للطاقة النووية أن تصبح وقود المستقبل للسيارات؟.. سؤال تم طرحه على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما قدمت شركة فورد قبل 65 عامًا، رؤيتها الطموحة لهذا الاحتمال من خلال نموذجها التصوري.

سيارة تعمل بالطاقة النووية

وتوفر «الأسبوع» لمتابعيها معرفة كل ما يخص سيارة تعمل بالطاقة النووية، وذلك ضمن خدمة مستمرة تقدمها لزوارها في مختلف المجالات ويمكنكم المتابعة من خلال الضغط هنا.

ما هي فكرة السيارة النووية

في عام 1958، كشفت شركة فورد عن نموذج تصوري لسيارة أطلقت عليها اسم «نوكليون» «Nucleon»، كانت تعتمد في تصميمها على مفاعل نووي صغير يقع خلف المقصورة.

استلهمت فورد هذا المفهوم من التقدم في تكنولوجيا الطاقة النووية، حيث كانت الفكرة تقوم على استخدام انشطار اليورانيوم لتوليد البخار، الذي بدوره يشغل محركات كهربائية.

وكان من المتوقع أن تتمكن السيارة من قطع مسافة تصل إلى 5000 ميل قبل الحاجة إلى «إعادة تزويدها بالوقود النووي».

سيارة نووية محاولات إحياء السيارات النووية

لم تتجاوز«نوكليون» مرحلة النموذج التصوري ولم تدخل حيز الإنتاج، إلا أنها تعكس الطموحات الكبيرة في تلك الحقبة لاستغلال الطاقة النووية في مجالات متعددة، بما في ذلك وسائل النقل.

كما أنه من المتوقع وجود محاولات حديثة لإعادة إحياء فكرة السيارات العاملة بالطاقة النووية، مثل« تصميم المصمم الروسي غريغوري غورين لسيارة Audi Mesarthim F-Tron Quattro»، التي تعتمد على مفاعل نووي صغير لتوليد الطاقة الكهربائية.

اقرأ أيضاً«فورد» الأمريكية تتبرع بمليون دولار وأسطول من المركبات لحفل تنصيب ترامب

محافظ الدقهلية يفتح الباب لسيارات "الكيوت" ويحدد تعريفة جديدة

سعر ومواصفات سيارات «ميتسوبيشي ميراج» موديل 2025

مقالات مشابهة

  • العثور على الحمض النووي لمرض الموت الأسود في مومياء مصرية عمرها 3300 سنة
  • سيؤول تفرض عقوبات على 15 كورياً شمالياً بسبب البرنامج النووي
  • مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل.. تدريبات عسكرية ومخاوف من الأسلحة النووية
  • «نوكليون».. تفاصيل أول سيارة تعمل بالطاقة النووية
  • روسيا ترفض وقف إطلاق النار في أوكرانيا.. وتؤكد: لم نناقش استخدام النووي
  • أول سيارة تعمل بالطاقة النووية.. ظهرت قبل 65 عامًا
  • رئيس وزراء باكستان: لن نتنازل عن برنامجنا النووي رغم العقوبات الأمريكية
  • أسباب طبية تمنع 10 آلاف جندي بريطاني من الانتشار
  • غسان سلامة :العالم إلى حروب أوسع... ودول على طريق النووي
  • مستشار خامنئي: إيران مستعدة للتفاوض بشأن البرنامج النووي