لجريدة عمان:
2024-11-24@09:46:34 GMT

مشكلة منع الانتشار النووي

تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT

مؤخرا، حَذَّرَت أفريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية في الولايات المتحدة، من أن «احتياج روسيا إلى الدعم في سياق أوكرانيا أرغمها على منح بعض التنازلات المنشودة منذ فترة طويلة للصين، وكوريا الشمالية، وإيران، وهذا من المحتمل أن يؤدي، بين أمور أخرى، إلى تقويض مبادئ منع الانتشار القائمة منذ أمد بعيد».

ولكن إلى أي مدى قد يكون هذا الأمر مهما؟ دأب بعض المنظرين على التشكيك في الجهود الرامية إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية، حتى أنهم ادّعوا أن الانتشار من الممكن أن يعمل كقوة معزِّزة للاستقرار.

وكما يزعمون، فإذا كانت الأهوال المرتبطة بالأسلحة النووية أحد الأسباب التي منعت اندلاع حروب بين القوى العظمى منذ عام 1945، فربما يكون من الممكن تكرار ذات التأثير على المستوى الإقليمي. لقد أوجدت الهند وباكستان توازنا نوويا في تسعينات القرن العشرين، ولم يترتب على ذلك عواقب كارثية حتى الآن. ولكن هل تظل الـغَـلَـبـة للحِكمة في عالم من «الدول الصغيرة العديدة المسلحة نوويا»؟ لم يكن الرئيس الأمريكي جون ف. كينيدي يعتقد ذلك على حد تعبيره أثناء مؤتمر صحفي عقده في مارس 1963، «على مدار تاريخ الحرب، وتاريخ الجنس البشري، من المؤسف أن الحروب كانت أكثر من السلام بوضوح، ومع انتشار الأسلحة النووية وتوافرها في مختلف أنحاء العالم، والنفور الشديد من جانب أي شعب من قبول الهزيمة، أرى أنه من المحتمل في سبعينات القرن العشرين أن يضطر رئيس الولايات المتحدة إلى مواجهة عالَـم حيث قد تمتلك 15 أو 20 أو 25 دولة هذه الأسلحة. وأنا أعتبر ذلك أعظم المخاطر والمجازفات الممكنة على الإطلاق». في وقت لاحق من ذلك العام، وَقَّـعَ كينيدي على معاهدة تحظر إجراء التجارب النووية في الغلاف الجوي، الأمر الذي مهّد الطريق لإبرام معاهدة منع الانتشار النووي عام 1968، والتي تضم الآن 191 عضوا. تعهدت الدول الخمس المسلحة نوويا المعترف بها في المعاهدة ــ الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي (السابق)، وبريطانيا، وفرنسا، والصين ــ بعدم نشر الأسلحة النووية، وتعهدت البلدان الأعضاء الأخرى (186 دولة) بعدم تطويرها. ورفضت إسرائيل والهند وباكستان التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي وعملت على تطوير الأسلحة النووية؛ وَوَقَّـعَـت كوريا الشمالية على المعاهدة، لكنها انسحبت بعد ذلك لتطوير برنامجها النووي. هذا يرفع إجمالي الدول المسلحة نوويا إلى تسع دول، وهو أمر بعيد كل البعد عن الكمال، ولكنه أفضل كثيرا مما توقع كينيدي. يزعم المدافعون عن هذا النظام المعيب أن معدل الانتشار لا يقل أهمية عن عدد الدول التي تمتلك القنبلة، لأن زيادة القدرة على التنبؤ تعمل على تحسين احتمالات القدرة على صيانة الاستقرار. وبالفعل، هددت المملكة العربية السعودية بتطوير الأسلحة النووية إذا فعلت إيران ذلك. ولكن إذا نشأت سلاسل إقليمية من دول مسلحة نوويا جديدة، فإن احتمال وقوع الحوادث وسوء التقدير سوف يزداد بدرجة كبيرة.

