مبادئ الذكاء الاصطناعي فـي التعليم
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
مع بدء انتشار الذَّكاء الاصطناعي التوليدي في جميع أنحاء العالَم، يحتاج قِطاع التعليم إلى أكبر قدر من التطوير حتى يتمكَّنَ من مواكبة هذا التطوُّر التكنولوجي. لسوء الحظِّ، كان قِطاع التعليم متأخرًا كثيرًا عن القِطاعات الأخرى، وغير قادر على التعامل بشكلٍ ملائم مع التقنيَّات التي تُمكِّن الطلاب من تولِّي مسؤوليَّة تَعلُّمهم.
نظرًا لطبيعة الإنترنت المنتشر في كُلِّ مكان والمتاح على مدار السَّاعة من خلال الهواتف الذكيَّة والأجهزة الأخرى، فمن المرجَّح أن يكُونَ اطلاع الطلاب على الحقائق والأرقام أكثر من مُعلِّميهم. فمنذ عقود وأنا أقول إنَّ دَوْر مُعلِّمينا يحتاج إلى التحوُّل من كونهم مُعلِّمين تقليديين إلى مُوجِّهين للتكنولوجيا، من أجْل تزويد أجيالنا القادمة بالمهارات اللازمة لاستخدام هذه التقنيَّات لصالحهم. لقَدْ تمَّ تصميم نظام التعليم التقليدي ليلائمَ البيئة الاقتصاديَّة القديمة، وعلى الرغم من أنَّه يمتلك العديد من العناصر الجيّدة، إلَّا أنَّه يجِبُ تحديثه لتقييم الابتكارات التكنولوجيَّة الجديدة بحيث يتمُّ تحويل طلابنا إلى عاملين معرفة مسلَّحين بالمهارات الرقميَّة المطلوبة في مكان العمل. نحن بحاجة إلى سدِّ فجوة المهارات الرقميَّة وتمكين طلابنا بالمعرفة الرقميَّة القيِّمة، وإن لَمْ نفعل ذلك، سنجد أنَّهم استُبدلوا بسرعة بالعاملين الذين يمتلكون هذه المهارات.
يجِبُ أن يبدأَ اكتساب هذه المهارات بقِطاع التعليم الذي يجِبُ تحديثه وتطويره حتى يصبحَ قادرًا على تقييمهم بشكلٍ مناسب وبطُرُق لا تقوِّض عمليَّة التعليم. إذا كانت أساليب التقييم الحاليَّة لدَيْنا غير كافية، يجِبُ ألَّا نُلقيَ اللوم على الطلاب عندما يستخدمون هذه التقنيَّات لصالحهم لإكمال أعمالهم المدرسيَّة. بدلًا من ذلك، يجِبُ أن نتأملَ ونطوِّرَ أساليب التقييم التي تعمل في العصر الحديث. هناك بصيص من الضوء في نهاية النَّفق وأوَدُّ أن أشاركَ مجموعة من أفضل الجامعات في المملكة المُتَّحدة، مجموعة راسل، بمعالجة هذه المسألة، وهو أمْرٌ مشجِّع ويُعدُّ تحرُّكًا في الاتِّجاه الصحيح. فبدلًا من حظر هذه التكنولوجيا، الأمْرُ الذي قَدْ يكُونُ غير مُجدٍ، لقَدْ طوَّروا بعض الإرشادات لاستخدام الذَّكاء الاصطناعي في التعليم بحيث يصبح جزءًا من عمليَّة التعلُّم بطريقة آمنة وأخلاقيَّة. تغطِّي المبادئ التوجيهيَّة خمسة مبادئ وهي:
• دعم الطلاب والموظفين ليصبحوا على اطلاع بالذَّكاء الاصطناعي
• تجهيز الموظفين لدعم الطلاب في استخدام أدوات الذَّكاء الاصطناعي التوليديَّة.
• تكييف التدريس والتقييم لدمج الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي التوليدي وضمان المساواة في الوصول لهذه التكنولوجيا.
• ضمان الحفاظ على الصرامة الأكاديميَّة والنَّزاهة.
• العمل بشكلٍ تعاوني لمشاركة أفضل الممارسات بَيْنَما تتطوَّر التكنولوجيا.
