الجزيرة:
2024-07-26@17:42:54 GMT

السودان في مواجهة اختبار حروب الجيل الرابع

تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT

السودان في مواجهة اختبار حروب الجيل الرابع

ترتكب قيادات الجيش والقوى السياسية السودانية خطأ إن اعتقدت أنّ الحرب التي يواجهها السودان حربٌ بين طرفين أو جنرالين، كما تختزل بعض المجموعات السياسية الحرب في السودان. ولكن بالواقع الميداني والزمني – والحرب في عامها الثاني – أخذت نمطا جديدا غير معهود في المنطقة، والذي تم اختباره في ليبيا، لكن سرعان ما أوقفته القوى الدولية التي تتشابك مصالحها وتتقاطع في الهلال النفطي الليبي.

تفاقم الأزمات وفقدان النفوذ

ودارت حلبة الصراع في السودان مستهدفة بنى الدولة من الداخل دون الحاجة إلى تدخل خارجي، وانتشار نوع جديد من القتال لا ساحات محددة له. اندلعت الحرب في شهورها الأولى بهدف إخضاع الجيش السوداني، لقوّة شبه عسكرية هي الدعم السريع التي خططت لتحطيم قدرات المؤسسة العسكرية، وإنهاكها بعد فشل عملية الإخضاع الأولى.

فضلا عن العمل على إصابة جسد الدولة الهش بالشلل الجزئي، فقد تآكلت بنية الدولة وتدهورت مركزيتها مع بروز حالات جديدة من الولاءات تقاسمها جنرالات الحرب والقوى السياسية المتشظّية بعد التغيير السياسي الذي حدث في ظلّ ضعف التجانس القومي المعقّد، مما شكّل عائقا أمام كل محاولات التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فوُضعت الدولة في قالب الهندسة الجديد، وأصبحت حقلا خصبا للتجارب التي تجعل المواطن جنديا في جيش عدوّه .

أنهت حرب الجيل الرابع في السودان احتكار الدولة للعنف، والسياسات الموجهة تجاه مواطنيها، مع العمل الممنهج لإفقاد ثقتهم بها، وإضعاف نفوذها بتفاقم الأزمات التي تلاحقها، والاستقطاب الحادّ بين مكوناتها الإثنية والجغرافية، وسيولة النسق المجتمعي بقيادة حروب الوكالة من المجموعات المحلية ضد الدولة المركزية ومواردها.

وتمثّل الدعم السريع نموذجا مثاليا لذلك بممارساتها العنيفة، وسط صمت دولي محيّر، مقارنة بما تمّ في حرب دارفور الأولى والتي حشدت كل الآلة الدولية، مع كثافة في القرارات والجلسات والنداءات واللجان والمبعوثين، والتظاهرات التي قادت إلى اصطفاف الضمير العالميّ.

لقد تضاءلت في هذه الحرب الفروقات بين المقاتلين والمدنيين، وصعوبة التمييز بين ميدان الحرب، وميادين السياسة، واستخدام الشعارات السياسية التي ترفع على أسنّة بنادق قوات الدعم السريع، والبحث المزعوم عن الديمقراطية وسط أشلاء المدنيين، بدلا عن أصواتهم، إضافة إلى التدخلات الخارجية تحت ستار بعثات دولية وأممية والتي عملت طويلا لهندسة مشروعها في السودان، وجعله واقعا قسريا لفرض الأجندات الجديدة.

بيدَ أنها وجدت مقاومة شرسة اضطرتها إلى حزم حقائبها في رحلة العودة والتي أعلنت بوضوح انطلاق الرصاصة الأولى للحرب، حيث عبّر عن ذلك مندوب مشروعهم الذي اختُزل في عبارة: (إما الاتفاق الإطاري، أو الحرب).

أعداء جدد

ومنذ انطلاق الرصاصة الأولى للحرب، كانت مقرات الجيش السوداني وأسلحته المركزية في الخرطوم ومواقعه الإستراتيجية، ومراكز الاتصالات وأجهزة الإعلام، والمقار الحكومية المختلفة في مرمى نيران قوات الدعم السريع، مع تدمير منظومة الصناعات الدفاعية التي استطاعت أن تحقق نجاحات كبيرة في مجال الصناعات العسكرية.

وهذا أكسب الجيش السوداني أعداء جددا في أسواق السلاح المحتكرة للشركات الغربية، فبدأت الحملات مبكرا على مؤسسات التصنيع الحربي بتفكيك شركات الجيش، وانتهت بالتدمير الكامل.

