الاضطرابات الجيوسياسية تؤثر سلبًا على أداء الاقتصاد الإسرائيلي على المدى القريب والبعيد
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فى ظل استمرار وتعنت الحكومة الاسرائيلية فى إنهاء الحرب على غزة ومع استمرار الاضطرابات الجيوسياسية فى المنطقة واشتغال الوضع على الحدود اللبنانية، تتجلى هذه التاثيرات بشكل واضح على أداء الاقتصاد الإسرائيلى يوما بعد يوم سواء على المدى القريب من خلال قرارات الحكومة الإسرائيلية مؤخرا من تخفيضات فى ميزانية الحكومة باستثناء وزارة الدفاع، أو على المدى البعيد مع خفض توقعات النمو الاقتصادي في ظل المخاطر العالية للاقتصاد.
فالتوترات المتصاعدة بمنطقة الشرق الأوسط بالأضافة إلى مثيلاتها من الاضطرابات السياسية في أوروبا وخاصة في فرنسا وتاثيراتها السلبية العميقة تضع تحديات اقتصادية عديدة وتعرقل الأداء الاقتصادي في إسرائيل على نحو متسارع وتنذر بالمزيد من التدهور أذا ما استمرت حالة عدم اليقين بشان الأوضاع الراهنة، ومن بين هذه التحديات ارتفاع العجز المالي، خفض توقعات النمو الاقتصادي المتوقع، وضعف الشيكل مقابل الدولار، وزيادة الإنفاق الحكومي وخاصة العسكري.
وعقب إعلان محافظ بنك إسرائيل عمير يارون خلال مؤتمر صحفي يوم الاثنين الماضي عن الأبقاء على معدل الفائدة في إسرائيل عند 5ر4 بالمائة مع خفض توقعات النمو للاقتصاد الإسرائيلي للعام الجاري من 2 بالمائة الى 5ر1 بالمائة وأيضا انخفاض توقعات العام القادم من 5 بالمائة الى 2ر4 بالمائة، جاء ذلك تزامنا مع الافصاح عن بيانات المحاسب العام بوزارة المالية الاسرائيلى يالى روتنبرغ باتساع العجز المالي في إسرائيل خلال شهر يونيو فقط ليصل الى 6ر7 بالمائة مقارنة بنسبة 2ر7 بالمائة فى الشهر السابق له.
و صرح يارون فى المؤتمر الصحفي أن "الضرر عل الاقتصاد الأسرائيلي سيكون باهظا أكثر من التقديرات فى البداية"، مشيرا إلى أن "هناك طريقا طويلا جدا لخوضه قبل الرجوع الى أوضاع ما قبل يوم السابع من أكتوبر بالنسبة للاقتصاد." ومؤكدا على ان بنك اسرائيل يواصل العمل لمساعدة الاقتصاد الإسرائيلي والجمهور على اجتياز هذه الفترة الصعبة ومساعدة مجموعات سكانية معينة تضررت بشكل سلبي.
وفي الوقت نفسه، أشارت تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية أن العجز المالي سيصل ذروته بحلول شهر سبتمبر القادم حيث بلغ الإنفاق الحكومي منذ بداية العام أكثر من 300 مليار شيكل، بزيادة قدرها 34.2% مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي، وكان السبب الرئيسي في زيادة العجز هو الإنفاق الكبير على الدفاع والوزارات المدنية بسبب الحرب على غزة. ومع ذلك، حتى باستثناء نفقات الحرب، فإن الزيادة في الإنفاق الحكومي تبلغ حوالي 9.3%. هذا، بالمقارنة مع زيادة قدرها حوالي 3.3% فقط في إيرادات الدولة، التي بلغت منذ بداية العام حوالي 238 مليار شيكل، مقارنة بـ 230.4 مليار في النصف الأول من عام 2023.