يأتي هذا في الوقت المناسب حيث تتصارع وزارات التعليم في جميع أنحاء العالَم مع كيفيَّة التعامل مع الذَّكاء الاصطناعي في الأوساط الأكاديميَّة. قَدْ لا يكُونُ نموذج المملكة المُتَّحدة مثاليًّا، لكنَّه بالتأكيد خطوة إيجابيَّة في الاتِّجاه الصحيح.
بعد أن كنتُ رئيسًا لتحالف الأُمم المُتَّحدة العالَمي لتكنولوجيا المعلومات والاتِّصالات والتنمية (UNGAID)، أرى أنَّ هذه فرصة لنَا لإعادة التفكير في كيفيَّة تقييم الطلاب وتحسين تُعلُّمهم، وكذلك نقل مهارات الذَّكاء الاصطناعي القيِّمة إليهم ومساعدتهم على تولِّي مسؤوليَّة تَعلُّمهم. منذ بعض الوقت، كانت هناك فجوة واسعة بَيْنَ المهارات التي يتمُّ تدريسها وتلك المطلوبة في مكان العمل. ومع حلول الذَّكاء الاصطناعي، من المقرر أن تتسعَ هذه الفجوة.
من خلال إعادة تأهيل المُعلِّمين، بالإضافة إلى توفير التدريب والتعليم المبكر للطلاب بالذَّكاء الاصطناعي، يمكننا إعداد الأجيال القادمة بتعليم شامل ليصبحوا قوَّة عاملة ديناميكيَّة يتمُّ تمكينها لمواجهة تحدِّيات المستقبل، والمساهمة في المُجتمع وأماكن عملهم بمجموعة حديثة من مهارات الذَّكاء الاصطناعي.
هذه لحظة من الزمن يجِبُ أن نستفيدَ مِنها ومستقبل نحتاج لاحتضانه. كما أنَّه يوفِّر فرصة لبناء أنظمة تعليميَّة مَرِنَة من شأنها أن تساعدَ على تطوير اقتصادات مستقبليَّة حديثة ومزدهرة.
طلال أبو غزالة
كاتب عربي
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
حرب الذكاء الاصطناعي.. وأنظمة الغباء الصناعي!
ما إن تسلم دونالد ترامب رئاسة أمريكا للمرة الثانية، بعد حفل تنصيبه، حتى سارع ضمن عاصفة إعلاناته، للحديث عن مشروع ضخم بقيمة 500 مليار دولار لإنشاء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة بقيادة مجموعة “سوفت بانك” اليابانية وشركتي “أوبن آي” و”تشات جي بي تي” الأمريكيتين"، ضمن شعاره الكبير لـ"جعل أمريكا عظيمة مرة أخرة"، والحفاظ على الهيمنة الأمريكية المعلنة وحتى الاستعراضية، في هذا المجال الحساس.
فمنذ سنوات، تتخذ الحكومة الأمريكية خطوات للحفاظ على ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي الذي تعتبره من قضايا الأمن القومي. واستهدفت واشنطن خاصة الصين، عبر تقيّيد ضوابط على التصدير قدرة الصين على الوصول إلى أكثر الرقائق الالكترونية تطورا، خصوصا تلك التي تنتجها شركة "إنفيديا" العملاقة، التي أصبحت أكبر شركة في العالم بسبب ذلك في فترة، وبلغت قيمتها السوقية حتى 3.4 تريليون دولار. وقد أدت رقائق "إنفيديا" إلى ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي لدى "أوبن إيه آي".
وبسبب هذه الخطوات ظل الخطاب الأمريكي يؤكد، وأحيانا ببعض الاستخفاف والتكبر حتى، أن بكين متأخرة جدا في مجال الذكاء الاصطناعي، عن واشنطن المتقدمة بأشواط عنها.
بالتزامن، وحتى قبل تسلم ترامب السلطة مجددا، و في ما بدا ردا صينيا مدروسا من حيث التوقيت والمحتوى، على ترامب وأمريكا، أطلقت شركة "ديب سيك" الصينية الناشئة، في 10 يناير الجاري، نموذجا جديدا للذكاء الاصطناعي يشبه، بل ويتفوق على "تشات جي بي تي" و"جيميناي" (من شركة غوغل) وغيرهما، ولكن وبتكلفة أقل بمئات الأضعاف عن تلك التي تكبدتها الشركات العملاقة الأمريكية.
