يتأمل عمر زياد ومن حوله بساتين النخيل في قريته في وسط العراق، حقلاً جافاً كان يضمّ حوضاً لتربية الأسماك قامت السلطات بردمه في إطار جهودها لترشيد المياه بهدف مواجهة الجفاف المتزايد.

للعام الرابع على التوالي، يواجه العراق، البلد الخامس الأكثر تأثّراً بالتغير المناخي في العالم بحسب الأمم المتحدة، موجة جفاف، ما يفرض على الحكومة الكفاح لتوفير مياه الشرب والري.

اعلان

ولحفظ ما تبقى من الاحتياطات المائية، تعمل السلطات على تنظيم جذري لبعض الاستخدامات، لا سيما ما هو مخالف منها للقانون والذي كان يتمّ التساهل معه في الماضي.

في هذا الإطار، أطلقت حملة منذ نهاية أيار/مايو لإقفال مزارع تربية الأسماك غير المرخصة.

وطال ذلك أحواضاً كان يملكها عمر زياد البالغ من العمر 33 عاماً والذي فقد سبعة أحواض في مزرعة عائلته الواقعة في قرية البو مصطفى، بعدما ردمها موظفون في وزارة الموارد المائية لأنها غير مرخّصة.

شاهد: الجفاف يضرب العراق للعام الرابع.. الخطر يهدد مصير منطقة الأهوارشاهد: ما أسباب نفوق آلاف الأسماك في نهر العز بجنوب العراق؟

ويقول الشاب الذي يعمل كذلك مدرساً "أعمل منذ عشرين عاماً في تربية الأسماك مع أبي وأخوتي السبعة".

وكان زياد وأشقاؤه يقومون بتربية 50 ألف سمكة في أحواض العائلة بمردود شهري يتراوح بين 1300 و2600 دولار. وكانوا يربّون أسماك الشبوط التي تستخدم في إعداد طبق "المسقوف" المشهور في العراق.

ويتابع الشاب "كنا نبيع الأسماك بسعر متدنّ" للسوق المحلية. أما اليوم، وبعد إغلاق مزارع الأسماك، ارتفعت الأسعار في السوق و"تجاوزت الـ8000 دينار للكيلوغرام الواحد"، أي ضعف سعرها السابق، وفق زياد.

من مكان مرتفع، تبدو الأراضي المجففة متراصة وتحدّها طرق ريفية، ويكسر أحيانا المشهد الممل، حوض مائي وحيد نجا من تدخّل الحكومة.

ـ المخزون الاستراتيجي ـ

ويقول زياد "كانت هناك 80 بحيرة أسماك في منطقتنا تعيل حوالى 1500 عائلة، بقيت منها خمسة أحواض فقط كان يحمل أصحابها تراخيص".

في المقابل، يطالب عبدالله سامح، ابن عم زياد الذي يعمل كذلك مربياً للأسماك، السلطات ب"إيجاد بديل" لمن فقدوا عملهم. ويرى الشاب الثلاثيني أن إجراءات الحكومة "لم تحل مشكلة" المياه، مضيفاً "جُفّفت أحواضنا، لكن إذا سألت في مناطق الجنوب يقولون إنهم لم يحصلوا على أي مياه".

في جنوب العراق، يشكّل ارتفاع ملوحة المياه التحدّي الحقيقي للصيادينAFP

وتعدّ أزمة المياه في العراق البالغ عدد سكانه 43 مليون نسمة، قضيةً طارئة، إذ إن مستويات الأنهر تراجعت كثيراً، لا سيما بسبب سدود تبنيها الجارتان تركيا وإيران على منابع دجلة والفرات، وفق السلطات.

ويقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال لوكالة فرانس برس "المخزون الاستراتيجي من المياه في العراق (حاليا) هو الأدنى في تاريخ الدولة العراقية الحديثة منذ مطلع عشرينات القرن الماضي".

اعلان

ويقرّ المسؤول أنه إضافة إلى العوامل الجيوسياسية وتراجع معدلات الأمطار، المشكلة أيضاً داخلية، لا سيما "سلوكيات وممارسات الري والزراعة" التي تستهلك الكثير من المياه.

ويضيف "ما زلنا نعيش ثقافة وفرة المياه ولم نغادرها إلى ثقافة شحّ المياه وترشيد الاستهلاك".

ويوضح أن "بحيرات الأسماك المتجاوزة أسهمت في زيادة المساحة المعرّضة للتبخّر وزيادة تخندق وتسرب المياه والملوثات البيئية".