وطالب يارون فى تصريحاته الحكومة الاسرائيلية باتخاذ قرارات وخطوات هامه حتى وأن لم تحظى هذه القرارات باى شعبية،بالأضافة إلى إجراء تعديلات كبيرة على حجم الانفاق وخاصة الانفاق العسكري من أجل محاولة تعديل مسار الاقتصاد التي يتجه إلى منحى تصاعدي نحو التضخم.
وفيما يتعلق بحجم التضخم، رفع بنك اسرائيل توقعاته لنسبة التضخم خلال العام الجارى من 8ر2 بالمائة الى 3 بالمائة، عاكسا حالة الركود فى الاسواق نتيجة قلة عدد العمالة وضعف سلسلة الامدادات والقيود المفروضة على جلب عمالة أجنبية وخاصة فى قطاعات الصناعة والإنشاءات والزراعة، بالاضافة الى استمرار القيود على استقدام العمالة من داخل الأراضى الفلسطينية نتيجة القيود الأمنية المفروضة من جانب الحكومة الإسرائيلية وهو الأمر الذ حتما سيتسمر على مدار الفترة القادمة مع استمرار التوترات والاشتباكات فى الضفة الغربية واحتمالية استمرار الحرب على غزة او اتساع دائرة الصراع فى المنطقة على الحدود اللبنانية.
وبالنسبة للاحتياطى النقدى واداء العملة "الشيكل الاسرائيلى، فطبقا لاحدث البيانات الصادرة فان احتياطيات النقد الأجنبي لإسرائيل في نهاية يونيو 2024 بلغت 210.278 مليار دولار، بانخفاض قدره 232 مليون دولار عن مستواها في نهاية مايو. وارجع السبب الرئيسي في الانخفاض الى أنشطة الحكومة في النقد الأجنبي التي بلغت إجماليها 1.194 مليار دولار (والتي تشمل تحويل حوالي 340 مليون دولار من قبل الحكومة إلى حساب صندوق مواطني إسرائيل لمواجهة تبعات الحرب الاقتصادية داخل الدولة، بالاضافة الى ذلك سجلت قيمة الشيكل انخفاضا ملحوظا فى مقابل الدولار الامريكى بنسبة بلغت 4ر1 بالمائة خلال الشهر الماضى فقط، وهو الان في أضعف مستوياته مقابل الدولار منذ شهر أبريل الماضى.
ويشير الاقتصاديون والمحللون أنه فقط عندما يعود الشيكل إلى مستوى 3.6-3.65 شيكل للدولار، أي بانخفاض يقارب 5%، سيكون من الممكن التحدث عن خفض أسعار الفائدة مرة أخرى داخل اسرائيل.
ويقول كبير الاستراتيجيين في بنك هبوعليم مودي شفرير "لقد ضعف الشيكل مقابل الدولار في الشهر الماضي لأسباب عالمية (قوة الدولار في الأسواق العالمية وضعف اليورو مقابل الدولار)، وأيضا لأسباب محلية - زيادة علاوة المخاطر في الاقتصاد المحلي، كما ينعكس في ضعف مخاطر التوقف عن السداد بالشيكل، والأداء الضعيف للبورصة المحلية، وزيادة العائدات في سوق السندات الحكومية المحلية لإسرائيل وزيادة الفارق بين عائد سندات إسرائيل الدولارية لمدة 10 سنوات وسندات الخزانة الامريكية التابعة.
وعلق رونين مناحيم، كبير الاقتصاديين في بنك مزراحي طفاحوت، متفقا مع هذه الرؤية على ذلك قائلًا: "تراجع الشيكل يعود إلى قوة الدولار على المستوى العالمي وضعف محلي، هذا ينعكس أيضًا في التراجعات في أسواق الأسهم وبشكل أكبر في أسواق السندات. الارتباك وعدم اليقين يميزان جميع المجالات التي يعمل فيها السوق - الأمن، السياسة، والاقتصاد. لا توجد علامة على التحسن، أو أي اتجاه في أي منها."
