ما زالت معركة طوفان الأقصى تمدّ ظلالها على البعدين الإقليمي والدولي، وجاءت نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية مطلع هذا الأسبوع امتدادا لهذه الظلال التي تشكّل معها تغيرٌ كبير في وعي الناخب الفرنسي تجاه القضية الفلسطينية، وإدراك لتهافت السردية التي روجها الاحتلال الإسرائيلي طويلا.

بدأت القصة في التاسع من يونيو/حزيران الماضي، عندما حلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعية الوطنية تمهيدا لإجراء انتخابات مبكرة، وكان الهدف حصول حزبه (النهضة) على الأغلبية التي تتيح له تنفيذ برنامجه السياسي دون الحاجة إلى التحالف مع أحزاب أخرى.

ومع بدء الحملات الانتخابية، خرجت استطلاعات رأي كثيرة ترشح حزب "التجمع الوطني" الذي يمثل تيار "أقصى اليمين" بقيادة مارين لوبان لفوزه بالأغلبية في هذه الانتخابات؛ انسجاما مع هيمنة هذا التيار على انتخابات مماثلة في الاتحاد الأوروبي، وعلى إخفاقات القيادة السياسية في فرنسا في العديد من الأزمات، على حد قول أنصار هذا التيار.

المفاجأة الأولى

وبالفعل، جاءت نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات الفرنسية التي جرت في 30 يونيو/حزيران الماضي حاملة أولى المفاجآت بحصول "أقصى اليمين" على المرتبة الأولى بـ29.5% من عدد الأصوات.

وفي مقابلة خاصة مع الجزيرة نت، يُرجع رئيس الأكاديمية الدولية للحقوق والتنمية بباريس كمال العيفي أسباب تقدم تيار أقصى اليمين في المرحلة الأولى من الانتخابات الفرنسية إلى ما يلي:

أولا- الشحن "اليميني المتطرف" ضد المسلمين والأفارقة والمهاجرين قبل الانتخابات الفرنسية وفي عموم أوروبا. ثانيا- فشل منظومة الرئيس الفرنسي في خفض الأسعار وحل العديد من المشاكل الاجتماعية. ثالثا- السياسة الخارجية لفرنسا في توجهها "بقوة جامحة" نحو الحرب في أوكرانيا، وضد روسيا. رابعا- معاقبة ماكرون باللعب على ورقة الأمن الداخلي والوطنية والمحافظة على الكيان الفرنسي ضد الكيانات الأخرى.

وفي العمق من ذلك، يرى رئيس المجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية ماجد الزير أن الانتخابات الفرنسية الأخيرة تعد امتدادا لمعركة وجودية في ما يتعلق بهوية فرنسا؛ لكثرة الأعراق وعددها الهائل داخل البلاد، وفي ما يتعلق بالمهاجرين والسياسة الخارجية، خاصة مع تموضع فرنسا في قلب السياسة الدولية.

الانتخابات التشريعية الفرنسية شهدت تقلبات حادة في دورتيها الأولى والثانية (الفرنسية) المفاجأة الثانية

لكن أفراح أقصى اليمين الفرنسي لم تدم طويلا، وحدثت المفاجأة الثانية بتصدر تحالف اليسار نتائج الانتخابات، وجاء في المرتبة الثانية تحالف الوسط (معا من أجل الجمهورية) المدعوم من الرئيس الفرنسي، ثم حل ثالثا تيار أقصى اليمين.

وهذا التغير المفاجئ في توجهات الناخب الفرنسي وقفت وراءه أسباب جوهرية في صلب البرنامج الانتخابي الذي أعلنه القادة المنتمون إلى اليسار، ويرصد الدكتور العيفي التحركات التي قام بها هذا التحالف خلال فترة لا تتجاوز ساعات قبيل الدورة الثانية من الانتخابات، ومن ذلك:

أولا- تجمع كل تيارات اليسار في تكتل واحد حمل اسم "الجبهة الشعبية الجديدة"، في محاولة لإنهاء حالة التشرذم التي كان عليها هذا التيار في الدورة الأولى من الانتخابات.

ثانيا- نجاح هذا التيار في وضع برنامج قابل للتطبيق يقوم عليه مجموعة من الأعضاء البارزين في السياسة الفرنسية، وتتكامل فيه مصادر تمويله مع المصارف التي تنفق فيه الميزانية العامة للدولة، وبالتالي كان مقنعا ومقبولا لدى الناخب الفرنسي.

