شـواطئ.. إعادة النظر في النظام الدولي الجديد (6)
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتابع يورج سورنسن Georg Sorensen، أستاذ العلوم السياسية ونظم الحكم في جامعة آرهوس Aarhus University الدنماركية، في كتاب "إعادة النظر في النظام الدولي الجديد "Rethinking the New World Order، الذي نقله إلى العربية أسامة الغزولي، بقوله: وقد كانت نهاية الحرب الباردة تعنى نهاية المجابهة الثنائية القطبية بين قوانين عظميين وحليفاتهما؛ وكان انتصارا لليبرالية لأن قوى الانفتاح الاقتصادى والديمقراطيات السياسية هى التى فازت، وبما أن مؤسسات "بريتون وودز" مفتوحة من حيث المبدأ لكل الدول فقد بدا من السهل إطلاق نظام هو بالأساس غربى على مستوى عالمى.
لكن حلول النظام أحادى القطبية محل النظام الثنائى القطبية أدخل الولايات المتحدة فى حالة جديدة تماما، هى حالة القوة غير المقيدة. ويمكن للقوة غير المقيدة أن تفضى إلى سياسات جوهرها هو " لنعمل ما بدا لنا " من توسع أحادى وليبرالية جبرية ويمكن لها أيضا أن تفضى إلى الانزواء والعزلة وبعد شهر عسل من قدر متواضع من العمل المتعدد الأطراف، فى تسعينيات القرن الماضى جاءت الهجمات الإرهابية فى الحادى عشر من سبتمبر 2001، واستدارت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بالولايات المتحدة نحو فترة من أحادية الحركة، استهدفت تعزيز القوة الأمريكية. انسحبت الولايات المتحدة من مؤسسات واتفاقيات دولية، فرفضت الدخول فى بروتوكول كيوتو حول الاحتباس الحرارى، وفى ميثاق الأسلحة البيولوجية، والمحكمة الجنائية الدولي، وتخلت عن معاهدة الصواريخ المضادة البالستية المبرمة مع السوفييت فى العام 1972. ومن ثم تعتبر أزمة الحوكمة التى تلت ذلك، هى ناشئة عن خيارات أقدمت عليها حكومة الولايات المتحدة فى المقام الأول.
ووفقا للرؤية المتفائلة يكون الإيجابى هنا هو أن هذه لم تكن نهاية النظام الليبرالى حتى إن كانت أزمة خطيرة. فقد بقيت على حالها القيم الرئيسية للنظام، كنظام مفتوح ومرتكن إلى قواعد. كانت أزمة سلطة وكان ممكنا علاجها بتحول ملموس فى سياسات الولايات المتحدة. ويتعين توضيح محتوى ذلك التحول:" سوف يتعين على الولايات المتحدة أن تستثمر فى إعادة تخليق المؤسسات الرئيسة للحوكمة فى النظام- لأن تستثمر فى التحالفات، وفى الشركات، وفى المؤسسات المتعددة الأطراف، وفى العلاقات الخاصة، وفى التناغم بين القوى الكبرى، وفى معاهدات أمن تعاونية، وفى مجتمعات أمنية ديمقراطية. وهذا يعنى ضرورة أن تعود الولايات المتحدة إلى القيم العظمى المشيدة لنظام ليبرالي".
لكن لم يحدث إصلاح مؤسسى واسع النطاق، إصلاح الأمم المتحدة مسألة مطروحة منذ أكثر من ثلاث عشريات، لكن القوى العظمى القديمة والقوى الناشئة والبلدان النامية لم تتفق على الإصلاح، وهناك صعوبات عملية كبرى، فتغيير تركيبة مجلس الأمن، على سبيل المثال، تتطلب موافقة ثلثى أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى مصادقة من حكومات الأعضاء الخمسة الدائمين فى المجلس. وباستثناء إصلاح محدود لنظام التصويت فى البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، لا تزال المؤسسات العالمية الرئيسة محتفظة بالبنية الأولية التى تمتلكها منذ التأسيس. وبإيجاز مرت الحوكمة العالمية بأزمة سلطة إبان مرحلة التفرد الأمريكى، لكن الولايات المتحدة عادت، فى فترة أوباما، إلى الاهتمام بتعددية الأطراف وبناء النظام.
تشمل الحوكمة الاقتصادية العالمية مجموعة من المسائل المتصلة بالتنوع الكبير للعلاقات الاقتصادية العابرة الحدود فى عالم معولم. وخاصة خلال عام 2008 والأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وهى أكبر اضطراب تعرض له الاقتصاد العالمى منذ الكساد الكبير عام 1929. وترتبط الأزمة ذاتها بالتنامى السابق للاعتماد المتبادل المالى والاقتصادى، فحالات العجز عن سداد أقساط الرهن العقارى بعد الطفرة التى شهدتها سوق العقارات فى الولايات المتحدة لم يقف أثرها عند مؤسسات التمويل الأمريكية، بل امتد إلى مجمل النظام الاقتصادى العالمى. تراجعت التدفقات الرأسمالية العالمية، على نحو فارق، مع لجوء المؤسسات التمويلية لشروط ائتمانية أكثر صرامة وتركيزها على أصول مالية أكثر أمانا فى العالم الثرى المتقدم. لا وجود لسبب واحد لأزمة شاملة، لكن أحد العناصر الرئيسة هى الطريقة التى انخرطت بها المصارف والمؤسسات التمويلية الأخرى فى الإقدام المفرط على المخاطرة والتى اقتربت بالنظام التمويلى كله من نقطة الانهيار.
