تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يتابع يورج سورنسن Georg Sorensen، أستاذ العلوم السياسية ونظم الحكم في جامعة آرهوس Aarhus University الدنماركية، في كتاب "إعادة النظر في النظام الدولي الجديد "Rethinking the New World Order، الذي نقله إلى العربية أسامة الغزولي، بقوله: وقد كانت نهاية الحرب الباردة تعنى نهاية المجابهة الثنائية القطبية بين قوانين عظميين وحليفاتهما؛ وكان انتصارا لليبرالية لأن قوى الانفتاح الاقتصادى والديمقراطيات السياسية هى التى فازت، وبما أن مؤسسات "بريتون وودز" مفتوحة  من حيث المبدأ  لكل الدول  فقد بدا من السهل إطلاق نظام هو بالأساس غربى  على مستوى عالمى.

 لكن حلول النظام أحادى القطبية محل النظام الثنائى القطبية أدخل الولايات المتحدة فى حالة جديدة تماما، هى حالة القوة غير المقيدة. ويمكن للقوة غير المقيدة أن تفضى إلى سياسات جوهرها هو " لنعمل ما بدا لنا " من توسع أحادى  وليبرالية جبرية ويمكن لها أيضا أن تفضى إلى الانزواء والعزلة وبعد شهر عسل من قدر متواضع من العمل المتعدد الأطراف، فى تسعينيات القرن الماضى جاءت الهجمات الإرهابية فى الحادى عشر من سبتمبر 2001، واستدارت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بالولايات المتحدة نحو فترة من أحادية الحركة، استهدفت تعزيز القوة الأمريكية. انسحبت الولايات المتحدة من مؤسسات واتفاقيات دولية، فرفضت الدخول فى بروتوكول كيوتو حول الاحتباس الحرارى، وفى ميثاق الأسلحة البيولوجية، والمحكمة الجنائية الدولي، وتخلت عن معاهدة الصواريخ المضادة البالستية المبرمة مع السوفييت فى العام 1972. ومن ثم تعتبر أزمة الحوكمة التى تلت ذلك، هى ناشئة عن خيارات أقدمت عليها حكومة الولايات المتحدة فى المقام الأول.

ووفقا للرؤية المتفائلة يكون الإيجابى هنا هو أن هذه لم تكن نهاية النظام الليبرالى حتى إن كانت أزمة خطيرة. فقد بقيت على حالها القيم الرئيسية للنظام، كنظام مفتوح ومرتكن إلى قواعد. كانت أزمة سلطة وكان ممكنا علاجها بتحول ملموس فى سياسات الولايات المتحدة. ويتعين توضيح محتوى ذلك التحول:" سوف يتعين على الولايات المتحدة  أن تستثمر فى إعادة تخليق المؤسسات الرئيسة للحوكمة فى النظام- لأن تستثمر فى التحالفات، وفى الشركات، وفى المؤسسات المتعددة الأطراف، وفى العلاقات الخاصة، وفى التناغم بين القوى الكبرى، وفى معاهدات أمن تعاونية، وفى مجتمعات أمنية ديمقراطية. وهذا يعنى ضرورة أن تعود الولايات المتحدة إلى القيم العظمى المشيدة لنظام ليبرالي". 

لكن لم يحدث إصلاح مؤسسى واسع النطاق، إصلاح الأمم المتحدة مسألة مطروحة منذ أكثر من ثلاث عشريات، لكن القوى العظمى القديمة والقوى الناشئة والبلدان النامية لم تتفق على الإصلاح، وهناك صعوبات عملية كبرى، فتغيير تركيبة مجلس الأمن، على سبيل المثال، تتطلب موافقة ثلثى أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى مصادقة من حكومات الأعضاء الخمسة الدائمين فى المجلس. وباستثناء إصلاح محدود لنظام التصويت فى البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، لا تزال المؤسسات العالمية الرئيسة محتفظة بالبنية الأولية التى تمتلكها منذ التأسيس. وبإيجاز مرت الحوكمة العالمية بأزمة سلطة إبان مرحلة التفرد الأمريكى، لكن الولايات المتحدة عادت، فى فترة أوباما، إلى الاهتمام بتعددية الأطراف وبناء النظام.  

