جريدة الوطن:
2025-02-24@05:27:51 GMT

الرعايا

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

الرعايا

كان لافتًا متابعة ما حدث في النيجر وردود الأفعال عليه. فرغم المصالح الكبرى لفرنسا في النيجر ووجود قوَّاتها على أرضه ونهبها لثرواته على مدى عقود فكُلُّ ما كانت حريصة عليه هو «إجلاء الرعايا الفرنسيين من النيجر»، وفي خطوة لاحقة أيضًا «إجلاء الرعايا الأوروبيين من النيجر» وهذه باختصار هي حقيقة العلاقة والموضوع.

إذ إنَّ كُلَّ ما يهمُّهم في النتيجة هو رعاياهم ومصالحهم وما تُقدِّمه هذه الأرض وأمثالها من ثروات لهم لبناء أوطانهم على حساب مصير ومستقبل الشعوب المالكين الأصليين لهذه الثروات.
ولكن المستغرب دائمًا هو أنَّ عددًا لا بأس به من أبناء هذه الشعوب المستضعَفة ما زالوا يؤمنون برعاية الغرب وحمايته لهم وحرصه على حقوقهم وحُريَّاتهم، وتفوُّقه عليهم في الأساليب والفكر والعمل، وقَدْ يكُونُ هذا نتيجة لعقود من الإعلام المُوجَّه والذي يرسم صورة مثاليَّة للغرب وكُلِّ ما يُمثِّله وما يحاول تحقيقه لهذه البلدان. وقَدِ استعانوا على ذلك بشراء بعض الذِّمم وتقديم بعض الخدمات لبعض الأشخاص ومحاربة واغتيال النُّخب الوطنيَّة الصادقة مع تاريخها ومصلحة بلدانها.
فها هي القمَّة الإفريقيَّة ـ الروسيَّة وما رشح عَنْها من تصريحات ودراسات تثبت أنَّ إفريقيا التي يدَّعون مساعدتها ترزح تحت نير إرث من نهب ثرواتها وحرمانها من تطوير نفسها وأدواتها كي تبقى مرتعًا لهم ومنبعًا لثروات تصبُّ في صالح بلدانهم هم. وها هو الرئيس الأوغندي يقول إنَّ إفريقيا هي التي تنتج البُن ومع ذلك فإنَّ حصَّتها من إيرادات البُن لا تتجاوز 4% من حجم هذه التجارة. أضف إلى ذلك أنَّ المستعمرين فرضوا على إفريقيا أن تبقَى مصدرًا للموادِّ الخامِّ دُونَ السَّماح لها بتطوير صناعاتها والحصول على القيمة المضافة وهي المجزية فعلًا.
وإذا ما تدارسنا تاريخ شعوبنا التي رزحت تحت نير الاستعمار لعقود في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينيَّة نجد أنَّ الوسيلة الأنجع التي ساعدتهم على الاستمرار في هذا النَّهب الممنهج هو اختراقهم لمُجتمعاتنا وشراؤهم البعض، وإغداق بعض من خيرات هذه البلدان على بعض أفرادها؛ كي يكونوا رأس حربة في تخريب أوطانهم ومنعها من التقدُّم والازدهار. ومن المعروف كيف زرع الاستعمار البريطاني والفرنسي أُسُس التفرقة الطائفيَّة والمذهبيَّة وقسَّم الأراضي والشعوب بطريقة يسهل معها إثارة الفِتن وإشعال الاقتتال لأسباب لا تخدم إلَّا العدوَّ نفسه.
ومع أنَّ الاستنتاج يبدو بسيطًا والرؤية تبدو واضحة ومخلَّفات الاستعمار واضحة وضوح الشمس فلَمْ تتمَّ دراسة هذا التاريخ وتوثيقه وتوصيفه بما هو عليه واجتراح الأدوات الحقيقيَّة والواقعيَّة التي تضْمَن عدم استمراره، بل وتعكس التيَّار لصالح هذه الشعوب ومن أجْل خيرها وازدهارها. والسَّبب الأساس في ذلك هو أنَّ مَن نصَّبهم الاستعمار حكَّامًا على شعوبهم لَمْ يؤمنوا بالمؤسَّسات أو بناء الأحزاب والدوَل بل ظلُّوا رعايا لهذا الاستعمار مؤمنين بحمايته لهم ومستسلمين لتفوُّقه عليهم وطالبين رضاه وحُسن تقديره. وحين يحظى شَعب أو دولة بحكومة وطنيَّة تضع مصلحة البلاد فوق كُلِّ اعتبار يكيل لها الإعلام الاستعماري شتَّى أنواع التُّهم ويضع كُلَّ العراقيل الممكِنة في طريق تطوُّرها وتطوير بلادها ويفرض عليها كُلَّ أنواع الحصار؛ كي يُثبتَ للعالَم أنَّ نماذجه فقط وأدواته هي القابلة للحياة والاستمرار والقادرة على الاضطلاع بالمهمة.
