الماء .. أهميته وكميته الصحية!
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
يدرك الجميع ـ وبأمْرٍ لا جدال فيه ـ أهمِّية الماء في حياة الإنسان. فهو ـ بلا شك ـ يحافظ على أعضائنا مستمرَّة بعملها وعضلاتنا أكثر صحَّة، بل ويساعد أيضًا على توزيع العناصر الغذائيَّة في الجسم ويحافظ على منظِّم الحرارة الداخلي. لكن حقيقة التفاصيل الملموسة لاستهلاك الماء الكافي لا تزال إلى حدٍّ كبير، في حالة من الفوضى.
وننسى طبعًا ـ على سبيل المثال ـ واحدة من أكثر الأساطير ثباتًا في الماء: النصيحة المتكررة لتقليل ثمانية أكواب من الماء يوميًّا. لا أحد يستطيع أن يقولَ على وجْه اليقين، ولكنَّ إحدى النظريَّات هي أنَّ الفكرة نشأت من تفسير خاطئ لوثيقة تغذية من الأربعينيَّات في القرن الماضي، والتي نصَّت على أنَّ اثنين ونصف لترٍ من الماء يوميًّا (أي ما يقرب من عشرة أكواب تقريبًا) كانت مناسبة للبالغين في معظم الحالات؟ الأمْرُ المدهش أنَّه آنذاك تلك الدراسات كانت مدعومة من شركات المشروبات، والتي وبشكلٍ مباشر وغير مباشر تنادي بشرب المشروبات بأنواعها وأهمِّيتها الصحيَّة!
لذلك أعتقد هنا وفي هذا السياق، أنَّه إذا لم يتَّفق الباحثون على كميَّة المياه الجيِّدة، فإنَّهم يختلفون أيضًا في مقدار المياه الضَّار: النقطة التي يبدأ عندها الجفاف في أن يصبحَ مُشْكلة أو إلى متى يُمكِن للناس البقاء عند هذا الحدِّ دُونَ زيادة المخاطر الصحيَّة على المدى الطويل. فمثلًا يجِبُ أن يكُونَ القليل من فقدان الماء لا بأس به. فحالة السوائل، حالة متغيِّرة باستمرار، فعندما لا يأخذ الجسم ما يكفي من الماء لاسترداد السوائل التي فقدها، كما يفعل بشكلٍ طبيعي على مدار اليوم، عن طريق العَرَق والبول والتنفُّس، يفرز الدماغ هرمونًا يُسمَّى «فاسوبريسين» يدفع الكُلَى للاحتفاظ بالسوائل. فيصبح البول أكثر قتامة وأقلَّ كثافة. في نهاية المطاف طبعًا، ترتفع مستويات ملح الدَّم، ويشعر الفَمُ والحلْقُ بالعطش. الهدف هنا هو جعل الجسم يفرز كميَّة أقلَّ من الماء ويأخذ المزيد مِنه حتى لا تجفَّ أنسجتنا الحيويَّة.
وهنا المبادئ التوجيهيَّة لاستهلاك الماء النموذجي، في ظلِّ الظروف النموذجيَّة ـ إن استطعت أن أسميها ـ سرعان ما تخرج من بَيْنِ أيدينا، حيث تزداد موجات الحرارة تواترًا وشدَّة. عندما ترتفع درجات الحرارة بشدَّة وتتسبب الرطوبة في التصاق العَرَق بالجلد، فإنَّ أجسامنا تحتاج إلى المزيد من الماء لتبقى باردة وفعَّالة، بما يتجاوز ما قَدْ يُملِيه العطش وحدَه. ولعلَّ جزءًا من المُشْكلة هو أنَّ العطش يتلاشى بسرعة أكبر من ترطيب الجسم، ممَّا يعني أنَّ الأشخاص الذين يشربون حتى يظنوا أنَّهم مشبعون يميلون إلى استبدال جزء بسيط فقط من السوائل التي فقدوها!
