في مرة من المرات، اعتذرت لي مديحة بشدة عن تأخرها في الرد على رسالتي، وقالت:
- معليش ما شفت الرسالة لأني كنت مشغولة في المطبخ لإعداد طعام العشاء للأولاد.
- هوني عليك... عذرك مقبول! ماذا أعددت لهم للعشاء؟
- شعيرية باللبن.
فضحكت وقلت لها:
- هذا طعام للقطط...
فاضحكها التعليق وسألتني:
- ما هو طعامك المفضل؟
- كثيرة هي الاطعمة المحببة عندي فمثلا انا أحب الفول بالشمار وزيت السمسم، وأحب الطعمية بالسمسم؛ وأحب اللحم المشوي على الجمر وأحب محشي الطماطم والفلفل وأحب أيضا شوربة الخضار بزبدة الفول السوداني.
فقالت لي وهي تعدني وعدا قاطعا:
- ستجدها كلها في مائدة من صنع يدي في القريب العاجل بإذن الله.
واكتفت بذلك ولم تسألني عن المشروبات لعلمها مسبقا بحبي لعصير الليمون والقهوة والمشروبات الكحولية...
وفعلا، وبعد اقل من شهرين على تلك المحادثة، تحقق ما قد قالت، ولا ادري ما إذا كان كلامها نبوءة ام كان مبنيا على حيثيات خطة كانت تعدها للقدوم إلى السودان، وقد كانت مفاجأة سعيدة لي حين استقبلت مكالمتها من رقمها السوداني بحيث لم أفهم، في البداية، لماذا تتصل بالمباشر من ألمانيا والتطبيقات الأخرى متاحة؟ ولكن زالت حيرتي وتملكني السرور بعد سماعي كلامها، قالت:
- السلام عليكم ورحمة الله، هل تصدق لو قلت لك أنني متصلة بك الان وانا في الخرطوم. في المعمورة مع كوثر..
- اصلو ما بصدق... عملتيها كيف وما كلمتيني من بدري ليه؟
- قررت أن افاجئك... رأيك ايه؟ أليست مفاجأة سعيدة؟
- نعم... نعم! ألف مرحب بيك وحمد لله على السلامة... معاك الأولاد؟
- لا. لوحدي ... أتيت لوحدي وتركتهم هناك بسبب المدارس.
وقالت لي انها تتوقع أن أزورها في الصباح (لأنها ستكون لوحدها والبيت سيكون فاضي) ... وفي الصباح في حوالي الساعة الثامنة والنصف كنت اطرق باب ناس كوثر، حليقا ومهندما ومعطرا، وكان حذائي لامعا...
وفتحت لي الباب، كان الزمن قد غير في هيئتها ولكن قليلا، وكانت ترتدي نفس الفستان البيتي الاحمر الذي رقصت به على أنغام أغنية (مرت الايام)، وسلمت علي وهي ترتعش، وقد كنت انا ايضا مضطربا... ودخلت فقادتني عبر باحة صغيرة وحديقة أصغر إلى الصالون...
وعند باب الصالون توقفت، وجذبتها نحوي ثم وعلى حين غرة احتضنتها وانهلت عليها تقبيلا... في الأول قاومت وتمنعت... ولكن ما هي إلا لحظات حتى صارت طيعة بين زراعي واستجابت لي بالكامل.
دخلنا الصالون وهناك فاحت رائحة بخور الصندل من مبخر كان موضوعا في الركن... ثم أحضرت لي عصير الليمون اللذيذ والقهوة وكانت القبلات والحكاوي تتخلل ذلك كله... وكانت القبلات بطعم العسل، وقضيت معها ساعة مرت وكأنها دقائق وخرجت منها وانا أشعر باني خفيف أكاد اطير من الفرح... وكان الوعد بيننا أن نلتقي مرة أخرى بنفس الطريقة وقد حدث... حيث افطرت من يديها كما وعدت وحضرت كل الأصناف التي اخبرتها اني احبها، حتى المحشي فقد طبخته ووضعته في إناء ساخن- بارد وقالت:
- دة ما بتأكل في الفطور... عشان كدة عملته ليك (take away) ... تتهنى بيهو مع أولادك في الغداء...
