قبل أن أراه في نادي (الميثاق) الكائن في مدينة الفقراء والكادحين، كما يطلق عليها أدباؤها ومثقفوها، ببغداد، كنت أشاهد صور البطل العالمي لكمال الأجسام علي الكيار الذي غادر عالمنا عن (87) سنة، في أواخر الستينيات، في كل مكان بمدينتنا الشعبية، المقاهي، المطاعم، البيوت، فضلا عن التلفزيون والصحف، ليس فقط لأن مدينتنا تمجّد الأبطال، بل لأنه من أبناء المنطقة، وتمجيد الأبطال طبيعة بشرية، على حد قول الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد في الفخر:
كأنّنا، فَرطَ ما نَبري قَوادِمَنا
نُشابِكُ الرّيحَ بالأقواسِ والأسَلِ
وما ادّعى مُدَّعينا أنّهُ بَطَلٌ
لكنْ يَموتُ على أسطورَةِ البَطَلِ
وإذا كنا نمجّد محمد علي كلاي وهو في الولايات المتحدة الأمريكية، فكيف يكون حالنا والبطل من أهلنا وناسنا؟ وهو لا نعرفه من خلال الصور فقط، بل نراه بيننا كائنا من لحم ودم، يُلقي على الجالسين التحية، فيهشّ الجميع ويبش، ومن لا يشعر بالفخر حين يُلقي البطلُ السلام؟ وهو يمشي في الأسواق، وكنا أيامها نتردّد على النادي الذي هو مديره ونراه وهو يتمرّن ويربّي عضلاته التي كانت حين يرتدي القميص يتهّيأ لنا أنها تضيق ذرعا بمحبسها، وحين يتحرك تكاد أن تمزقه وتتحرر من سجن القميص، وحين نراه نشعر بهيبة الحضور، وهكذا كبرت صورة البطل حتى وصل مرتبة الأسطورة والرياضة والفن، كما يقول د.
وقد أَضفت شخصيّته المتواضعة، وطيبته التي يتحدّث عنها الكثيرون هالة على صورته، فكان محبوبا من الجميع مُهابا.
ومرّت السنوات، وتغيّر الحال، واعتزل الرياضة والنزال عام 1975، وصار الكثيرون يتناقلون أخبار البطل، وقد آل به الحال أن يعمل سائق شاحنة وهو الذي بدأ حياته عاملا في (القير) الذي يوضع فوق سقوف البيوت، وترصف به الدروب، ومنه أخذ لقبه (الكيار)، ثم عمل بائعا للملابس المستخدمة، يقول الإعلامي زيدان الربيعي: «كنت خلال الشهرين الأخيرين أتألم جدًّا وأنا أشاهد صوره التي ينشرها بعض الأشخاص، وهو متعب جدًّا. فخلال زيارتي الأخيرة له في عيد الفطر المبارك، شعرت بألم كبير جدًّا وأنا أراه يتكلم بصعوبة، وحركته تكاد تكون معدمة. حيث لم أعد إلى زيارته؛ لأنني لم احتمل رؤيته وهو في وضع صحي صعب جدًّا».
وهذا شعوري نفسه، إذ نريد لصورة البطل أن تظلّ ناصعة، ملهمة، تثير فينا الحيوية والنشاط، كما كانت أيام مجده الغابر، لا نريد أي اعتداء ليد الزمن عليها؛ لأن ذلك يشعرنا بثقل وطأة الزمن على أرواحنا، لذا كنا نرفض الصور التي ظهر عليها البطل الذي نزع تاج البطولة وخرج إلى الشارع ليعيل أبناءه، فللواقع شروطه ومتطلباته، لقد كان قد بلغ «مرحلة الوهن الخراب بعد اكتمال الحصول على الأسطورة الشخصية» كما يقول الماجدي مضيفا، «وتسيطر على الشخص في هذه المرحلة هواجس البقاء والبحث عمّا يعزز هذا البقاء والذكر الحميد له بين الناس، ولذلك فهو يكافح وسط رموز الخراب»، وفي آخر حوار تلفزيوني أُجري معه ظهر فيه وهو يبيع الملابس القديمة، ورغم الحال المزري الذي يعيش من معاناته من الشيخوخة والأمراض، لم ينس صورة البطل وافتخر كونه أحرز المركز الثالث في بطولة العالم متقدّما على أرنولد شوارزينجر الذي أصبح نجما هوليوديا ثم حاكما لولاية كاليفورنيا، وبوجود بطلنا لم ينل في تلك البطولة سوى المركز الخامس.
كان يتحسّر على تلك الأيام، فيما كنت أتابع الحوار وأتحسّر على أغلى ما نملك في طفولتنا «أسطورة البطل».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
جثمان الأسطورة رشيد مخلوفي يوارى الثرى ظهر اليوم
سيوارى، ظهر اليوم الأحد، جثمان المجاهد وأسطورة فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم، الراحل رشيد مخلوفي، بمقبرة العالية بالعاصمة.
وتوفي مخلوفي، أول أمس الجمعة، عن عمر ناهز 88 سنة، بعد صراع طويل مع مرض عضال.
وكان جثمان فقيد الكرة الجزائرية، قد وصل ليلة أمس، إلى مطار هواري بومدين، واستقبله وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة، رفقة أسرة الفقيد وأقاربه وعدد من أصدقائه.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور