الجزيرة:
2025-01-28@02:19:40 GMT

منطقة الرعب الآمنة في غزة

تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT

منطقة الرعب الآمنة في غزة

الهجمات المستمرة على "المواصي" وغيرها من المناطق التي تدعَى "آمنة" توضح أن نية إسرائيل ليست فقط القضاء على حركة حماس، بل القضاء على الوجود الفلسطينيّ بالكامل. كانت "المواصي" مكانًا جميلًا استثنائيًا على ساحل قطاع غزة، بشاطئ يمتد حوالي 12 كيلومترًا بين خان يونس ورفح، مع كثبانه الرملية الذهبية المتموجة، ومناظره الطبيعية الخلابة.

لقد كان مكانًا مفضلًا للعائلات.

لكن "المواصي"، هذا المكان الشاطئي الهادئ، لم يعد موجودًا. فقد حوّلتها الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل من منطقة للترفيه إلى منطقة للرعب الذي لا ينتهي. في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، عندما أمطرت الطائرات الإسرائيلية قطاع غزة بالقنابل والصواريخ، صنفت قوات الاحتلال الإسرائيلي "المواصي" بأنها "منطقة آمنة"، يمكن للمدنيين الفلسطينيين الفارين من العدوان أن يلجؤوا إليها، وادّعى القادة الإسرائيليون لاحقًا أنهم يعتبرونها "منطقة آمنة دائمة".

لكن بسبب عدم وجود أي بنية تحتية تقريبًا في "المواصي"، حذّرت الوكالات الإنسانية من أنها مكان غير مناسب لإقامة مخيم للنازحين. إلا أن مئات الآلاف من الفلسطينيين الفارين من مدينة غزة، ومن خان يونس، ومن رفح تدفقوا إليها، وأقاموا ملاجئ مرتجلة بأغطية من البلاستيك والبطانيات كي تحمي كرامة أسرهم. عاش أهل المخيم هناك حياة بائسة مليئة بالجوع والمرض والعطش.

وسرعان ما أصبح من الواضح أن "المنطقة الآمنة الدائمة" ليست آمنة على الإطلاق. ففي فبراير/شباط، هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي "المواصي"، بما في ذلك منزل موظفي منظمة أطباء بلا حدود، وأفراد أسرهم الآمن، مما أسفر عن مقتل شخصين، وإصابة ستة، بينهم نساء وأطفال. وفي أواخر مايو/أيار، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي المنطقة مرة أخرى، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 21 فلسطينيًا، من بينهم 12 امرأة، وذلك بعد أيام قليلة من أمر محكمة العدل الدولية لإسرائيل بوقف الإبادة الجماعية في رفح.

وفي 21 يونيو/حزيران، هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي "المواصي" مرة أخرى، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 25 فلسطينيًا وإصابة 50 آخرين. هذه مجرد أمثلة قليلة على الهجمات المستمرة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي لم تعرها وسائل الإعلام الغربية سوى القليل من الاهتمام، ولم تقدم سوى القليل من التفاصيل عنها، متجاوزة النفي الإسرائيلي.

شهادات حية

وفي 27 يونيو/حزيران، استيقظت على رسالة من طبيب من عائلتي، كاد قلبي يتوقف وأنا أقرأ وصفه لهجوم آخر على "المواصي"، استهدفت قوات الاحتلال خلاله هذه المرّة منطقة الشاكوش والمنتزهات الإقليمية. "هذه المناطق مليئة بالنازحين والخيام والعُرُش والملاجئ المؤقتة. الناس يعيشون فوق بعضهم البعض"، تصف الرسالة: "دخلت الدبابات دون سابق إنذار ودهست بعض الخيام وفتحت النار بشكل عشوائي. رأيت الناس يفرون في رعب. تمكن البعض من أخذ بعض متعلقاتهم الشخصية، في حين غادر آخرون بلا شيء. هربوا للنجاة بحياتهم".

وأضافت: "كثيرون كانوا منبطحين تفاديًا لإطلاق النار. دخل آخرون في أي ملجأ متاح، بينما جلس البعض في الشارع، في انتظار انتهاء ما بدا وكأنه كابوس لا نهاية له". وتابعت الرسالة: "اليوم ذهبت إلى المستشفى وشاهدت عددًا كبيرًا من المصابين من تلك المنطقة. هذه العملية المتواصلة لمطاردة الناس واضطهادهم وصيدهم من مكان إلى آخر على غرار اصطياد الوحوش لفرائسها أمر يتجاوز فهمي".

وفي اليوم التالي، حصلت على شهادة طبيب آخر كان قد شهد أيضًا ما حدث في الشاكوش. كان عائدًا من مناوبته في المستشفى عندما بدأت الدبابات الإسرائيلية تتقدم من جهات مختلفة، وهي تطلق النار بشكل عشوائي دون أي إنذار. ركض لإنقاذ عائلته، وتمكن من إخراجهم. اندلع الحريق وحول المشهد إلى جحيم حقيقي.