ويقول جوناثان كاتز، كبير الاقتصاديين فى مؤسسة "كابيتال ماركت": لكن لكي يكون هناك مزيد من التخفيف فى الوضع الاقتصادى المحتقن حاليا، يجب أن نشهد هدوءًا نسبيًا في الوضع الجيوسياسي، سواء كان ذلك من خلال اتفاق رهائن أو وقف إطلاق النار. مثل هذا الهدوء يعزز الشيكل ويخفض علاوة المخاطر هنا، كما أن انخفاض الخوف من التصعيد في الشمال سيساعد أيضًا في ذلك."."
وأشار الخبير الاقتصادى الى انه: "من غير المرجح أن يحدث خفض لسعر الفائدة فى الوضع الراهن، ولكن لاحقًا هذا العام سيكون بالتأكيد ممكنًا. ويؤكد كاتز: "القضايا الجيوسياسية من الصعب جدًا التنبؤ بها. فإذا رأينا اتفاق وقف إطلاق النار وعودة بعض الرهائن على الأقل، سيكون هناك رد فعل حاد في الأسواق ومن ثم يمكننا تسعير خفض الفائدة في وقت لاحق من هذا العام، ويجب أن يأتى على راس هذا التغيير ايضا، حدوث تخفيضات موازية فى اسعار الفائدة في العالم وخاصة فى الولايات المتحدة واتباع سياسة مالية أكثر تقييدًا، بافتراض أن الحكومة الاسرائيلية ستقرر على حزمة من الإجراءات لعام 2025، فهذا قد يدعم الوصول الى حالة من الانفراجة فى المسار الاقتصادى المتعثر حاليا."
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الحكومة الإسرائيلية الحدود اللبنانية مقابل الدولار
إقرأ أيضاً:
هل تقوم الحكومة السورية بحذف الأصفار من الليرة؟ جدل متصاعد
تصاعدت النقاشات حول تطبيق سياسة حذف أصفار من العملة السورية، في الأوساط الاقتصادية، في ظل التضخم النقدي الذي تعاني منه الليرة السورية، والدعوات لاستبدالها وخاصة الأوراق النقدية منها التي تحمل صور الرئيس الراحل حافظ الأسد، وابنه الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وكان النقاش قد سياسة حذف الأصفار من العملة السورية، قد تجدد بعد حديث مصادر مسؤولة" من "مصرف سوريا المركزي" عن توجه الحكومة السورية نحو استبدال العملة، من دون أن تستبعد حذف ثلاثة أصفار من قيمة العملة، بحيث تساوي الألف ليرة سورية حالياً، ليرة واحدة من العملة الجديدة.
غير قادرة على القيام بوظيفتها
ويرى الأكاديمي والخبير المالي، يحيى السيد عمر، أنه لا يمكن الاعتماد طويلاً على الليرة السورية في وضعها الراهن، مفسراً ذلك بأسباب، أولها أنها تحمل صور النظام المخلوع، وثانيها أن الليرة غير قادرة على القيام بوظائفها بشكل تام، بسبب التدني الكبير في القيمة.
ويعتبر في حديثه لـ"عربي21"، أن استبدالها بعملة جديدة من "الأولويات الاقتصادية والضرورية لاستقرار النظام النقدي".
ويلفت السيد عمر إلى وجود تجارب دولية عديدة يمكن الاستفادة منها، مثل تجربة تركيا التي حذفت 6 أصفار من عملتها، بحيث أصبح كل مليون ليرة تركية يعادل ليرة واحدة، وقال: "هذا الأمر لا يؤثر أبدا على الحقوق والالتزامات المالية سواء للحكومة أو للشركات أو للأفراد".
لكن، وفق الخبير المالي، لا بد قبل البدء باستبدال العملة من توفر جملة شروط، أهمها الاستقرار الاقتصادي ومعالجة التضخم، لأن الاستبدال في ظل معدلات تضخم مرتفعة، يعني أنه وبعد سنوات قد تفقد الليرة الجديدة قيمتها، وقال: "بذلك نعود لذات المشكلة، لذلك من الضروري كخطوة أولى وضع سياسات نقدية واضحة لمعالجة التضخم، وعندما يصل لمستويات مقبولة ممكن حينها البدء باستبدال الليرة".
