ميناء البلاخية الأثري: تاريخ غزة تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية (تحقيق استقصائي)
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
يوثق التحقيق -عبر صور الأقمار الصناعية- حجم الدمار الذي لحق بميناء « البلاخية » الأثري في غزة، ويكشف عن استخدام الجيش الإسرائيلي القنابل زنة ألفي رطل في استهداف الموقع، بالمخالفة لاتفاقية لاهاي.
يضم قطاع غزة -الذي يقع على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً- عشرات المواقع الأثرية. وخلال الحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع في السابع من أكتوبر 2023؛ استهدفت الصواريخ والقذائف 43 موقعاً أثرياً وثقافياً، وفق رصد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – اليونسكو.
وفق المنظمة، تعرضت تلك المواقع للتدمير -كلياً أو جزئياً- في الفترة بين السابع من أكتوبر 2023 والثامن من أبريل 2024. من بين تلك المواقع المُدمَّرة، موقع البلاخية « أنثيدون »، الذي يضم بقايا ميناء غزة القديم.
في هذا التحقيق، نتتبع مسار استهداف الجيش الإسرائيلي للميناء المُدرَج على « القائمة الإرشادية التمهيدية لمواقع التراث العالمي »، ونكشف -عبر تحليل صور الأقمار الصناعية- عن حجم الدمار الذي لحق بالموقع، في مخالفة لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية.
على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، في الركن الشمالي الغربي من قطاع غزة، يقع موقع البلاخية « أنثيدون ». ويمتد الموقع على مساحة تقدر بكيلومتر مربع تقريباً؛ تشمل الجزء الشمالي الغربي من مخيم الشاطئ للاجئين، والمنطقة الساحلية المجاورة له -المعروفة باسم المشتل- وحتى حدود الشارع الذي يربط منطقة الشيخ رضوان بشارع البحر، ويرتفع الموقع عن مستوى سطح البحر من 17 إلى 20 متراً.
« أنثيدون »، هو أول ميناء بحري معروف في غزة، حيث كانت المدينة مأهولة بالسكان في الفترة بين سنة 800 قبل الميلاد وألف ومئة بعد الميلاد، وتعاقبت على الميناء سلسلة من الحقب والحضارات؛ منها الآشورية الجديدة والبابلية والفارسية واليونانية والرومانية والبيزنطية والعصور الإسلامية المبكرة.
كان الموقع يضم -قبل تدميره- عدة معالم أثرية؛ مثل: الأرضيات الفسيفسائية، والهياكل المحصنة، والآثار المغمورة تحت المياه؛ ما أهّل الموقع للانضمام إلى قائمة اليونسكو التمهيدية للتراث العالمي، إثر طلب تقدم به الوفد الدائم لفلسطين لدى اليونسكو في أبريل عام 2012.
تصف اليونسكو « أنثيدون » بأنه « مثال بارز لخليط معماري مميز؛ إذ يعرض مجموعة متنوعة من مواد وتقنيات البناء ». ورغم القيمة التراثية لهذا الموقع، طالته التعديات في الآونة الأخيرة.
كشف تحقيق أجرته « أريج »، عام 2021، عن ثلاثة تعديات تعرض لها الموقع؛ تمثّلت في تجريف أرضية فسيفساء كنيسة بيزنطية، قبل أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007، وبناء مركز شرطة الشاطئ على أرض الموقع عام 2013، وبناء ملعب داخل الموقع عام 2018.
تلك التعديات لا تقارن بما تعرض له الموقع في الحرب الإسرائيلية الأخيرة؛ إذ تبين صور الأقمار الصناعية -التي جمعها « أولي بلانجر »، المحاضر في الحوسبة الجغرافية في مركز التحليل المكاني المتقدم بجامعة كوليدج لندن- تعرض الجزء الشمالي الغربي، والشمالي الشرقي من الميناء لأضرار تتراوح ما بين متوسطة إلى جسيمة.
موقع البلاخية قبل وأثناء الحرب/ المصدر: أولي بلانجر
تظهر صور حديثة، التقطت بعد مرور ستة أشهر على الحرب، كيف تحول الموقع إلى منطقة رملية تتخلّلها حفر عميقة، اختفت منها المعالم الأثرية كلها.