وأغلقت قرابة نصف الأحواض الخمسة آلاف غير المرخصة التي كانت موجودة في العراق، وفق شمال الذي انتقد وجود "أحواض أسماك (غير مرخّصة) لا تدفع ضرائب ورسوما وضمانا"، معتبرا أن "ردمها واجب وطني".

ـ "لم يبقَ إلا قلّة" -

وعلى الرغم من تأييده إغلاق الأحواض المخالفة، تساءل رئيس جمعية صيادي ومربي الأسماك في العراق أياد الطالبي خلال لقاء بثته قناة "الإخبارية" الحكومية "هل استُثمرت المياه التي أوقف استخدامها لتربية الأسماك؟".

اعلان

وذكّر الطالبي بأن "العراق كان ينتج 900 ألف إلى مليون طن من الأسماك سنوياً"، لكن بعد حملة السلطات، انخفض الإنتاج إلى 190 ألف طن.

وأضاف أن قطاع الأسماك كان يوظّف مليوني شخص، محذّراً من أن "هذه العائلات كلها ستهاجر إلى المدينة".

ويشير المتحدث باسم وزارة الموارد المائية إلى أن السلطات قد تسمح "مستقبلا بالأحواض أو الأقفاص العائمة ضمن مسار النهر" لتربية الأسماك، لأن "استهلاكها للمياه أقل".

في جنوب العراق، يشكّل ارتفاع ملوحة المياه التحدّي الحقيقي للصيادين في شطّ العرب، النهر الذي يلتقي فيها دجلة والفرات قبل أن يصبّ في نهر الخليج.

وخلال كل موسم صيف، يتراجع تدفّق المياه العذبة القادمة من شمال البلاد مقابل تزايد المدّ البحري المالح، ما يؤدي إلى الاختلال في النظام البيئي.

اعلان

ويزيد هذا الأمر معاناة خضير عبود، صياد السمك البالغ من العمر 71 عاماً،

وفيما يتفقّد شباكه وهو على قاربه عند حافة النهر، يتذكّر الرجل صاحب اللحية البيضاء أنه "في الماضي، كانت تصلنا أسماك مختلفة.... لكن بعدما جاء الماء المالح انتهت، انقرضت، لم يبقَ شيء".

اليوم، يكسب الرجل حوالي عشرة آلاف دينار (7 دولارات) مما يصطاده، لكن "هذا لا يكفي، لديّ عائلة".

ويشير الى إن العديد من "الصيادين تركوا العمل وتوجهوا لعمل آخر (مثل) عمل البناء"، مضيفاً "لم يبقَ إلاّ قلّة، كبار في السن، نعمل" في الصيد.

المصادر الإضافية • أ ف ب

المصدر: euronews

كلمات دلالية: جفاف شح المياه العراق ضحايا أوروبا السعودية إسرائيل إيطاليا الهجرة غير الشرعية تونس مهاجرون الشرق الأوسط باكستان ضحايا أوروبا السعودية إسرائيل إيطاليا فی العراق

إقرأ أيضاً:

زعيم الكنيسة الكلدانية في العراق: المسيحيون فقدوا ثلثي عددهم بسبب الصراعات والحروب

زعيم الكنيسة الكلدانية في العراق: المسيحيون فقدوا ثلثي عددهم بسبب الصراعات والحروب

مقالات مشابهة

  • زعيم الكنيسة الكلدانية في العراق: المسيحيون فقدوا ثلثي عددهم بسبب الصراعات والحروب
  • فلسطين: 80% خسائر قطاع المياه بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
  • ضعف وانقطاع المياه وسط وغربي الإسكندرية بسبب كسر مفاجئ لماسورة مياه
  • مجلة إسبانية: تأخر الرواتب بليبيا بسبب عجز السلطات عن توفير التوازنات المالية
  • وزير الموارد: اعتماد أساليب حديثة لتربية الأسماك في العراق
  • «بسبب السجائر».. 21 ديسمبر محاكمة مزارع متهم بهتك عرض طفل وتصويره بإمبابة
  • الإعـ.ـدام لـ مزارع قـ.ـتل شخصا بسبب الثأر بأسيوط
  • انقطاع المياه عن بعض المناطق بالمنيل بسبب كسر مفاجئ
  • مؤتمر دولي بـ«تجارة القاهرة» حول الابتكارات وتأثيرها على منظمات الأعمال
  • انقطاع المياه عن مناطق في الإسكندرية بسبب كسر مفاجئ.. موعد عودة الخدمة