بزشكيان بين طموح التغيير.. وتحديات جبهة المحافظين
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
بقلم:-
د.حامد محمود، باحث متخصص في شئون إيران والخليج
لواء د. شوقي صلاح، عضو هيئة التدريس بكلية الشرطة
د.حامد محمود اللواء د. شوقي صلاحالقاهرة (زمان التركية)- أسفرت الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة عن فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، بحصوله على 16.3 مليون صوتا مقابل 13.5 مليون صوتا لسعيد جليلي المرشح المحافظ، وبهذا أكد الشعب الإيراني إلى تطلعه لإصلاحات أهمها: المتعلقة بالحقوق والحريات، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، فقد أرهق الاقتصاد الإيراني كثيرًا من دعم الأذرع الإيرانية الخارجية.
. كما عانت إيران من العقوبات الدولية التي فرضت عليها، ولا شك أن بزشكيان سيواجه تحديات من دوائر صنع القرار الإيراني الخاضعة لسيطرة المحافظين المتشددين؛ كما أن التوترات الخارجية المعنية بها إيران تشهد منعطفا حادًا في الآونة الأخيرة، خاصة في الشرق الأوسط بسبب الحرب الدائرة بين إسرائيل وقوى المقاومة.
– ورغم أن بزشكيان سبق ودعا خلال حملته الانتخابية إلى «علاقات بنّاءة مع الولايات المتّحدة والدول الأوروبية، من أجل إخراج إيران من عزلتها، إلا أنه صرح بعد فوزه بالانتخابات إلى التأكيد على دعم إيران القوي لحزب الله. وجدير بالذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية صرحت بأن الولايات المتحدة ليس لديها أي توقع بأن تؤدي هذه الانتخابات إلى تغيير جذري في اتجاه إيران، أو احترام أكبر لحقوق الإنسان لمواطنيها، وأشارت إلى أن السياسة الإيرانية يُحدّدها المرشد الإيراني كما قال المرشحون أنفسهم، لكنها قالت “إنها مع هذا ستسعى إلى الدبلوماسية عندما تخدم المصالح الأميركية”.
– هذا وحري بنا تهنئة الرئيس الإصلاحي بزكشيان على توليه رئاسة إيران، وبرقية التهنئة هذه تحمل معها رسالة من الجمهور العربي الذي يتطلع من الرئيس الإيراني اتخاذ مسار تراعي فيه إيران المصالح العليا للدول العربية، لنتجنب الفتن التي تحاك لدولنا من قبل دول مارست من زمن سياسة “فرق تسد”.. لنبدأ عهدا جديدًا لعلاقات حسن الجوار والتعاون الذي تتحقق من خلاله المصالح المشتركة، وقد صرح بزشكيان خلال مناظرة تلفزيونية مع سعيد جليلي، بأن إيران بحاجة إلى استثمارات أجنبية تصل لــ200 مليار دولار، لافتا إلى أن هذه المبالغ لا يمكن جذبها إلا بإعادة تنمية العلاقات الخارجية.. وجدير بالذكر أن الاقتصاد الإيراني يواجه أزمات عديدة، حيث أشار تقرير لمركز الإحصاء الإيراني إلى أن معدل التضخم بلغ 46.2%، بداية العام الحالي، وهى نسبة تضع إيران في مقدمة الدول الأعلى تضخماً في العالم، وبالطبع تلقي نسبة التضخم القياسية بظلالها على الأوضاع المعيشية للمواطنين، لاسيما الفقراء ومتوسطي الدخل، لذا فإن تنمية الاستثمارات الخليجية مع إيران يمكن أن تحقق المصالح المشتركة.. خاصة وأن الرئيس الإيراني يهدف لإذكاء سبل التعاون والتفاهم مع الغرب، بما من شأنه توقف الغرب عن فرض العقوبات الاقتصادية على إيران.