وبحسب الصور التي زودنا بها خبير الآثار الفلسطيني، فضل العطل، فإن المنطقة تعرضت للاستهداف الإسرائيلي المباشر، الذي جرّفها بالكامل، وهذا ما تأكدنا منه عبر مقارنة صور الأقمار الصناعية المُلتقَطة في سبتمبر 2022، وصور أخرى مُلتقَطة عبر موقع Planet Lab، في ماي 2024.
تؤكد صور ما قبل الحرب، أن الموقع كان يضم بقايا أثرية في « الموقع ب » من الميناء، وهو الموقع الذي أُجريت فيه عمليات تنقيب شارك فيها الخبير الفلسطيني فضل العطل وخبراء أجانب، كان آخرها في عام 2005، وحصلنا على صورة توضح جانباً من أعمال التنقيب. ورغم التعديات، بقي الحال على ما هو عليه في هذا الموقع منذ ذلك الحين، إلا أنه تعرض للتدمير بعد الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة عشية الحرب، التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023.
أعمال التنقيب في الموقع عام 2005
أرسلنا صور الموقع الحديثة، للخبير الأثري في معهد العلوم الأثرية بجامعة بيرن السويسرية، مارك أندريا هالدمان، لتحديد مواقع التنقيب وإخبارنا بما حلّ بها. يؤكد هالدمان أن « المنطقة ب »، التي أُجري فيها التنقيب، تقع ضمن المناطق المستهدفة بالقصف في حدود ميناء البلاخية.
الطريق إلى مخيم الشاطئبثت كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)، في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، مقطع فيديو يُظهر استهداف دبابة إسرائيلية، قرب مسجد الخالدي الذي يبعد نحو 800 متر عن مخيم الشاطئ، وهي في طريقها إلى المخيم مروراً بحدود الموقع الأثري. ما يشير بشكل واضح إلى الفترة الزمنية التي تعرضت فيها البقايا الأثرية في الميناء للتدمير.
فيديو آخر بثه الجيش الإسرائيلي، يُظهر توافد الدبابات عند مدخل مخيم الشاطئ؛ ما يعني أنها مرت على موقع البلاخية قبل وصولها تخوم المخيم.
لقطات من الفيديو تظهر استهداف فندق المشتل الواقع في حدود ميناء البلاخية
قنابل 2000 رطل
جاء في تقرير لمؤسسة الحق الفلسطينية (جمعية حقوق إنسان غير حكومية مقرها مدينة رام الله) أن القصف الإسرائيلي أحدث -على الأقل- 30 حفرة، بقطر يتراوح بين ثمانية أمتار إلى 16 متراً، في موقع ميناء البلاخية الأثري. وتُظهر صور الأقمار الصناعية تشكل حفر بنطاقات قطرية مختلفة في المنطقة « أ » والمنطقة « ب » من الموقع، بجانب المواقع المحيطة به.
وتطرق تحقيق لقناة « سي إن إن » الأمريكية إلى استخدام إسرائيل قنابل زنة ألفي رطل في قصفها لغزة.
وحددت « سي إن إن » المواقع التي تعرضت للقصف بهذه القنابل، الذي من شأنه إحداث حفر واسعة النطاق في المواقع المُستهدفة، ويدخل ضمنها موقع البلاخية الأثري.
وتظهر الصور التي مدنا بها الخبير الفلسطيني، فضل العطل، تكون حفر واسعة النطاق داخل الموقع الأثري، خاصة المنطقة « ب ».
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، قد هدد بوقف إمداد إسرائيل بالقنابل زنة ألفي رطل، معترفاً بأن مدنيين راحوا ضحيتها في غزة.
تدمير المواقع الأثرية يُعدّ مخالفة لاتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح. وتنص الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من اتفاقية لاهاي على أن « تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة كذلك بحظر ومنع، وإذا لزم الأمر، وضع حد لأي شكل من أشكال السرقة أو النهب أو الاختلاس وأي أعمال تخريب موجهة ضد الممتلكات الثقافية. وعليهم الامتناع عن الاستيلاء على الممتلكات الثقافية المنقولة الموجودة في إقليم طرف سام متعاقد آخر ».