ختامًا، أعتقد هنا ـ وبشكلٍ شخصي ـ أنَّنا ربَّما لَنْ نتمكَّنَ من إخبار النَّاس برقمٍ دقيق، لكميَّة الماء التي يجِبُ شربها. وهنا ربَّما يكُونُ العديد من الأشخاص الأصحَّاء الأكثر قلقًا بشأن ضبط ترطيبهم إلى مستوى مثالي من بَيْنِ أولئك الذين لا يحتاجون إلى القلق. والحمد لله في بلدنا الماء في كُلِّ مكان، خصوصًا مع دخول استخدام مياه البحر وتنقيته بشكلٍ عامٍّ في المنطقة، ومع ازدهار أيضًا أسواق المياه المعبَّأة. وأجزم هنا أنَّ الوصول المستمر إلى مياه آمنة وموثوقة من الصنبور ـ نعمة عظيمة ـ مقارنة بالوضع الأسوأ في كثير من الأماكن بالخارج. ربَّما لا شيء يُذكِّرنا بقوَّة الماء مِثل العجز الدراماتيكي: الماء ببساطة، هو ما يبقينا على قَيْد الحياة! مصداقًا لقوله تعالى:(وجعلنا من الماء كُلَّ شيء حي) صدق الله العظيم.
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: من الماء
إقرأ أيضاً:
16 عاما على الصورة تحت الماء.. المالديف تحذر العالم من غرق الجزر
تمر اليوم 16 عامًا على الصورة الشهيرة التي التقطها رئيس جزر المالديف السابق محمد نشيد ووزراؤه وهم يجلسون في قاع البحر، في محاولة لشد انتباه العالم إلى تهديد ارتفاع مستوى البحار الناتج عن تغير المناخ.
وما زالت هذه الصورة، التي بثت على نطاق عالمي، تذكر العالم بالواقع الحرج الذي تواجهه الدولة الجزرية الأكثر انخفاضًا عن سطح البحر في العالم، وسط تحذيرات مستمرة من ارتفاع مياه المحيط الهندي.
في تشرين الأول / أكتوبر 2009، اجتمعت الحكومة المالديفية تحت الماء، حيث جلس 11 وزيرًا على مقاعدهم مجهزين بأقلام وألواح للتواصل، بينما انطلقت الأسماك المرجانية حولهم، وجاء هذا الحدث بعد تحضيرات دقيقة قادتها السياسية السابقة شونا أمينات، التي أشرفت على تدريب الوزراء على الغوص، وضمان عدم إثارة الرمال التي قد تحجب الرؤية أثناء التصوير.
وكان الهدف من هذه الخطوة غير المسبوقة إيصال رسالة واضحة إلى العالم بأن جزر المالديف ليست مجرد وجهة سياحية، بل موطن يعيش فيه الناس يوميًا، معرض للفيضانات، وتضرر السياحة والصيد فيه سيؤثر مباشرة على حياة السكان.
وفي اليوم المنتظر، تم توقيع وثيقة تطالب الدول بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لتصبح جلسة الوزراء تحت الماء رمزًا عالميًا للتحديات التي تواجه الدول الجزرية الصغيرة.
وأثارت الصورة تأثيرًا طويل الأمد على السياسات المناخية الدولية، وساعدت في دفع هدف 1.5 درجة مئوية للحد من الاحترار العالمي إلى الواجهة، والذي اعتمد رسميا عام 2015 في مؤتمر باريس للمناخ.
وبحسب شبكة الـ " سي إن إن" قال أستاذ قانون المناخ بجامعة ريدينغ البروفيسور بينوا ماير: "لقد أبرزت الصورة وجه الإنسان لتغير المناخ، وجعلت القضية تتعلق بالبشر وليس بالكائنات أو الإحصاءات فقط".
ورغم مرور أكثر من عقد ونصف، تشير المؤشرات الحالية إلى أن العالم لا يزال متجهًا نحو ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 2.8 درجة مئوية بحلول 2100، مع تجاوز عام 2024 لأول مرة عتبة 1.5 درجة مئوية.
وأكد الخبراء بحسب الـ"سي إن إن" أن السعي لتحقيق الهدف أصبح مختلفًا، حيث لم يعد الحد من الانبعاثات كافيًا، بل أصبح من الضروري إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي لضمان بقاء الدول المنخفضة مثل المالديف.
وأضافت: "إذا لم يكن لأطفالنا منزل، فأين سيذهبون؟ هذه هي الصورة التي أريد أن نلتقطها اليوم"، مؤكدة أن التحدي ما زال قائمًا وأن العالم بحاجة إلى إدراك حجم المخاطر التي تواجه الدول الجزرية قبل فوات الأوان.