فشكرتها بحرارة وانا اهم بالمغادرة.
وقد زرتها هناك أربع مرات خلال مدة العشرة ايام التي قضتها في السودان... والمرة الخامسة كانت عزومة مني لها في مقهى (اوزون) ذلك المقهى الشهير جنوب سوق الخرطوم اثنين.
وهكذا كسرنا كل الحواجز الممكنة، وصرنا عشيقين معتقين وانكسرت (كل) القيود بيننا، ولان الحرامي في رأسه ريشة فقد قررنا الا اتواجد في وداعها في المطار يوم المغادرة وان نكتفي ببرنامجنا الصباحي المثير في بيت كوثر.
عادل سيد احمد
amsidahmed@outlook.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ساعات مفصلية.. أجواء إيجابية تحيط بوقف إطلاق النار... ولكن!
منذ ما بعد ظهر الإثنين، تسود الأجواء الإيجابية على خطّ مفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان، في ظلّ التسريبات المتتالية عن "إنجاز" التفاهم على بنود الاتفاق بصيغتها النهائية، بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، برعاية أميركية وفرنسية، بانتظار مصادقة كابينت الحرب الإسرائيلي في الساعات القليلة المقبلة عليه، ليدخل حيّز التنفيذ في أيّ وقت بعد ذلك، وسط معلومات أكدت موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مضمونه.
لكنّ الأجواء الإيجابية هذه لم تنعكس على الأرض وفي الميدان، حيث استمرّ التصعيد الإسرائيلي في الساعات الماضية، على مختلف الجبهات، بل سجّل أعلى مستوياته على الإطلاق، سواء من خلال الاستهداف المكثّف للضاحية الجنوبية لبيروت، أو ما تبقّى منها، أو الغارات التي استهدفت مناطق مختلفة، في الجنوب والبقاع، ولكن أيضًا في محافظات ومناطق أخرى، خارج دائرة الاستهداف اليومي، كما حصل في الغارة على الشويفات مثلاً.
وانعكس هذا "الغموض" في المشهد على بعض المواقف السياسية في الداخل الإسرائيلي، حيث سُجّلت تصريحات "معارضة" للاتفاق، لعلّ أبرزها ما صدر عن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، والذي وصف فيه الاتفاق بـ"الخطأ الكبير"، باعتبار أنّه "يفوّت فرصة تاريخية للقضاء على حزب الله"، على حدّ وصفه، فكيف يُفهَم كلّ هذا "الصخب" في سياق "الإيجابية" المرتبطة بالاتفاق، وهل ينبغي التعامل بحذر معه؟
أجواء إيجابية "في المبدأ"
يقول العارفون إنّ الأجواء التي تتقاطع عليها كلّ الأوساط، وتؤكدها كلّ التسريبات، تبقى "إيجابية" حتى إثبات العكس، إذ إنّ كل المعطيات المتوافرة تجزم بأنّ اتفاق وقف إطلاق النار أصبح وشيكًا بالفعل، وأنّه حظي بموافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بانتظار عرضه على المجلس الوزاري المصغّر، بمعزل عن صحّة ما يُحكى عن "ضمانات" أميركية جانبية حصل عليها، بشأن حقّ "الدفاع عن النفس" ضدّ أي انتهاكات مستقبلية.
وفقًا لأصحاب هذا الرأي، فإنّ التصعيد الإسرائيلي في اليومين الماضيين لا يعني بأيّ حال من الأحوال "نسف" فرص الاتفاق، بل على العكس من ذلك، قد يأتي مكمّلاً للاتفاق، ومعزّزًا لحظوظه، إذ إنّ التجارب السابقة أثبتت أنّ الإسرائيلي يعمد في الأيام الأخيرة من حروبه إلى تكثيف حركته النارية، في محاولة إما لرفع سقفه التفاوضي، أو حتى لتعزيز صورة "الانتصار" التي يسعى لتكريسها، حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار.
لكنّ العارفين يشدّدون على أنّ الأجواء الإيجابية المهيمنة على الساحة تبقى "مبدئية" حتى إثبات العكس، إذ إنّ أيّ "انتكاسة" تبقى محتملة في أيّ وقت، خصوصًا أنّ "لا ثقة" بالجانب الإسرائيلي، وثمّة خشية في الداخل اللبناني مثلاً من أيّ "خدع أو حيل" قد يلجأ إليها الإسرائيلي، في ظلّ إصرار لبناني ثابت على عدم منحه ما لم يحصل عليه في الميدان، أو ما يمكن أن يُفهَم انتهاكًا للسيادة اللبنانية، ما يعني عدم وقف العدوان الفوري وبالكامل.
ساعات مفصلية وعصيبة
من هنا، يرجّح العارفون أن تكون الساعات المقبلة مفصلية وعصيبة على أكثر من مستوى، أولاً على مستوى تأكيد "حسن النوايا" للذهاب بالاتفاق حتى النهاية، من دون تضمين الاتفاق مثلاً أيّ "ألغام" قد تنسفه وتطيح به بالكامل، ولكن أيضًا على مستوى الميدان، الذي يتوقع أن "يشتعل" في الساعات المقبلة، إن صحّ التعبير، خصوصًا إذا ما ثبت أنها الأخيرة من الحرب، حيث سيسعى كلّ طرف إلى رفع السقف وإظهار الغلبة.
في هذا السياق، يتوقع أن تواصل إسرائيل تصعيدها في الساعات المقبلة، استكمالاً للنهج الذي بدأته منذ أيام، تحت عنوان "التفاوض بالنار"، علمًا أنّ هناك من لا يستبعد أن تذهب إسرائيل لتحديد موعد غير فوري لوقف إطلاق النار، من أجل "إنجاز المهمّة" إن صحّ التعبير، كما فعلت في حرب تموز، حين كانت الساعات الأخيرة منها الأكثر قساوة على الإطلاق، وقد شهدت على أكثر الضربات "عنفًا"، إن جاز التعبير، في سيناريو قد يتكرّر مرّة أخرى.
وفي المقابل، لا يُستبعَد أن يلجأ "حزب الله" إلى تكثيف رشقاته الصاروخية باتجاه إسرائيل أيضًا في الساعات القليلة المقبلة، خصوصًا إذا ما أصبح الاتفاق مضمونًا، وذلك للتأكيد على سرديّته الخاصة للنصر، انطلاقًا من إحباط وإفشال مخطّطات العدو، لجهة "تعطيل القدرة الصاروخية" التي يمتلكها الحزب، وهو سيحرص على القول إنّه استمرّ بإطلاق الصواريخ حتى اللحظة الأخيرة من الحرب، بل هو قد يعمد إلى تسجيل رقم قياسي في اليوم الأخير لأسباب "مبدئية".
الأجواء إيجابية إذاً. هذا ما تشير إليه كل المعلومات والمعطيات، وتؤكده كل التسريبات. اتفاق وقف إطلاق النار أصبح وشيكًا، وقد يدخل حيّز التنفيذ في غضون ساعات فقط ليس أكثر، بعد مصادقة الحكومة الإسرائيلية عليه، وهو ما يتوقع أن يحدث قريبًا جدًا، إن لم يطرأ طارئ. لكن بموازاة هذه الأجواء الإيجابية، ثمّة حذر أكثر من مطلوب، فالساعات الفاصلة عن الاتفاق مفصلية، ومن شأنها قلب المعادلات رأسًا على عقب! المصدر: خاص "لبنان 24"