بدوره، علق الدكتور ديريك فينشام، أستاذ بكلية جنوب تكساس للقانون، على تقييم اليونسكو، واصفاً إياه بـ « المقلق للغاية ». وأشار إلى أن الأضرار التي لحقت بمواقع التراث الثقافي يمكن أن تقع ضمن نطاق اتفاقية لاهاي لعام 1954.
ويتابع، أن كلاً من إسرائيل وفلسطين طرفان في الاتفاقية، وتتحملان مسؤولية حماية التراث الثقافي، أثناء النزاعات المسلحة. وأضاف فينشام بالقول: « من الصعب تقييم مدى الضرر الذي لحق بمواقع التراث الثقافي عن بعد، بما يتجاوز ما وثقته اليونسكو وغيرها من الهيئات والمراقبين الدوليين ».
ويستدرك المحاضر المتخصص في قوانين حماية التراث قائلاً: « أحد جوانب اتفاقية لاهاي هو مبدأ الضرورة العسكرية، الذي يسمح بإلحاق الضرر بالمواقع الثقافية المهمة، إذا كان ذلك مطلوباً لتحقيق هدف عسكري، وهذا جانب واسع وغير محدد من الإطار القانوني ».
أُنجِزَ هذا التحقيق بدعمٍ من « أريج »
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: صور الأقمار الصناعیة مخیم الشاطئ
إقرأ أيضاً:
انهيار تيسلا في وول ستريت.. كم خسر ماسك منذ تولي ترامب الرئاسة؟
نشر موقع "كوريري ديلا سيرا" الإيطالي تقريرا سلّط فيه الضوء على الانهيار الكبير لأسهم شركة "تيسلا" وتأثيره على ثروة مالكها إيلون ماسك، حيث جاءت هذه الخسائر نتيجة الأداء السيئ لأسهم "تيسلا" والتوترات الاقتصادية المرتبطة بسياسات ترامب.
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن التحالف الغريب بين أغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، الذي يقود "دوج" (إدارة كفاءة الدولة)، ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، لا يعود بالنفع على رجل الأعمال المبتكر ذو الأصول الجنوب أفريقية ولا على ثرواته. في يوم الاثنين الأسود لـ"وول ستريت"، سجلت "تيسلا" -التي تشهد انخفاضًا منذ سبعة أسابيع متتالية- خسائر وصلت إلى 15 بالمئة. لدرجة أن ترامب، في محاولة لإظهار دعمه للملياردير، صرّح بنيته شراء سيارة "تيسلا جديدة تمامًا".
الأيام الأولى من إدارة ترامب
وأوضح الموقع أنه في الأيام الأولى من إدارة ترامب، في بداية عام 2025، يتولى إيلون هذا المنصب الاستشاري غير المعتاد، حيث يقوم بفصل حوالي 10 آلاف موظف فيدرالي. ومع ذلك، يبدو أنه فقد لمسته السحرية، فخلال الـ 70 يومًا الماضية، تكبد مؤسس "تيسلا"، و"سبيس إكس" و"ستارلينك" و"باي بال"؛ خسائر "افتراضية" في ثروته بلغت حوالي 132 مليار دولار، منها 29 مليار دولار في اليوم الرهيب 10 آذار/ مارس 2025 وهنا يعد استخدام مصطلح "افتراضي" ضروريًا، إذ نتحدث عن الأسهم، التي قد يرتفع أو ينخفض قيمتها باستمرار. ومع ذلك، من المفيد مقارنة أداء الأسهم خلال الأشهر الأخيرة لفهم ما يجري.
يبقى ماسك أغنى رجل في العالم
ومع ذلك، فإن هذه المقدمة ضرورية: ماسك يظل أغنى رجل في العالم بثروة تزيد عن 300 مليار دولار إذا أخذنا في الاعتبار فقط قيمة أسهمه.
وأشار الموقع إلى أنه يتم تقديم هذا الرقم من خلال التصنيف المحدث في الوقت الفعلي لمؤشر "بلومبرغ للمليارديرات"، وهو مؤشر يقوم بتحليل أداء الشركات المدرجة في "وول ستريت"، وجميعها مدرجة في قائمة "ناسداك" التكنولوجية. ويقوم المؤشر بتقسيمها وفقًا لحزم الأسهم التي يمتلكها المساهمون المسيطرون، أي كبار الرأسماليين في قطاع التكنولوجيا مثل ماسك، وزوكربيرغ، وبيزوس، وغيتس. ويستخلص منها مؤشرًا لحظيًا يقيس تقلبات ثرواتهم.