إحدى أهم أدوات الاستعمار اليوم ـ بالإضافة إلى سياسة التفريق وإثارة النزاعات والنعرات ـ هي الإعلام المُوجَّه والذي يتكلم بصوت واحد وإن تعدَّدت الأساليب والطُّرق لإيصال الرسالة المبتغاة. وإحدى أهم وسائل التحرُّر اليوم من ربقة هذا الاستعمار هي في خلق إعلام منتمٍ متجذِّر في أرضه ووطنيَّته، ومدرك لأبعاد المعركة وطريقة وأساليب الخوض فيها. فالمعركة اليوم من قِبل كُلِّ الشعوب المستضعَفة تحتاج إلى أمْرَيْنِ أساسيَّيْنِ في متناول اليد ألا وهما تعزيز الانتماء وامتلاك السرديَّة والأساليب والوسائل الإعلاميَّة المُعبِّرة، وإعادة تحرير الأخبار الواردة ممَّن يستهدفنا، ونشر الوعي والفكر الذي يصبُّ في صالح الوطن والمواطنين بعيدًا جدًّا عن الانبهار بالأكاذيب والأقاويل التي تمَّ تعميمها وبثُّها كأدوات فقط لحصد النتائج.
المعركة اليوم ـ بالإضافة إلى كونها معركة اقتصاديَّة وقتالية ـ هي معركة فكريَّة وثقافيَّة وإعلاميَّة، والمُشْكلة أنَّ معظم البلدان التي رزحت تحت نير الاستعمار لا تُولِي النُّخب الفكريَّة والثقافيَّة المكانة التي تستحق، ولا تسمح لها بالدَّور القادرة على أدائه. فقَدْ فرض الاستعمار لُغته وأدواته وثقافته لضمان استمرار هيمنته وسيطرته على هذه الشعوب. وعلَّ الوطن العربي من البلدان القليلة في العالَم الذي حافظ على لُغته العربيَّة إلى حدِّ الآن مع أنَّنا نشهد محاولات جادَّة لإضعاف اللُّغة العربيَّة وتشتيت الوحدة الثقافيَّة والفكريَّة في مسارات كانت دائمًا متكاملة وليست متناحرة، بل اتَّسمت بإغناء بعضها بعضًا ورفْدِ بعضها بعضًا، بَيْنَما يتمُّ اليوم تصويرها على أنَّها في حرب وجود لا بُدَّ من انتصار طرف فيها على آخر.
ها هو الأميركي اليوم يصبُّ كُلَّ قواه لمنع التواصل بَيْنَ الأشقاء في سوريا والعراق؛ لأنَّه يعلم كَمْ يعزِّز هذا التواصل من قوَّة البلدَيْنِ، ويبني قلاعًا لرعاياه في العراق ولبنان ولأدواته أيضًا؛ لأنَّ كُلَّ مبتغاه هو تنفيذ السِّياسات التي تصبُّ في صالحه وصالح الكيان الذي هو أداة له. وها هم المغرضون الطامعون يزرعون النَّار واحتمالات التفجير على الحدود المغربيَّة ـ الجزائريَّة وذلك لاستنزاف البلدَيْنِ ومنعهما من استثمار مواردهما لصالح شعوبهما ومنعهما من التطوُّر والازدهار ومن التآلف والتعاضد لِمَا يمنح ذلك كليهما من قوَّة ومنعة وقدرة على البقاء والتطوُّر. كما يزرعون الفتنة بَيْنَ العراق والكويت وحيثما تمكَّنوا من فعل ذلك.
بعد كُلِّ هذا التاريخ، وبعد ما تعرَّضت له شعوبنا، أصبحت المعادلة واضحة جدًّا، وكُلُّ ما نحتاجه هو أن نعملَ بمقتضياتها وهي أنَّ الغرب حريص على نهب ثرواتنا وتمزيق بلداننا، وأنَّ كُلَّ ادِّعاءاته بالحرص على الإنسان وحقوقه هي مجرَّد غطاء لاستمراره في تضليل الشعوب، وكُلُّ مساعداته وقروضه هي وبال على هذه الشعوب، وأنَّ خير ما تفعله اليوم بلدان إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينيَّة هو إسراع الخُطى للتعاون فيما بَيْنَها وتحصين بلدانها من الداخل ونفض غبار الأوهام التي زرعها الغرب في أذهانهم مرَّة وإلى الأبد.
أ.د. بثينة شعبان
كاتبة سورية