– هذا، وهدد مؤخرا عبد الملك الحوثي باستهداف موانئ ومطارات ومنشآت نفطية وبنوك سعودية، ما يؤكد على رغبة الأذرع الموالية لإيران في التصعيد والابتعاد عن مسار السلام باليمن، واعتبار المفاوضات مجرد كسب للوقت لمزيد من التسلح.. ونتطلع أن يتم تصويب مثل هذه السياسات العدائية أملاً في:
– ألا تدفع هذه التهديدات الصادرة من أحد حلفاء إيران الخليج للاصطفاف مع القوى الغربية ضد إيران، ولعل الرئيس الجديد يدرك أهمية تبني منهجية دبلوماسية تتسم بالحكمة، فلا داع للجوء لتهديدات علنية تسمم الأجواء.. ولنا وطيد الأمل أن تكون هذه الدبلوماسية هي أهم مسارات النهج الإصلاحي للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
– ونظرًا لأنه؛ يصعب على أي رئيس إيراني إحداث تحول كبير في ملفات بعينها، لعل أهمها: ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، السياسة الخارجية، القضاء، القوات المسلحة، ووسائل الإعلام، إذ يتولى المرشد الأعلى أمر الحل والعقد بشأن هذه الملفات.. وحث خامنئي بزشكيان على مواصلة سياسات سلفه إبراهيم رئيسي، الذي كان محسوبا على غلاة المحافظين.. فهل يستطيع الرئيس إحياء المحادثات مع الغرب سعيا لرفع العقوبات الأميركية الصارمة، خاصة في ظل تزايد الاستياء الشعبي من المشاكل الاقتصادية؟
وحيث تمثل أزمة الاقتصاد الإيراني تحديا لم يستطع رجال الدين الحاكمين مجابهته، فإن الإجابة على السؤال السابق تحتمل أحد سيناريوهين:
الأول: خشية التيار المحافظ من تجدد الاحتجاجات التي اندلعت عام 2017، وهذا ما يدعو خامنئي لإفساح المجال لإحداث حالة من التوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية.. وغالبا سيؤجل هذا الملف لما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقرر عقدها في نوفمبر المقبل.
والثاني: أن يفشل بزشكيان في إحداث اختراق سياسي في العلاقات الأمريكية الإيرانية، وينتهي به الحال لوضع مماثل لسابقيه الرئيسين الإصلاحيين: محمد خاتمي وحسن روحاني، حيث رفعا معنويات الإيرانيين الطامحين للتغيير، ثم مُنعا في النهاية من القيام بذلك من قبل المحافظين: رجال الدين والحرس الثوري.
المصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: الانتخابات الإيرانية الرئيس الإيراني ايران مسعود بزشكيان
إقرأ أيضاً:
أبرز إنجازات وإخفاقات بزشكيان في الـ100 يوم الأولى من حكمه
طهران– يرى طيف من الإيرانيين في تزامن اليوم الأول من حقبة الرئيس مسعود بزشكيان مع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران "مؤشرا على سوء حظ الحكومة الراهنة"، بينما تُرجع شريحة أخرى سبب "إخفاقها" في تحقيق بعض وعودها إلى "مؤامرة صهيونية استبقت تحرك الحكومة الإصلاحية نحو تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة".
وربما من حسن حظ بزشكيان أن تواجه حكومته، حتى قبل حصول أعضائها على ثقة البرلمان، تحديات خارجية كبيرة عززت من التفاف شريحة كبيرة من التيار المحافظ حوله وجنّبته انتقادات خصومه السياسيين على ضوء الدعم الكبير الذي حصل عليه من مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي.
ورغم إجماع الأوساط الإيرانية حول الصعوبات التي اعترضت حكومة بزشكيان خلال الـ100 يوم الأولى من عودة الإصلاحيين إلى سدة الحكم، فإن ذلك لم يمنع المعارضة والموالاة في طهران من التذكير بالشعارات والوعود التي أطلقها الرئيس إبان حملته الانتخابية، الصيف الماضي، وتقييم أداء حكومته وتعداد إنجازاتها وإخفاقاتها خلال الفترة الماضية.