ويعتمد نموذج ديب سيك على 2000 رقاقة قديمة فقط من "إنفيديا" بتكلفة بلغت 6.5 مليون دولار ليحقق نفس النتائج التي تحققها نماذج الشركات الأمريكية التي تحتاج إلى 16 ألف رقاقة "إنفيديا" المتطورة بتكلفة تتراوح بين 100 و200 مليون دولار. لتؤكد الشركة الصينية الوليدة (تم انشاؤها في 2023 فقط) أن القيود الأمريكية لم تؤت ثمارها، إذ أشارت شركة "ديب سيك" الصينية إلى أنها استخدمت الرقائق الأقل تطورا من شركة "إنفيديا" (والتي يُسمح باستيرادها) وطرقا مختلفة لتحقيق نتيجة تعادل أفضل النماذج الأمريكية.
الأكيد أن العالم مقبل على "حرب مفتوحة كل الضربات والمعارك فيها مسموحة" بأسلحة "الذكاء الاصطناعي" ولا مكان فيها لأنظمة غبية معادية للذكاء، والأذكياء، بل وللبقاء في السلطة، تجتهد بـ"غباء" للتشجيع على فرض "الغباء" وبحجم صناعي على شعوبها المقهورة، وبالمقارنة فإن تكلفة إدارة "تشات جي بي تي" وصلت في 2024 ما يقارب 7 مليارات دولار، وهو رقم مذهل.
النجاح السريع للشركة الصينية، حيث وصل تطبيق الهاتف المجاني الذي يحمل اسم الشركة نفسها (DeepSeek) إلى صدارة قوائم التنزيل على متجر "آبل"، متفوقا على تطبيق "تشات جي بي تي" من "أوبن إي آي" المدفوع، في ظرف عشرة أيام، كان له مفعول تسونامي. وقد أدى ذلك إلى انهيار في أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية في وول ستريت في بداية تداولات الأسبوع، يوم الاثنين الماضي، حيث تعرضت شركة “انفيديا” الأمريكية لخسارة تاريخية، حيث فقدت نحو 600 مليار دولار من قيمتها السوقية مع تراجع أسهمها بنحو 17%، ليصبح أكبر هبوط لسهم شركة بيوم واحد في تاريخ سوق الأسهم الأمريكية. وانخفض مؤشر "ناسداك 100"، الخاصة بشركات التكنولوجيا الأمريكية، بنسبة 3 بالمئة، الاثنين الماضي، وهو أكبر انخفاض في 6 أسابيع، مما تركه ثابتًا تقريبًا لهذا العام وقيمته أقل بنحو تريليون دولار عما كانت عليه عند إغلاق البورصة، الجمعة، أي قبلها بيومين.
ترامب يعلق على "الصدمة الكبيرة"
وبعد هذه الصدمة الكبيرة اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يومها، أن نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني منخفض التكلفة “ديب سيك” هو بمثابة “جرس إنذار” للشركات الأمريكية.
واعتبر ترامب خلال مؤتمر للحزب جمهوري في ميامي، أن هذه الصدمة قد تكون أيضا “إيجابية” بالنسبة للسيليكون فالي لتدفعه إلى الابتكار بتكلفة أقل، مشيرا إلى أنه “بدلا من إنفاق المليارات والمليارات، ستنفق أقل على أمل أن تصل إلى الحل نفسه".
وبحسب بيانات "ديب سيك" الصينية فقد تأسست برأس مال يبلغ 10 ملايين يوان (نحو مليون و400 ألف دولار) عام 2023، وتقدّر تكلفة نموذجها للذكاء الاصطناعي بنحو 5.6 ملايين دولار، وهو رقم أقل بكثير مقارنة بنفقات عملاق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة "إنفيديا"، التي تتراوح بين 100 مليون دولار إلى مليار دولار.