غزة وصندوق الانتخابات

عقدت الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية في السابع من يوليو/تموز الجاري، أي بعد بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بـ9 أشهر كاملة، ولا يمكن استبعاد تأثير هذا العدوان على انتخابات البرلمان الأوروبي عامة وانتخابات فرنسا تحديدا.

وبحكم موقعه في المجلس الأوروبي الفلسطيني، يرى ماجد الزير -في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت- أن تأثير الحرب على غزة مرّ بمرحلتين في فرنسا:

الأولى: بدأت بموقف منحاز أوروبيا على نحو جمعي، وفي فرنسا جاء في شكل دعم عسكري وغطاء سياسي لا محدودين، بالإضافة إلى ضرب أي مظهر من مظاهر التأييد للصوت الفلسطيني. الثانية: تمثلت في حراك ميداني في كل شوارع وحواضر أوروبا، على مدى الشهور التسعة الماضية، ثم تطور الموقف إلى بيئة قانونية في لاهاي، مما أحدث شيئا من التغيير في مواقف بعض الدول، ومنها فرنسا التي اختلف فيها موقف الرئيس من الحرب على غزة حاليا عما كان عليه في بدايتها.

وتأخذ مناصرة القضية الفلسطينية بعدا آخر من وجهة نظر رئيس الأكاديمية الدولية للحقوق والتنمية بباريس، إذ يرى أن الإعلانات التي تحدثت عنها الجبهة الشعبية الجديدة في فرنسا بعد ظهور نتائج الانتخابات تقول إن أهم ما ستقوم به في السياسة الخارجية هو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وأضاف أن المسألة الفلسطينية كانت حاضرة وبقوة في برنامج اليسار الفرنسي الانتخابي، سواء في الشعارات والأعلام المرفوعة أو مظاهر الاحتفالات بالتقدم الانتخابي، لذلك لم تعد فلسطين قضية نخبوية بل أصبح لها حضور شعبي.

الحراك الشعبي المؤيد لفلسطين في فرنسا وعموم أوروبا غيّر كثيرا في آراء السياسيين (الجزيرة) السردية الإسرائيلية

جاء الحضور الشعبي للقضية الفلسطينية واكتسابها زخما جديدا منذ بدء طوفان الأقصى على حساب السردية التي روجتها إسرائيل طويلا في الإعلام الغربي، وقد يعود ذلك إلى أسباب أساسية:

أولا- وسائل الإعلام نقلت الصور في بث مباشر من ميدان المعارك إلى جموع المشاهدين، ورأى العالم حجم القتل والدمار الذي تعرض له الفلسطينيون، وأدرك زيف الرواية الإسرائيلية التي حاولت تضليل العالم عما ترتكبه من إبادة جماعية في غزة، حسب ما يقول الزير. ثانيا- الحراك الجماهيري اليومي الذي ضغط على القادة السياسيين من أجل اتخاذ مواقف تنسجم مع القناعات والمطالب الشعبية، ثم تحولت هذه القناعات إلى سياسات حزبية تدخل في صلب العملية الانتخابية، حسب العيفي.

وشهدت فرنسا انتخابات تشريعية على مرحلتين؛ جرت الأولى في 30 يونيو/حزيران الماضي، وتقدم فيها تحالف أقصى اليمين كما كان توقعت استطلاعات الرأي، لكن يوم السابع من يوليو/تموز الجاري عُقدت الجولة الثانية من هذه الانتخابات، وتصدر فيها تيار اليسار، في مفاجأة تعد "مدوية وغير متوقعة" في الوسط السياسي الفرنسي، ولكنه لم يحقق الأغلبية التي تؤهله لتشكيل الحكومة منفردا، في انتظار مفاوضات بين الأحزاب المختلفة من أجل تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الانتخابات الفرنسیة من الانتخابات أقصى الیمین هذا التیار فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

وكالة الأنباء تكشف الحقيقة بالأرقام وتضع حدا للنفاق الفرنسي 

حمل مقال لوكالة الأنباء الجزائرية كلمات قوية، تضمنت في طياتها حقائق بالأرقام، حول الإتهامات الباطلة، لفرنسا ويمينها المتطرف، للجزائر، بخصوص الإستفادة من مساعدات فرنسية مزعومة وعدم احترام الاتفاقات الثنائية الموقعة بين البلدين.