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

تحقيق سري يكشف دور شركة أدوية هندية في إغراق غرب إفريقيا بالعقاقير المخدرة

كشف تحقيق أجرته "بي بي سي" عن تصنيع شركة أدوية هندية مواد أفيونية غير مرخصة لتصديرها بشكل غير قانوني إلى دول غرب أفريقيا، ما تسبب في أزمة صحية عامة كبيرة، خاصة في غانا ونيجيريا وكوت ديفوار.

وبحسب التحقيق، تقوم شركة "أفيو" التي تتخذ من مومباي مقرا لها، بإنتاج أقراص تحتوي على مزيج خطير من "تابنتادول" وهو مركب أفيوني قوي، و"كاريزوبرودول" الذي يعمل كمرخٍ للعضلات ومسكن للآلام، لكنه يسبب الإدمان.

ويعد هذا المزيج غير مرخص في أي دولة حول العالم، حيث يمكن أن يؤدي إلى صعوبات في التنفس ونوبات صرع وقد يكون مميتا عند تناوله بجرعات زائدة.

عثرت "بي بي سي" على عبوات من هذه الأدوية تحمل شعار "أفيو" معروضة للبيع في شوارع العديد من المدن الأفريقية. وبعد تتبع مصدر هذه المخدرات، أرسل فريق التحقيق عميلا سريا إلى مصنع الشركة في الهند، حيث سجل بكاميرا خفية لقاء مع فينود شارما أحد مديري المصنع، الذي أكد تصدير المنتجات إلى نيجيريا.


وفي اللقطات المسجلة، أشار شارما إلى أن تناول حبتين أو ثلاث من هذه الأقراص يؤدي إلى "الاسترخاء" والشعور "بالنشوة"، رغم إقراره بأن "هذا ضار للغاية بالصحة"، لكنه برر الأمر قائلا "هذا هو العمل المطلوب حاليا".

في مدينة تامالي الغانية، تزايدت المخاوف من التأثير المدمر لهذه الأدوية على الشباب، حيث يقول الزعيم المحلي الحسن ماهام إن "المخدرات تستنزف عقل الأشخاص بسرعة كبيرة مثل النار التي تشتعل بعد سكب الكيروسين عليها"، فيما أكد أحد المدمنين أن "هذه المخدرات دمرت حياتنا".

وخلال مداهمة قامت بها قوة مهام محلية لمكافحة المخدرات، تمكنت السلطات من ضبط تاجر كان يحمل كيسا بلاستيكيا مليئا بأقراص "تافرودول" المختومة بشعار "أفيو"، كما ضبطت الشرطة الغانية منتجات مماثلة في مدن أخرى.

وأظهرت أدلة أخرى جمعتها "بي بي سي" أن هذه الأدوية منتشرة في نيجيريا وكوت ديفوار، حيث يقوم المراهقون بمزجها مع مشروبات طاقة كحولية لتعزيز تأثيرها المخدر.

وتكشف بيانات التصدير أن "أفيو" وشركة شقيقة لها تدعى "ويستفين إنترناشونال" تشحنان ملايين الأقراص إلى غرب أفريقيا، حيث تعد نيجيريا، التي يبلغ عدد سكانها 225 مليون نسمة، أكبر سوق لهذه المواد، إذ يقدر عدد متعاطيها بنحو أربعة ملايين شخص.