ولأن قوات الدعم السريع لا تمتلك قيادة عسكرية مؤهلة لهذا النمط من الحروب، حيث يقودها ضباط لم يتلقوا تعليما نظاميا، ابتداء من قائدها، فقد انتشرت الحرب في مساحات واسعة معتمدة على شبكات جديدة من المقاتلين والحركات المسلحة في المنطقة مثل مجموعات فاكت، وحركة مظلوم التشاديتين، والسليكا في أفريقيا الوسطى، ومليشيات النوير في جنوب السودان.

كما أنها أطلقت الجنائيين في السجون من متعاطي المخدِّرات والمحجوزين في قضايا جنائية أخرى، وحفزت الفزع القبلي بعد استقطاب زعماء بعض القبائل، عبر حملات وأدوات التأثير الاجتماعي والنفسي الموجه إلى المكونات المختلفة عبر الأذرع التي أنشأتها من منظمات ومراكز ومؤسسات رأي عام منذ وقت مبكر، مما أكسبها مزايا غير متماثلة مع الجيش، فاستطاعت تعويض الفارق في بنية تكوين قواتها وتأهيلها، والتي يغلب عليها طابع المليشيا لا الجيش النظامي المنضبط.

أدارت قوات الدعم السريع معاركها باللامركزية متجاوزة الأشكال الهرمية، موظفة شبكات ممتدة من المناطق التي دخلتها ومستخدمة تكتيكات غير عسكرية في الانتشار غير المرشد، مستهدفة زعزعة استقرار المجتمعات، فاضطر ملايين المواطنين إلى النزوح؛ حفاظًا على أرواحهم وأعراضهم. ولكنها تكتيكات كانت معززة لأهداف الحرب الجديدة في صناعة صورتها الذهنية التي تجعل الجميع يهربون أمامها، ويتركون أرضهم من أجل مستوطنين جدد.

ثقافة الغنائم

لقد عززت حرب الدعم السريع بالوكالة من إستراتيجيات الإعلام والمعلومات والمصادر المفتوحة، وتشجيع ثقافة الغنائم والنهب دون الحاجة إلى إمداد لقواتها أو رواتب نظامية، فانضمّ إليها الآلاف، مما أدّى إلى إفقار المجتمعات المحلية، وتعقيد موقف الجيش في المناورة، وتشكيل جبهات ضغط نفسي من المواطنين على قيادة الجيش لحمايتهم في رقعة جغرافية تحتاج إلى آليات لا تتوفر للمؤسَّسة العسكرية.

إن استهداف التجمعات المدنية لا يهدف إلى تحقيق نصر عسكري، ولكنه يأتي ضمن الحرب النفسية التي تعمل على تقويض استقرار الدولة وسلطاتها والطعن في شرعية الحكومة الضعيفة الغائبة، وهزّ صورة قائد الجيش وإظهاره بمظهر العاجز عن حماية مواطنيه.

دمّرت الحرب البنى التحتية والمصارف والمؤسسات وحقول النفط، وجعلت الدعم السريع أكبر تجمعاتها في مصفاة النفط في الخرطوم منذ اليوم الأوّل، وقام شركاؤها بتعطيل سلاسل الإمداد التي تزوّد الجيش بالمعدات، وفرض عقوبات على منظوماته الاقتصادية، مع عقوبات رمزية غير متكافئة على شركات الدعم السريع التي تعمل في مجال التحويلات المالية، أو تجارة الذهب.

وهي عقوبات لا تخلو من غرض، متحاشيةً دولًا ومجموعات ظلت تدعم مشروع التمرد بالأسلحة وتجنيد المقاتلين، في مفارقة دولية واضحة، حين فرض شركاء الدعم السريع حصارًا غير معلن على السودان والجيش، فجمّدوا عضويته في الاتحاد الأفريقي، واستقبلوا "حميدتي" ببروتوكولات رسمية.

كما تم احتواء جيران السودان بحوافز جديدة ومشروعات اقتصادية، واستخدمت وسائل المنظمات الدولية في الحصار تارة بالتحايل، وتارة بالتشبيك والضغوط والترهيب، وحين توصلت قيادة الجيش لاتفاق مع روسيا لمحطة التزوّد في البحر الأحمر، تزايدت الضغوط من خلال الأوضاع الإنسانية، وفتح مسارات التدخل الأجنبي عبر الحوار لتكرار سيناريو شريان الحياة الذي كان يعمل على إمداد التمرّد في جنوب السودان تحت غطاء المساعدات الإنسانيّة.

واقع جديد

اختبار حرب الجيل الرابع في السودان، ركّز الفاعلون فيها على أن تكون طويلة ومعقدة حسبما صرّح به نافذون في قوى عظمى؛ لتفقد الدولة السودانية القدرة على إدارة شؤون مواطنيها، مما يفقدهم الثقة بها ويجعل قياداتها ترضخ بالقبول بالهندسة القادمة للمنطقة بعد المتغيرات الجديدة في مناطق الساحل الأفريقي، وهشاشة الداخل الإثيوبي، واهتزاز الدولة في جنوب السودان، وغيابها في أفريقيا الوسطى، ومهددات الأوضاع في تشاد.

ولكلّ ما سبق، سيتم فرض واقع يحقّق المصالح التي قامت من أجلها عمليات التغيير والحرب التي أفضت إلى واقع أكثر هشاشة ومأساوية وفشلًا، وإرغام الجميع على القبول بالتشكيل الجديد وَفق معادلات جديدة، ستكون الدعم السريع وقيادتها من ضحاياها، والخاسر الأكبر في حربٍ لم تكن إلا أداتها البشعة التي حققت تآكل إرادة الخصم بدلًا عن انتصاره أو هزيمته في معركة لم يكن مستعدًا لها، ولم يعرف جنرالاته طرقها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الدعم السریع فی السودان الحرب فی

إقرأ أيضاً:

تحترب الخرطوم وجوبا تدفع الثمن

الرأي اليوم

صلاح جلال

تحترب الخرطوم وجوبا تدفع الثمن

(1)

????* الحرب الدائرة فى السودان تعتبر مهدد للسلم والأمن الإقليمى*، تعانى بسببها كل دول الجِوار من آثار اللجوء وعبور الحدود وأحياناً عبور المحاربين أنفسهم فى حالات الهزيمة، كما تأثرت التجارة البينية بين السودان ودول الجوار وزادت تكلفة أمن الحدود ومراقبتها فى كل دول الجوار، لكن دولة جنوب السودان الشقيق من واقع مفهوم الاعتماد المتبادل مع جمهورية السودان تدفع فاتورة أعلى من بقية الجيران للارتباط العضوى بين أمن الدولتين وتداخل البنيات الأساسية خاصة فى مجال الطاقة، *حرب الخرطوم تنعكس على  كافة مفاصل الأمن  القومى لجوبا*  فقد تأثر جنوب السودان نتيجة للحرب بتدهور مصدر دخله الأساسى فى تصدير النفط الذى يمر عبر الأنبوب إلى ميناء التصدير فى بشائر على البحر الأحمر من خلال اتفاق تدفع بموجبه دولة جنوب السودان رسوم عبور على كل  برميل من الصادر، وهناك اتفاقيات لتغذية مصفاة السودان ومحطة توليد الكهرباء فى أم دباكر من نفط الجنوب، هذه الحالة جعلت من جنوب السودان كالقط السيامى الملتصق مع شقيقه جمهورية السودان بقلب واحد فأصبح مواطن الجنوب شريك ألم الشمال، هذا ما يجب أن نضعه فى الإعتبار لوقف هذه الحرب الجائرة وربط كفاح الدولتين من أجل المستقبل لشعب واحد .

(2)

???? لقد طالعنا عبر  الصحف الإليكترونية *عن أنباء توقف ضخ بترول الجنوب إلى ميناء الصادر* وتفكير دولة جنوب السودان فى بحث بدائل لنقل بترولها للسوق العالمى من خلال بناء أنبوب صادر بديل عبر شرق أفريقيا ورأى آخر يتحدث عن عدم جدوى هذا الأنبوب ويقترح إيقاف تصدير النفط كلياً لحين وقف الحرب فى الشمال وما يسببه ذلك من تحديات لاقتصاد الجنوب والطريق الثالث بحث توقيع اتفاق مع طرفى الحرب للسماح لبترول الجنوب بالمرور مقابل قسمة موارد العبور بين القوات المسلحة والدعم السريع خاصة بعد سيطرة الدعم السريع على منطقة العيلفون والسيطرة الكاملة على حقول النفط الرئيسية فى ولاية غرب كردفان وأخيراً السيطرة على منطقة الميرم الاستراتيجية بالقرب من حقل هجليج الهام، فى إطار هذه الأزمة المتفجرة التى تواجهها دولة جنوب السودان استقبل الاسبوع الماضى فى جوبا فخامة الرئيس سلفا كير الفريق عبد الرحيم دقلو قائد ثانى الدعم السريع برفقة رئيس أركان الجيش الإثيوبى حسب ما رشح من أخبار كان موضوع تصدير نفط الجنوب هو أساس الزيارة التى تمت فيها مناقشة *إمكانية تقاسم عوائد صادر بترول الجنوب بين القوى الأمنية على طول خط أنبوب الصادر* لضمان سلامة الخط وتأمين انسياب النفط الذى تعتمد عليه دولة جنوب السودان فى تصريف أعمالها بشكل رئيسى لا يمكن الاستغناء عنه لعدم وجود مصادر تمويل بديلة.