وقد أسس شركة "ديب سيك" ليانغ ونفنغ، البالغ من العمر 39 عاما، وقد تخصص في هندسة الإلكترونيات والاتصالات قبل الحصول على درجة الماجستير في هندسة المعلومات والاتصالات، ومعظم موظفي شركة "ديب سيك" اليوم هم من الخريجين وطلاب الدكتوراه من أفضل الجامعات في الصينية.
وإلى جانب تكلفته الزهيدة فإن تطبيق "ديب سيك"، يقدم كبديل متطور ومجاني للتطبيقات الأمريكية المماثلة المدفوعة مثل "تشات جي بي تي"، كما أنه يقدم محتوى مفتوحا عكس المحتوى المغلق للتطبيقات الأمريكية.
ووصف سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" (مالكة "تشات جي بي تي")، الإثنين الماضي، نموذج "ديب سيك" بأنه "مذهل، وخاصة فيما يقدمونه مقابل السعر".
بالتزامن، وحتى قبل تسلم ترامب السلطة مجددا، و في ما بدا ردا صينيا مدروسا من حيث التوقيت والمحتوى، على ترامب وأمريكا، أطلقت شركة "ديب سيك" الصينية الناشئة، في 10 يناير الجاري، نموذجا جديدا للذكاء الاصطناعي يشبه، بل ويتفوق على "تشات جي بي تي" و"جيميناي" واستدرك: "لكننا متحمسون بشكل أساسي لمواصلة تنفيذ خريطة الطريق الخاصة بنا بشأن البحث، ونعتقد أن زيادة (القدرة) الحاسوبية باتت أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى حتى ننجح في مهمتنا".
هذا الوعد الذي قطعه ألتمان على نفسه، في سياق مشروع ترامب للتفوق الأمريكي في الذكاء الاصطناعي، يزيد من احتمالات "حرب" غير مسبوقة بين بكين وواشنطن في هذا المجال الحساس بأبعاده الاقتصادية (التريليونية) وحتى السياسية.
لكن اللافت أنه بعد يومين فقط من كلام ألتمان اتهمت شركته "أوبن إيه آي" شركات صينية ( بينها ديب سيك) وغيرها بمحاولة نسخ نموذجها للذكاء الاصطناعي، داعية إلى تعزيز التعاون مع السلطات الأمريكية واتخاذ تدابير أمنية.
ورأت "أوبن إيه آي" أن المنافسين استخدموا عملية تسمى تقطير المعرفة وتشمل نقل المعرفة من نموذج كبير مُدرّب إلى نموذج أصغر، بالطريقة نفسها التي ينقل بها المعلم المعرفة إلى طلابه.
وقال ديفيد ساكس، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في إدارة الرئيس دونالد ترامب، لقناة فوكس نيوز إن "هناك أدلة واضحة جدا على أن ديب سيك استخلصت المعرفة من نماذج أوبن إيه آي".
وتطرح هذه اللغة الأمريكية سيناريوهات مفتوحة على كافة الاحتمالات بين بكين وإدارة ترامب الجديدة، خاصة مع خطاب الأخير الملوح بـ"عصا" العقوبات الاقتصادية ضد الصين.
لكن يبدو أن ما قامت به شركة "ديب سيك"، وإعلان شركة “علي بابا" الصينية هي الأخرى تطبيقا أكثر تطورا للذكاء الاصطناعي يعطي هامشا كبيرا للصين للتحرك في هذا المجال وسط مشهد أمريكي وعالمي متأرجح على وقع تصريحات و"خرجات" ترامب كذلك.
الأكيد أن العالم مقبل على "حرب مفتوحة كل الضربات والمعارك فيها مسموحة" بأسلحة "الذكاء الاصطناعي" ولا مكان فيها لأنظمة غبية معادية للذكاء، والأذكياء، بل وللبقاء في السلطة، تجتهد بـ"غباء" للتشجيع على فرض "الغباء" وبحجم صناعي على شعوبها المقهورة، بتواطؤ وتبرير من نخب، أو بالأحرى "نكب متذاكية"، وتطرد أو تهجر أو تسجن في المقابل الأذكياء فقط لأنهم يقولون لا لحكم الغباء والأغبياء الوبال على البلدان!
*كاتب جزائري مقيم في لندن