ويقول السيد عمر، أما بخصوص عدد الأصفار المطلوب حذفها من الليرة، هذه القضية تعد قضية فنية واقتصادية، وتحتاج لدراسات معمقة، وتحديد القيمة الحقيقية التي استقرت عندها الليرة قبل قرار الاستبدال، ولكن وبشكل عام، يبدو منطقياً أن يتم حذف ثلاثة أصفار، مختتماً: " لا بد من دراسة دقيقة ومعمقة لواقع السوق النقدي في الدولة".
خيار استراتيجي
من جهته، يصف الباحث الاقتصادي يونس الكريم، سياسة حذف الصفر من العملة بـ"الخيار الاستراتيجي" في سوريا، لمواجهة تداعيات التضخم والخلل في النظام المالي.
ويكمل في حديثه لـ"عربي21" بقوله "لكن على الرغم من أن الإجراء يبدو من منظور تبسيطي وسيلة لتعزيز الثقة بالنظام النقدي وتسهيل المعاملات، فإن تطبيقه على أرض الواقع يحمل العديد من الأبعاد".
ويوضح الكريم، أنه فضلاً عن الكلف العالية لاستبدال شكل العملة عند حذف الأصفار، فإن العملية تتطلب إعادة تنظيم شاملة للأسعار والرواتب، وإخراج العملة القديمة من التداول تدريجيا، وقد تترتب على هذه العملية تكاليف تشغيلية وتنظيمية هائلةً قد تثقل كاهل النظام الاقتصادي السوري،
وتحرفه من تركيزه نحو تنشيط الاقتصاد.
من جهة أخرى، فإن حذف الصفر له تأثيرات جيوسياسية تتمثل في تراكم مبالغ نقدية ضخمة لدى التجار بالخارج، ما يُضاعف الضغوط الخارجية على النظام المالي السوري، بحسب الكريم الذي حذر من زيادة تعقيد استقرار السياسات النقدية وإضعاف الثقة في النظام مع احتمالية تحولات اقتصادية مستقبلية.
إعادة هيكلة الاقتصاد
في المقابل، يستبعد الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي أن تقدم الدولة السورية على تطبيق سياسة حذف الأصفار، قبل الانتهاء من إعادة هيكلة الاقتصاد، ويقول لـ"عربي21": "إن لم يتم تعريف أساسيات اقتصادية مثل دور المصرف المركزي، ومعرفة قيمة الليرة السورية الحقيقية أمام العملات الأجنبية، لا يمكن طباعة عملة جديدة وحذف أصفار".
ويوضح أن الاقتصاد السوري لا زال يكتنفه الغموض، ومن غير المعروف حتى الآن شكل الاقتصاد وحجمه، وبالتالي فإن القرار مستبعد لعام على أقل تقدير.
من جهة آخرى، أشار قضيماتي إلى "العقوبات" المفروضة على سوريا، وعرقلة ذلك لطباعة العملة الجديدة، فضلاً عن عدم تحمل الخزينة السورية لتكلفة طباعة العملة السورية الجديدة.
مجازفة
في السياق ذاته، حذر المراقب المالي منذر محمد من "المجازفة" التي قد يسببها أي قرار غير مدروس على الاقتصاد السوري، وقال لـ"عربي21" إن "حذف الأصفار قبل التعافي الاقتصادي، وقبل تحرك عجلة الإنتاج، يمكن أن يؤدي إلى تكرار مسلسل هبوط قيمة العملة".
واعتبر أن "سياسة حذف الأصفار من الليرة تبدو ضرورية، لكن لا يعني ذلك أن تُطبق في القريب، بل بعد دخول الاستثمارات، وانتعاش الاقتصاد السوري".
يذكر أن الليرة السورية خسرت أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام العملات الأجنبية منذ العام 2011.