(3)

???? الواقع الآن فى ظروف الحرب الراهنة توقف ضخ البترول القادم من حقول ولاية أعالى النيل ذات الانتاجية الأعلى والتي تصل الى حوالى 100 ألف برميل يوميا (خام نفط دار القادم من مناطق عدارييل وفلوج) هذا الخط قد توقف تماماً من عدة أشهر، وبدأت مناقشات دبلوماسية غير معلنة مع قيادة القوات المسلحة فى بورتسودان فقد شعر مفاوض جنوب السودان عدم حماس حكومة بورتسودان لفكرة تقاسم عوائد عبور النفط مع الدعم السريع ورغبتها فى إعلان جوبا وقوفها مع القوات المسلحة فى الحرب وهذا ما ترفضه حكومة الجنوب التى ترغب فى الحياد والعمل مع دول الجوار لوقف الحرب، فى المقابل فإن الدعم السريع كان متفهم ومتعاون من أجل تشغيل الأنبوب وحمايته فى مناطق سيطرتهم لاستئناف الضخ، وهناك مخاطر أمنية كبيرة تواجه الخط الثاني لبترول الجنوب القادم عبر منطقة هجليج الذى  يضخ حوالى 50 ألف برميل يومياً لصالح دولة الجنوب .

(4) ???????? ختامة

لقد أفاد الخبراء خلال العام والنصف من عمر الحرب فى السودان *أن المنشآت النفطية دفعت تكلفة عالية من الدمار والتخريب فى مواقع الإنتاج عامة وخاصة فى مصفاة الجيلى* وهى واحدة من أكبر الأربعة منشآت تكرير التى يمتلكها السودان وهى الأبيض وبورتسودان وأبو جابرة وأهمهم مصفاة الجيلى التى كانت تكلفة إنشائها تساوى 4 مليار دولار بأسعار الأمس فقد تدمرت 90% من هذه المصفاة نتيجة لقصف الطيران المتكرر منذ بداية الحرب، *من حق دولة جنوب السودان التحرك فى كل الإتجاهات لوقف الحرب* لضمان مصالحها ومن حقها رفض مبدأ عدم التورط فيها والالتزام بالحياد ومن حقها توظيف كل آليات المجتمع الدولى والإقليمى لدفع الضرر والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

* فى هذه الحرب السودان مقتول وجنوب السودان مصاب لدرجة الخطورة*

#لاللحرب

#لازم_تقيف

الوسومأبو جابرة إثيوبيا إعلام الدعم السريع الجيش الدعم السريع السودان النفط بورتسودان جنوب السودان سلفا كير صلاح جلال

مقالات مشابهة

  • والي شمال دارفور يجري تعديلات في إدارات المياه
  • الخارجية السودانية: ندرس المبادرة الأميركية لوقف إطلاق النار
  • وزير الزراعة ينفي وقوع مجاعة في السودان
  • "الغارديان" تكشف عن أدلة دامغة حول تورّط الإمارات في الحرب الأهلية السودانية
  • تحترب الخرطوم وجوبا تدفع الثمن
  • الجيش السوداني يؤكد تقدمه على «الدعم السريع» بمدينة الفاشر
  • محمد عصمت: دعوة أمريكا للجيش و الدعم السريع بسويسرا بداية لإيقاف الحرب
  • الإمارات مراقبا.. ما خيارات الجيش السوداني بمفاوضات سويسرا؟
  • استجابة الإسلاميين للدعوة الأميركية لإيقاف الحرب.. أم التدخل الدولي؟
  • السودان: تقاطعات الحرب والتفاوض