وعد بزشكيان في حملته الانتخابية بالتفاوض مع القوى الكبرى لرفع العقوبات عن بلاده (الأناضول) وعودوبينما توجه حاشية الحكومة الإيرانية الراهنة أصابع الاتهام إلى خصومها السياسيين، كون الرئيس بزشكيان ورث كارثة كساد اقتصادي تمثّل في تراجع قيمة العملة الوطنية وعجز في الطاقة وتزايد هجرة الأدمغة، يتساءل منتقدوها عما قدمته الحكومة التي طالما انتقدت السياسة الخارجية للحكومة السابقة، وجاءت بحماس لتطبيع علاقاتها مع القوى الغربية ورفع العقوبات الجائرة عن الإيرانيين.
وكان الرئيس الإصلاحي بزشكيان قد أطلق شعارات خلال حملته الانتخابية وعد من خلالها بمواجهة التمييز بحق النساء والقوميات والأقليات الدينية والنخب، إلى جانب العمل على رفع القيود المفروضة على الشبكة العنكبوتية، ووضع حد لعمل شرطة الأخلاق، وأنه لن يألو جهدا في سبيل معالجة غلاء المعيشة وتعزيز الاقتصاد الوطني.
وكان بزشكيان تحدث في المناظرات التلفزيونية عن عزمه على محاربة الفساد وضرورة شطب اسم إيران من القائمة السوداء، بسبب عدم مصادقة طهران على قوانين مجموعة العمل المالي "فاتف" المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال و"تمويل الإرهاب"، وكذلك التفاوض مع القوى الكبرى لحلحلة القضايا الشائكة وعلى رأسها الملف النووي.
إخفاقاتمن ناحيته، يشير الناشط السياسي المحافظ والسفير الإيراني السابق في أستراليا والمكسيك، محمد حسن قديري أبيانه، إلى تزامن مرور نحو 100 يوم على رئاسة بزشكيان مع بدء خطة حكومته لترشيد الكهرباء، مضيفا أنه يوافق على تنفيذ الخطة لو كانت بسبب نقص في الوقود اللازم لتشغيل المحطات، لكنه يعتقد أن سوء الإدارة هو السبب الحقيقي وراء عجز الطاقة بالبلاد.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوجه أبيانه انتقادات لحكومة الرئيس بزشكيان، بسبب الإشارات التي أرسلتها للقوى الغربية بشأن عزمها التفاوض لرفع القيود الاقتصادية والعقوبات التي وصفها بأنها أنهكت كاهل الاقتصاد الوطني، مضيفا أن واشنطن ردت على الدعوة الإيرانية للتفاوض "بمساعدة الكيان الصهيوني على مهاجة العمق الإيراني".
وبرأي المتحدث، فإن فريق بزشكيان خسر الرهان على فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في رئاسيات أميركا 2024، في حين أنه لا فرق بين سياسة الرؤساء الأميركيين في معاداة الشعب الإيراني، على حد قوله، منتقدا بزشكيان "بسبب سماحه لبعض الشخصيات التواقة للسياسات الغربية أن تلتف حوله".
ويعتقد الناشط السياسي المحافظ أن بعض الوعود التي أطلقها بزشكيان، ومنها المصادقة على قوانين "فاتف" ورفع القيود عن منصات التواصل الغربية، تنتهك الأمن القومي، كما أن بعضا آخر من وعوده -لا سيما بخصوص الحجاب الشرعي- تتعارض والشريعة الإسلامية.