كان الجميع مستعدون للمراهنة على دونالد ترامب وحركته "اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى" المعروفة اختصارًا بـ"ماجا"، وكانوا جميعًا في الصفوف الأمامية خلال حفل أداء اليمين للرئيس الأمريكي في 20 كانون الثاني/ يناير. لكن اليوم، أصبحوا جميعًا أقل ثراءً.
فبين الاضطرابات العالمية، التوترات بشأن الرسوم الجمركية، والخوف من الركود الاقتصادي، وبعد سبعة أسابيع فقط، خسر خمسة من أكبر المليارديرات الذين حققوا مكاسب ضخمة تحسبًا لوصول ترامب إلى الرئاسة ما مجموعه 209 مليارات دولار في سوق الأسهم. من بين هؤلاء، إلى جانب إيلون ماسك، هناك أيضًا جيف بيزوس، ومارك زوكربيرغ، وسيرجي برين، وبرنارد أرنو.
الانهيار في "وول ستريت"
وذكر الموقع أن التراجع (الورقي) الذي يعاني منه إيلون ماسك يرتبط بشكل أساسي بالتراجع الحاد في "وول ستريت" لشركة "تيسلا"، التي يسيطر ماسك على 13 بالمئة من رأسمالها، بالإضافة إلى كونه رئيسها التنفيذي ورئيس مجلس إدارتها.
ومنذ بداية العام، فقد سهم "تيسلا" أكثر من 45 بالمئة من قيمته، ليصل إلى حوالي 222 دولارًا للسهم، بعد أن بلغ أعلى مستوى له في العام الماضي عند 479.86 دولارًا في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2024. وفي الوقت نفسه، تراجعت القيمة السوقية للشركة إلى 714 مليار دولار.
أما يوم الاثنين 10 آذار/ مارس 2025، فقد كان أسوأ يوم لشركة "تيسلا" في البورصة منذ عام 2020، حيث انهار السهم بنسبة تصل إلى 15 بالمئة. ويعود ذلك إلى خفض بعض المحللين لتوقعاتهم بشأن مبيعات الشركة، بالإضافة إلى الجدل السياسي المتزايد المحيط بماسك، مما أثر سلبًا على المبيعات في أسواق رئيسية مثل ألمانيا والصين.
توتر المستثمرين
وأشار الموقع إلى أن توتر المستثمرين يبدو ناجما على الأرجح عن حالة عدم اليقين؛ فلا يوجد شيء أكثر ضررًا في البورصة من الشك، ولا يزال غير واضح هل سياسة ترامب – ماسك ستنعش الاقتصاد أم ستؤدي إلى إضعافه، فالإعلانات المتكررة عن فرض رسوم جمركية على الواردات من بقية العالم، والتذبذب بين التقدم والتراجع في القرارات، والمفاوضات الجارية بشأن السلام في أوكرانيا، والمحادثات حول المعادن النادرة، والتغير في هيكل المساهمين في الشركة المسؤولة عن إدارة قناة بنما، كلها أخبار هزت الأسواق، خاصة أنها ظهرت جميعها في فترة زمنية قصيرة.
ماذا سيحدث الآن؟
واختتم الموقع تقريره بالتأكيد على أن التوقعات الاقتصادية لا تزال غير واضحة، حيث تواجه الأسواق حالة من عدم اليقين. فمع تصاعد الحرب التجارية العالمية، يزداد خطر ارتفاع معدلات التضخم، مما يؤدي إلى تراجع إنفاق الطبقة المتوسطة. وهذا بدوره قد يؤدي إلى انكماش الاقتصاد، حيث يشعر الناس بالخوف ويمتنعون عن الشراء، وهو ما يشكل تهديدًا كبيرًا للشركات. أما المستثمرون في البورصة، فهم الأكثر وعيًا بتأثير هذه التقلبات وأسرع من يتأثر بها.