وفي حالة الذعر، ترك الناس جميع ممتلكاتهم، بل وعجل بعضهم وفروا مذعورين ذاهلين عن أطفالهم قبل أن يسارعوا عائدين إليهم. وأثناء الجري، كان الطبيب يساعد الناس في تحميل الموتى والجرحى على عربات تجرها الحمير، لكنه لم يتمكن من تقديم أي مساعدة طبية. ومثل الآخرين، ركض للنجاة بحياته وحياة عائلته. وبمجرد وصولهم إلى ما اعتقدوا أنه مكان آمن، فقدت زوجته الوعي من الرعب.

وأفادت الأمم المتحدة بسقوط "عشرات الضحايا" ونزوح ما لا يقل عن 5000 شخص؛ بسبب الهجوم الإسرائيلي الجديد على "المواصي". وتحدثت مصادر طبية عن مقتل 11 شخصًا على الأقل وإصابة 40 آخرين.

بعد أيام قليلة من مجزرة "المواصي"، في الأوّل من يوليو/تموز، انتقل مشهد الدمار والرعب إلى الجزء الشرقي من مدينة خان يونس التي كانت من أجمل المناطق في قطاع غزة، وصدرت أوامر بإخلاء بلدات عبسان وبني سهيلة وخزاعة وحي الفخاري الذي يضم المستشفى الأوروبي.

وجاءت أوامر قوات الاحتلال في ساعات المساء، دون أن تترك أيّ وقت للأهالي لحزم أمتعتهم، ليواجهوا ضائقة شديدة وسط أنقاض منازلهم المدمرة وخيامهم المؤقتة، لدرجة أن أحد الأقارب وصف الأمر كما لو كانوا يعيشون "يوم القيامة".

وأجبرت قوات الاحتلال الإسرائيلي – وفقًا للأمم المتحدة- ربع مليون شخص على مغادرة خان يونس، واضطر المستشفى الأوروبي أيضًا للإخلاء، حيث تم نقل العديد من مرضاه من قِبل عائلاتهم إلى مستشفى ناصر المدمر، الذي كان هو الآخر مسرحًا لمذبحة وقعت مؤخرًا.

وفي عملية النزوح، التي تذكرنا بعمليات النزوح الجماعي السابقة في الأشهر التسعة الماضية، توافد الناس على "المواصي" عائدين بعد أن غادروها قبل أسابيع إلى أنقاض منازلهم في خان يونس؛ لإفساح المجال للأشخاص الفارين من رفح، وذلك بسبب ادّعاء قوات الاحتلال أن الوضع آمن لسكان رفح الفارين إلى هناك وكذلك إلى "المواصي".

وكما هو الحال مع كل نزوح، يتحمل الناس عذاب البحث عن أفراد الأسرة – أحياء أو أمواتًا – أثناء بحثهم عن مأوى مؤقت جديد، وتأمين المياه والغذاء والمراحيض وغيرها من الضروريات.

ووصف لي إخوتي وعائلاتهم، الذين نزحوا إلى "المواصي" منذ ديسمبر/كانون الأول، وجوه الأطفال والنساء والرجال والمرضى والمسنين المرتعبة، وهم يتجولون في الشوارع بلا هدف. واليوم، أُجبر تسعة من كل عشرة فلسطينيين في غزة على الفرار من منازلهم بحثًا عن الأمان، والانتقال من مكان إلى آخر، ومن خيمة إلى خيمة، ليتعرضوا للهجوم ويُجبروا على الفرار مرة أخرى. إن جميع سكان قطاع غزة، وأكثر من نصفهم أطفال، يتعرضون لمستويات من القسوة لا يمكن تصوّرها مع أنها حقيقية تمامًا.

حرب على البشر والشجر والحجر

إن الهجمات المنهجية والمستمرة على الفلسطينيين فيما يسمى "المناطق الآمنة"، إلى جانب تدمير بنيتهم التحتية، ليس لها أي معنى عسكري، ويبدو أنها تهدف فقط إلى قتل وترويع أكبر عدد ممكن من المدنيين. أخبرتني أختي أنهم الآن جميعًا ينتظرون الموت، وهم مستعدون نفسيًا لكل نوع من أنواع الموت، "لكن ربما الأقسى هو الموت من الظلم".

نعم، يموت الفلسطينيون بسبب القنابل الإسرائيلية والرصاص الإسرائيلي، ولكن أيضًا بسبب الشعور بالقمع. إنه ذلك الشعور الذي لا يطاق، الذي ينتابك عندما تشهد الإبادة الجماعية المستمرة ساعة بعد ساعة، وتعرف أن الدور عليك وعلى عائلتك قادم ولا تستطيع إيقافه. إنه الشعور الذي لا يحتمل عندما تسمع صرخات الجرحى يموتون من الألم، وترى أطفالًا بلا أطراف، وتعرف أنك لا تستطيع مساعدتهم. إنه شعور قاسٍ عندما تعلم أن العالم ظل يتفرج على الإبادة الجماعية تسعة أشهر دون أن يفعل شيئًا لوقفها.