تشمل الحوكمة الاقتصادية العالمية مجموعة من المسائل المتصلة بالتنوع الكبير للعلاقات الاقتصادية العابرة الحدود فى عالم معولم. وخاصة خلال عام 2008 والأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وهى أكبر اضطراب تعرض له الاقتصاد العالمى منذ الكساد الكبير عام 1929. وترتبط الأزمة ذاتها بالتنامى السابق للاعتماد المتبادل المالى والاقتصادى، فحالات العجز عن سداد أقساط الرهن العقارى بعد الطفرة التى شهدتها سوق العقارات فى الولايات المتحدة لم يقف أثرها عند مؤسسات التمويل الأمريكية، بل امتد إلى مجمل النظام الاقتصادى العالمى. تراجعت التدفقات الرأسمالية العالمية، على نحو فارق، مع لجوء المؤسسات التمويلية لشروط ائتمانية أكثر صرامة وتركيزها على أصول مالية أكثر أمانا فى العالم الثرى المتقدم. لا وجود لسبب واحد لأزمة شاملة، لكن أحد العناصر الرئيسة هى الطريقة التى انخرطت بها المصارف والمؤسسات التمويلية الأخرى فى الإقدام المفرط على المخاطرة والتى اقتربت بالنظام التمويلى كله من نقطة الانهيار. 

على أحد الجدران فى المقر الرئيس للأمم المتحدة، هناك عبارة للأمين العام الأسبق داغ هامرشولد Dag Hammarskjold " لم تنشأ الأمم المتحدة للمضى بالبشرية إلى الجنة، ولكن لإنقاذها من الجحيم" صدر هذا المنطوق فى ذروة الحرب الباردة، ولا مجال للشك فيما كانت تعنيه بكلمة "الجحيم ": الحرب المدمرة بين القوى الكبرى. لم تقع تلك الحرب، قط، ومارست الأمم المتحدة دورا فى الإنجاز المتمثل بتجنب الحرب المدمرة بين القوى الكبرى. ويطرح يورج سورنسن Georg Sorensen علينا أسئلة من قبيل، ما الدور الذى تمارسه القوة القائدة فى العالم، وهى الولايات المتحدة، فى الحكومة العالمية ؟ وهو ما نحاول التعرف علية فى المقال القادم. 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: النظام الدولي الجديد الحرب الباردة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

التامك يعيد النظر في النظام الصحي المطبق في السجون 

عقدت اللجنة التقنية المشرفة على بلورة الإطار المرجعي للصحة بالوسط السجني، اجتماعا للموافقة على مسودة هذه الوثيقة التي أعدتها مستشارتان دوليتان تم تعيينهما من قبل منظمة الصحة العالمية لهذا الغرض، تهدف إلى تنظيم وتنسيق وتقييم أداء النظام الصحي بالمؤسسات السجنية.

وأوضح بلاغ للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بأن هذا الإطار المرجعي، الذي تشرف على إعداده المندوبية العامة بشراكة مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، ومنظمة الصحة العالمية في المغرب، « يعد منتجا متفردا على مستوى القارة الإفريقية، وتقدما في مجال الصحة بالوسط السجني، ونقلة نوعية في مجال حقوق الإنسان ».

وقالت مندوبية التامك، إنها قامت سنة 2022، وبطريقة تشاركية، بوضع استراتيجية وطنية للصحة بالوسط السجني 2022-2026، تتماشى مع سياسات الصحة العامة ووفقا للتوصيات الدولية، وذلك لتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة لنزلاء المؤسسات السجنية، حيث تحدد جميع التدابير والتدخلات التي يتم تنفيذها في المؤسسات السجنية لفائدة النزلاء، فضلا عن نطاق الأنشطة لكل شريك مشارك في رعايتهم الصحية.

 

 

 

كلمات دلالية ادارة السجون النظام الصحي تقييم وثيقة

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: يمكن النظر الفوضى كمحفز للإبداع والابتكار
  • الحروب وتغير المناخ خلال 2024| الأوزون تتضرر من حرب الإبادة في غزة.. الولايات المتحدة الأمريكية الملوث الأكبر على مدى التاريخ.. أمريكا الشمالية سبب الإشعاع الحرارى المؤخر على الكوكب
  • الحرب بين الولايات المتحدة والصين تتجه نحو التوسع
  • في رسالة لذوي الأسرى.. القسام تنشر صورة نجل نتنياهو على شواطئ ميامي
  • السودان يطلب من الولايات المتحدة الضغط على الإمارات بشأن الدعم السريع
  • التامك يعيد النظر في النظام الصحي المطبق في السجون 
  • "الصحة العالمية" تدعو إلى إعادة بناء النظام الصحي في لبنان
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات على كيانات إيرانية والحوثيين في تصاعد للتوترات.. العقوبات تهدف إلى تعطيل تدفق الإيرادات التي يستخدمها النظام الإيراني لتمويل الإرهاب في الخارج وللقمع الداخلي لشعبه
  • منظمة الصحة العالمية تدعو إلى تمويل إعادة بناء النظام الصحي في لبنان
  • السريري: لا بد من إعادة النظر في المركزية بليبيا من أجل تحسين الأوضاع المعيشية