ذَكَـرَت هاينز صراحة إيران وكوريا الشمالية. كانت كل منهما خاضعة لعقوبات الأمم المتحدة التي تعاونت فيها الصين وروسيا والغرب. حتى وقت قريب، كان لروسيا تاريخ طويل في دعم جهود منع الانتشار. فهي لم تكتف بالتوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي، بل تبنت أيضا مبادئ مجموعة موردي المواد النووية لعام 1978، والتي بموجبها وافق بائعو المعدات النووية المدنية على ممارسة الحكمة والحيطة في إدارة سياسات التصدير. ولكن الآن وقد أصبح فلاديمير بوتين معتمدا على الإمدادات العسكرية الكورية الشمالية لدعم حربه في أوكرانيا، فإنه بذلك أنهى تعاون روسيا في مجال منع الانتشار.

في حين ظلت إيران لفترة طويلة تدير برنامجا للأسلحة النووية يعتمد على اليورانيوم المخصب، فقد كان تقدمها غير منتظم ومتقطعا استجابة لضغوط خارجية. وكان النظام حريصا على إبقاء إنتاجه من اليورانيوم عالي التخصيب عند مستوى أدنى من العتبة اللازمة لإنتاج ترسانة نووية. ولكن مع اعتماد روسيا على الطائرات الإيرانية الـمُـسَـيَّـرة آليا، واعتماد الصين على النفط الإيراني، وإلغاء دونالد ترمب بحماقة الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018، انهار التعاون الدولي بشأن منع الانتشار هنا أيضا. فضلا عن ذلك، يعتقد بعض المراقبين (ربما عن طريق الخطأ) أن روسيا ما كانت لتغزو أوكرانيا لو احتفظ الأوكرانيون بالأسلحة النووية التي ورثوها عندما انهار الاتحاد السوفييتي. إذا اكتسب هذا الافتراض قوة دفع، فسوف تتدهور احتمالات منع الانتشار. يحضرني الآن موقف مشابه في الماضي (أستعيده في مذكراتي بعنوان «حياة في القرن الأمريكي»). في أعقاب أزمة النفط عام 1973، كان الرأي الغالب هو أن العالم سيحتاج إلى اللجوء إلى الطاقة النووية. ولكن لأن كثيرين تصوروا (مخطئين) أن اليورانيوم المتاح في العالم بدأ ينفد، فقد ركز الجميع على البلوتونيوم المعاد معالجته ــ وهو منتج ثانوي لإحراق اليورانيوم في المفاعلات النووية. في ذلك الوقت، كانت التوقعات تشير إلى أن نحو 46 دولة ستعيد معالجة البلوتونيوم بحلول عام 1990. وإذا كان الأمر كذلك، فإن العالم سيصبح مغمورا بمواد صالحة للاستخدام في صنع الأسلحة، وسوف تزداد مخاطر الانتشار النووي والإرهاب النووي بشكل كارثي. في عام 1974، أصبحت الهند أول دولة غير الدول الخمس المدرجة في معاهدة منع الانتشار النووي تطلق ما أسمته على سبيل التلطيف «تفجيرا نوويا سلميا». بعد ذلك بفترة وجيزة، وافقت فرنسا على بيع مصنع لإعادة معالجة البلوتونيوم إلى باكستان، حيث تعهد رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو بأن بلاده لن تسمح أبدا للهند بتطوير احتكار نووي في جنوب آسيا. وفي أمريكا اللاتينية، كانت ألمانيا تبيع للبرازيل مصنعا لتخصيب اليورانيوم، وكانت الأرجنتين تتطلع إلى الحصول على البلوتونيوم. ومع استكشاف دول أخرى عديدة بهدوء الخيارات المتاحة لها، بدا الأمر وكأن سباق التسلح النووي جار بالفعل. لحسن الحظ، لم يتحقق ذلك قَـط. فقد لاحَقَ الرئيس الأمريكي جيمي كارتر سياسة عدم الانتشار التي نجحت في إبطاء ذلك الزخم. وطورت دولتان إضافيتان فقط القنبلة النووية منذ سبعينات القرن العشرين، وليس 25 دولة كما كان كينيدي يخشى. بينما افترض الجميع انعدام إمكانية منع الانتشار النووي حقا، كان كارتر يعتقد خلاف ذلك. وبفضل جهود إدارته، جرى إحباط الصفقتين الفرنسية الباكستانية والألمانية البرازيلية. وأنشأت الولايات المتحدة لجنة دولية لدراسة دورة الوقود النووي، وأدى هذا إلى تقليص الزخم نحو إعادة معالجة البلوتونيوم واستخدام «مفاعلات هجين». يجب على أولئك الذين تساورهم الشكوك حول جدوى منع الانتشار النووي أن يضعوا في الاعتبار هذا الدرس من التاريخ. فحتى لو لم يكن من الممكن وقف الانتشار النووي، فمن الممكن إبطاؤه، وهذا من شأنه أن يحدث فارقا حقيقيا.