وعلى الصعيد الداخلي، يقول أبيانه إن العديد من المؤشرات الاقتصادية، ومنها سوق البورصة وقيمة العملة الوطنية وأسعار السلع الأساسية، اتخذت منحنى مخالفا للوعود التي أطلقها الرئيس خلال حمتله الانتخابية، مستدركا أن موقف بزشكيان القاطع "بخصوص مواجهة المغامرات الصهيونية" محل ترحيب وإجماع من قبل جميع التيارات السياسية في الجمهورية الإسلامية.
وفي السياق، نشرت وكالة أنباء "رجاء نيوز" المحافظة تقريرا بمناسبة مرور 100 يوم على رئاسة بزشكيان، ورأت أن سياسة حكومته في عدم الحضور بين الناس لا تتناسب والشعارات التي رفعها من أجل تحسين الوضع المعيشي، في حين أن سلفه إبراهيم رئيسي قام على أقل تقدير بـ3 زيارات إلى المحافظات خلال الفترة المماثلة من ولايته.
بزشكيان يستقبل غروسي ويبحث معه حلحلة القضايا الشائكة بشأن ملف طهران النووي (الرئاسة الإيرانية) إنجازاتفي المقابل، يؤكد داريوش كشتكار، الناشط السياسي الإصلاحي وأحد المسؤولين في حملة بزشكيان الانتخابية، أن الحكومة الراهنة لم تتحدث يوما عن أنها ستحقق شعاراتها خلال 100 يوم، وإنما العمل جار على تنفيذ هذه الوعود حتى آخر يوم من عمرها.
وفي حديثه للجزيرة نت، استدرك كشتكار أن الرئيس بزشكيان أوفى بوعده بخصوص مشاركة القوميات والأقليات الدينية والنساء في إدارة البلاد، وكذلك تشكيل حكومة وفاق وطني وهي تجربة لا مثيل لها في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
وبرأيه، فإن "حكومة بزشكيان أوجدت انسجاما كبيرا بين الدبلوماسية والميدان أفشل المؤامرات الصهيونية الرامية إلى استدراج طهران إلى حرب إقليمية"، موضحا أن الحكومة الراهنة ردت بصلابة على اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها، وانتقمت كذلك لحلفائها في فصائل المقاومة، وتمكنت من تعزيز الوفاق الوطني على الساحة الداخلية.
وأرجع المتحدث نفسه، سبب المماطلة في رفع القيود عن الشبكة العنكبوتية والمصادقة على قوانين "فاتف" وغيرها من الوعود الانتخابية إلى مقاومة من سماهم "سماسرة العقوبات والحصار الاقتصادي"، مؤكدا أن العمل من أجل تنفيذ هذه الوعود سيستمر بقوة، وأن الرئيس كلّف لجانا خاصة لإزالة العوائق التي يضعها خصومه السياسيون أمام المصالح الشعبية.
ويلقي كشتكار باللوم على التيار السياسي المنافس وحكوماته التي أوصلت البلد الغني بالنفط والغاز إلى ترشيد استهلاك الطاقة، بسبب عدم قيامها بواجبها خلال توليها الرئاسة، مضيفا أن الحكومة الراهنة ورغم التحديات التي اعترضتها، فإنها لأول مرة قدمت مشروع الميزانية في الموعد المحدد ووفقا لأعلى مواصفات الشفافية.
واعتبر الناشط السياسي الإصلاحي تصريحات مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي خلال زيارته الأخيرة إلى طهران، وكذلك التقارير عن عقد اجتماع بحضور الملياردير الأميركي إيلون ماسك، وهو مستشار للرئيس المنتخب دونالد ترامب، وسفير إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، "دليلا على عزم الحكومة الراهنة خفض التوتر مع القوى الكبرى والأوساط الأممية".
في غضون ذلك، نشرت صحيفة "إيران" الرسمية تقريرا بالمناسبة، رأت فيه أن الحكومة سجلت إنجازات كبيرة خلال الفترة الماضية، وذلك رغم التحديات التي واجهتها بسبب التطورات الإقليمية، ومنها سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية بحق قيادات فصائل المقاومة.