ويعتقد الفلسطينيون أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدف إلى تدمير "البشر والحجر والشجر"، أي تدمير كل شيء. وبعد دخول الحرب شهرها العاشر، أصبح من الواضح أن هذا العدوان ليس ضد حركة حماس فقط، بل هو حرب شاملة على الوجود الفلسطيني.

وقد أكد خبراء حقوق الإنسان هذا الاستنتاج. وقالت المحامية الجنوب أفريقية عادلة هاشم لمحكمة العدل الدولية خلال جلسة استماع في يناير/كانون الثاني بشأن قضية الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل: "إن هذا القتل لا يقل عن تدمير حياة الفلسطينيين".

تقاعُس العالم الغربي وتواطؤه، وعدم إجراء تحقيق مناسب في هذه الجرائم، وتباطؤ الإجراءات في الهيئات الدولية، بما في ذلك تأخير إصدار مذكرات الاعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت في المحكمة الجنائية الدولية، كلها أمور تعكس تجاهلًا صارخًا للمساءلة والعدالة. إن الاستهداف المتعمد للحياة الفلسطينية ليس مجرد انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي فحسب، بل هو اعتداء على المبادئ والكرامة الإنسانية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الاحتلال الإسرائیلی الإبادة الجماعیة لا یقل عن خان یونس قطاع غزة عن مقتل

إقرأ أيضاً:

العدوان الإسرائيلي يعتقل خمسة مواطنين شمال سلفيت

استمرارا لجرائم الكيان الصهيوني المتواصلة،  فقد اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الليلة، خمسة مواطنين من قرية مردا، شمال سلفيت.

الخارجية القطرية: الجيش الإسرائيلي سيسمح بعودة النازحين إلى شمال غزة غد الإثنين الهلال الأحمر المصري يكشف تفاصيل انطلاق قافلة مساعدات إغاثية إلى غزة (فيديو)

وبحسب وكالة الانباء الفلسطينية "وفا"، فقد ذكرت مصادر محلية أن قوات الاحتلال اقتحمت القرية، وسط إطلاق قنابل الصوت، وداهمت عددا من المنازل، واعتقلت كلا من: إسماعيل سليمان، وسامر عصام سليمان، وحسن محمد سليمان، وعمر أيمن حماد، وفؤاد الخفش.

وتواصل قوات الاحتلال إغلاق مدخلي القرية الرئيسيين، ومنع المواطنين من الدخول إلى القرية أو الخروج منها بمركباتهم، وتلاحق كل من يحاول الخروج عبر الطرق الفرعية الترابية.

وتتعرض مردا لاعتداءات متكررة من قوات الاحتلال، تتمثل بإغلاق مداخلها الرئيسة والفرعية، والاقتحامات وتفتيش منازل المواطنين والاعتداء عليهم.

وقد استشهد الفتى آدم صب لبن (18 عاما) وأصيب مواطنان برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الأحد، قرب حاجز قلنديا العسكري، شمال القدس المحتلة.

وأعلنت وزارة الصحة، في بيان مقتضب، عن استشهاد فتى وإصابة مواطنين اثنين بجروح متوسطة، جراء إطلاق جنود الاحتلال النار عليهم عند حاجز قلنديا.

وذكرت مصادر محلية أن قوات الاحتلال المتمركزة في البرج العسكري المقام عند الحاجز أطلقت النار صوب مجموعة من المواطنين، ما أدى لاستشهاد الفتى صب لبن، وهو من بلدة كفر عقب شمال القدس، وإصابة اثنين آخرين في أطرافهما السفلية، جرى نقلهم إلى مجمع فلسطين الطبي في مدينة رام الله.

وقد أصيب عدد من المواطنين بحالات اختناق، مساء اليوم الأحد، جراء اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي قرية اللبن الشرقية، جنوب نابلس.

وأفادت مصادر محلية، بأن قوة من جيش الاحتلال اقتحمت القرية وأطلقت قنابل الصوت والغاز السام صوب المواطنين والمحال التجارية والمنازل وسط القرية وحارة البيادر، ما أدى إلى إصابة العديد من المواطنين بحالات اختناق، كما استولت على مركبتين.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال الإسرائيلي يوّسع عمليته العسكرية من جنين إلى طولكرم
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 20 فلسطينيًا من مدينة الخليل
  • بينهم 4 أطفال.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 20 فلسطينيًا من مدينة الخليل
  • العدوان الإسرائيلي يعتقل خمسة مواطنين شمال سلفيت
  • لبنان.. مقتل 15 وإصابة 83 في مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي
  • الاحتلال الإسرائيلي يطلق النار صوب أي فلسطيني يحاول الاقتراب من محور نتساريم
  • الضفة.. مقتل فلسطيني وإصابة 7 آخرين في اقتحامات واسعة للجيش الإسرائيلي
  • "القاهرة الإخبارية": الاحتلال الإسرائيلي يواصل مداهماته واعتقالاته في الضفة الغربية
  • بالرغم من وقف إطلاق النار.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تعيد الانتشار في جنوب لبنان
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يتمركز في عدة مناطق بجنوب لبنان