جوزيف ناي أستاذ فخري في كلية كينيدي بجامعة هارفارد ومساعد سابق لوزير الدفاع الأمريكي، وهو مؤلف كتاب «هل الأخلاق مهمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين روزفلت إلى ترامب».

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأسلحة النوویة من الممکن

إقرأ أيضاً:

باحث سياسي: روسيا ستستخدم الأسلحة النووية في هذه الحالة| فيديو

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال محمود الأفندي، الكاتب والباحث السياسي، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقع على تعديل العقيدة النووية، لكنه يعد حل لآخر الحلول التي تتخذها موسكو، ومنذ بداية الأزمة مع أوكرانيا لدى روسيا انطباع بأن الولايات المتحدة لن تتوقف حتى تنال هزيمة استراتيجية، وهذا ما صرح به بوتين أمس.

وأضاف الأفندي خلال مداخلة على قناة القاهرة الإخبارية، أن بوتين من الواضح أنه لا يبتعد عن هذه الخطوة رغم العقوبات والحرب الهجينة، حيث يريدون إحداث هزيمة استراتيجية لروسيا، والمقصود بالهزيمة الاستراتيجية هي إنهاء روسيا فعليا وتفكيكها.

وأوضح، أن هناك رسالة واضحة إذا حدث هجوم ضخم نوعا ما يمكن أن يؤدي إلى تراجع روسيا في الجبهة العسكرية، يمكن لموسكو استخدام السلاح النووي، خاصة بعد استخدام الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، هذا الصاروخ ليس موجه للولايات المتحدة ولكن لأوروبا وقواعدها العسكرية.

مقالات مشابهة

  • الكرملين يعلق بعد تصريح البنتاجون بشأن تبادل الضربات النووية (ماذا يحدث؟)
  • باحث سياسي: روسيا ستستخدم الأسلحة النووية في هذه الحالة| فيديو
  • باحث سياسي: روسيا ستستخدم الأسلحة النووية في هذه الحالة
  • باحث سياسي: روسيا تنوي استخدام الأسلحة النووية في هذه الحالة
  • شبح حرب عالمية ثالثة بعد تغيير روسيا عقيدتها النووية
  • الرقابة النووية تختتم أعمال الاجتماع الفني لتعزيز الأمن النووي وتقييم الإنذارات الإشعاعية
  • هيئة الرقابة النووية تختتم أعمال الاجتماع الفني لتعزيز الأمن النووي وتقييم الإنذارات الإشعاعية
  • الصين تنتقد تحديث واشنطن لأسلحتها النووية وتعزيز نشرها
  • هل تحديث العقيدة النووية الروسية يعزز الردع النووي؟.. أستاذة علوم سياسية تجيب
  • البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة