جريدة الوطن:
2024-07-18@00:17:41 GMT

الرعايا

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

الرعايا

كان لافتًا متابعة ما حدث في النيجر وردود الأفعال عليه. فرغم المصالح الكبرى لفرنسا في النيجر ووجود قوَّاتها على أرضه ونهبها لثرواته على مدى عقود فكُلُّ ما كانت حريصة عليه هو «إجلاء الرعايا الفرنسيين من النيجر»، وفي خطوة لاحقة أيضًا «إجلاء الرعايا الأوروبيين من النيجر» وهذه باختصار هي حقيقة العلاقة والموضوع.

إذ إنَّ كُلَّ ما يهمُّهم في النتيجة هو رعاياهم ومصالحهم وما تُقدِّمه هذه الأرض وأمثالها من ثروات لهم لبناء أوطانهم على حساب مصير ومستقبل الشعوب المالكين الأصليين لهذه الثروات.
ولكن المستغرب دائمًا هو أنَّ عددًا لا بأس به من أبناء هذه الشعوب المستضعَفة ما زالوا يؤمنون برعاية الغرب وحمايته لهم وحرصه على حقوقهم وحُريَّاتهم، وتفوُّقه عليهم في الأساليب والفكر والعمل، وقَدْ يكُونُ هذا نتيجة لعقود من الإعلام المُوجَّه والذي يرسم صورة مثاليَّة للغرب وكُلِّ ما يُمثِّله وما يحاول تحقيقه لهذه البلدان. وقَدِ استعانوا على ذلك بشراء بعض الذِّمم وتقديم بعض الخدمات لبعض الأشخاص ومحاربة واغتيال النُّخب الوطنيَّة الصادقة مع تاريخها ومصلحة بلدانها.
فها هي القمَّة الإفريقيَّة ـ الروسيَّة وما رشح عَنْها من تصريحات ودراسات تثبت أنَّ إفريقيا التي يدَّعون مساعدتها ترزح تحت نير إرث من نهب ثرواتها وحرمانها من تطوير نفسها وأدواتها كي تبقى مرتعًا لهم ومنبعًا لثروات تصبُّ في صالح بلدانهم هم. وها هو الرئيس الأوغندي يقول إنَّ إفريقيا هي التي تنتج البُن ومع ذلك فإنَّ حصَّتها من إيرادات البُن لا تتجاوز 4% من حجم هذه التجارة. أضف إلى ذلك أنَّ المستعمرين فرضوا على إفريقيا أن تبقَى مصدرًا للموادِّ الخامِّ دُونَ السَّماح لها بتطوير صناعاتها والحصول على القيمة المضافة وهي المجزية فعلًا.
وإذا ما تدارسنا تاريخ شعوبنا التي رزحت تحت نير الاستعمار لعقود في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينيَّة نجد أنَّ الوسيلة الأنجع التي ساعدتهم على الاستمرار في هذا النَّهب الممنهج هو اختراقهم لمُجتمعاتنا وشراؤهم البعض، وإغداق بعض من خيرات هذه البلدان على بعض أفرادها؛ كي يكونوا رأس حربة في تخريب أوطانهم ومنعها من التقدُّم والازدهار. ومن المعروف كيف زرع الاستعمار البريطاني والفرنسي أُسُس التفرقة الطائفيَّة والمذهبيَّة وقسَّم الأراضي والشعوب بطريقة يسهل معها إثارة الفِتن وإشعال الاقتتال لأسباب لا تخدم إلَّا العدوَّ نفسه.
ومع أنَّ الاستنتاج يبدو بسيطًا والرؤية تبدو واضحة ومخلَّفات الاستعمار واضحة وضوح الشمس فلَمْ تتمَّ دراسة هذا التاريخ وتوثيقه وتوصيفه بما هو عليه واجتراح الأدوات الحقيقيَّة والواقعيَّة التي تضْمَن عدم استمراره، بل وتعكس التيَّار لصالح هذه الشعوب ومن أجْل خيرها وازدهارها. والسَّبب الأساس في ذلك هو أنَّ مَن نصَّبهم الاستعمار حكَّامًا على شعوبهم لَمْ يؤمنوا بالمؤسَّسات أو بناء الأحزاب والدوَل بل ظلُّوا رعايا لهذا الاستعمار مؤمنين بحمايته لهم ومستسلمين لتفوُّقه عليهم وطالبين رضاه وحُسن تقديره. وحين يحظى شَعب أو دولة بحكومة وطنيَّة تضع مصلحة البلاد فوق كُلِّ اعتبار يكيل لها الإعلام الاستعماري شتَّى أنواع التُّهم ويضع كُلَّ العراقيل الممكِنة في طريق تطوُّرها وتطوير بلادها ويفرض عليها كُلَّ أنواع الحصار؛ كي يُثبتَ للعالَم أنَّ نماذجه فقط وأدواته هي القابلة للحياة والاستمرار والقادرة على الاضطلاع بالمهمة.
إحدى أهم أدوات الاستعمار اليوم ـ بالإضافة إلى سياسة التفريق وإثارة النزاعات والنعرات ـ هي الإعلام المُوجَّه والذي يتكلم بصوت واحد وإن تعدَّدت الأساليب والطُّرق لإيصال الرسالة المبتغاة. وإحدى أهم وسائل التحرُّر اليوم من ربقة هذا الاستعمار هي في خلق إعلام منتمٍ متجذِّر في أرضه ووطنيَّته، ومدرك لأبعاد المعركة وطريقة وأساليب الخوض فيها. فالمعركة اليوم من قِبل كُلِّ الشعوب المستضعَفة تحتاج إلى أمْرَيْنِ أساسيَّيْنِ في متناول اليد ألا وهما تعزيز الانتماء وامتلاك السرديَّة والأساليب والوسائل الإعلاميَّة المُعبِّرة، وإعادة تحرير الأخبار الواردة ممَّن يستهدفنا، ونشر الوعي والفكر الذي يصبُّ في صالح الوطن والمواطنين بعيدًا جدًّا عن الانبهار بالأكاذيب والأقاويل التي تمَّ تعميمها وبثُّها كأدوات فقط لحصد النتائج.
المعركة اليوم ـ بالإضافة إلى كونها معركة اقتصاديَّة وقتالية ـ هي معركة فكريَّة وثقافيَّة وإعلاميَّة، والمُشْكلة أنَّ معظم البلدان التي رزحت تحت نير الاستعمار لا تُولِي النُّخب الفكريَّة والثقافيَّة المكانة التي تستحق، ولا تسمح لها بالدَّور القادرة على أدائه. فقَدْ فرض الاستعمار لُغته وأدواته وثقافته لضمان استمرار هيمنته وسيطرته على هذه الشعوب. وعلَّ الوطن العربي من البلدان القليلة في العالَم الذي حافظ على لُغته العربيَّة إلى حدِّ الآن مع أنَّنا نشهد محاولات جادَّة لإضعاف اللُّغة العربيَّة وتشتيت الوحدة الثقافيَّة والفكريَّة في مسارات كانت دائمًا متكاملة وليست متناحرة، بل اتَّسمت بإغناء بعضها بعضًا ورفْدِ بعضها بعضًا، بَيْنَما يتمُّ اليوم تصويرها على أنَّها في حرب وجود لا بُدَّ من انتصار طرف فيها على آخر.
ها هو الأميركي اليوم يصبُّ كُلَّ قواه لمنع التواصل بَيْنَ الأشقاء في سوريا والعراق؛ لأنَّه يعلم كَمْ يعزِّز هذا التواصل من قوَّة البلدَيْنِ، ويبني قلاعًا لرعاياه في العراق ولبنان ولأدواته أيضًا؛ لأنَّ كُلَّ مبتغاه هو تنفيذ السِّياسات التي تصبُّ في صالحه وصالح الكيان الذي هو أداة له. وها هم المغرضون الطامعون يزرعون النَّار واحتمالات التفجير على الحدود المغربيَّة ـ الجزائريَّة وذلك لاستنزاف البلدَيْنِ ومنعهما من استثمار مواردهما لصالح شعوبهما ومنعهما من التطوُّر والازدهار ومن التآلف والتعاضد لِمَا يمنح ذلك كليهما من قوَّة ومنعة وقدرة على البقاء والتطوُّر. كما يزرعون الفتنة بَيْنَ العراق والكويت وحيثما تمكَّنوا من فعل ذلك.
بعد كُلِّ هذا التاريخ، وبعد ما تعرَّضت له شعوبنا، أصبحت المعادلة واضحة جدًّا، وكُلُّ ما نحتاجه هو أن نعملَ بمقتضياتها وهي أنَّ الغرب حريص على نهب ثرواتنا وتمزيق بلداننا، وأنَّ كُلَّ ادِّعاءاته بالحرص على الإنسان وحقوقه هي مجرَّد غطاء لاستمراره في تضليل الشعوب، وكُلُّ مساعداته وقروضه هي وبال على هذه الشعوب، وأنَّ خير ما تفعله اليوم بلدان إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينيَّة هو إسراع الخُطى للتعاون فيما بَيْنَها وتحصين بلدانها من الداخل ونفض غبار الأوهام التي زرعها الغرب في أذهانهم مرَّة وإلى الأبد.
أ.د. بثينة شعبان
كاتبة سورية

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

ليبيا الأولى إفريقيا في «مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات»

ذكر  تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات، أن “ليبيا تصدرت القارة الإفريقية، في “مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات” لعام 2024″.

ووفق منصة “حكومتنا”، “كانت ليبيا في المرتبة الخامسة العام الماضي، إلا أنها تمكنت هذا العام من تصدر المؤشر بعد زيادة 11 نقطة ليصبح رصيدها 88 نقطة”.

وأوضحت “أن التقييم استند إلى عدة مؤشرات وأعمال قامت بها الهيئة العامة للاتصالات والمعلوماتية”، مشيرة إلى أن “الإنجاز يأتي بعد اعتماد الاستراتيجية الوطنية للاتصالات والمعلوماتية للفترة (2023-2027)”.

يذكر أنه ووفق للتقرير سجلت ليبيا 88.1 نقطة، تليها المغرب 86.8 نقطة، تليها سيشيل 84.7 نقطة، ثم موريشيوس 84.2 نقطة، وفي المرتبة الخامسة جنوب أفريقيا 83.6 نقطة.

مقالات مشابهة

  • توقعات باتجاه البنوك المركزية في إفريقيا نحو تثبيت أسعار الفائدة
  • لافروف: تصرفات واشنطن وحلفاؤها تعرقل التعاون الدولي وبناء عالم حر تحصل فيه الشعوب على حقوقها
  • مقتل شقيق رئيس حزب الشعوب الديمقراطي السابق في هجوم مسلح
  • نحتاج إلى مدرسة لتعليم الساسة فن قيادة الشعوب !!..
  • الأطباء على رأس المهاجرين الفارين من إفريقيا
  • «تريندز» يفتتح رسمياً مكتبه في جنوب إفريقيا
  • ليبيا الأولى إفريقيا في «مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات»
  • غامبيا تؤكد الحظر الذي فرضته على ختان الإناث
  • حين تقرر إفريقيا صُنع المُعجزات
  • أونكتاد: مصر الوجهة الاستثمارية الأولى في إفريقيا لعام 2023