وقالت وكالة الأنباء، بأن برونو ريتايو، أعاد تكرار هذه الخطاب الكاذب، دون أن يذكر نقطة أساسية. إذا كان هناك بلد يستفيد فعليًا من العلاقات الثنائية، فهو فرنسا.

في الأسبوع الماضي، استدعت وزارة الشؤون الخارجية، سفير فرنسا في الجزائر، ستيفان روما، لعرض ملف ظل طويلاً مهملًا من قبل باريس. وهو ملف الممتلكات العقارية التي تحتلها فرنسا في الجزائر. والذي يكشف عن تفاوت كبير في المعاملة بين البلدين.

في الواقع، تحتل فرنسا 61 عقارًا على الأراضي الجزائرية، مقابل إيجارات زهيدة جدًا. من بين هذه الممتلكات، نجد مقر السفارة الفرنسية في الجزائر الذي يمتد على 14 هكتارًا (140.000 متر مربع). ويبلغ إيجاره مبلغًا ضئيلًا جدًا لا يكاد يغطي إيجار غرفة صغيرة في باريس.

كما أن مقر إقامة السفير الفرنسي، المعروف باسم “زيتون”، يمتد على 4 هكتارات (40.000 متر مربع) ويُؤجر بمبلغ رمزي. حيث لم يتغير عقد الإيجار منذ عام 1962 وحتى أوت 2023. هذه التسهيلات التي لم تمنحها فرنسا للجزائر على أراضيها!.

العديد من الاتفاقات الثنائية تتيح لفرنسا الاستفادة من امتيازات كبيرة في الجزائر. أحد الأمثلة الأكثر وضوحًا هو اتفاق 1968، الذي ينظم وضعية الجزائريين في فرنسا ويمنحهم نظامًا هجريا خاصًا مقارنة ببقية الجنسيات. على الرغم من أن باريس لا تتوقف عن انتقاد هذا الاتفاق، فإنها تتغاضى عن الفوائد التي تجنيها منه، خاصة من خلال اليد العاملة الجزائرية التي ساهمت بشكل كبير في إعادة بناء وازدهار الاقتصاد الفرنسي. من ناحية أخرى، لا تستفيد الجزائر من أي امتياز مشابه في فرنسا.

ومثال آخر بارز هو اتفاق 1994، الذي ينظم جوانب التعاون بين البلدين، خاصة في مجالات التجارة والاستثمارات. في الواقع، سمح هذا الاتفاق للشركات الفرنسية بالحصول على شروط ميسرة للغاية للعمل في الجزائر، بينما تم تقليص الفرص أمام الشركات الجزائرية في فرنسا. مرة أخرى، الفائدة أحادية الجانب وتصب لصالح الاقتصاد الفرنسي.

إذا كانت فرنسا ترغب في فتح نقاش حول المعاملة بالمثل واحترام الالتزامات الموقعة. فإن من المفيد أن نرى أي من البلدين، الجزائر أو فرنسا، هو الذي استفاد أكثر من هذه الاتفاقات وأي منهما لم يحترم التزاماته.

لقد حان الوقت لوقف النفاق وكشف الحقيقة. الجزائر لم تكن المستفيد الرئيسي من هذه العلاقة، بل كانت فرنسا هي التي استفادت على مدى عقود من كل اتفاق لصالحها. وإذا كانت فرنسا ترغب في مطالبة الجزائر بالمساءلة اليوم، فعليها أولاً أن تُحاسب نفسها.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • الإطار التنسيقي يراهن على القوائم المتفرقة في انتخابات النواب
  • «تيته» تبحث مع السفير الفرنسي التحديات «السياسية والاقتصادية والأمنية»
  • زلزال سياسي مرتقب.. انتخابات البرلمان المقبلة ستغير موازين القوى
  • زلزال سياسي مرتقب.. انتخابات البرلمان المقبلة ستغير موازين القوى - عاجل
  • ‏سباق مع الزمن.. المال السياسي يثير القلق مع اقتراب الانتخابات
  • محمد رجب يحسم جدل زواجه ويفجر مفاجآت للمرة الأولى!
  • العرادي: مبادرة اللافي لن تنجح دون القضاء على المال الفاسد وسطوة المليشيات
  • تقرير رسمي: المغاربة رابع أكثر شعوب العالم تحدثاً باللغة الفرنسية
  • وكالة الأنباء تكشف الحقيقة بالأرقام وتضع حدا للنفاق الفرنسي 
  • القانونية البرلمانية: لا يوجد توجه لتعديل قانون الانتخابات