على أحد الجدران فى المقر الرئيس للأمم المتحدة، هناك عبارة للأمين العام الأسبق داغ هامرشولد Dag Hammarskjold " لم تنشأ الأمم المتحدة للمضى بالبشرية إلى الجنة، ولكن لإنقاذها من الجحيم" صدر هذا المنطوق فى ذروة الحرب الباردة، ولا مجال للشك فيما كانت تعنيه بكلمة "الجحيم ": الحرب المدمرة بين القوى الكبرى. لم تقع تلك الحرب، قط، ومارست الأمم المتحدة دورا فى الإنجاز المتمثل بتجنب الحرب المدمرة بين القوى الكبرى. ويطرح يورج سورنسن Georg Sorensen علينا أسئلة من قبيل، ما الدور الذى تمارسه القوة القائدة فى العالم، وهى الولايات المتحدة، فى الحكومة العالمية ؟ وهو ما نحاول التعرف علية فى المقال القادم.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: النظام الدولي الجديد الحرب الباردة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
إندبندنت: النظام الدولي يتفكك والتطبيع مع صور الإبادة تهديد للجميع
نشرت صحيفة إندبندنت البريطانية مقالا لأستاذ جامعي تناول فيه بالتعليق والتحليل مخرجات مؤتمر عُقد مؤخرا في مدينة أنطاليا التركية، حيث تداول المشاركون من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية أفكارا حول البديل للنظام الدولي الغربي الذي بدأ يتفكك.
وكتب سلمان سيد -أستاذ البلاغة والفكر المناهض للاستعمار في جامعة ليدز بإنجلترا- أن تفكك النظام القائم على القواعد ليس مجرد ظاهرة جغرافية اقتصادية تميزت بظهور الصين بوصفها أكبر قوة اقتصادية في العالم، بل هي أيضا ظاهرة ذات أبعاد ثقافية وأخلاقية عميقة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2محللون إسرائيليون يستبعدون توسيع الحرب أو التوصل لصفقة قريبةlist 2 of 2ليبيراسيون: لماذا لجأت الدانمارك لتعقيم القسري في غرينلاند؟end of listوقال إن منتدى أنطاليا للدبلوماسية -الذي انعقد في وقت سابق من الشهر الجاري- قدم لمحة مثيرة للاهتمام لما قد يكون عليه هذا المستقبل، في وقت بدت فيه ملامح نظام عالم جديد بالتشكل.
قلق وارتكابوانتقد الكاتب الدول الغربية الكبرى لضعف مشاركتها في المنتدى. وقال لو أن حكومات الأثرياء الغربية شاركت بأي عدد من ممثليها، لشعرت بالقلق والارتباك بسبب المناقشات التي دارت، ليس فقط لأنهم كانوا سيعترضون على مزاعم مثل تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن هوية أوكرانيا ليست عميقة أو متميزة بما يكفي لتبرير وجودها كدولة قومية مستقلة، ولكن لأن المنتدى خلق مساحة للحجج والأطر التي غالبا ما كان الغرب قد أحالها إلى الهامش.
إعلانوأعرب الأستاذ الجامعي عن اعتقاده أن السلطة الأخلاقية للغرب قد انهارت تماما، وليس أدل على ذلك مما حدث لأسرى تنظيم القاعدة وحركة طالبان في سجن غوانتانامو الأميركي، وما يحدث الآن في قطاع غزة للفلسطينيين على أيدي الإسرائيليين.
فعندما تدين وسائل الإعلام الغربية اعتقال الصحفيين في مكان ما بحق وبكل حماسة، تلتزم الصمت إزاء القتل الممنهج للصحفيين في مكان آخر، وفق المقال الذي يشير كاتبه إلى أن عديدا من المشاركين في منتدى أنطاليا يرون أن العنصرية نجحت في تقويض ليس فقط المبادئ، بل حتى التضامن المهني.
وسخر كاتب المقال من مواقف الغرب تجاه القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن المنتدى أشار إلى أنه حتى المعلقين والمحللين الذين يحنون إلى عصر التنوير الأوروبي ينسون كل شيء عندما يدينون الاحتجاجات المناهضة للإبادة الجماعية والمؤيدة للفلسطينيين.
إبادة غزةوفي أنطاليا -كما يقول سيد في مقاله- كان هناك شعور سائد بأن القتل الجماعي في غزة، وتواطؤ كثير من المؤسسات الغربية في المساعدة والتحريض عليه، تسبب في تقويض أي إحساس عام بالمسؤولية والتواضع وإحقاق العدالة.
ويرى الكاتب أن في اللغة الدبلوماسية المنمقة ما يوحي ضمنيا بأن مركز العالم لا يتغير فحسب، بل إن القدرة على توظيف المعرفة والخبرة المكتسبة لم تعد تساعد في التعامل مع الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالعالم.
غير أن ما كان يرمي إليه منتدى إيطاليا ليس استعادة سلطة أخلاقية تستند إلى مبادئ ليبرالية ديمقراطية مركزها الغرب، بل يرمي إلى بناء حس إنساني مشترك جديد.
وخلص الكاتب إلى أن منتدى أنطاليا لا يشبه مؤتمر باندونغ الذي عُقد في إندونيسيا عام 1955 وشكّل النواة الأولى لقيام حركة عدم الانحياز التي كانت رمزا لمناهضة الاستعمار في عالم تهيمن عليه قوتان عظميان مسلحتان بأيديولوجيات صريحة ونزعة تدميرية مؤكدة.
إعلانوأكد أن هناك اعترافا ضمنيا -برز على الأقل بين عديد من المشاركين الحاضرين في أنطاليا- بأنّ جعل الناس يعتادون مشاهد الإبادة الجماعية في غزة لا يهدد الشعب الفلسطيني وحده، بل يجرد جميع شعوب العالم من إنسانيتها.