وأوضح رئيس وكالة مكافحة المخدرات النيجيرية، العميد محمد بوبا ماروا، أن هذه المواد "تدمر شبابنا وأسرنا، وهي موجودة في كل مجتمع في نيجيريا".

في عام 2018، فرضت السلطات النيجيرية قيودا صارمة على عقار "ترامادول"، بعد تحقيق سابق لـ"بي بي سي"، ما دفع "أفيو" إلى إنتاج خليط جديد أكثر خطورة يعتمد على "تابنتادول" و"كاريزوبرودول".

وأظهرت لقطات من داخل مصنع الشركة في الهند وجود صناديق ضخمة مكدّسة من أقراص "تافرودول"، حيث كشف شارما أن "علماء المصنع" قادرون على مزج أدوية مختلفة "لصنع منتج جديد".
ويحذر الدكتور ليخانش شوكلا، الأستاذ في المعهد الوطني للصحة العقلية بالهند، من أن "تابنتادول يعطي نفس تأثيرات المواد الأفيونية".

ويضيف "قد يكون النوم عميقا لدرجة أن الناس لا يتنفسون، مما يعني جرعة زائدة قاتلة"، مشيرا إلى أن المزج مع "كاريزوبرودول" يجعل الدواء أكثر خطورة، حيث يؤدي إلى أعراض انسحاب مؤلمة.

وبحسب القوانين الهندية، لا يمكن تصدير الأدوية غير المرخصة إلا إذا كانت مستوفية لمعايير الدولة المستوردة، لكن التحقيق كشف أن "أفيو" تقوم بشحن "تافرودول" إلى غانا، حيث يعتبر هذا المزيج غير مرخص وغير قانوني، وفقا لوكالة مكافحة المخدرات الغانية.

وعند عرض هذه النتائج على "أفيو"، لم تصدر الشركة أي تعليق رسمي. من جانبها، أوضحت الهيئة التنظيمية للأدوية في الهند أن الحكومة "تدرك مسؤوليتها تجاه الصحة العامة العالمية"، مشددة على أن القوانين التنظيمية تطبق بصرامة، وأكدت أنها ستتخذ "إجراءات فورية" ضد أي شركة تنتهك المعايير.


وتكشف بيانات التصدير عن أن شركات هندية أخرى تنتج أدوية مماثلة، مما يلحق الضرر بسمعة صناعة الأدوية الهندية، التي تحقق صادرات سنوية بقيمة 28 مليار دولار.

وأوضح عميل "بي بي سي" السري، الذي اخترق مصنع "أفيو"، أنه وجد نفسه "وجها لوجه مع أحد الأشخاص الذين يصنعون هذه الأزمة في أفريقيا"، مشيرا إلى أن المسؤولين عن هذه التجارة "كانوا يعلمون حجم الضرر الذي يسببونه، لكنهم لم يهتموا، بل وصفوا الأمر بأنه مجرد عمل تجاري".

في غانا، واصلت فرق مكافحة المخدرات عمليات المداهمة وأحرقت المئات من عبوات "تافرودول"، إلا أن البائعين والموردين في الهند يواصلون إنتاج ملايين الأقراص وتحقيق أرباح ضخمة على حساب معاناة الملايين في أفريقيا.

مقالات مشابهة

  • نهيان بن مبارك: الرياضة توحد الشعوب وتعزز التسامح
  • تحقيق سري يكشف دور شركة أدوية هندية في إغراق غرب إفريقيا بالعقاقير المخدرة
  • اختلاف الحُب بين الشعوب
  • رئيس البرلمان العربي: واهم من يرى أن مصائر الشعوب يُمكن أن تَتَحدد بتصورات عبثية واهية
  • تاريخ من النضال.. الحركة الطلابية ظهير شعبي لإنهاء الاستعمار في مصر
  • جلسة نقاشية حول فلكلور الشعوب بأيام الشارقة التراثية
  • باحث بمرصد الأزهر: احترام العلم الوطني والوقوف له أثناء تحيته أمر مشروع
  • أي أفق للديمقراطية في ظل منظومة الاستعمار الداخلي؟
  • عطاف: علينا التعامل بجدية مع التحديات التي تمنع إستقرار إفريقيا وتنميتها
  • الاسدي يكشف ابرز المبادرات التي نفذتها الوزارة بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية